شبح المجاعة في غزة.. حين توفّر القمح تعطّلت المطحنة
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
غزة- قبل 7 أيام "عجاف" اشترى الفلسطيني أمجد مصلح، 25 كيلوغراما من القمح المخصص لإطعام المواشي، وانطلق بها نحو مطحنة قديمة تقع بمخيم المغازي وسط قطاع غزة، على أمل تحويله إلى دقيق، من أجل إطعام أفراد عائلته الجوعى.
لكنّه سرعان ما أدرك أنه أمام مهمة شبه مستحيلة، نظرا لتوقف المطحنة عن العمل جراء عدم توفر السولار اللازم لتشغيلها، وعدم قدرتها على التعامل مع الكميات الكبيرة من القمح.
ورغم خيبة أمله الكبيرة، قرر مصلح عدم التراجع، واستمر لليوم السابع على التوالي، مرابطا أمام المطحنة، على أمل أن يحصل على بعض الدقيق.
وبينما هو جالس على كيس القمح في طابور الانتظار، قال مصلح بضجر للجزيرة نت "أَنتظر منذ أسبوع، أنام هنا، لأنه لا يوجد طحين بالمنزل، الأطفال لا يأكلون، لا يوجد شيء يأكلونه، والمطحنة دون سولار".
ويعصف شبح المجاعة بقطاع غزة المحاصر الذي يواجه عدوانا إسرائيليا مروعا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تسبب بمعاناة كبيرة للسكان، حيث لم تسمح قوات الاحتلال بإدخال أي بضائع للقطاع، عدا عشرات الشاحنات التي تحمل مساعدات تستلمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
طوابير طويلة أمام المطاحن انتظارا لتوفر الوقود اللازم لتشغيلها في قطاع غزة (الجزيرة) كارثة القمح والطعاميعاني أهالي قطاع غزة بشكل خاص من عدم توفر طحين القمح اللازم لإعداد الخبز، بالإضافة إلى أغلب أنواع الأطعمة.
وارتفع سعر القمح غير المطحون في السوق، فبعد أن كان ثمن الكيس بوزن (25 كيلوغراما) 90 شيكلا، أصبح يباع ما بين 130 إلى 170 شيكلا (الدولار= 3.75 شواكل).
ويقول العديد من الفلسطينيين المنتظرين لدورهم في الطابور أمام المطحنة، إن القمح المتوفر مخصص لإطعام المواشي ولا يصلح للاستخدام البشري، لكنهم اشتروه مضطرين لعدم توفر البديل.
ولم يتسنّ للجزيرة نت التحدث لمالك المطحنة التي أغلقت أبوابها، أو أحد العاملين فيها، لعدم وجودهم في المكان.
أمجد مصلح (يسار) يقول إنه يبيت أمام المطحنة منذ 7 أيام بغرض إطعام أطفاله (الجزيرة) شح المواد التموينيةوذكر مصلح أن المطحنة صغيرة وقديمة، وتعمل ببطء شديد، وهي غير مجهزة للتعامل مع هذه الكميات الكبيرة من القمح، كما أن انقطاع الوقود، يُعطّل عملها بشكل كامل.
وأضاف "منذ 10 أيام، لا خبز لدي في المنزل، لا أنا ولا أولادي، وكل الناس مثلنا، نبحث عن بدائل مثل الأرز، لكن أسعاره ارتفعت بشكل كبير، وأصبح أيضا غير متوفر في السوق".
وأدى شحّ المواد التموينية كالأرز والسكر والعدس، إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وصل في بعض الأحيان إلى 5 أضعاف ثمنها الأصلي.
وأشار أمجد مصلح إلى أنه يقيم في مركز إيواء بمخيم المغازي بعد نزوحه من شمالي القطاع، برفقة 45 شخصا من أفراد عائلته، مضيفا "نحتاج كل يومين كيس طحين وزنه 25 كيلوغراما، أقسم بالله أن الأطفال ينامون دون أكل".
