الراي:
2024-09-21@01:12:41 GMT

اعتزل ما يؤذيك

تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT

اعتزل ما يؤذيك، شعار كثر مردوده ومروجوه والمتكسبون عليه، ولكن هل كل ما يؤذيك هو بالفعل يؤذيك؟
يعيش الإنسان في بيئات اجتماعية مختلفة، في العمل واللقاءات الأُسرية والصداقات على مختلف المجالات الدينية والرياضية والثقافية وغيرها، ولمخالطة الناس منذ بداية الأمر نوايا للتعرف عليهم والاحتكاك بهم، فمثلاً زوجة صالحة يرزقك الله منها ذرية مباركة يُصلح الله على يديها شؤون العباد، أو صديق يعينك على فعل الخير، أو أخ تزوره في الله، أو صلة رحم، أو شيخ تتعلّم منه أمور دينك، أو مُعلّم تتعلّم منه أمور دنياك، أو تلميذ تعلّمه مما علّمك الله.

..
فإن تحققت هذه النوايا في قلب الإنسان هان عليه ما يجد في سبيل غاية أعظم من العلاقة وأضرارها، أما إن كانت العلاقة مبنية منذ الأساس على دنيا زائلة أو قضاء وقت فراغ بلا هدف سوى التسلية واللهو، فهي منذ الأساس وبالٌ على صاحبها، وأن نيته في العلاقة منذ بداية الأمر هي ما يؤذيه وهي الخطر عليه وليس الطرف الآخر! نص الأسبوع منذ ساعتين دمج ذوي الهمم في المجتمع يحقق النمو الفكري منذ ساعة
رغم ما تعرّض له النبي، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في مكة من الأذى اللفظي والجسدي، لم يعتزل ما يؤذيه، لأنه، صلى الله عليه وسلم، هو مَن علّمنا أن نخالط الناس ونصبر على أذاهم، كما كان همه نشر الدعوة، وكان الدال على الله عز و جل، في الحال والمقال، وعندما فرغت قريش ممن يرجى إسلامه ولم يتبق إلا المعاند والمعادي حان وقت الهجرة والانتقال والاعتزال، فاعتزل ما يؤذيه.
اليوم عبارة: «اعتزل ما يؤذيك» أصبحت كلمة حق يراد بها باطل، يستخدمها كل من يفتي بغير علمٍ فضَلّ وأضلّ ليتكسّب على ظهر من لا يجيد أن يخالط الناس بنية صالحة ولا غاية ولا مقصد للتأثر والتأثير فيهم، أو من لا يعرف كيف يقضي وقت فراغه فيعتزل الناس، ويبحث عن من يجيد الضحك والهراء، وما إن يمل حتى يبحث عن غيره وغيره ليزيد بذلك تفاهة وسخفاً، وكم فرّقت هذه الكلمة من زوجين صالحين ولكنهما لم يعرفا كيف يمتزجان ويتعاشران بالمودة والرحمة بنية صالحة تجمع بينهما، وكم فرّقت من صديقين لم يدرك أي منهما أنه لن يجد صديقاً بلا عيب، وكم قطعت من رحمٍ يظن قاطعه أنه يقيم شرع الله في القطيعة.
«اعتزل ما يؤذيك وعليك بالخليل الصالح وقلّما تجده وشاور في أمرك الذين يخافون الله».
هذه هي المقولة الصحيحة التي وردت عن سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
أظن أننا بحاجة إلى تحرّي المقاصد والنوايا الصالحة في أنفسنا لنجد دستوراً نقيم عليه أمر علاقاتنا الاجتماعية ولنتحرى صلاح وصدق من نشاور في أمورنا وأحوالنا، فلعل كثيراً مما نظنه علماً نطبقه يكون هراءً أفضى به سفيه قومه ليجد عندنا لكل ساقط لاقط.

المصدر: الراي

إقرأ أيضاً:

الحب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: المرأة في حياته

نتحدث في هذه الدراسة عن الجانب العاطفي في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهو جانب لم ينل ما يستحقه من الإهتمام على الرغم من كثرة ماكتب عنه ربما لظن البعض أنه جانب يتسم بالخصوصية الشخصية، أو أنه موضوع ثانوي لا يستحق التعمق فيه بالتحليل، أو أن البعض كان يتحرج من الإقتراب من هذا الجانب العاطفي خشية أن ينتقص بذلك من مقام النبوة أو هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم ووقاره، وربما نزيد في هذه الدراسة باستخدام منهج القرءاة النفسية للحدث التاريخي لمزيد من الإستكشاف لمواطن العظمة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن المعروف أن الأنبياء والرسل هم نماذج رفيعة وراقية للسلوك البشري السوي في أعلى مستوياته ولذلك حين نتأمل أي جانب من جوانب حياتهم فنحن نحاول الإقتراب من قمة السلوك في هذا الجانب بما يعطي دفعة لتحسين السلوك عند سائر الناس خاصة المؤمنين منهم بهؤلاء الرسل أو حتى غير المؤمنين الذين يرونهم مجرد نماذج إنسانية رفيعة. والناس يتحسن سلوكهم حين يتمثلون شخصيات الرسل والقادة والمصلحين، وهذا ما يسمى في علم النفس "التعلم بالنمذجة" (أي القدوة).

