عندما يعجز العالم أمام الجبروت الأمريكي!!
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
مما لا شك فيه أن أعمال القتال والمواجهات المسلحة التي تجاوزت كل الحدود والتي تنتهك كل القواعد والقوانين والشرائع الدولية قد وصلت خلال نحو سبعين يوما فقط منذ اندلاعها ليس فقط إلى درجة عالية من الخسائر المفرطة والمتزايدة باستمرار، بل والمثيرة للجزع والألم بعد أن غاصت الأقدام في وحول المعارك وخاصة معارك الإبادة الجماعية والتخلص بدم بارد من جموع من الشبان الفلسطينيين من طلاب وطالبات المدارس الذين يتم فرزهم وإعدامهم بشكل جماعي في ساحات مدارسهم وأمام نظرائهم الأقل سنا دون وازع أو ضمير وأحيانا وهم عرايا أو شبه عرايا إمعانا في التنكيل بهم.
إنها بالفعل محنة بشعة إنسانية وأخلاقية بالغة القسوة والهمجية.. وإذا كانت صدمة مفاجأة الحرب من جانب قوات حماس في السابع من أكتوبر الماضي كانت بمثابة مدخلا من أجل تعمد التصعيد العسكري والمبالغة في استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين والوصول بأرقام القتلى والجرحى من الفلسطينيين إلى أرقام لم تسجلها المواجهات المسلحة بين حماس وإسرائيل من قبل برغم محاولات إسرائيل التقليل المتعمد من أعداد الخسائر في الجنود حفاظا على معنويات المواطنين والحد من الحزن العام المصاحب للخسائر البشرية التي يعلن فقط عن بعضها وفقا للسياسة الإعلامية التي تتبعها القوات الإسرائيلية في هذا المجال.. ومع الوضع في الاعتبار أن حدة القتال في قطاع غزة قد ازدادت واتسع نطاقها بعد الهدنة التي لم يرد الطرفين تجديدها ولو ليوم أو يومين، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من العوامل والأسباب التي تفسر ذلك ومن أهمها ما يأتي:
أولا: إن الأسابيع الأولى للقتال قد تكفلت في الواقع بامتصاص قدر غير قليل من الغضب الذي صاحب اندلاع الحرب على الجانب الإسرائيلي خاصة من جانب حلفاء إسرائيل والمتعاونين معها من ناحية، وكذلك المتعاطفين مع حركة حماس الفلسطينية الذين لمسوا في حرب غزة روحا جديدة في المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية وهو ما سيترتب عليها بالضرورة نتائج ستؤثر على مجمل الوضع في المنطقة في الفترة القادمة من ناحية ثانية، وقد انتهز نتانياهو ذلك ليبالغ في وعيده لحماس وتأكيده على التخلص منها وإبعادها عن إمكانية حكم غزة مرة أخرى حتى لا يتكرر ما تعرضت له إسرائيل وحتى يتمكن من التخلص من آثار السابع من أكتوبر الماضي.
وبرغم همجية الأساليب الإسرائيلية والتدمير الممنهج للمنشآت والمرافق والأحياء والخدمات التي يعتمد عليها الفلسطينيون في واقع الأمر في حياتهم إلا أنهم لم ينجحوا في الواقع إلا في أن ينشروا أسوأ مظاهر الخراب والدمار في غزة ونشر رائحة الموت في كل شوارعها وأزقتها. صحيح أن الانتقام الإسرائيلي وصل منتهاه وسط استنكار العالم بكل أرجائه لهذه الهمجية التي تستند على تعامل العالم معها واعتياده لها طوال الأسابيع الماضية، ولكن الصحيح للأسف، أيضا، هو أن العالم اصطدم بحقيقة مؤسفة كشفت للجميع أحد معطيات الواقع المرير الذي يعيشه واقع العلاقات الدولية والحدود التي تقف عندها قدرة مجلس الأمن والهيئات التابعة للأمم المتحدة وللعديد من الهيئات والمنظمات الإقليمية الدولية المعنية بقضايا السلام والأمن الدوليين حيث تتوقف قدرة العديد من الدول عند حدود لا تستطيع معها ممارسة قدرات كثيرة على التأثير العملي إلا في حالات وظروف محددة. وهو ما أضرّ بقدرة المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة وبالطبع كثير من المنظمات والهيئات التي أصبحت مشجبا تعلق عليه أخطاء الدول وعثرات ومشكلات الدول الأخرى وتصب على رؤوسها كل اللعنات لفشلها في التعامل الإيجابي مع والسير نحو حل الكثير من القضايا التي أرقت وتؤرق العالم على مدى سنوات بل وعقود عديدة ومنها القضية الفلسطينية والمضاعفات والتهديدات المترتبة عليها والتي بات الجميع يحذر منها ليس فقط إبراء للذمة وإظهارا للسعي للمشاركة في الجهود المبذولة للحل وهى عادة لا تكلف سوى بعض اللقاءات والتصريحات والمشاركة في الاجتماعات السياسية وتكرار المواقف والانحيازات إلى هذه المجموعة من الدول أو غيرها لخدمة مصالحها أو ما تعتقد أنه مصالحها في الظروف المختلفة والحقيقة أنها لا تتحمل أعباءً عملية بل إنها تدير عمليات أقرب إلى العلاقات العامة، والنتائج السلبية تتحملها في النهاية الشعوب الصغيرة والضعيفة والتي لا تستطيع أن تدافع عن مصالحها على نحو يصونها ويحافظ عليها.
