سودانايل:
2025-02-24@02:54:58 GMT

مرحب بالمبادرة الافريقية

تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب احدثت واقعا جديدا، يتطلب مقاربات جديدة تتلاءم مع مستجداته. فبعد ان كانت الهموم والانشغالات منصرفة تجاه الانتقال من دولة الاستبداد لدولة الحرية، ومن طموحات النهوض وترقية احوال المجتمع، انحدرت الي مجرد الحفاظ علي الدولة وما تبقي من بنيتها التحتية، وحقن دماء الابرياء من الموت المجاني، وانزلاق البلاد الي طريق اللاعودة.

وكل هذا جعل مطلب ايقاف الحرب باي ثمن يتقدم علي ما سواها. خاصة وان استمرار الحرب يزيحها من الحالة المعقدة القابلة للحل، الي الحالة المزمنة المستعصية ان لم تكن المستحيلة علي الحل. كما انه من المعلوم بالضرورة انه في اجواء الحرب المستعرة وظروف الاستقطاب الحاد عسكريا وسياسيا وعرقيا، لا مكان للحديث عن السياسة او الحقوق او القيم الانسانية، إلا من باب الدعاية العسكرية وتبرير الجرائم والانتهاكات. وهذا غير ان طول امد الحرب يدفعها الي بؤرة اللااهتمام، إلا لمن يكتوي بنارها من دون اي امكانية لدفع شرورها (تصبح الحياة خوف من الموت او انتظارا غير معلوم له).
واذا أتفق ان كل الحروب شرور، فان ما يجعل حربنا القذرة شرا مطلقا، انها تجري داخل مدن مكتظة بالمدنيين، بين قوتين مزودتين باعتي انواع الاسلحة! وبقدر ما تضع هاتان القوتان المتقاتلتين مصالح داعميهم الداخليين والخارجيين في الحسبان، بقدر ما لا تضعان في الحسبان، اي اعتبار لحيوات المواطنين ومصالح البلاد. اي هي حرب اقوياء الداخل والخارج علي جماجم الابرياء في الداخل، من اجل السيطرة علي موارد البلاد. مع الوضع في الاعتبار ان القوة المعنية هي قوة السلاح المجرد من الشرعية والقيم.
والحال كذلك، هي ليست حرب سلطة، بقدر ما هي حرب تسلط، تجري بين مكونيين مسلحين اصلا، للاستحواز علي السلطة. اي هي قوات مسلحة سلطوية قبل ان تكون قوات مسلحة عسكرية. وعليه الحرب في محصلتها صراع علي السلطة بادوات مسلحة. ومرد ذلك ان السلطة تؤول لحالة من التملك والسيطرة. والحال ان هذا التفصيل البسيط نتجت عنه كوارث عظيمة، تتعدي الانقلابات العسكرية، لعائق حدَّ من فاعلية ووظيفة الاحزاب السياسية، او جردها من المضامين الديمقراطية ودورها كمؤسسات خدمية، وكيانات تدير الصراعات الاجتماعية بطريقة سلمية، ومن ثمَّ تم حشرها في صراع السلطة بمعناه التسلطي. ويبدو ان وعي وتمثل السلطة كامتياز حصري، هو نقاط التقاطع بين الاحزاب السياسية والمؤسسة العسكرية (مشاركة في الانقلابات او دعم لها)، وهو نفسه ما انتج عقيدة الوصاية (البطريركية).
وللاسف بعد ان استنفدت السلطة المتسلطة مخزونها وطاقتها علي الاستمرار، لم تنتج سلطة مسؤولة ومساءلة ومحدودة النفوذ والامتيازات، كما رغبت الثورة بعد نضالاتها الاسطورية. وانما قادت للحرب الراهنة بعد انفلاق عسكر السلطة المؤدلج لكيانين يحملان ذات الثقافة والتوجهات والاطماع السلطوية.
