في عالم يشكل تغير المناخ والاحترار العالمي فيه ظاهرة تؤثر على مختلف جوانب الحياة المعاصرة، تدور أسئلة عديدة بين الأدباء والنقاد لا سيما بعد موجة الكوارث الطبيعية التي عرفها العالم العربي مؤخرا.

فهل ستشكل التغيرات المناخية مجالا خصبا للرواية العربية بعد الزلازل والفيضانات والحروب أيضا، خاصة لو افترضنا أن القارئ يهمه قراءة تأثير تلك الأحداث على البشر والحياة بكل تراكماتها، وهل سنقرأ روايات عربية داعمة لسياسات تغير المناخ والحفاظ على البيئة؟

الأدب إنساني دائما

يقول النقاد إن النصوص الأدبية التاريخية تعكس الظروف المناخية التي أنتجتها.

بمعنى أن الأدب لا يعكس فقط وجهات النظر المتغيرة تجاه الطبيعة، بل يشكل هذه الآراء أيضا، ويمكن أن تساعدنا دراسة النصوص التاريخية في فهم كيف تطورت المواقف الثقافية الحديثة تجاه البيئة، مما يجعلنا قادرين على تحسين موقفنا تجاهها وتغير سلوكنا للأفضل.

ولا شك أن قضية المناخ شكلت مجالا خصبا للرواية الأجنبية، وعمل بعض الروائيين على تقديم أعمال تتناول التغير البيئي بناء على حقائق راهنة أو بناء مدن وأماكن متخيلة، على سبيل المثال:

روايات الفرنسي جول فيرن ولعل أكثرها شهرة رواية "شراء القطب الشمالي" رواية البريطاني جي بالارد "الريح من أي مكان" رواية "عام الفيضان" للكندية ماغريت آتوود رواية "الطريق" للأميركي كورماك مكارثي رواية "حين اختفى النحل" للنرويجية مايا لونده.

وفي كتابه "لماذا يجب أن تكون روائيا" يشير الروائي هيثم حسين، إلى أن معالجة قضية التغير المناخي والمتغيرات التي تفرضها والمآسي البيئية ظلت بعيدة عن اشتغالات الروائيين العرب، وظل موضوع تناولها بشكل عرضي وجانبي في بعض الأعمال التي تطرقت إلى عالم الخيال العلمي والأدبي، في حين أنه قضية مصيرية للبشرية جمعاء، ولا يمكن تجاهلها أو التغاضي عن تداعياتها على الجميع.

نظرة تشاؤمية

ترى الروائية السورية سوسن جميل حسن، أن الرواية -كنوع أدبي ووجه من وجوه النشاط الثقافي لأي شعب- حسّاسة بشكل كبير للمتغيرات، ودائما ما تعبر عن انشغالها بالقضايا العامة، لكن غالبية الروايات العربية التي ظهرت خلال العقود الأخيرة اهتمت بأمور أخرى.

وتضيف للجزيرة نت "في حدود اطلاعي، ربما كانت البيئة حاضرة بشكل ثانوي فيها، واهتمت بقضايا الفقر والجوع والقمع السياسي والديني وقضية المرأة والحروب، خاصة الحروب الخارجية، إلى أن جاءت موجة الربيع العربي، فكانت الصراعات البينية في المجتمعات، والانهيارات على مستوى الأوطان، وقضايا التهجير واللجوء وغيرها، هي الرائجة".

وعلى الجانب آخر، يعتبر الروائي الليبي محمد الترهوني، الرواية العربية اليوم بعيدة عن الاهتمام بموضوع التغير المناخي، والسبب هو عدم وجود مجموعة كاملة من الآراء حول التغير المناخي، هذا إضافة للنظرة القدرية المتشائمة للموضوع بشكل عام، وهذه النظرة يقف أمامها الخيال عاجزا عن الحديث عن سيناريوهات تقف في وجه كارثة التغير المناخي.

وفي هذا الصدد، أفاد الروائي التشادي روزّي جدّي "بعد الذي شاهدناه من زلازل المغرب إلى سيول درنة حتما، ستصبح قضية التغير المناخي من أهم القضايا التي ستتناول في الأعمال الأدبية القادمة، ذلك أن نتائج الاحتباس الحراري باتت ملموسة، وبعضنا عاشها، وشاهدنا أعزاء لنا يموتون جراء هذه الكوارث المأساوية التي هي نتيجة لعدم وعينا الكافي بآثار التغيرات المناخية".