ثانيا: إنه من الأهمية بمكان التأكيد على حقيقة أن مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية التي عرفها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قد تم وضعها من جانب سياسيين وخبراء في القانون الدولي والعلاقات والسياسة الدولية من أجل إتاحة الفرصة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ومن أجل العمل على تعزيز فرص السلم والعلاقات الطيبة بين الدول والعمل كذلك من أجل حل الخلافات بالطرق السلمية المتاحة وعبر الوسائل المتاحة المتعارف عليها من أجل منع الحروب بين البشر بعد أن فقدت البشرية عشرات الملايين من البشر في الحربين العالميتين الأولى والثانية. جدير بالذكر أن مشكلة القانون الدولي ليست مشكلة العقوبات أو الجزاءات التي يمكن أن تفرضها المنظمة الدولية على دولة عضو أو طرف يخالف قواعد أو ضوابط العمل التي حددها الميثاق وحث على الالتزام بها وأكد على ضرورة مراعاتها والإخلاص لها خدمة للمصالح المشتركة والجماعية، ولكن تنشأ في الواقع في جانبين أساسيين، الجانب الأول يتمثل في أن خبراء المواثيق الذين ساهموا بجهدهم وخبراتهم وعلى أسس علمية وعملية وقانونية ومع ذلك تنشأ المشكلة عادة من وضع نصوص في مجال تفسير النصوص والاتفاق على معناها ومضمونها في المواضع المختلفة وعادة يتطلب ذلك جهدا كبير يرتبط عادة بأبعاد ومسائل قانونية وسياسية وكذلك دبلوماسية وبالملابسات والتقاطعات فيما بينها إذ تتمثل في حرص الخبراء القانونيين على فك الاشتباكات فيما بين مكونات النص وعناصره وكيفية التداخل والترابط بين مكوناته والشروط الصحيحة لذلك. وبهذه المناسبة في هذا المجال، وعلى سبيل المثال، فإن مشكلة حدثت حول منطوق القرار 242 لمجلس الأمن الدولي حول انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عدوان يونيو عام 1967، فالذي وضع نص القرار هو اللورد كارادون وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت ولم يحدد بشكل دقيق الأراضي التي تنسحب منها إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967 ولا تزال الأراضي التي لم تنسحب منها إسرائيل بموجب القرار موضع جدل حتى الآن بين العرب وإسرائيل.
ثالثا: على صعيد آخر فإن الأيام الأخيرة شهدت ولا تزال تشهد جدلا حول المشكلة المتصلة بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة بعد حرب السابع من أكتوبر ولم يحدث ذلك بسبب رفض إسرائيل كدولة معتدية، ولكن المفارقة تتمثل في أن الولايات المتحدة هي التي ترفع لواء رفض وقف الحرب ضد حركة حماس حيث لا يزال يصر الرئيس بايدن على استمرار الحرب ضد غزة مع استمراره في مد إسرائيل بالسلاح ومنها على سبيل المثال صفقة دانات دبابات ميركافا حجمها 75 ألف قذيفة، من جانب آخر استخدمت واشنطن حق النقض - الفيتو - ضد مشروع القرار الأخير في مجلس الأمن الدولي والذي كان يدعو إلى وقف فوري للقتال في غزة «لأسباب إنسانية «، وبذلك وقفت واشنطن مرة أخرى وراء إسرائيل وحمايتها في مجلس الأمن الدولي ضد إرادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولا يستطيع مجلس الأمن الدولي أن يتغلب على قرار فيتو لأحد الدول دائمة العضوية في المجلس إلا من خلال أسلوب «الاتحاد من أجل السلام باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجاوز اللجوء إلى الفيتو وإسقاط القرار ولكن استخدام ذلك سيكتنفه صعوبات كثيرة ولذا لم يكن مصادفة أن يوجه نتناياهو شكره إلى بايدن بسبب هذا الدعم الذي تحدى فيه بايدن العالم بمساندته إسرائيل وبإصراره على استمرار الحرب ضد حماس وكأنها هي خصم أمريكا وعدوتها اللدود وقد آثار ذلك غضبا وتنديدا من جانب دبلوماسيين أمريكيين ومواطنين أمريكيين كثر لانحياز بايدن الجامح إلى جانب إسرائيل وفشل العالم في وقف ذلك وهذا وجه من وجوه الواقع السياسي الراهن للأسف!!
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلس الأمن الدولی الأراضی التی إسرائیل من من الدول من جانب من أجل
إقرأ أيضاً:
محام بالجنائية الدولية: أمريكا ستحاول منع تنفيذ مذكرات اعتقال نتنياهو
قال مايكل كارنافاس، المحامي لدى المحكمة الجنائية الدولية، إن الولايات المتحدة رغم أنها ليست عضوًا فاعلًا في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنها تجد نفسها غير قادرة على منع مذكرات الاعتقال أو أي قرارات تصدر عن المحكمة بشكل مباشر، بل قد تلجأ إلى أساليب غير مباشرة، مشيرا إلى أن الدول الأعضاء ملزمة بمنع سفر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت إليها عقب مذكرات الاعتقال.
وأضاف «كارنافانس»، خلال مداخلة عبر شاشة قناة القاهرة الاخبارية، أن الولايات المتحدة ستبذل جهودًا مضنية لعرقلة هذه القرارات، ما سيضع العديد من العقبات أمام المحكمة الجنائية الدولية، بهدف حماية نتنياهو وجالانت وغيرهما من المسؤولين الإسرائيليين من الملاحقة القانونية.
وأكد «كارنافانس»، أن الإدارتين الأمريكية الحالية والمقبلة ستستمران في محاولة حجب قرار الجنائية الدولية من خلال فرض عقوبات عليها، متابعا: «كل الدول التي لها ارتباط بالمحكمة، قد تتعرض للتهديد والعقوبات، ما سيشكل عائقًا كبيرًا أمام تنفيذ قرارات المحكمة ضد نتنياهو وجالانت»، مواصلا: «يجب أن نفهم أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى قوات شرطية لتنفيذ تلك القرارات».