اذا صدق اعلاه، يصدق اكثر توافر عدد من الاحباطات يجب التعامل معها وتجرعها كسم، اذا ما كنا جادين في مسعي ايقاف هذه المقتلة منها:
اولا، الطرفان المتقاتلان بقدر ما هما سبب الكارثة والمحرك الفعلي لعجلة الحرب، بقدر ما هما المعنيان بايقافها، وهذا ما لن يتم من دون توافر حوافز وضمانات تشجعهما علي ايقافها. وهذا ما يعني بدوره ليس قبول هؤلاء القادة الكوارث في المشهد فحسب، وانما قبول من يقف خلفهما، اي الاسلامويون والاماراتيون في المشهد المقبل. وعليه المهارة السياسية، اذا صدق ان قوانا السياسية لها فيها نصيب، تتجسد في كيفية الاستفادة من هذه المساحة المحبطة، وتحويلها الي آفاق رحيبة في تصب في صالح الدولة والشعب علي المدي الطويل.
ثانيا، الطرفان المتقاتلان يعانيان انعدام الثقة بينهما، ولا يؤمنان إلا بالقوة وازاحة بعضهما البعض، وهذه اكبر عقبة في طريق حل يقوم علي التفاوض. وبما انهما لا يحترمان القوي السياسية والمدنية، إلا كتابع يتم توظيفه لصالحهما، او كمنازع يفضل التخلص منه، فتاليا تاثيرهذه القوي علي ايقاف الحرب هو في حكم العدم او اقلاه لا يعول عليه.
ثالثا، آخر ما تحتاجه هكذا اوضاع ماساوية، تزداد ضراوة خسائرها الانسانية والعمرانية يوميا، هو المطالب التعجيزية او المزايدة او احلال الرغبات محل الواقع البائس. والسبب بسيط، لانه في اوضاع افضل وبما لا يقاس، عجزنا عن تحقيق منجزات في كافة المجالات، فكيف يمكن ان نستدرك ما استبدرنا في هكذا ظروف حرب وحشية؟ وعموما ليس هنالك نتائج من دون مقدمات، وطالما اخرج مجتمعنا من صلبه الكيزان، وهم بدورهم اخروجوا وحش الدعم السريع؟ فمؤكد هنالك عوامل (عيوب) مجتمعية/ثقافية اسهمت في العجز من جهة، ومن جهة مقابلة في ولادة منحرفين كالكيزان بمختلف تنوعاتهم (مدنيين، عسكريين ومليشياويين). واكبر دليل علي جهلنا بحقيقة وجودنا وقدراتنا وقيمنا، ما اظهرته هذه الحرب من احقاد واثارة فتن وتشفٍ واكاذيب واطماع وضمور الحس الانساني وتصلب في المواقف المفارقة ممن كنا نظنهم نخبة (كتاب ومثقفين ومفكرين).
وبناء علي ما سلف يجب الترحيب باي تدخل خارجي يسعي لايقاف الحرب، ومعالجة آثارها والترتيب لبناء دولة حديثة. ويصح هنالك مخاوف يثيرها التدخل الدولي، تبدأ من جهله بحقيقة التعقيدات الداخلية وما يناسب المجتمع من حلول تتلاءم مع طبيعة كل مجتمع، ومرورا بحرص الدول المتدخلة علي مصالحها، وليس انتهاء بحالة الضعف العام التي تنتاب المجتمع الدولي ومحدودية قدراته في ايجاد (فرض) الحلول علي مثيري المتاعب والحروب. وبالطبع هنالك من له حساسية بمجرد ذكر المجتمع الدولي (جوانب نفسية).
ولكن ما يبرر التدخل الدولي من اي كان، هو عدم اكتراث المتقاتلين للابرياء او البنية التحتية او مستقبل البلاد او انحدار الحرب لما لا يحمد عقباه (توسع حجم الابادة الجماعية)، وذلك بالتوازي مع عجز السياسيين والمدنيين علي الضغط لايقافها كما ذكرنا اعلاه. اي باختصار، نحن في وضع نبحث فيه كما يقول المثل في (خشم البقرة) عن اي مبادرة لايقاف هذه المقتلة. وهو ما يجعلنا ندعم بقوة المبادرة الافريقية بكافة اطرافها وبنودها. وعليه بعد الاحباط الناجم عن عجز منبر جدة في الوفاء بتطلعات المواطنين لايقاف هذه الحرب، فعلي تجمع (تقدم) وغيره من الكيانا والتجمعات والمبادرات الوطنية، الدفع في هذا الخط الافريقي لتقوية نقاط ضعفه والمتمثلة اولا، في افتقارها لآليات الضغط والتحفيز للطرفين المتقاتلين. وثانيا، كيفية تجاوز اكبر عقبات تعترض هذه المبادرة، وهي كما سلف انعدام الثقة بين الطرفين المتقاتلين، وكيفية ارضاء كل طرف ليقبل بالحل او الحد الادني؟ وبعد الاتفاق كيفية المحافظة عليه من الانهيار؟ وقبل كل شئ القدرة علي لعب دور مؤثر يُحدث اختراق في جمود هذه الاوضاع المميتة.
اما دور القوي السياسية والمدنية فيتمثل في الآتي:
اولا، تبصير اطراف المبادرة بطبعية التعقيدات الداخلية من دون اغراض للتكسب السياسي. ثانيا، ممارسة اقصي درجات المرونة سواء فيما يخص الاسلامويون او نفوذ دور الامارات والمصريين. ثالثا، عدم الانحياز لايٍ من طرفي القتال. رابعا، مراجعة هذه البنود او استبدالها اذا ما اعترضتها عقبات في الاتفاق او التنفيذ. خامسا، التركيز علي ايقاف الحرب راهنا وليس مكاسب ما بعد ايقافها.
والمفارقة ان ذات البنود كان قد رفضها البرهان قبل ثلاث او اربع شهور، سواء بسبب الطريقة الحادة التي طُرحت بها سابقا، او كالعادة نتيجة لحسابات البرهان الخاطئة بقدرته علي حسم الحرب لصالحه، ولاطماعه غير الواقعية وقبلها غير المستحقة في البقاء علي سدة السلطة، غض النظر عن الثمن. ولكنه يبدو اليوم كمن يبحث عنها او في وارد قبولها (طالما ابقت عليه كلاعب اساس في المشهد). ومن جانب الدعم السريع الذي ابدي موافقة مبدئية سابقا، هنالك صعوبة في اقناعه ببعض بنودها بعد الانتصارات التي حققها في العاصمة واقليم دارفور (خصوصا بند خروجه من العاصمة وهو يعتبرها ثمرة انتصاراته وليس دارفور كما يتوهم البعض).
واخيرا
رسالة خاصة للجياشة والدعامة، يصعب ان نخاطبكم بلغة المصلحة العامة والوطنية والانسانية، ولكن بلغة ملصحتكم الخاصة، الم تدمر هذه الحرب جل قدراتكم العسكرية وممتلكاتكم الاقتصادية وتهلك جنودكم؟ اليس هذا الخراب الذي يعم البلاد سيضر حتي باطماعكم السلطوية مستقبلا؟ كيف ستواجهون شعبكم المشرد والمغبون بعد انجلاء غبار هذه الحرب (العار)؟ ما لكم كيف تتسلطون؟ والحق يقال هنالك فارق كبير بين الجيش والدعم السريع، سواء من ناحية الانتهاكات وامتدادتها او التعدي علي الطرف الآخر ومقراته، او السردية التي يبرر بها الحرب.
وتاني قام واحد من دفعتنا مات، في هذه الحرب اللعينة، وللاسف لديه اطفال وزوجة، وابواه تلقوا فيه العزاء. يا لمرارة هؤلاء الآباء، وحفظ الله عياله الذين فقدوا عائلهم، والهم زوجته الصبر الجميل. فكل هذا من اجل ماذا؟ عليكم اللعنة! وإنا لله وإنا اليه راجعون.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ایقاف الحرب هذه الحرب بقدر ما من دون بعد ان

