السنوار.. الرجل الصعب
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
محمد بن رامس الرواس
"إنه ليس شخصًا عاديًا، هو رجل يرى نفسه في مهمة ما في هذا العالم" مركز هرتسيليا الإسرائيلي.
كانت وما تزال الاغتيالات والتصفيات والجرائم السياسية ديدنَ الكيان الإسرائيلي منذ نشأته عام 1948، بعد احتلاله أرض فلسطين، واستخدم في ذلك أجهزة الشاباك والموساد وأعوانهم فامتدت أيدي عملائهم إلى العديد من العواصم الأوربية والعربية لتنفيذ جرائمهم، وبعض هذه الاغتيالات لا يُعلن عنها والبعض منها يتم الإعلان عنها مسبقًا .
لقد ركّز الكيان الإسرائيلي بشدة في العقود الأخيرة على قادة حماس فبدأ باغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين عام 2004؛ وبعده عبد العزيز الرنتيسي وغيرهم، واليوم يطلب الكيان الإسرائيلي ومجلس الحرب تحديدًا القائد يحيى إبراهيم حسن السنوار بشدة ويضعه ضمن قائمة أهدافه في حرب غزة ويعتبر القضاء عليه هدفاً استراتيجياً، وليت الكيان الإسرائيلي يعلم أن الاغتيالات لا تصنع انتصارات وإلا لما وصلت المقاومة إلى ما وصلت إليه اليوم من عدة وعتاد وتسليح وتجهيزات .
لم يتعلم الكيان الإسرائيلي من الدروس الفائتة من نتائج اغتيالاته التي تكون نتائجها وخيمة عليه، كل قيادي يسقط من المقاومة تتفجر بعده براكين من الثورة في نفوس زملائه وتلاميذه فيعملون بأضعاف طاقاتهم للنيل من الأعداء فيصبح الاغتيال وبالاً على إسرائيل؛ وعندما يسقط قائد يظهر قائد آخر أقوى وأشد بأساً ممن سبقوه، والقادة بحماس عبارة عن شهداء يمشون على الأرض وهذا ما لا تدركه إسرائيل.
إنَّ من يجري البحث عنه اليوم المطلوب رقم واحد للكيان الإسرائيلي رئيس المكتب السياسي بحماس، ذي عينين ثاقبتين وشعر أبيض ثلجي ولحية بيضاء وشارب اختلط فيه البياض باللون الأسود، عندما تقابله قد لا تدرك أنه بتلك القوة الجبارة التي يحملها في صدره.. هو من دهاة قادة المقاومة يتميز بالذكاء الفطري والحس الأمني، وهو أديب وكاتب، محبوب بشدة بين زملائه ومعارفه والشارع الفلسطيني، وهو شخصية كما شبهه أعداؤه بالأسطورة.. سياسي بامتياز متعدد المواهب في القيادة والتخطيط، يعرف كيف يدير المعارك، فهو يُدرك نقاط ضعف أعدائه بدقة، صادق الوعد لا يخلف وعده يعرف ما يُريد، مفاوض عنيد وصلب يتحدث العبرية بطلاقة، قارئ جيد للشخصية الصهيونية متعمق في المجتمع الإسرائيلي يقرأ صحفهم وكتبهم ودراساتهم ويبحر في شخصيات قادتهم، يعرف كيف ينظم ويخطط وينفذ بسرية تامّة.
يعتبره البعض غارقًا في محبة حماس إلى أذنيه؛ إذ إن المحبة الحقيقية- كما يقولون- تُنتج المعجزات، ويولد من رحمها ما يفوق الخيال، اعتنى أيما عناية بتسليح كتائب القسام فأصبحت مثل ما نشاهدها اليوم متفوقة وصاحبة اليد العليا عند الالتحام مع جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهًا لوجه .
أوهم أعداءه خلال تواجده بالأسر (حيث قضى 24 عامًا في سجون الاحتلال) بأنَّه شخصية قابلة للإرضاء ففي إحدى لقاءاته بالتلفزيون الإسرائيلي بعد أن أجرى عملية جراحية بالمخ تحدث إليهم باللغة العبرية قائلًا "برغم عدم اعترافنا بإسرائيل لكننا مستعدون للذهاب إلى هدنة طويلة الأمد". لقد أوهم الإسرائيليون بأنه من النوع المتردد في خوض الحرب، وظل يخدعهم بهذا الوهم حتى تم إطلاق سراحه في تبادل الأسرى بصفقة شاليط المعروفة عام 2011م، قام بعد خروجه بتصفية الخونة بحماس وكانت هذه مهمته الأولى، ثم تدريب وتسليح كتائب القسام، بينما على الجانب الآخر ظل يوهم إسرائيل أنه مهتم بالشأن الاقتصادي؛ ففي إحدى زياراته لمصر بعد إحدى الحروب الفائتة ترك قصاصة ورق صغيرة فوق الطاولة كتب فيها "أتمنى أن أرى غزة مثل سنغافورة"، فيعتقد القاري لها أنه يحلم بالهدنة والسلام وتشييد غزة لتكون مثل المدن الاقتصادية الكبرى حتى اعتقد الكيان أن حماس بقيادة يحيى السنوار لا تميل إلى حرب أخرى.
برغم كل ذلك، أكدت مراكز الأبحاث الإسرائيلية ومنها معهد السياسات الاستراتيجية التابع لمركز هرتسيليا في تقريره حول شخصية يحيى السنوار أنه الرجل الذي سيُغيِّر قواعد اللعبة مع إسرائيل، وأنه لا يمكن قراءة سلوكه في ظل انعدام العقلانية فهو رجل يعمل ضمن خيارات واعية، وأوصى المعهد في ختام تقريره بالاستعداد لمعركة إضافية قد تكون قريبًا. وللمفارقة أن التقرير صدر قبل معركة السابع من أكتوبر.. وللحديث بقية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عادل حمودة يكتب: الجيوب والقلوب
روشته في كتاب ضخم كتبها سادة العقل في العالم.. وحكمة مشاع مثل الهواء والجمال والنظر إلى السماء
لو كان رجل الدولة سياسيًا تدرب على الصمت فإن الاقتصادي هو الخبير الذى يعرف لماذا لم يحدث اليوم ما تنبأ به أمس؟
ولو كان الرجل المغرور هو مثل ديك يظن أن الشمس لن تشرق إلا إذا سمعت صياحه فإن الدبلوماسي هو شخص يستطيع أن يحدثك بالساعات عن «البطاطا» الساخنة حتى تبرد.
ولو كان الحب هو المرض الوحيد الذى لا نتمنى الشفاء منه فإن الهموم هى السلعة الوحيدة التى يزيد فيها العرض عن الطلب.
ولو كانت التجاعيد هى توقيع الزمن على الوجوه ليثبت وجوده فإن خاتم الزواج هو أغلى خاتم فى الدنيا لأنه يكلف صاحبه أقساطا شهرية طوال حياته.
ولو كان التثاؤب هو الفرصة الوحيدة للزوج كى يفتح فمه فى حضور زوجته فإن الحياة هى رحلة يفسد الآباء علينا نصفها ويفسد الأبناء النصف الثانى.
لا أحد منا لا يحب مثل هذه العبارات الرشيقة الساخرة التى تلخص الحياة فى «برشامة».
إنها مثل قطيع من النجوم نجمعه من رغوة السحاب.. من احتكاك رؤوسنا بالشمس.. من حبات عرق الفلاسفة والصعاليك.. إن اللقمة والنكتة هما غذاء صحى يطيل العمر.
هذه خلاصة «روشتة» من سبعمائة صفحة حصلت عليها صدفة منذ سنوات من مطار «بيروت» وأنا عائد إلى «القاهرة».روشتة في كتاب ضخم كتبها سادة العقل مثل «تولستوى» و«أفلاطون» و«شكسبير» و«هيمنجواى» و«أرسطو» و«سارتر» و«نجيب محفوظ» وجمعها «منير عبود».
