المتابع للتاريخ الإسلامي، يجد أنه ليس كثيرا يكون هناك وحدة بين السنة والشيعة في ساحات الحروب، بل ربما كانت تلك الساحات يكون الطرفان هما المتحاربان بها، وحتى في العصر الحديث كانت هناك تلك الحرب الباردة بين جناحي العالم الإسلامي، ولكن يبدوا أن القضية الفلسطينية – كما كانت عبر تاريخها- هي البوتقة التي توحد تلك البقعة الإسلامية من العالم، وهو ما أفردت له صحيفة NPR الأمريكية مساحة من تقاريرها لرصد تلك الوحدة الواقعة في منطقة الشرق الأوسط بين الجماعات شبه العسكرية من السنة والشيعة.

ووفقا لما جاء بتقرير الصحيفة العبرية، فقد دفعت حرب غزة بين الجماعات شبه العسكرية الشيعية القوية المدعومة من إيران والفصائل السنية المسلحة فيما يبدو أنه تعاون أوثق بين الجماعات التي تختلف في الأيديولوجية الدينية ولكن توحدها معارضة إسرائيل والولايات المتحدة، فهنا حماس، التي قامت بعملية طوفان الأقصى قبل شهرين، هي في المقام الأول حركة فلسطينية مسلمة سنية، والجماعة – واسمها هو اختصار عربي لحركة المقاومة الإسلامية، تعمل بتناغم كبير مع جماعات شيعية، وتحظى بدعم غير مسبوق منها. 

وجدير بالذكر أنه على الرغم من أن الفلسطينيين يشملون المسلمين الشيعة والمسيحيين والدروز وطوائف أخرى، فإن الغالبية العظمى منهم هم من المسلمين السنة، وحماس تأسست عام 1987 على يد الشيخ أحمد ياسين، وهو رجل دين فلسطيني كان يعيش في غزة، وقد اغتالت إسرائيل ياسين عام 2004، وفازت المجموعة التي أسسها بالانتخابات في غزة بعد ذلك بعامين.

زادت المجموعات الاتصالات

في المقابل، هناك حزب الله اللبناني، وهي حركة إسلامية شيعية، ظهرت خلال الحرب الأهلية في البلاد بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وقد تم تدريب مقاتليها وتمويلهم جزئياً من قبل إيران، وباستثناء حماس، فهي تشكل التحدي الأكبر لإسرائيل، حيث يتبادل حزب الله والقوات الإسرائيلية هجمات عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر، ويتم تصنيف كل من حزب الله وحماس على أنهما منظمتان إرهابيتان من قبل إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.

 

يقول سجاد جياد، وهو محلل مقيم في بغداد لدى مؤسسة القرن البحثية: "أعتقد أنه في الأحداث الأخيرة، كان هناك بالتأكيد المزيد من التواصل بين هذه المجموعات"، وأشار جياد ومحللون آخرون إلى الاجتماعات الأخيرة بين مسؤولي حماس وحزب الله وإلى تزايد انخراط زعيم حزب الله حسن نصر الله مع الجماعات الشيعية والسنية خارج لبنان، وقد أكدت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أجرى محادثات هاتفية مع قادة حماس وجماعة مسلحة أخرى في غزة، وهي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، في اليوم التالي لهجوم حماس في 7 أكتوبر، وذكرت الوكالة أن رئيسي أبلغ زياد النخلة، رئيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن الله وعد بتحرير فلسطين.

التنسيق قبل الحرب والأسلحة دليل على ذلك 

ويبدوا أن التنسيق بين تلك الجماعات كان سابقا عن الحرب الحالية، ويقول جياد أيضًا إن الأسلحة الإيرانية التي تم نقلها عبر وكلاء إيران في لبنان والعراق إلى الجماعات الفلسطينية المسلحة أظهرت أيضًا تنسيقًا قبل بدء الحرب في غزة، وقد صرح زعيم حماس السابق، خالد مشعل، لقناة العربية الإخبارية السعودية أنه على الرغم من أن هجمات حزب الله على إسرائيل عبر الحدود اللبنانية كانت مفيدة، إلا أن القتال يتطلب أكثر من ذلك بكثير، فلا ينبغي أن نركز فقط على لبنان وحزب الله، فدعونا ننظر إلى دول أخرى مستشهدا بمصر والأردن وسوريا.