إقرأ أيضاً:

تصور لحل إشكالية قسمة السلطة المركزية

د. أيمن بشرى

٢٠ فبراير ٢٠٢٥

aymen.b.ahmed@gmail.com

١. المقدمة

صراع البشر على السلطة ظاهرة اجتماعية متعددة الأسباب.، إذ ان لها دوافع نفسية، اجتماعية، إقتصادية وسياسية مختلفة.

١.١ العوامل الرئيسية وراء صراعات السلطة:
١.١.١. السيطرة على الموارد:
- تاريخيًا، تنافست المجموعات على الأرض والمياه والكلا. ومع تقدم الحضارة الإنسانية وتطور أنواع الموارد صارت الصراعات الحديثة تشتمل النفط أو المعادن أو طرق التجارة الاستراتيجية. السيطرة على الموارد قد تعني القدرة على الاستمرار في الوجود (survival)، لذلك يمكن أن تتميز هذه الصراعات بالعنف المفرط.
- أشارت العديد من الدراسات الأكاديمية إلى أن التفاوت الاقتصادي أو التفاوت في توزيع الثروة داخل أي الدولة يمكن أن يؤدي إلى إشعال الصراعات.

١.١.٢ الصدامات الدينية، الأيديولوجية والثقافية:
- الاختلافات الدينية والثقافية تتسبب في الصراعات عندما تحاول أحد المجموعات إلغاء الأخر المختلف دينيا أو ثقافياً من مواضع السلطة في الدولة.
- الأنظمة السياسية: التوترات بين الديمقراطيات ضد الأنظمة الاستبدادية أو النماذج الاشتراكية ضد الرأسمالية الاشتراكية أو العلمانية صد الدولة الدينية.

١.١.٣ العوامل المؤسسية institutional والبنيوية structural:
- ضعف الحكم: يمكن أن يؤدي الفساد أو الافتقار إلى خلافة واضحة للقيادة إلى حدوث انقلابات أو حروب أهلية (على سبيل المثال، الدول الأفريقية ما بعد الاستعمار).
- القمع المنهجي: تغذي اختلالات القوة القائمة على العرق أو الطبقة أو الجنس حركات مثل الحقوق المدنية أو الحروب الأهلية المناطقية الساعية للانفصال او تحقيق مكاسب إقليمية.

١.١.٤. الدوافع النفسية والاجتماعية:
- الطموح الشخصي: السعي الشخصي للهيمنة، وهذا قد تكون له دوافع تطورية لها علاقة بنشر الجينات. فالرجال ذوو الجاه والمكانة هم الاقدر على التناسل ومن ثم إنتاج ذرية تحمل جيناتهم. هذا الدافع هو في اللا وعي.
- الخوف وانعدام الأمن: قد يسعى الأفراد والمجموعات إلى السلطة للتخفيف من التهديدات المتصورة، مما يؤدي إلى العدوان الوقائي. هذه التهديدات المتصورة قد لا تكون حقيقية ولا منطقية ولكن ربما كانت لها مرجعية تاريخية ضاربة في القدم.

١.٢ تمظهرات صراعات السلطة:
- الصراعات العنيفة: وهذه تظهر في شكل حروب، ثورات وأعمال إرهابية.
- النزاعات غير العنيفة: الانتخابات، والنزاعات القانونية، والاحتجاجات.
- الهيمنة الثقافية: الهيمنة من خلال وسائل الإعلام، أو التعليم، أو اللغة. أو كل هذه العوامل مجتمعة.

١.٣ آليات الحل:
- الأطر المؤسسية: الديمقراطيات، والهيئات الدولية (الأمم المتحدة)، وسيادة القانون.
- التفاوض/التسوية: الدبلوماسية، والمعاهدات، واتفاقيات تقاسم السلطة (انظر الفقرة التالية).
- الأنظمة العادلة:الحكم الشفاف، المساءلة، وإعادة توزيع الثروة، وقوانين مكافحة التمييز.
- التعليم: تعزيز التفكير النقدي والتفاهم بين الثقافات. والتعريف بأسس بناء الدولة الحديثة وقانون حقوق ألأنسان. تعليم النشء قيمة التعاطف empathy فهو كفيل بانفتاح المرء على الآخر المختلف وتفهم أحاسيسهم، آمالهم وأحزانهم.

١.٤ اتفاقيات تقسيم السلطة:
اتفاقيات تقاسم السلطة تُعتبر إحدى الآليات الرئيسية لتسوية الصراعات، خاصة في الحالات التي تنطوي على انقسامات عميقة داخل المجتمع، سواء كانت عرقية أو دينية أو سياسية. تعتمد هذه الاتفاقيات على توزيع السلطات السياسية والاقتصادية بين الفرقاء المتنازعين لضمان تمثيلهم في هياكل الحكم، مما يسهم في تخفيف التوترات وبناء الثقة. فيما يلي تحليل مفصل لهذه الآلية:
١.٤.١. تعريف تقاسم السلطة وأهدافه:
تقاسم السلطة هو إطار قانوني أو سياسي يُنظم توزيع المناصب والصلاحيات بين المجموعات المتنافسة، سواء عبر تحالفات حكومية أو أنظمة انتخابية تتيح تمثيل الأقليات. يهدف إلى:
- منع هيمنة مجموعة واحدة على السلطة، مما يحد من الاستقطاب .
- دمج الفصائل المتنازعة في النظام السياسي.
- تحقيق الاستقرار المؤقت كجسر نحو تسوية دائمة، خاصة في الحروب الأهلية
١.٤.٢. أشكال تقاسم السلطة
تتخذ هذه الاتفاقيات أشكالًا متعددة، منها:
- الأنظمة الانتخابية النسبية: كتخصيص مقاعد للأقليات في البرلمان، كما في لبنان عبر نظام الطائف .
- الحكومات الائتلافية: مثل حكومة الوحدة الوطنية في أيرلندا الشمالية بموجب اتفاق الجمعة العظيمة (1998).
- حق الفيتو للأقليات: لمنع تمرير قرارات تهمش مصالحها ، كما في مقدونيا، إيرلندا الشمالية وبلجيكا.
- التناوب في المناصب الرئاسية: كما في الحالة النيجيرية.
١.٤.٣ التحديات والعيوب
- ضعف الثقة بين الأطراف.
- الاعتماد على الدعم الخارجي مما يتسبب في عدم الاستقرار السياسي.
- الجمود السياسي: مثل أن تحول بعض الاتفاقيات إلى أنظمة طائفية أو عرقية تُعيق التغيير، مثل النظام اللبناني
- عدم الشمولية: استبعاد فصائل رئيسية في الدولة قد يؤدي إلى استمرار الصراع.

٢. تعقيدات القضية السودانية
٢.١. المشكلة السودانية لها تعقيدات كثيرة ويختلف المتابعون للشأن السوداني في تقييم درجة تأثير العوامل المختلفة في المحصلة الأخيرة لما آلت اليه أحوال البلاد. وكغيرها من الظواهر الإجتماعية (social phenomena) فهي بطبيعتها متعددة العوامل (muli factorial)، قد يصعب تحديد العوامل الاكثر فعالية فيها من غيرها، لتداخل تلك العوامل وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض.
٢.٢. يمكن تلخيص أهم العوامل التي أثارت ولما تزل تثير الصراعات المسلحة، التدهور السياسي والاضطرابات المجتمعية في الآتي:
• سوء توزيع السلطة والثروة
• عدم المشاركة في القرار السياسي
• الظلم التاريخي في التوظيف والابتعاث للدراسات العليا
• عدم الشفافية
• انعدام المحاسبة والمتابعة
• الفساد السياسي والإداري والمالي والاقتصادي.
• المحسوبية
٢.٣. الأسباب أعلاه كانت حاضرة حتى في ظل الفترات الديمقراطية القليلة التي عاشتها البلاد.
٢.٤. بلغ انعدام الثقة بين مكونات المجتمع السوداني مبلغاً صار معه استمرار السودان كدولة موحدة مهدداً. وبدون وضع حلول للعوامل المذكورة أعلاه سيكون من الصعب الوصول الى أي وضع يؤدي إلى الاستقرار السياسي والمجتمعي وبالتالي تطور الدولة والمجتمع.
٢.٤. كل هذه العوامل أدت إلى انعدام الحس الوطني والانتماء واسست للقبلية وتشظي الدولة.
٢.٥. المقترح المقدم في هذا المقال هو في الأساس لتعزيز الثقة وإشراك الكل في إدارة الدولة وإعلاء القيمة الوطنية.
٢.٦. المقترح يفترض أن الحرب قد توقفت، كيفما اتفق، ولكنه يمكن أن يكون الأساس الذي يمكن من خلاله إيقاف الحرب. وهو يفترض أن السودانيين قد اتفقوا على تأسيس دولة ديمقراطية حديثة تعالج اختلالات الماضي وتمنع تكرار هذه الأخطاء في المستقبل. وإن هذه الدولة تبنى على قوانين واضحة ومتفق عليها، بحيث يسهل إرجاع الأخطاء والتجاوزات أما لإشكالات في القوانين، وعندها يعمل الناس على تغيير القوانين، أو لتجاوز مسئولين في الدولة للقوانين، وعندها تتم محاسبة المخطئين.
٢.٧. المقترح يفترض أن السياسيين لهم معرفة كافية بماهية الدولة الحديثة وكيفية إدارة الدولة الحديثة عن طريق إنتاج قوانين متوافق عليها في عملية ديمقراطية في المجلس التشريعي (راجع مقال- اصلاح الكائن السياسي https://www.medameek.com/?p=160298
٢.٨. الحلول المقترحة تفترض أن نظام الحكم سواء صار مركزياً او فيدرالياً، رئاسياً او برلمانياً، لن يؤثر على هذه الحلول لان الدولة ستحتاج لمجلس وزراء مركزي لأداء مهام محددة. نوعية المهام هو ما يتأثر بمدى مركزية الدولة.