وضعت الكتاب إلى جانب فراشى ليهدئ مما جرى فى يومى قبل نومى ولا مانع لدى أن أمنحك بعضا منه لو شئت التخلص من الحبوب المنومة.
أنا هنا مجرد ناقل عطر. حامل زهور. ساعى بريد يأتى إليك بثروة من الحكمة خفيفة الظل التى ليس من حق أحد احتكارها أو مصادرتها أو بيعها فى السوق السوداء.
إنها حكمة مشاع مثل الهواء والجمال والنظر إلى السماء.
ولنبدأ بالجمال الذى يلخصه «يوسف إدريس» بأنه توقيع الله على مخلوقاته.
لنكمل بلا توقف: الأزهار هى أفكار تنبتها الأرض. القبلة توقيع مزور على عقد اتفاق. الرجل الشهم هو الذى يحمى المرأة الضعيفة من كل الرجال إلا هو. الزوجة: الباب الأول فى ميزانية البيت.. الحب العذرى: بندقية لا يعرف حاملها أنها مليئة بالرصاص. الحب الخالد: حب المرء لنفسه.. الإنسان: الزوجة المخلصة هي التى ترفأ جورب زوجها كلما اشترت لنفسها ثوبا جديدا.
الرأسمالي: رجل يملك من المال أكثر مما تستطيع زوجته إنفاقه. المهادنة: استسلام بالتقسيط. السياسة: تجارة دون رأسمال.. الزواج: عقد العمل الوحيد الذى يبيح للمرأة استخدام الرجل أربعة وعشرين ساعة فى اليوم. الصمت: أرخص أركان الحكمة، الخبرة: حلول الأمس لمشاكل اليوم.
الجيش: مجموعة رجال مهمتهم إصلاح الأخطاء التى يرتكبها الدبلوماسيون..ولو كنت تتصور أن الفلاسفة أشخاص يجرى في عروقهم الأسمنت فأنت لست على صواب. إن التجهم الشديد التى يسيطر عليهم سرعان ما ينقلب إلى سخرية أشد.
الفيلسوف الوجودى الفرنسى «سارتر» يشبه الحياة ببصلة تنتزع قشورها طبقة بعد أخرى وهو ما يجعلنا نبكى أحيانا.
و«برنارد شو» الكاتب الإنجليزى الحاد يعتقد أن الطفولة هى فترة من العمر يعيش فيها الإنسان على حساب غيره. ويصف الشخص الذى توفى أو المرحوم بأنه إنسان عاش طوال حياته وهو يعتقد أن الدنيا لا تمشى ولا تصلح بدونه. ويعرف الأمانة بأنها خوفك من أن تضبط متلبسا بالخيانة.
أما الممثل الأمريكى الراحل «جون واين» فيصف الدنيا بأنها كالماء المالح كلما شربت منه ازددت عطشا. ويصف الخطوبة بأنها عملية استطلاع قبل الحرب البرية. أما الأحمق فى رأيه فهو الشخص الوحيد الذى يحرمك من الوحدة دون أن يمتعك بالصحبة.
وفى المكتبة العربية كتاب شهير عنوانه «قالوا» كتبه «أنيس منصور» فى عبارات سريعة رشيقة كان بعضها شوكا مر به على جلد النساء لكنه لم يجرحه لذلك كانت المرأة الزبون الأول للكتاب فهى تريد أن تقرأ عن سطوتها بكل اللغات.
والحقيقة أن المرأة هى الأكثر قراءة للأدب.. الرجل على حد وصف مخلوق غير شعرى. الرجل يابس ومالح وغليظ. ما إن يتخرج فى الجامعة حتى يفك الارتباط بينه وبين الأدب.. فلا يقرأ إلا جريدته اليومية، ولا يهتم إلا بجدول أسعار البورصة، الرجل يأكل القصيدة بأسنانه فى حين أن المرأة تتكحل بها وتعلقها كحلق من الزمرد فى أذنيها.