 

وجدير بالذكر أنه رغم أن مصر والأردن وقعتا معاهدات سلام مع إسرائيل وأنه من غير المرجح أن تتخذ الحكومتان المصرية والأردنية أي إجراء ضد إسرائيل، إلا أن الغضب الشعبي في البلدين مع قيام إسرائيل بتسوية أجزاء من غزة بالأرض وارتفاع عدد القتلى المدنيين يزيد من خطر عدم الاستقرار.

إيران تقود "محور المقاومة"

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فالجماعات المدعومة من إيران والتي تطلق عليها إيران اسم "محور المقاومة"، تشمل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والجماعات شبه العسكرية في العراق وسوريا، وقد ازدهرت العديد من هذه الجماعات في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، لدرجة أن الميليشيات المدعومة من إيران والتابعة لطهران أصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ من قوات الأمن العراقية.

وها نحن نرى المقاتلين المجندين حديثًا الذين انضموا إلى القوة العسكرية الحوثية التي كان من المقرر إرسالها للقتال لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة، يسيرون خلال عرض عسكري في صنعاء، وقد أدت الهجمات المتزايدة، التي نفذت معظمها القوات المدعومة من إيران، على أهداف أمريكية في العراق وسوريا منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى شن ضربات جوية أمريكية انتقامية في كلا البلدين.

 

 

توافق سياسي ثم توافق عسكري.. خطر على إسرائيل وأمريكا 

 

 

ووفقا لما جاء بكتب التاريخ، فقد انقسمت الطائفتان الشيعية والسنية في الإسلام منذ عقود من السنين لأسباب سياسية ودينية معقدة، وساعدت الانقسامات الدينية في تأجيج الحرب الأهلية في دول مثل لبنان والعراق في الماضي على الرغم من أن الطائفية احتلت في كثير من الأحيان المركز الثاني بعد الصراعات المسلحة على السلطة والمال، فإن زيادة التنسيق داخل الجماعات الشيعية والسنية المسلحة وبين بعضها البعض يمكن أن يمثل تهديدًا أقوى لكل من إسرائيل والولايات المتحدة.

كما لعب الانقسام الشيعي السُنّي في الإسلام دوراً في الصراع الإقليمي على السلطة بين إيران، الدولة الدينية الشيعية، والمملكة العربية السعودية، التي تعتبر نفسها القوة الإسلامية السنية الرائدة، وفي وقت سابق من هذا العام، توسطت الصين في اتفاق تاريخي بين إيران والمملكة العربية السعودية اتفقت فيه الدولتان المتنافستان على استئناف العلاقات الدبلوماسية.

 

 

حزب الله ودور القائد الإيراني المقتول سليماني

 

 

ومنذ أن قتلت الولايات المتحدة القائد الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية بطائرة بدون طيار في بغداد عام 2020، يقول المحللون إن زعيم حزب الله حسن نصر الله لعب دورًا تنسيقيًا أكبر في الجمع بين الجماعات المسلحة الشيعية المنقسمة والتواصل مع الجماعات السنية – وهو الدور الذي تلعب فيه إيران دوراً أكبر. برع العام، وعلى الجانب اللبناني من الجدار الخرساني الذي يبلغ ارتفاعه 30 قدمًا والذي بنته إسرائيل ويمتد لأميال على طول حدود البلدين، تحظى صورة سليماني بمكانة بارزة بين الشخصيات التي يعتبرها السكان المحليون أبطال المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

 

وتقول سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز أبحاث تشاتام هاوس: "من المؤكد أنه كان هناك المزيد من التخطيط والاجتماعات والمناقشات الجارية مع حزب الله باعتباره عقدة مركزية في المحور، وإن العديد من الجماعات المسلحة لها في الغالب أهداف محلية في البلدان التي تعمل فيها، ولا يوجد حتى الآن محور عابر للحدود الوطنية للتنظيمات المسلحة"، وتابعت فاكيل: "لا يوجد تدريب مشترك، ولا يوجد أي نوع من محور لم شمل المقاومة كل عام في طهران أو بيروت، فإن المجموعات متفرقة تمامًا ومهتمة جدًا بسياقها المحلي."

 

فيما يقول سجاد، إنه يعتقد أن الجماعات المسلحة، المستعدة لمساعدة حماس ولكنها مترددة في الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، كانت تنتظر، ولا أعتقد أن حماس طلبت هذا النوع من التصعيد الأوسع أو الدعم المباشر، لكن هذا الاحتمال موجود، وإن الأمر يعتمد حقاً على كيفية سير الحرب في غزة".

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

خبير سياسي: غرب الجنوب اللبناني أصبح تحت سلطة إسرائيل وسنرى مزيدا من التصعيدات

قال مارسيل بالوكجي، خبير عسكري واستراتيجي، إن القطاع الغربي من جنوب لبنان أصبح تحت سلطة القوات الإسرائيلية، وتدور اشتباكات عنيفة بالقطاع الشرقي واجتياح جوى وقصف عميق للضاحية، إذ يستهدف الاحتلال قيادات حزب الله ومخازن الذخيرة والبيئة الحاضنة لتشكل ضغط والذي يحدث طبيعي بسبب فشل المفاوضات وقرار المحكمة الجنائية بالأمس.

ضرب القادة والنزوح والتهجير اللبناني

وأضاف بالوكجي في خلال لقاء عبر قناة «القاهرة الإخبارية»: «سنشهد تصعيدًا كبيرا للأهداف الثلاثة التي تخطط لها إسرائيل وهي ضرب القادة والنزوح والتهجير اللبناني، أما حزب الله فإنه يحاول معالجة التحدي الصعب مقابل تصلب القتال العسكري والجهادي والضغط العنيف من النزوح المتصاعد على صعيد البيئة الشيعية الداعمة لحزب الله وبعض المدن».

اقتطاع منطقة لبنانية بأن تكون مدمرة كليا

وتابع، أن الهدف الإسرائيلي هو اقتطاع منطقة لبنانية بأن تكون مدمرة كليا ولا يحق للجيش اللبناني أو اليونيفيل الدخول إليها، من أجل تحقيق المزيد من الحماية لشمال الأراضي المحتلة، وهذا الأمر يعد جزءً من المشروع الأكبر لرئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

مقالات مشابهة

  • خبير سياسي: غرب الجنوب اللبناني أصبح تحت سلطة إسرائيل وسنرى مزيدا من التصعيدات
  • شكوى إسرائيل ضد العراق.. مقدمة لعمل عسكري مرتقب
  • شكوى إسرائيل ضد العراق.. مقدمة لعمل عسكري مرتقب -عاجل
  • لا إيران تنهي الحزب ولا إسرائيل تنهي الحرب
  • باسيل: استقلال لبنان مهدد لان إسرائيل تحاول احتلال الأرض
  • خبير سياسي: إسرائيل تريد اقتطاع جزء من لبنان لتأمين نفسها من الصواريخ
  • مصدر سياسي:طهران أبلغت واشنطن عبر بغداد بأنها ستكون صديقة إسرائيل
  • ميليشيا حشدوية:سنقاتل إسرائيل حتى الموت من أجل الدفاع عن إيران
  • هل تريد إسرائيل فعلًا التوصل إلى تسوية مع لبنان؟
  • صحيفة صهيونية تنشر: اعترافات مريرة بفشل عسكري واقتصادي يعصف بالكيان الصهيوني