٣. مقترح قانون تشكيل مجلس الوزراء
٣.١. هناك ثلاثة طرق معمول بها لاختيار أعضاء مجالس الوزراء:.
1. يتم الاختيار حسب تقديرات الشخص أو اللجنة المسئولة مع الالتزام فقط بالكفاءة
2. يتم الاختيار بالطريقة أعلاه مع مراعاة التنوع الجغرافي.
3. يتم الاختيار وفق نسب محددة لاقاليم السودان المختلفة مع الإلتزام بشرط الكفاءة
٣.٢. هذا المقال يقدم الحجج لتفضيل الطريقة الثالثة، ويفترض أنها الأفضل لحلحلة العديد من الإشكاليات في خطوة واحدة. هذه الاشكالات فصّلت في الفقرة ٢.٢.
٣.٣. يتحتم على الشخص أو اللجنة التي تقع عليها مسؤولية تشكيل مجلس الوزراء الاستناد على قانون محدد لا يجوز اختراقه مستمد من هذا الاقتراح.
٣.٤. منصب رئيس الوزراء نفسه يمكن أن يكون دورياً، بين أقاليم البلاد المختلفة. هناك أمثلة عديدة في العالم أثبتت جدوى إجراء كهذا.
٣.٥. على الذين يعارضون هذا المقترح تقديم حججهم لدعم الطرق الأخرى في الاختيار للمساهمة في تطوير العملية الديمقراطية.
٣.٦. ولأن كل سياسة قد تكون لها مردودات سلبية مهما كانت ناجحة، فمن المهم التفكير في مثل هذه السلبيات ومحاولة وضع حلول لها.