وأوضح روزّي جدّي أن "الرواية تهدف إلى إيقاظ الضمير وتوعية المجتمعات وتشريح مشاكلها وأزماتها، وستعود هذه القضية المهمشة رغم أهميتها إلى صدارة اهتمام الروائي العربي، لأن الرواية هي الفن الأقدر على مناقشة القضايا التي تلامس المجتمعات".

الروائي والقارئ

وتشير سوسن جميل حسن إلى أن المواطن العربي لا يمكن اعتباره قارئا بالمفهوم الخاص للقراءة، وهذه حقيقة، إذ إن القراءة لا تشكل ركنا أساسيّا في حياة المجتمعات العربية بشكل عام، أمّا إذا نظرنا إلى الشريحة المهتمة بالقراءة، فهي غارقة منذ سنوات طويلة بالتحولات التي تطرأ على مناحي الحياة، وغالبيتها تقارب ما يشبه التهديد الوجودي، هذا ما يمكن التأكد منه بنظرة شاملة لواقع غالبية الشعوب العربية.

ويعني ذلك، بحسب الروائية السورية، أن المواطن العربي منشغل بقضايا أخرى مصيرية بالنسبة إليه، لها علاقة بتأمين بديهيات الحياة بأبسط أشكالها، من رغيف الخبز إلى تعليم وطبابة أولاده إلى تأمين سكن لهم.

في المقابل، تحدثت الروائية الجزائرية سارة النمس عن كون الإنسان العربي سواء كان كاتبا أو غير ذلك، لا يبدي اهتماما حقيقيا بالكوارث حتى يجد نفسه فيها ويعاني من نتائجها الوخيمة، حتى يجرّب الاقتراب من خطر يهدّد حياته وحياة عائلته يبدأ بالسؤال عن الأسباب والوقاية.

وتضيف النمس "ما حدث في المغرب ودرنة فاجعة تبدو مثل كابوس لا يصدّق! رأينا كيف اختفت مدينة كاملة تحت السيول، وسمعنا كيف انتشرت رائحة جثث تنبئ بوباء وشيك، إضافة إلى ظواهر طبيعية أخرى مرعبة كاحتراق الغابات بسكّانها وحيواناتها، وعانينا نحن منها أيضا في الجزائر، الذي يعد واحدا من 24 بقعة ساخنة ومهدّدا بكوارث تغيّرات المناخ، ليس بوسعي الجزم إلى أي حد سيهتم الكاتب العربي بهذه القضية، فأنا أعلم أنّ الإلهام يحكمنا ولا نحكمه ويجذبنا ولا نستحضره، لكن أعتقد أنّه حتى لو لم يتبن القضية بمحض إرادته ليكتب عنها سيجد نفسه بطريقة أو بأخرى يكتب عن ظروفها أو نتائجها".

تغير المناخ أصبح مجال خصب للتناول الروائي بسبب راهنيته وخطورة آثاره (شترستوك)

في المقابل، تحدث التشادي روزّي جدّي، عن إمكانية اختيار عنوان روايته القادمة وهو "الجفاف" بلا تردد. لأن الأدب يهتم بما يعيشه المجتمع وما يعانيه، خاصة الفئة المهمشة في المجتمع.

وككاتب من إحدى دول الساحل، أضاف "أعتبر التغييرات المناخية التي شهدتها منطقته في العقد الأخير مرعبة جدا. حيث الجفاف يأتي وينتج عنه شح في المياه وموت في الأنعام، فتغدو الأراضي يابسة والأنعام تهيم ويتنقل الرعاة أملا في إيجاد نبع أو بركة، فتتعثر الأبقار والأغنام بالمزارع وتبدأ المشاكل بين المزارعين والرعاة لتتحول إلى مشاكل قبلية، ويموت الآلاف في كل سنة، وينتج عن ذلك أرامل ويتامى وأنهار من الدموع وحزن لا يمكن وصفه. فهذه الأحداث المأساوية هي مصادر الروائي، لأنه يتحدث بلسان مجتمعه ويسعى لحل مشاكل هذه المجتمع الذي هو جزء منه".

الخيال العلمي

وتؤمن سارة النمس أن كل ما يحدث حولنا وداخلنا هو مجال خصب لكتابة الرواية، فالكاتب في النهاية هو ابن بيئته، تقال هذه الجملة عادة للحديث عن البيئة المكانية، المكان الذي ولد أو يعيش فيه الكاتب لكن هنا أقصد البيئة نفسها وما يخصّها من مياه وهواء وغابات ومناخ وما إلى ذلك، هنالك كتّاب اهتمّوا بأسباب التغيرات المناخية خاصة في الغرب وهنالك من اهتم بالنتيجة وهنالك من كتب عن التفاصيل بعفوية كجزء من أحداث يومية وسرد لحكايته، دون أن يقصد أو ينتبه، لكن يبدو لي أنّ المستقبل وما يحمله من مخاطر سيزيد من وعي الناس واهتمامهم بهذه القضية.

