الراي:
2025-01-10@23:32:50 GMT

اعتزل ما يؤذيك

تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT

اعتزل ما يؤذيك، شعار كثر مردوده ومروجوه والمتكسبون عليه، ولكن هل كل ما يؤذيك هو بالفعل يؤذيك؟
يعيش الإنسان في بيئات اجتماعية مختلفة، في العمل واللقاءات الأُسرية والصداقات على مختلف المجالات الدينية والرياضية والثقافية وغيرها، ولمخالطة الناس منذ بداية الأمر نوايا للتعرف عليهم والاحتكاك بهم، فمثلاً زوجة صالحة يرزقك الله منها ذرية مباركة يُصلح الله على يديها شؤون العباد، أو صديق يعينك على فعل الخير، أو أخ تزوره في الله، أو صلة رحم، أو شيخ تتعلّم منه أمور دينك، أو مُعلّم تتعلّم منه أمور دنياك، أو تلميذ تعلّمه مما علّمك الله.

..
فإن تحققت هذه النوايا في قلب الإنسان هان عليه ما يجد في سبيل غاية أعظم من العلاقة وأضرارها، أما إن كانت العلاقة مبنية منذ الأساس على دنيا زائلة أو قضاء وقت فراغ بلا هدف سوى التسلية واللهو، فهي منذ الأساس وبالٌ على صاحبها، وأن نيته في العلاقة منذ بداية الأمر هي ما يؤذيه وهي الخطر عليه وليس الطرف الآخر! نص الأسبوع منذ ساعتين دمج ذوي الهمم في المجتمع يحقق النمو الفكري منذ ساعة
رغم ما تعرّض له النبي، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في مكة من الأذى اللفظي والجسدي، لم يعتزل ما يؤذيه، لأنه، صلى الله عليه وسلم، هو مَن علّمنا أن نخالط الناس ونصبر على أذاهم، كما كان همه نشر الدعوة، وكان الدال على الله عز و جل، في الحال والمقال، وعندما فرغت قريش ممن يرجى إسلامه ولم يتبق إلا المعاند والمعادي حان وقت الهجرة والانتقال والاعتزال، فاعتزل ما يؤذيه.
اليوم عبارة: «اعتزل ما يؤذيك» أصبحت كلمة حق يراد بها باطل، يستخدمها كل من يفتي بغير علمٍ فضَلّ وأضلّ ليتكسّب على ظهر من لا يجيد أن يخالط الناس بنية صالحة ولا غاية ولا مقصد للتأثر والتأثير فيهم، أو من لا يعرف كيف يقضي وقت فراغه فيعتزل الناس، ويبحث عن من يجيد الضحك والهراء، وما إن يمل حتى يبحث عن غيره وغيره ليزيد بذلك تفاهة وسخفاً، وكم فرّقت هذه الكلمة من زوجين صالحين ولكنهما لم يعرفا كيف يمتزجان ويتعاشران بالمودة والرحمة بنية صالحة تجمع بينهما، وكم فرّقت من صديقين لم يدرك أي منهما أنه لن يجد صديقاً بلا عيب، وكم قطعت من رحمٍ يظن قاطعه أنه يقيم شرع الله في القطيعة.
«اعتزل ما يؤذيك وعليك بالخليل الصالح وقلّما تجده وشاور في أمرك الذين يخافون الله».
هذه هي المقولة الصحيحة التي وردت عن سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
أظن أننا بحاجة إلى تحرّي المقاصد والنوايا الصالحة في أنفسنا لنجد دستوراً نقيم عليه أمر علاقاتنا الاجتماعية ولنتحرى صلاح وصدق من نشاور في أمورنا وأحوالنا، فلعل كثيراً مما نظنه علماً نطبقه يكون هراءً أفضى به سفيه قومه ليجد عندنا لكل ساقط لاقط.

المصدر: الراي

إقرأ أيضاً:

ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان مفهوم المواطنة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من الخطبة توعية جمهور المسجد بأهمية التعايش السلمي باعتباره من أهم أسباب استقرار المجتمع.

وقالت وزارة الأوقاف: إن موضوع الخطبة الأولى موحد على مستوى الجمهورية، وإن موضوع خطبة الجمعة الثانية يستهدف معالجة مفهوم المواطنة، بباقي المحافظات.
ويسرنا أن ننشر (النموذج الثاني) لموضوع خطبة الجمعة بعنوان: 
"ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"
الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وهادي السماوات والأرض، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: 
فهذه كلمات نورانية خرجت من لسان الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه، لتعبر عن دعوته الشريفة إلى التحلي بأسمى آيات الإحسان والبشر والبر والإكرام في التعامل مع خلق الله تعالى: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»،  وها هو خير الخلق وحبيب الحق صلوات ربي وسلامه عليه قد وسعت ابتسامته الصادقة وأخلاقه السامية الدنيا بأسرها، في مزيج محمدي مدهش يجعل القلوب تأرز حبا إلى حضرته وتستبشر بدعوته.
فيا أيها المحمديون، إن هذا السر النبوي الشريف هو الذي جذب القلوب والأرواح والعقول، ليؤسس فلسفة الحب بين البشر جميعا، فاعلموا أيها الناس أنكم لن تصلوا إلى القلوب بأموالكم ولا بعوارض دنياكم، وإنما تسعون قلوب البشر بالأخلاق التي أتم الجناب الأنور بناءها، ورفع قدرها، حين قال عن ذاته الشريفة: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». 
فقف أيها العقل عند منتهاك، وأنت ترى الأخلاق المحمدية تسمو فوق السماء برا وبشرا ووفاء ولطفا، حين تبدو نواجذه الشريفة، كأن النور يخرج من بين ثناياه، لتفتح ابتسامته الصافية وكلماته الطيبة قلوب الناس إجلالا واحتراما وإقبالا على هذا الدين القويم ولهذا النبي المصطفى الأمين الذي كرمه ربه بهذا الوصف المقدس {وإنك لعلى خلق عظيم}.
أيها المحمدي، ألم يحك التاريخ لك عن الرسائل والخطابات النبوية للأمراء والقياصرة والأكاسرة وقد جمعتها لغة واحدة هي لغة الاحترام والتفخيم والبهاء وبذل السلام؟! ألم تكتب الصفحات عن رقي التعامل النبوي مع وفد نجران الذي أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلوا صلاتهم بمسجده الشريف في مشهد يبهر الدنيا ويأسر القلوب؟! 
أيها النبيل، اعلم أن هذا الحال الشريف هو باب هداية الخلق، ومفتاح الإقبال على الحق، فحبيبك صلى الله عليه وسلم هو من أبهر الدنيا بأصول التعامل مع الناس على اختلاف عقائدهم، وهذا تلميذه النجيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعدد محاسن الإسلام ومفاخره ومناقبه للنجاشي في مشهد عجيب، وحوار مهيب درس جعفر أدواته، وعرف كيف يخاطب الأدب النبوي قلوب الملوك ليسعها ببسط الوجه وحسن الخلق، حين قال للنجاشي: «أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام»، فما كان من النجاشي إلا أن انفتح قلبه، واستبشر وجهه ووجدانه بهذا الدين العظيم، فبكى حين تذكر أخلاق عيسى عليه السلام الذي جعله الله تعالى باب بر ووفاء وحنان ورحمة وعلم، وجعله الله تعالى آية في العطاء والتسامح والسلام؛ لينطلق لسانه قائلا: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة». 
أيها السادة، لقد استقى الشعب المصري هذه الأنوار المحمدية وتلك العظمة المصطفوية، فكانت اللحمة الوطنية حاضرة بكل ربوع المحروسة، وكان احترام شركاء الوطن منهجا مرسوما، فأصبح الشعب المصري نسيج وحده بجميع طوائفه تعايشا وتكاملا، تغمره السكينة والطمأنينة، مجبورا مستورا منصورا.
*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الناس، إن شريعتنا الغراء تفيض الخير على الجميع، شعارها إكرام الخلق وإيصال الرحمة إليهم على اختلاف عقائدهم ومشاربهم وأفكارهم، وإن شئتم فانظروا إلى المعاملات، بيعا وشراء، عدلا وقسطا، وزواجا مباركا وحسن جوار، في إطار متين من الإرشاد الإلهي الذي يجمع الناس جميعا تحت مظلة المواطنة التي تجمع ولا تفرق، يقول ربنا سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
أيها النبيل، انتبه إلى وصف رب العالمين لمقام النبي الأمين صلوات ربي وسلامه عليه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ولقول الجناب المعظم صلى الله عليه وسلم: «بعثت للناس كافة»، فالآية الكريمة والحديث الشريف يرسخان لمواطنة حقيقية قوامها التواصل بالخير والتعاون والتكافل بين أبناء الوطن جميعا، على ميثاق الحقوق والواجبات الذي لا يفرق بين مواطن وآخر، في ظل وطن واحد لا تعكر صفوه شبهة، ولا تؤرقه فتنة.
ألا تعلم أيها النبيل أن المواطنة أساس البنية الاجتماعية المتماسكة والترابط المجتمعي في ظل وطن واحد تجمعنا شوارعه وحاراته، وتحوطنا أحلامه وطموحاته؟! إنها إيمان حقيقي بالتعددية والتنوع الإنساني الذي أراده الله رب العالمين في الكون، {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}.
فلننشر ثقافة المواطنة والتعايش بين أبناء الوطن جميعا؛ حتى ننعم بالسلام والأمان، ويفيض الخير على وطننا المبارك.
اللهم انشر السلام والطمأنينة في ربوع مصرنا الحبيبة
وأفض علينا من كرمك وجودك وسعة رحمتك

مقالات مشابهة

  • 13 رجب.. ذكرى  مولد “يعسوب الدين ” الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام
  • علي جمعة: التوكل على الله يبدأ بالثقة الكاملة والرضا بأمره
  • صفات المتقين .. خطيب الجامع الأزهر: الورع ترك الشبهات ومراقبة الخطرات
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: ما جهر قوم بالمحرمات إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله.. ومحبة الله مشروطة بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم
  • موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الأوقاف على مستوى الجمهورية
  • الإفتاء: أكدت السنة النبوية حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتزين
  • مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه
  • أمين الفتوى يوضح أقوى علاج للسحر والحسد.. فيديو
  • ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان مفهوم المواطنة
  • دعاء جميل في المساء.. كلمات تقربك من الله وتطمئن قلبك