واختتم بالقول "نعيش في مجاعة فعليا ولا أحد يساعدنا، أنا أبيت هنا، في هذا المكان، وأتحمّل كل هذا من أجل أطفالي، أتمنى أن ينظر إلينا العالم بعين الرحمة".
ديب حسين يتناوب مع شقيقه الانتظار في الدور الطويل أمام المطحنة (الجزيرة) تناوب على الدورويبدو أن الشاب ديب حسين، أفضل حالا من مصلح، حيث يتناوب مع شقيقه على الانتظار في الدور الطويل. وقال للجزيرة نت "أنتظر هنا من فجر أمس وبعد قليل سأغادر كي أرتاح قليلا، ويأتي أخي ليحل محلي، لن نغادر حتى نطحن القمح".
وبينما كان مستلقيا على فرشة جلبها معه بغرض المبيت بجوار المطحنة، يسرد حسين جانبا من المعاناة التي يتكبدها الأهالي في توفير الطعام.
وأضاف "لا نجد ما نأكله أو نطعمه لصغارنا، نحن في معاناة وندفع مواصلات عالية، ولا توجد مياه نشربها، ولا بضائع ولا مساعدات من الوكالة (أونروا)، كيس الطحين أصبح ثمنه ألف شيكل وهو غير متوفر أصلا".
ويتابع "نَجري لشراء القمح من السوق، لكننا غير قادرين على طحنه، ونبحث عن المساعدات لكننا لا نجدها، ننتظر أسبوعا في طابور لطحن القمح وحينما يقترب دورنا، تُغلق المطحنة أبوابها".
وأشار إلى أن عملية طحن كيس القمح (25 كيلوغراما)، في حال نجاحها مكلفة للغاية، وقد تصل إلى 200 شيكل بعد احتساب ثمن المواصلات، في حين أن ثمن الكيس قبل الحرب كان لا يتجاوز 50 شيكلا.
وتابع "نحن في مجاعة، ما يحدث معنا حرام، تحولتُ من تاجر ملابس إلى شخص ينام في الشوارع رغم البرد لطحن كيس دقيق، الشعب جاع، وهناك نساء فقدن المعيل، وأزواجهن تحت الأنقاض ولا يجدن الطعام".
أهالي غزة يصطفون رفقة أكياس القمح في طابور أمام مطحنة بمخيم المغازي وسط القطاع (الجزيرة) ذُل وعجزوكغيرها من الموجودين، اشترت السيدة نوال أبو عجرم كيسا من القمح من مخيم النصيرات المجاور بـ160 شيكلا، وتمكنت بصعوبة من توفير عربة تجرها دابة لإيصاله للمطحنة، بتكلفة 30 شيكلا، على أمل أن تتمكن من طحنه، لكنها فشلت في مهمتها.
وقالت نوال للجزيرة نت "من أمس أنتظر طحن القمح حتى أطعم أولادي، أنا نازحة من الشمال وزوجي وبقية أولادي هناك ولا أعرف عنهم أي شيء، هل هم أحياء أم أموات؟".
وذكرت أنها تقيم في المحافظة الوسطى برفقة اثنين من أبنائها وشقيقة زوجها المريضة، ولا تتمكن من توفير الطعام لهم.
وأضافت "أنا امرأة غريبة في هذا المخيم، ولا أعرف أحدا، أمس بكيت كثيرا على هذا الباب، قلت له (لصاحب المطحنة): إذا لم أطحن القمح لأولادي، فمن أين أطعمهم؟! لا أعرف أحدا هنا غير أناس يستضيفوننا في منزلهم".
وعبّرت السيدة الفلسطينية عن شعورها بالذل، والعجز عن "فعل أي شيء"، خاتمة حديثها بالقول "نحن في مجاعة".