وعلى جانب آخر -يتابع محمد الترهوني ـ أن الأرض لم تعد مكان التجوال كما كان سابقا، لكن هذا الأمر موجود في الأدب الكلاسيكي بشكل أو بآخر، هناك دائما مكان سيئ وآخر جيد يبحث عنه، وفي القرن الـ20 وهو بلا شك قرن الخيال العلمي، كانت هناك تنبؤات بما يحدث اليوم، وحاول الخيال الأدبي أن يجد للإنسان شيئا من الأمل للهروب من مستقبله المتشائم، وأراد الخيال الأدبي أن يحول الأرض إلى حديقة، لكن خيال القرن الـ20 بالذات أدرك أنها في طريقها لأن تصبح الجحيم نفسه.

وتلفت الروائية السورية سوسن جميل حسن، إلى أن ما يسمى بالأدب البيئي أو الحيوي، لم يصل بعد إلى أن يشكل علامة تشغل الدارسين في نطاق الرواية العربية، إنما غالبا ما ربط هذا الأمر بموضوع فساد الأنظمة وقمعها، كما في رواية "درج الليل درج النهار" لنبيل سليمان، أو رواية "قمصان زكريا" للروائي منذر بدر حلوم، ورواية "النباشون" لكاتبة هذه السطور، على الرغم من أن الكوارث البيئية لم تقع فقط على شكل زلازل، كما حصل في سورية والمغرب، أو انهيار سدود كما وقع في ليبيا وقبلها بأعوام في سورية، بل إن الحروب أحدثت كوارث بيئية في مناطقها، إذ من المعروف كم تترك الحروب من أضرار كارثية على البيئة، وهذا ما شهدته العراق ومن بعدها سورية واليمن وليبيا، وقبلهما الصومال.

وتتابع حسن أن هناك تغيرات بيئية محلية في كل بلد، لفتت نظر الروائيين، إنما الاهتمام بهذا الموضوع كمشكلة عالمية وإنسانية "أظن أنه ما زال قليلا في الرواية العربية، ربما لم يحن الوقت بعد لقراءة روايات الكوارث الطبيعية التي وقعت".

وتستدرك الروائية السورية "يمكن انتظار كتابة هذه الرواية وغيرها من الروايات البيئية، فالروائي العربي ليس بمعزل عما تعاني البشرية من أزمات، منها بالطبع أزمة المناخ والتغيرات المقلقة التي تنذر مراكز الأبحاث والرصد بتأثيراتها الكارثية المتوقعة على مجالنا الحيوي، وعلى الكوكب الذي نعيش فيه جميعا".

وتختم "أمّا ما مدى اهتمام القارئ بها، وحجم التأثير الذي يمكن أن تحدثه في وعي القراء، فهذا أمر مشكوك فيه، لأن القارئ، غارق في همومه الحياتية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التغیر المناخی تغیر المناخ إلى أن

إقرأ أيضاً:

بعد جرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟

نكتب ساخرين رغم آلام غزة، وحُق لنا أن نسخر من النظام الرسمي العربي وخاصة ما كان يسمى بالدول المؤثرة أو ذات الثقل، ولا نظنه بعد الطوفان إلا ثقل شحوم ودهون (ونحفظ للمقال رائحة طيبة). سقطت إلى الأبد مؤسسة كانت تسمى الجامعة العربية، وتلك الجملة التي تليها في نشرات الأخبار مؤسسات العمل العربي المشترك.

يحق لنا طرح السؤال، فقد عشنا طيلة أكثر من نصف قرن بوهم تحرير فلسطين عبر العمل العربي المشترك، فإذا الأنظمة العربية تشترك كل بما استطاعت من وسائل في تأبيد احتلال فلسطين، وفوق ذلك لا يستحون أن يفضح العدو تحريضهم إياه على تدمير المقاومة.

