قرار غرفة عمليات الحركة الاسلامية التي تدير السودان الراهن بطرد 15 دبلوماسيا إماراتيا بصورة درامية يحمل كل بصمات نظام الانقاذ في ايامه الاولي في اعقاب نجاح عملية الاحتلال الاخواني المسلح للبلاد في 30 يونيو 1989 عندما كان الدكتور الترابي يحكم السودان بالحديد والنار وفق منهج عقائدي صارم لتنفيذ اجندة الحركة الاسلامية السودانية التي اعدت سلفا لادارة البلاد علي نفس الطريقة الايرانية بعد عودة الامام الخميني الي بلاده اواخر السبعينات .


كانت الاولوية القصوي في ايام سيطرة الترابي علي الحكم لتفكيك القوات المسلحة السودانية واجهزة الامن والشرطة عبر اكبر عملية احلال وابدال تم تنفيذها بكل دقة عقب مذبحة ضباط الجيش السوداني السابق وشهداء حركة رمضان .
ومن ضمن الاولويات الاخري في ايام الترابي الاولي في حكم البلاد كانت هناك خطة قد اعدت للتخلص من حركة جون قرنق باي طريقة من الطرق باعتبارها عقبة كبري في تنفيذ اجندة الحركة الاسلامية في ادارة البلاد وكانت البداية بمحاولة استقطاب دعم مصري خليجي عن طريق الجامعة العربية لتسليح الجيش العقائدي الجديد في السودان ولما فشلت العملية اتجهوا مباشرة الي القيام باكبر حملة للحشد والتعبئة الجهادية وعسكرة الدولة و المجتمع .
واستغلوا عملية غزو النظام العراقي للكويت مطلع التسعينات واعتبروها فرصة مناسبة لتصفية الحسابات مع مصر والسعودية ودول الخليج بسبب رفضها تمويل الحرب في الجنوب وكانت مواكبهم في تلك الايام تهتف بمنتهي الانتهازية
" اضرب اضرب يا صدام من الاهرام الي الدمام "
الي جانب توجية ضربة قاصمة للبعثة التعليمية المصرية في السودان التي كانت لها مدارس في السودان ومعظم المدن العربية من اليمن الي ليبيا والمغرب العربي الي فلسطين و الشام باعتبارها واحدة من اعظم انجازات ثورة الثالث والعشرين من يوليو التحررية في مصر واغلاق جامعة القاهرة فرع الخرطوم وتصفية نظام البعثات التعليمية المصرية والتعليم الجامعي المصري المجاني للسودانيين تحت ستار مكافحة المخابرات المصرية في السودان وحرمان قطاعات كبيرة من ابناء الاسر المحدودة الدخل من السودانيين من ميزة التعليم المصري المجاني .
ويتلاحظ ان النظام قد فقد اتزانه بعد اتساع نطاق الرفض والمعارضة التي اتخذت من مصر مقرا لقيادتها المركزية منذ مطلع التسعينات ممثلة في التجمع الوطني المعارض وصدور صحف سودانية يومية معارضة من العاصمة المصرية في اول تجربة من نوعها لصحافة مهجر سودانية الي جانب تدهور الموقف الامني في جنوب البلاد واستفادة حركة التمرد الجنوبية من حالة الفراغ في قمة الهرم العسكري والقيادة العامة للجيش السودان التي اصبحت تحت السيطرة التامة للاسلاميين بعد خروج الراحل المقيم الفريق فتحي احمد علي ورفاقة في هيئة القيادة العامة للجيش السوداني من البلاد والتحاقهم بركب المعارضة السودانية وترتب علي الامر سقوط عدد كبير من حاميات الجيش السوداني في الجنوب مما جعلهم يتوسعون في حملات التعبئة الجهادية القسرية وفتح معسكرات التجنيد الاجباري بتفاصيلها المرعبة المعروفة .
ثم اسقط الامر في يدهم واطاحوا بزعيمهم والاب الروحي للحركة الاسلامية الدكتور الترابي وهرعوا يستعطفون نفس الدول العربية في مصر والسعودية ودول الخليج واعلنوا التوبة عن كل مافعلوا من تحرش وعدوان ونسبوا كل ماحدث للترابي وعادت علاقاتهم مع الدول المشار اليها تدريجيا .