نوال أبو عجرم: أنا امرأة غريبة في هذا المخيم، إذا لم أطحن القمح لأولادي، فمن أين أطعمهم؟ (الجزيرة) باع القمح كما اشتراهويبدو أن الشاب حسين أبو نصر، قد فقد فُسحة الأمل التي تُعين رفاقه في طابور الانتظار الطويل على ضيق العيش، حيث قرر الاستسلام وبيع جميع القمح الذي اشتراه.
وبينما كان ينادي بأعلى صوته "قمح للبيع"، قال "اشتريت قمحا وجئت كي أطحنه، لكني من أسبوع أبيت هنا، ولذلك قررت بيعه والعودة للبيت، البعض يشتري ربما هم يستطيعون طحنه".
وذكر أبو نصر للجزيرة نت، وهو نازح من مخيم جباليا، شمالي القطاع أنه يبيع كيس القمح كما اشتراه بـ130 شيكلا، مؤكدا أن استسلامه هذا ليس حلا، حيث أن منزله يفتقد تماما لأي كمية من الطحين كي يطعم أسرته.
ويختم بالقول "الناس تأتي وتبيت هنا، أنظر إلى الفرشات والأغطية، لكني أصبت باليأس وسأعود للمنزل بعد بيع القمح".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت من القمح فی طابور
إقرأ أيضاً:
الجوع والعطش والقتل.. ثالوث يُلاحق آلاف المواطنين شمالي القطاع
غزة - خاص صفا يُطارد كابوس الجوع والعطش والموت آلاف المواطنين شمالي قطاع غزة، في ظل شح المواد الغذائية ومنع إدخال المساعدات، جراء استمرار حرب الإبادة الجماعية والحصار الإسرائيلي المشدد على المحافظة منذ 49 يومًا، وانعدام المقومات الأساسية للحياة. ويعاني المواطنون شمالي القطاع ظروفًا إنسانية مأساوية وأوضاعًا كارثية، تتفاقم يومًا بعد يوم، مع استمرار الإبادة والقصف والتدمير، وسياسة التطهير العرقي بحقهم. ولم تكتف قوات الاحتلال بعمليات القتل والقصف والتدمير والإبادة في محافظة الشمال، بل تعمدت تعميق أزمة المجاعة والعطش وتشديد الحصار على سكانها، الذين يُواجهون خطر الموت بكل لحظة إما جوعًا أو قصفًا، دون أن يُحرك العالم ساكنًا. وتستخدم سلطات الاحتلال سياسة التجويع كسلاح للقتل والحرب ضد الفلسطينيين في القطاع، بهدف تنفيذ مخطط التهجير القسري والتطهير العرقي، ضمن جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومع استمرار العملية العسكرية شمالي القطاع، يتفاقم تدهور الأوضاع الإنسانية، حتى أصبح خطر المجاعة وسوء التغذية يهدد حياة ومستقبل سكانه، لا سيما الفئات الأكثر ضعفًا من المرضى والأطفال والنساء. هذا الوضع المأساوي، دفع منظمات دولية وأممية، وخبراء في الأمن الغذائي العالمي للتحذير من "احتمال قوي بحدوث مجاعة وشيكة في مناطق بشمالي غزة، فيما يواصل الاحتلال عمليات الإبادة". وقالت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي: "هناك حاجة للتحرك الفوري في غضون أيام وليس أسابيع من جميع الجهات الفاعلة المشاركة مباشرة في الصراع أو المؤثرة في مجراه لتجنب هذا الوضع الكارثي". أوضاع كارثية القائمة بأعمال مدير الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بقطاع غزة إيناس حمدان تقول إن الظروف في شمالي القطاع كارثية، وتزداد سوءًا يوميًا. وتوضح حمدان في حديث لوكالة "صفا"، أن شمالي القطاع ما زال يتعرض لعمليات عسكرية مكثفة وحصار، حيث يُمنع إدخال