وليس هناك كاتب على وجه الأرض لم يضع خطا تحت كلمة مأثورة وربما أخذها من مكانها وحبسها فى درج مكتبه ولا تصدق «أرنست هيمنجواي» حين قال: «إن الكلمات المأثورة توابيت لا يجب البقاء فيها» أو «هى مثل أكياس الماء الساخن وأدوية الروماتيزم ومشروب البابونج لا يتعاطاه إلا الذين يعيشون فى بيوت رطبة».
ولكن صدق «أحمد بهاء الدين» الذى قال ذات مرة: «إن الكلمات المأثورة تخترق الهدف لتجعلك دائخا بعض الوقت قبل أن تواصل مسيرة الحياة الرتيبة».
وتحتل علاقة الرجل بالمرأة الكمية الكبيرة من هذه الطلقات الموجهة. فعندما يغير الرجل رأيه كثيرا كما تفعل المرأة فالغالبًا أنه متزوج منها. وعلى المرأة أن ترتدى من الثياب ما يكفى لجعل الرجل دافئا. ولا سبيل للرجل كى ينتصر على المرأة إلا الفرار منها. ولا تطلب الفتاة من الدنيا إلا زوجا فإذا جاء الزوج طلبت منه كل شيء، والرجل رجل فى بعض الأوقات والمرأة امرأة فى كل الأوقات.
وفى الأمور العظيمة يتظاهر الرجال كما يحلو لهم وفى الأمور التافهة يبدون على حقيقتهم. والرجل الحاذق يقول للمرأة إنه يفهمها والرجل الغبى يحاول أن يثبت ذلك، وأغلب الظن أن عشاق المرأة الغبية دائما أذكياء، فلا تنسى أن «آرثر ميللر» تزوج «مارلين مونرو» بعد ربع ساعة من لقائهما الأول.
ولو كان الرجل يريد من المرأة أن تفهمه فإنها تريد منه أن يحبها، أما أكثر ما يؤلم المرأة أن تضغط على لسانها، والجمال للمرأة كالمال للرجل كلاهما قوة، الجمال سلطة مثل الثروة وجماعات الضغط، لذلك فإن همس المرأة الساحرة أعلى من صوت الضمير، ولو كانت المرأة أسطورة يصدقها الرجل فإن الرجل أسطورة تتخيلها المرأة.
ولولا النهر ودموع النساء لحاصرنا الجفاف وقتلنا العطش، والمرأة والحب هما سبب استمرار لكون، إن ذلك جعل الكاتبة الفرنسية المتمردة «فرانسوا ساجان» تؤكد أن مشاكل الرجل أكثر من مشاكل المرأة وأولها مشكلة كيفية معاملة المرأة.
وهناك علاقة متينة بين المرأة والسياسة، علاقة حقيقية فيها مكر ودهاء والذهاب بالرجل إلى النهر دون أن يشرب منه نقطة مياه، فهل كان «نابليون» يدرك ذلك عندما قال: إن الدولة تموت من سوء الهضم، ولاحظ «ـوماس مور» أن لرجل الحكومة أنوفًا طويلة ولكنه أضاف: أنهم لا يرون أبعد منها، أما المهاتما «غاندى» فيؤمن بأن الأمة لا تنهض دون أن تكتوى بنيران الألم، وقبل أن يغادر «جيرالد فورد» البيت الأبيض قال: «صاحب السلطة يصدق التملق بسهولة وينسى النفاق بسرعة».
وأجمل ما قيل فى السياسة: إنها فن منع الناس من التدخل فيما يعنيهم، ولكن المثل الأمريكى الذى تسمعه من سائق التاكسى يقول: إن السياسة هى فن الفوز بالمال من الأغنياء والتأييد من الفقراء بحجة حماية أحدهم من الآخر.
أما «شارل ديجول» فيقول: «لأن رجل السياسة لا يعتقد فينا يقول فإنه يتعجب كثيرا عندما يصدقه الناس». وهو ما جعل الملك «فاروق» يقول: إن السياسة هى المهنة الوحيدة التى لا تحتاج إلى إعداد.
كل المطلوب من السياسى أن يكون مراوغا. عندما يقول «نعم» فإنه يعنى «ربما» وعندما يقول «ربما» فهو يعنى «لا» وعندما يقول «لا» فهو ليس سياسيا.