وقاموا بعد ذلك بتدشين اكبر حملة للتسول الرسمي واستعطاف السعودية ودول الخليج ونفس دولة الامارات العربية المتحدة التي ظلت تحتفظ بعلاقات قوية وناصعة ومتكافئة مع السودان الي حد كبير خلال سنين الحكم الوطني في السودان قبل زمن الاسلاميين .
نظرة بسيطة الي ارشيف علاقات نظام المعزول البشير بدولة الامارات تكشف عن حجم الوضاعة والمهانة التي ميزت تلك العلاقات عندما كانت تدير العلاقات الاقتصادية بين الامارات والسودان شبكة من السماسرة المفسدين وعصابات غسيل الاموال الاخوانية وكانت الامارات مجبرة علي التعامل مع الامر الواقع خاصة في مرحلة حرب اليمن التي سارع الاسلاميين الي عرض خدماتهم للمشاركة فيها عن طريق القوة الضاربة من نفس قوات الدعم السريع التي يشنون الحرب عليها اليوم .
الحديث عن تمويل مباشر من دولة الامارات العربية لقوات الدعم السريع مبالغ فيه الي حد كبير وكل مافي الامر ان لقوات الدعم السريع مكاتب وشبه مؤسسات اقتصادية تاسسست بعلم ومعرفة وبل بتزكية من نظام الرئيس المعزول عمر البشير وبالطبع ليس لدي الامارات اي مصلحة في التخلص من علاقات من هذا النوع طالما لاتزال بعض الجيوب الاقتصادية الاخوانية تعمل وحتي هذه اللحظة وحتي اشعار اخر من دولة الامارات ويبدو ان الامارات قد رفضت الزج بنفسها في صراع الاسلاميين مع قوات الدعم السريع فقاموا وعلي نفس النهج الذي اتبعوه مع مصر والسعودية ودول الخليج في مرحلة التسعينات الي فتح جبهة ابتزاز هتافية مع دولة الامارات تم تتويجها بالعرض السخيف الذي وصل الي مرحلة اتهام الامارات بدعم قوات الدعم السريع في الوقت الذي يتابع فيه العالم تفاصيل مايجري علي الارض من قتال في شوارع وطرقات الخرطوم .
ان عملية طرد الدبلوماسيين المتبادلة والتي اتت في اطار رد فعل الامارات علي الاتهامات والتحرش والاساءات المباشرة التي لحقت بها علي الهواء مباشرة تعتبر امر مؤسف ولاينفصل باي شكل عن النهج الانتهازي والاجرامي المعروف لهولاء المتاسلمين وتقلب احوالهم في السلم والخصام وعدم استقرارهم علي حال في التعامل مع الاخرين وعدم تقيدهم بالتقاليد والاعراف في التعامل مع الاشقاء في البلاد العربية والافريقية الي الدرجة التي اصبحوا يتهمون فيها العالم كله بدعم قوات الدعم السريع .
لقد تحول السودان اليوم الي اشلاء وحطام بعد خروج عاصمة البلاد من الخدمة لاول مرة منذ تاسيس الدولة السودانية .
لن يكون هناك فرصة امام المجموعة الاخوانية الحاكمة في السودان للمناورة او العودة لعلاقات طبيعية مع دولة الامارات بعد اليوم والنظام القائم في السودان الان بتدخل الامارات وبدون ذلك ساقط لامحالة ولكن بكلفة عالية جدا للاسف الشديد نتيجة لعدم وجود معارضة تتعامل مع ماحدث في السودان من تطورات وحرب بفهم لطبيعة المرحلة والتعامل معها بما تستحق فهل يعقل ان يظل البعض يطالب وحتي هذه اللحظات بالجمع بين حميدتي والبرهان علي مائدة واحدة من اجل التوصل لقرار بوقف اطلاق النار .
مرحلة مابعد نهاية هذه الحرب ستختلف تماما في كل تفاصيلها عن كل مراحل التحولات السياسية السابقة في السودان .
نهوض الخرطوم من الدمار الراهن وقيام مؤسسات العدالة وانطلاق اكبر حملة داخل وخارج البلاد لملاحقة كل المتورطين في اشعال الحرب والدمار الشامل الذي لحق بالخرطوم وبعض مدن البلاد ستكون عملية مشابهة في كل عناوينها الرئيسية لما حدث في مدينة برلين الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية وملاحقة النازيين في كل انحاء العالم .  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع دولة الامارات ودول الخلیج فی السودان