بماذا سيحكمون شعوبهم الآن وقد انفضح تآمرهم على المقاومة وعلى من يناصرها ولو بالكلمة؟ ستكسب المقاومة الكثير من حربها وهي الآن فاعل مركزي في المنطقة، فكيف ستفعل الأنظمة التي تكلمت ذات يوم باسم فلسطين وتحرير المقدسات؟

عشنا طيلة أكثر من نصف قرن بوهم تحرير فلسطين عبر العمل العربي المشترك، فإذا الأنظمة العربية تشترك كل بما استطاعت من وسائل في تأبيد احتلال فلسطين، وفوق ذلك لا يستحون أن يفضح العدو تحريضهم إياه على تدمير المقاومة. بماذا سيحكمون شعوبهم الآن وقد انفضح تآمرهم على المقاومة وعلى من يناصرها ولو بالكلمة؟
لم نعد نر إلا أجهزة القمع

منذ أول انقلاب عسكري عربي كان خطاب الشرعية السياسية يقوم على معركة تحرير الأمة، بدءا بتحرير فلسطين، ولا نحصي كم حج خطباء الانقلابات إلى القدس الشريف. لكن بعد حرب الطوفان والتآمر على المقاومة هل مازال يمكن تسويق هذا الخطاب للجمهور الذي عاش المعركة ومُنع بكل السبل من المشاركة فيها أو حتى التبرع لها بالدم؟

هذه الذريعة لبناء الشرعية سقطت بل تعرت ككذبة وفضيحة وصارت مطعنا في الشرعية السابقة، لقد صحح الطوفان إذن الأكاذيب السابقة وسحب الأكاذيب الراهنة ومنع أكاذيب في المستقبل. الأنظمة العربية إلا الاستثناء القطري لم تعد تملك الكذب باسم فلسطين، ولن يمكنها إسناد كراسيها على المعركة القومية التي خذلوها. وما يسرى على الأنظمة يسري على الحركات السياسية القومية واليسارية التي تدافع عن هذه الأطروحة وتبني عليها وجودها، ومن أجلها وقفت مع كل انقلاب حتى صارت مجرد حركات انقلابية.

وإذا أضفنا هذا الخذلان السياسي والعسكري للمقاومة إلى فشل الأنظمة العربية في كل معارك التنمية المعلنة ودفعها بلدانها إلى درجات من التداين التي تكبلها الآن وفي المستقبل، فبماذا ستسند شرعيتها؟ علما أن لا أحد منها وصل الحكم بانتخاب نزيهة أو تقف وراءه كتلة شعبية محترمة أو خاض معركة حقيقة حتى ضد وباء كورونا. لم تبق إلا أجهزة القمع بكل عتادها، ونظنه العتاد الوحيد الصالح للاستعمال في ثكنات الأنظمة.

وتيرة القمع سترتفع

تآكل عناصر الشرعية لم يُبق للأنظمة العربية أسسا تحكم بها غير أن تغتصب إرادة شعوبها لمدة أخرى بوتيرة قمع أشد وأنكي. تقف معها الآن فئات من الطامعين في الفيء، ولكن هذا الفيء نفسه يتقلص باستمرار ولن يكون بالإمكان رشوة أجهزة إعلامية عالمية ذات مصداقية للدفاع عنها. وحتى الصحف الغربية ذات الصيت التي كانت تنشر لها مقالات دعاية مدفوعة الأجر فقدت مصداقيتها في حرب الطوفان، ولن يمكن ترويج المزيد من الأكاذيب عن نجاحات سياسية عربية أمام شعوبها أو أمام العالم. لقد مسح بها نظام جنوب أفريقيا البلاط.

ولقد استعمل الكيانُ الأنظمةَ قبل الطوفان ثم استنزفها حتى العظم في هذه المعركة، وباركت الأنظمة الغربية دور هذه الأنظمة وأسندتها بالمال والسياسة. ولكن الأنظمة الغربية فقدت الكثير من المصداقية أمام شعوبها وستناور في المدة القريبة -بمجرد الوصول إلى وقف إطلاق نار- من أجل ترميم علاقتها بشعوبها الثائرة، ومن أجل إعادة تسليك قنوات العمل لشركاتها التي تضررت بالمقاطعة. ومن أجل ذلك ستتخلى عن كثير من دعم الأنظمة العربية وتمارس تمثيليات دعم الديمقراطية وهي عادة تتقنها، ولهذا ثمن مالي وسياسي في مدى منظور.