وقد تميز كل نبي أو رسول بقمة من القمم فمثلا تميز سيدنا أيوب بقمة الصبر فأصبح قبلة للصابرين، وتميز سيدنا يوسف بقمة التعفف وضبط النفس أمام الشهوات وقمة التعامل مع الأزمات وقمة الإدارة الرشيدة للموارد وقمة التسامح مع المسيئين فكان قبلة لكل من يهفو إلى الإرتقاء نحو هذه المعالي، وتميز سيدنا سليمان بالتعامل مع الملك العظيم بزهد وعدالة فكان منارة للملوك في إدارتهم للملك، وتميز السيد المسيح بالزهد في مباهج الحياة وتميز بالمحبة والتسامح والنزوع نحو السلام فكان نبراسا لكل الزاهدين والمتسامحين والمحبين والساعين نحو السلام، ثم كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء فمنحه الله تعالى كل جوانب العظمة الممكنة في الكيان البشري فكان نبيا ورسولا وقائدا عسكريا وزوجا وصديقا ومصلحا ومعلما ومربيا ورفيقا وصانعا للحضارة ووصل في كل الجوانب إلى قمتها، ونحن الآن نقترب من أحد هذه الجوانب وهو الجانب الرومانسي (العاطفي) في حياته.

وفي اللغة العربية مايزيد على عشرون اسما للحب تمثل مراحل وحالات الحب عند العرب، وهذه حالة من الثراء لا نجدها في لغات أخرى كثيرة. وفي اللغة الإنجليزية نجد ثلاث مستويات للحب هي الشعور بالحب (Feeling love)، وممارسة الحب بمعنى الجنس (Making love)، وأخيرا الحياة بالحب (Living love )، والمرحلة الأخيرة حياة الحب أو الحياة بالحب تقابل الحب الرومانسي، أي أن العاشقان أو الزوجان يعيشان تفاصيل الحب في حياتهما اليومية وكأن حياتهما اصطبغت بالحب وتشبعت به في كل لحظاتها.

وقد شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون للمرأة مساحة كبيرة في حياة الأنبياء والرسل على وجه الخصوص فنرى أهمية حواء في حياة آدم ونرى أهمية السيدة ساره والسيدة هاجر في حياة سيدنا إبراهيم، ونرى أهمية المرأة في حياة سيدنا موسى ممثلة في أمه وأخته وزوجة فرعون التي ربته ثم زوجته ابنة النبي شعيب، ونعلم جميعا أهمية السيدة مريم للسيد المسيح.

وإذا جئنا لمحمد عليه الصلاة والسلام نعرف أنه لم ير أباه، وعاش مع أمه فترات قصيرة في بواكير طفولته، وأخذته مرضعته حليمة السعدية، وحين عاد لأمه تركته وهو ابن الرابعة أو الخامسة فاحتضنته أم أيمن مربيته تحت رعاية جده عبد المطلب ثم تحت رعاية عمه أبو طالب، وحين كبر كانت السيدة خديجة أهم سند له ثم جاءت زوجاته الأخريات بعد ذلك، ليكون للمرأة دورا محوريا في حياته يفوق أدوار كثير من الرجال، ومن هنا كانت المرأة تحتل مكانة مركزية في وعيه عليه الصلاة والسلام لكونها إنسانة كرمها الله، ولكونها امرأة راعية للحياة وواهبة لها بإذن ربها، ولهذا نراه يقول: "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة "، فوضع المرأة بين محبوب جميل وهو الطيب (العطر) ومحبوب مقدس هو الصلاة، وهذه مكانة لم تصلها في الوعي البشري قبل ذلك. وقد جعل معيار الخيرية للرجل مرتبطا بكيفية تعامله مع زوجته وأهل بيته: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي وابن ماجه).

ويجعل معاملتهن معيارا للكرم أو اللؤم عند الرجال "لايكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم"، ويعلن بأن من رزق ثلاث بنات فأحسن تربيتهن ورعايتهن دخل الجنة. وقد كان هذا الموقف من المرأة طفرة هائلة في بيئة بدوية صحراوية جافة وفي مجتمع ذكوري إلى حد التعصب، مجتمعا كان يعتبر إنجاب الأنثى عارا يستلزم وأد البنت وهي صغيرة، إذن هذه هي القاعدة من التقدير والإحترام للمرأة بوجه عام والتي سينطلق منها سلوكه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ليتعلم كل الرجال على مر التاريخ الإنساني كيف يتعاملون مع المرأة.

مقالات مشابهة

  • هو رب القلوب..ورب الأعمال أيضًا
  • «وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا».. نص خطبة الجمعة اليوم 20 سبتمبر 2024
  • احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك
  • مسيرة الإعداد والبناء
  • النبي (صلى الله عليه وسلم) معلمًا ومربيًا
  • من فيدرر إلى نادال: اعتزل التنس
  • وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم ييعث حيًا.. خطبة الجمعة القادمة
  • في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلّم.. لا قُدّسَت أمةٌ لا يأخذُ الضّعيف فيها حقّه غير مُتعْتَع
  • الحب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: المرأة في حياته
  • فضل الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم