وفي الليلة الظلماء تُفتقد “أنقذوا دارفور” (2004) (2-2)
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
"إذا أردت اليوم، ودارفور في هذا العسر من أمرها، أن ترى ما تراها منظمة "أنقذوا دارفور" فاعلة معها وجدت موقعها لا يزال على الشبكة، ولكنه، في قول أهله، غير مفعل".
قال المحرر في "نيويورك تايمز"، مؤلف كتاب "مدفعيات الصحافة" (عام 1967)، جيمس روستن، إن الخبر ليس خبراً مجرداً إلا في مساقطه بين العالمين، أما في موطن نشأته فهو علم اجتماع.
ولا أعرف مثل الأكاديمي اليوغندي محمود ممداني من طرق هذه التفرقة بين الخبر وعلم اجتماعه في كتابه "منقِذون ومنقَذون: دارفور، السياسة، والحرب على الإرهاب" (عام 2009). فأخضع نوعية المعرفة بدارفور من وراء نشاط منظمة "أنقذوا دارفور" الأميركية، التي خرجت في 2004 للتضامن مع دارفور في نكبتها الأولى، لاختبار المفارقة بين الخبر في منشئه والخبر في مساقطه في العالمين. وستجده أصاب كثيراً.
جاء ممداني في كتابه إلى مسألة دارفور بقريب مما رأينا روستون يفعل. فرأى مثله بعد البون ما بين الواقعة في موطنها ومساقط خبرها بين العالمين. فكانت واقعة دارفور، حيث انتهت إلى منظمة "أنقذوا دارفور" هي عن صراع استئصالي يقوم به الجنجويد العرب، مدعومين بنظام إسلامي عروبي، على الجماعات الأفريقية، الزرقة في المصطلح المحلي، بينما كان رأي محمداني أنه، حيث وقع، نزاع بين بين مالكي الحاكورة (تملك جماعة ما أرضاً حصرياً عليها) ومن لا يملكونها بغض النظر عن الأعراق. فمن ملكوا الحواكير في دارفور أفارقة وعرب سواء. وبين من خلت يدهم عنها عرب وأفارقة كذلك. والصراع بوجه آخر نزاع على الموارد بين الرعاة والمزارعين صدف أن كانت غالبية الرعاة من العرب وإن لم تخل قائمتهم من الأفارقة.
ولا تختلف الصحافية والسينمائية جولي فلنت عن ممداني في كتابها اللاحق لكتابه "الحرب الأخرى: حروب العرب البينية في دارفور" (عام 2010). فأهم ما خرجت به في كتابها أن العرب، الذين ارتكبوا الجرائم في حق أفارقة دارفور خدمة لنظام "الإنقاذ" حتى اتهموا بـ"التطهير الإثني"، كانوا في الأثناء قاتل بعضهم بعضاً طويلاً وبضراوة ودموية. وزادت بأن وقائع "داحس وغبراء" العرب تلك تخلفت في مواطنها، ولم تبلغ أسماع أهل الخبر عبر المحيطات، أو أنهم أسقطوها عمداً حتى لا تعكر صفاء الصراع محض بين العرب والأفارقة. وهو الصراع الذي كان من وراء استثارة المنظمة للحملة أول أمرها في قول ممداني. فغاية "أنقذوا دارفور"، في قوله، هي "تعريب" العنف في سياق الحملات ضد الإرهاب، والعرب موئله، القائمة على قدم وساق. فحملة إسعاف دارفور في أشرق جوانبها، في قوله، هي رومانس مدفوع برغبة في إشباع إنسانية مروعة عجلى لعلاج لمشكلة مؤرقة للضمير، أما في أسوأ حالاتها فهي نشاط متقن مدجج بالصحافة مصمم لتوزير العرب كجماعة مزهوة سكرى بعرقها مصممة على استئصال الأفارقة عن بكرة أبيهم.
وأخذ ممداني على "أنقذوا دارفور" مطابقة تضامنهم مع أفارقة دارفور مع التضامن الذي سبق لهم مع قضية أفارقة جنوب السودان. وهذا إبعاد في النجعة. فبينما ربما صح القول إن المواجهة في الجنوب كانت بين دولة مركزية سيطر عليها عرب مسلمون، إلا أن الصراع في دارفور خلا من هذا الصفاء كما تقدم. فهو بين عرب وعرب، وعرب وأفارقة، وأفارقة وأفارقة، ناهيك بأنه لم تكن لعرب دارفور وقتها شوكة عرب المركز الحاكم في الخرطوم. علاوة على أن حرب الجنوب كانت "تمرداً" ضد الدولة بينما دارفور حرب أهلية بين المزارعين المستقرين والرعاة عائدة إلى سنوات آخر الثمانينيات.