استعمل الكيانُ الأنظمةَ قبل الطوفان ثم استنزفها حتى العظم في هذه المعركة، وباركت الأنظمة الغربية دور هذه الأنظمة وأسندتها بالمال والسياسة. ولكن الأنظمة الغربية فقدت الكثير من المصداقية أمام شعوبها وستناور في المدة القريبة -بمجرد الوصول إلى وقف إطلاق نار- من أجل ترميم علاقتها بشعوبها الثائرة، ومن أجل إعادة تسليك قنوات العمل لشركاتها التي تضررت بالمقاطعة. ومن أجل ذلك ستتخلى عن كثير من دعم الأنظمة العربية وتمارس تمثيليات دعم الديمقراطية
سنسمع في منتديات الغرب السياسية حديث دعم الحريات والديمقراطية في مصر وتونس والجزائر وحتى في حقول النفط السعودية، وتترجم هذه الخطابات بابتزاز وضغط قد تفلح نخب مقموعة في الاستفادة منه والخروج إلى الشوارع (وإن كان هذا أمل ضعيف). كل هذا سيدفع الأنظمة إلى المزيد من القمع والفشل الاقتصادي، بما يجعلها في مواجهة شوارع مفقرة ومقهورة ترى في يحيى سريع بطلا قوميا وتسخر من السيسي وتبون وسعيد.

شرعية المقاومة تعود وتوجه الشارع العربي

هذه نتيجة مباشرة وسريعة لمعركة الطوفان، لقد اتضحت الصفوف وتعمق الفرز حتى لم يعد هناك مجال للتراجع. توقعاتنا وهي متفائلة أن لن تطير الطائرات فوق غزة وترجمها، لقد استقلت غزة وستعاني إعادة الإعمار بنفس الروح التي قاومت بها لتسعة شهور (نرجح تواصل المناوشات حتى نهاية السنة). وستتكلم المقاومة وأنصارها في الشعوب عن مكاسب المقاومة وتبني عليها، وسيكون خطابها القادم القدس محررة دون تدخل الأنظمة المتواطئة.

شرعية أخرى قامت على الأرض وخارج الخطاب القومجي المخادع للأنظمة وللحركات القومية التي تخلفت عن المعركة. لقد خاب ظننا وقت المعركة من درجة التعاطف الشعبي الضعيفة وعدم تثوير الشوارع العربية مع المقاومة، ولكن هبة الأردنيين للتبرع بالدم عندما نادى المنادي بذلك كشفت مقدار الإخلاص للمقاومة، وهذه أرصدة كامنة سيكون لها أثر وفعل في قادم الأيام.

لقد ترك الربيع العربي أثرا في النفوس وطعم الحرية لم يغب عن ألسنة تذوقته، وقد أعقبته مرارة الانقلابات والخيبة ولكن رُب خيبة تعلم. سيخوض التونسيون انتخابات مغشوشة ويزداد وعيهم بالحرية، وستكون لأزمات الكهرباء وانقطاع مياه الشرب وتجميد الرواتب وإغلاق باب التشغيل وحتى انعدام أعلاف الدواب؛ أثر في النفوس. وهذه التراكمات مضافة إلى انتصار غزة واستقلالها لن تكون بلا تأثير، إنما الأمر متعلق بقادح لا يمكن توقعه.

في انتظار هذا القادح المجهول الذي قد يكون صفعة أمنية أخرى على وجه فقير مثل البوعزيزي فإننا يقنّا أن لا نظام من أنظمة الحكم العربية يملك شرعية البقاء وشرعية الحكم، لقد كشفتهم حرب الطوفان فتعرت بقية العورات التنموية والسيادية. نحن الآن محكومون بأجهزة قمعية تحمي أنظمة فاشلة ومعادية لشعوبها، وهذا وضع مؤقت كلما رفع من درجة القمع ليبقى انكشف أكثر مثل ضرس أصابه سوس.

السياسي العربي المعارض الذي سيرتب جمله وأفعاله على نتائج حرب الطوفان سيكون له الحق في قيادة شعبه نحو نصر ديمقراطي عظيم. متى ذلك؟ لقد علمتنا غزة الصبر.

مقالات مشابهة

  • بعد جرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • الطفلة ألما في مسلسل «نور» تفاجئ جمهورها بعد 16 سنة.. كيف تغيرت ملامحها؟
  • في أول يوم عمل.. وزيرة البيئة تستقبل مديرة وكالة أودا نيباد
  • باحث : تاثير تغير المناخ علي الإنتاج الزراعي بالاسماعيلية
  • بعد تجديد الثقة.. ننشر السيرة الذاتية للدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة
  • ياسمين فؤاد وزيرة البيئة.. رحلة 25 عاما من قيادة العمل البيئي في مصر
  • من هي الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة ؟
  • أبوالغيط: المنطقة العربية تأثرت بالتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية
  • وزيرة البيئة بعد أداء اليمين الدستورية: خفض الانبعاثات ومواجهة تغير المناخ أولوية
  • ملفات مهمة أمام وزير الزراعة.. أبرزها مواجهة تغير المناخ وتوفير الأسمدة