المساعدات الانسانية والغذاء، والدعم الصحي اللازم لإنقاذ حياة المرضى والمصابين. وتضيف "نحن على أعتاب فصل الشتاء، وهذا يزيد معاناة السكان الذين يضطرون للنزوح بشكل مستمر، بفعل الهجمات الإسرائيلية المستمرة على شمالي القطاع". وحسب حمدان، فإن معدلات سوء التغذية تضاعفت لـ ١٠ مرات، فيما ارتفعت معدلات انعدام الأمن الغذائي لمستويات كارثية في القطاع. وتشير إلى أن المساعدات التي تدخل القطاع وصلت خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لأقل مستوى لها بمعدل ٣٠ شاحنه فقط يوميًا، مضيفة أن "الوضع على الأرض أصبح لا يُطاق". وتؤكد أن أزمة انعدام الأمن الغذائي تتفاقم في القطاع، خصوصًا مع نقص كميات الطحين التي تدخل للقطاع. وتتابع "إنه أمر يائس ومحبط للسكان، وكذلك للعاملين في المجال الإنساني على الأرض، كل من يعمل هنا يخاطر بحياته، إنهم يحاولون القيام بكل ما في وسعهم لخدمة المواطنين والنازحين". جوع وحصار ووفقًا لحمدان، فإن التقارير الصادرة عن المؤسسات الأممية تحذر من مجاعة وشكية إن لم تكن بالفعل قد حدثت في مناطق شمالي القطاع. وتشدد على ضرورة السماح بتدفق المساعدات الانسانية والمواد الغذائية وضمان وصولها بأمان لكافه النازحين. وبدأت أعراض سوء التغذية وملامح المجاعة تظهر على العديد من الأطفال وكبار السن الذين توافدوا لمستشفيي كمال عدوان والعودة شمالي القطاع، في ظل عدم السماح بإدخال الطعام إلى المحافظة المحاصرة، مما يُهدد حياة عشرات آلاف المواطنين. المتحدثة باسم وكالة "أونروا" لويز ووتريدج، وصفت قبل أيام، الوضع في شمال القطاع بأنه كارثي. وأشارت إلى أن الشهر الماضي شهد وقوع 64 هجومًا على المدارس التي تحولت إلى ملاجئ بمعدل هجومين يوميًا، مما أدى إلى استشهاد الكثيرين منهم أطفال. وأوضحت ووتريدج أن الوصول الإنساني إلى المناطق المحاصرة في الشمال لا يزال محدودًا للغاية منذ أكثر من شهر. وحذرت من المجاعة الوشيكة في شمالي القطاع والتحديات المرتبطة باقتراب فصل الشتاء، مضيفة أن أماكن الإيواء غير كافية على الإطلاق لحماية الناس من العوامل الجوية. وحسب المفوض العام لوكالة "أونروا" فيليب لازاريني، فإن "السكان في شمالي غزة يعيشون تحت حصار مشدد، يهربون من أجل حياتهم في دوائر مفرغة وحُرموا من المساعدات الإنسانية لأكثر من 40 يومًا حتى الآن". وأضاف أن "عملية إيصال القليل من المساعدات التي يُسمح بدخولها أصبحت معقدة للغاية في جميع أنحاء غزة، بما في ذلك بسبب الطرق غير الآمنة". ومنذ الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يتعرض أهالي شمالي قطاع غزة للقصف والإبادة والتدمير المتعمد، ويُتركون بلا طعام ولا ماء ولا علاج، مع استمرار الحصار واستهداف المستشفيات وخروجها عن الخدمة، وكذلك قصف مراكز الايواء. ولا تتوقف الطواقم الطبية والمنظمات الدولية والأممية عن إطلاق مناشدتها العاجلة لإنقاذ شمالي القطاع قبل فوات الأوان، والضغط على الاحتلال لإدخال الوفود الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية والوقود والطعام لمحافظة الشمال.