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية السوداني: جيشنا لا يملك أسلحة كيميائية ولا صحة لاتهامه باستخدامها

الأناضول/ نفى وزير الخارجية السوداني علي يوسف، الجمعة، مزاعم أمريكية بامتلاك جيش بلاده أسلحة كيميائية، وشدد الوزير السوداني على أن الاتهامات الموجهة لبلاده باستخدامها في الحرب "غير صحيحة"، جاء ذلك في تصريحات للوزير خلال جلسة نقاشية بعنوان "السياسة والأزمة الإنسانية" انعقدت ضمن فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن.

وقال يوسف: "الجيش السوداني لم يرتكب انتهاكات وخروقات في هذه الحرب الدائرة في البلاد (مع قوات الدعم السريع)، ولا يوجد دليل على ارتكابه اتتهاكات".

وأضاف: "الجيش السوداني لا يملك أسلحة كيميائية، وأي اتهامات موجهة له باستخدامها غير صحيحة".

وفي 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بدعوة "تنفيذ قواته هجمات على مدنيّين".

وتزامن ذلك مع تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" ادعت خلاله، نقلا عن 4 مسؤولين أمريكيين لم تكشف عن هويتهم، أن "الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية مرتين على الأقل في معارك السيطرة على البلاد".

ووصفت الخارجية السودانية حينها العقوبات الأمريكية بحق البرهان بأنها "غير أخلاقية"، معتبرة أنها تفتقر "لأبسط أسس العدالة والموضوعية"، وقرار فرضها "لا يعبر إلا عن التخبط وضعف حس العدالة".

وخلال الجلسة النقاشية بمؤتمر ميونيخ للأمن، اتهم زير الخارجية السوداني في المقابل، قوات "الدعم السريع" بـ"ارتكاب انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوداني"، فيما عادة ما ينفي الأخير هذه الاتهامات.

وأضاف يوسف: "الدعم السريع أحرق المتحف الوطني الذي يضم تاريخ السودان (...) كما أحرق ودمر دار الوثائق التي بها أرشيف السودان خلال المئة عام الماضية".

وحذر من أن "هناك من يرغب في تدمير السودان والانتهاء منه"، دون تسمية أي جهة.

ولفت الوزير إلى أن حكومته تسعى إلى السلام، وطرحت في هذا الصدد خارطة الطريق من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد.

وقال: "تم الإعلان مؤخرا (الأحد الماضي) عن خارطة الطريق، التي تشمل تشكيل حكومة من المدنيين لفترة انتقالية من سنة إلى 3 سنوات يرأسها رئيس وزراء مدني، ووزراء من الكفاءات المستقلة، على أن تتوج بانتخابات عامة يشارك فيها الشعب".

ويخوض الجيش و"الدعم السريع" منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

فيما تتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.  

مقالات مشابهة

  • الجيش يتهم الإمارات .. «مسيّرة» لـ «الدعم السريع» تلحق أضراراً كبيرة بمحطة كهرباء في السودان
  • قوات الدعم السريع ترحب بانطلاق المؤتمر الإنساني لدعم السودان
  • بمسيرات.. الدعم السريع يستهدف محطة كهرباء بالنيل الأبيض
  • السودان: جيشنا لا يملك أسلحة كيميائية ولا صحة لاتهامه باستخدامها
  • وزير الخارجية السوداني: جيشنا لا يملك أسلحة كيميائية ولا صحة لاتهامه باستخدامها
  • الدعم السريع) تبحث مع المبعوثين الدوليين في مؤتمر ميونخ قضايا الحرب في السودان
  • السودان.. مشاهد مروعة من زمزم بعد مداهمة قوات الدعم السريع
  • قوات الدعم السريع تهاجم مخيم زمزم ومعاناة النازحين تتفاقم في السودان (شاهد)
  • قوات الدعم السريع تهاجم مخيما يعاني من المجاعة في السودان
  • سيوثق التاريخ بأن الدعم السريع( شر أهل الأرض)