ويرى ممداني أن الخبر عن دارفور، الذي سماه "أثر السي أن أن" غطى على سياقه حيث وقع. فنشطاء "أنقذوا دارفور" جمعوا، في قوله، بين نهج يستحقر المعرفة عما هم بصدد التضامن معه إلى تذرع بأنه يكفيهم حسن المقصد في نشاطهم العملي لمثل هذا التضامن. ويستغشون بثيابهم دون العلم بحقائق القضية التي نهضوا للتضامن معها لأن العلم الوثيق بها مما يعقد السردية بتفاصيل متكاثرة تغطي على الجراح النازفة في مثل محنة دارفور. وفي المقابل فهم يعتمدون على الدليل الذي يرونه بالعين المجردة ويتحاشون التطرق إلى سياق ما يرونه محاشاة العمى. فالصور لجراح دارفور النازفة والمقابلات مع من تصادف من الضحايا هي التي تتحدث إليهم دون غيرها مما فتح حركتهم جمعاء لما سماه "أثر السي أن أن"، أي تغلب الخبر على ما عداه، كما تقدم. فنشطاء "أنقذوا دارفور" نشأوا على الثقة في الصورة فوق ما عداها، وإن كان لا بد من السؤال عن محتواها، فلهذا وقته لاحقاً. وصفوة الأمر أنهم يجردون خبر دارفور و"بورنوغرافي العنف" في أرجائها من السياق. فهم كمن يستعيض بالوثوق الأخلاقي عن المعرفة الوثقى بعلم اجتماع خبره.
وقال ممداني إنه درج على أنه، ما طرأت له مسألة مثل دارفور (وسبق أن كتب عن الاستئصال العرقي في رواندا)، حتى تحرى شجرة نسبها ليعرف من أي سياق خرجت للوجود: كيف يعيننا هذا السياق في تغبيش معرفتنا بها، أو في فض مغاليقها. وقال إن هذا ما ساقه بمر الزمن إلى أن تتخذ مباحثه الطابع التاريخي لأن التاريخ سياق لا مهرب منه لفهم الواقعة حيث وقعت.
ويبدو أن الخبر سحابة صيف سرعان ما تنقشع. فإذا أردت اليوم، ودارفور في هذا العسر من أمرها، أن ترى ما تراها منظمة "أنقذوا دارفور" فاعلة معها وجدت موقعها لا يزال على الشبكة، ولكنه، في قول أهله، غير مفعل. فبينما بقيت الواقعة تبدد الخبر. وهذا علم اجتماع آخر عمن أضربوا هذه المرة عن إنقاذ دارفور.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: دارفور فی
إقرأ أيضاً:
إلى المرشحين للتطوّع بصفة ضباط إختصاصيين... هذا الخبر من قوى الأمن يهمّكم
أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة التالي:
أولاً: تُجري المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الإختبار النفسي للمرشحين للتطوّع بصفة ضباط اختصاصيين لصالحها يوم الأحد بتاريخ 19/01/2025 الساعة الثامنة صباحاً في معهد قوى الأمن الداخلي في عرمون .
على المرشحين اصطحاب ايصال الترشيح ومستند يثبت هويتهم مع أقلام رصاص، ممحاة ومبراة .
ثانياً: على الناجحين في الإختبار النفسي إجراء الفحوصات الطبية والصور الشعاعية التالية :
صورة شعاعية للصدر Chest X-Ray (PA)
فحوصات الدم CBCD – BUN – CREAT- HbAIC – FBS – HIV – HBV
تحليل البول Urine Analysis
واصطحابها معهم مرفقة بتقرير من طبيب قلب يثبت أنهم قادرون على اجراء الفحوصات الرياضية المطلوبة .
ثالثاً: تم تحديد مواعيد اجراء الفحوصات الصحية والرياضية بالتواريخ التالية :
يوم الإثنين بتاريخ 27/01/2025 الساعة الثامنة صباحاً للمرشحات الإناث.
يومي الثلاثاء والأربعاء بتاريخي 28/01/2025 و 29/01/2025 ، الساعة الثامنة صباحاً للمرشحين الذكور في معهد قوى الأمن الداخلي في عرمون .
على المرشحين والمرشحات أن يكونوا باللباس الرياضي مصطحبين معهم ايصال الترشيح ومستند يثبت هويتهم .
رابعاً: تم تحديد مواعيد الفحوصات الخطية للناجحين بالفحوصات الطبية والرياضية، يومي السبت والأحد بتاريخي 01/02/2025 و 02/02/2025 الساعة الثامنة صباحاً في معهد قوى الأمن الداخلي في عرمون.
على المرشحين المقبولين اصطحاب ايصال الترشيح ومستند يثبت هويتهم وأقلام الحبر .
خامساً: تم تحديد موعد المثول أمام اللجنة نهار الإثنين الواقع في 03/02/2025 الساعة الثامنة صباحاً في معهد قوى الأمن الداخلي – عرمون .
ملاحظة: سيتم إبلاغ المرشحين بالمواعيد لكافة الإختبارات والفحوصات على هواتفهم عبر رسائل نصية (SMS) .