٤. مقترح الحل للوزارات:
٤.١. معيار الكفاءة هو المعيار الأساسي في التعيين، وهناك معايير محددة لمعيار الكفاءة لكل وظيفة في الدولة.. التقسيم أدناه يفترض توفر الكفاءة ولكنه يضع حلولاً في حالة عدم توفر هذه الكفاءة
٤.٢. يقسم السودان إلى ٥ أقاليم، يمكن ان يقسم كل منها إلى ولايات او محافظات تقسم بالتالي الى بلديات. في حال تقسيم السودان لعدد مختلف من الأقاليم، يتم تعديل الارقام الواردة ادناه
٤.٣. توزع كل الادارات والمؤسسات في الدولة (الطرق والكباري، الصحة العامة، الخ) الي ١٥ وزارة.
٤.٥. تقسّم الوزارات الى ثلاثة مجموعات،٥ وزارات سيادية، ٥ وزارات اقتصادية و ٥ وزارات خدمية. هذا التقسيم يمكن ان يراجع ولكن الهدف منه سيتضح لاحقاً.
٤.٦. عند تكوين الحكومة يرشح خمس وزراء من كل إقليم لكل واحدة من الوزارات في المجموعات الثلاثة..يقوم رئيس الوزراء او اللجنة المختصة، باختيار الوزراء بحيث يكون هناك وزير من كل إقليم لكل مجموعة وزارية (عدالة توزيع السلطة).
٤.٧. في حال فشل إقليم ما بترشيح أحد لشغل منصب وزير نتيجة لعدم وجود كفاءات أو رغبة عند من تم ترشيحه، يقوم هذا الإقليم عبر ممثليه في البرلمان (او جهة اخرى في حالة الحكومة الانتقالية) باختيار وزير ينتمي لإقليم آخر (الشفافية. المشاركة في اتخاذ القرار السياسي، مع الاحتفاظ بشرط الكفاءة).
٤.٨. يعوض هذا الإقليم في حالة عدم وجود كفاءات من الإقليم، بتكفل الدولة بمصروفات تأهيل ٥ من ابناء الاقليم في نيل درجة الدكتوراة في جامعات عالمية وترشيح ٥ آخرين للعمل في منظمات دولية باسم السودان وتوظيف خريجين من الإقليم في الوزارة المعنية (التعويض عن الظلم التاريخي للإقليم المعني).
٤.٩. لا يجوز وجود وزيرين من نفس المكون القبلي في أي حكومة (حقيبة وزارية).
٤.١٠. في حالة عدم وجود اكفاء من مجموعات قبلية اخرى في الاقليم، يقوم ممثلو الإقليم من غير المكون القبلي المؤهل بترشيح احد ابناء المكون القلبي المؤهل او ترشيح شخص من اقليم اخر للوزارة.
٤.١١. يتم الترشيح لمنصب وزير الدولة او نائب الوزير بنفس الطريقة
٤.١٢. لا يجوز ان يكون الوزير ووزير الدولة من نفس الإقليم
٤.١٣ لا يجوز ان يكون الوزير ووزير الدولة من إقليم محدد في نفس الوزارة لأكثر من مرة واحدة في كل ٣ حكومات تتكون. في حالة الاضطرار بسبب عدم توفر الكفاءات، يتم الرجوع للنقاط ٤.٧ و ٤.٨ بخصوص عدم توفر الكفاءات.
٤.١٤. يجب على الأحزاب الالتزام بالتقسيم أعلاه بغض النظر عما اذا كان هناك حزب واحد أو أحزاب ائتلاف عند تكون الحكومات الديمقراطية.

٥. مقترح الحل للوظائف القيادية العليا في الدولة والإدارات التابعة لها
٥.١. يتم التعيين كل الوظائف القيادية العليا في الدولة في كل الوزارات والادارات بناء على التقسيم اعلاه (النقطة ٤)، كما يتبع نفس أسلوب التعويض في حال انعدام الكفاءة في الاقليم او المكون القبلي المعني.
٥.٢. شرط التعويض لا يطبق في حالة وجود الكفاءات ولكن عدم الرغبة في الوظائف هو سبب عدم وجود أشخاص من المكون الإقليمي أو القبلي..

٦. اللجان القومية
٦.١. تكون كل اللجان القومية بعدد متساوي من الأعضاء من الأقاليم المختلفة. تشمل هذه اللجان اللجان العلمية (مثلاً اللجنة القومية لإرشادات مرض السكرى)، مهنية، رياضية او غيرها طالما اتخذت اللجنة صفة "قومي/قومية".
٦.٢. المسئوليات المختلفة في اللجان (رئيس، سكرتير، الخ) تكون دورية بين الأقاليم. أي استثناءات يجب إجازتها من الوزير المعني مع نسخة لمكتب رئيس الوزراء والبرلمان.
٦.٣. القرارات الصادرة من اللجان التي لا تلتزم بهذا المعيار تعتبر لاغية وغير ملزمة.
٦.٤.تعتبر المشاركة في اللجان التي تخالف هذه المادة مخالفة إدارية تستدعي المحاسبة.

٧. الفوائد التي ستعود على الدولة:
٧.١. تحديد أسس الديمقراطية التي يراد إرساءها بالقوانين التي يسهل متابعة تنفيذها وتقييمها.
٧.٢. مشاركة المواطنين، وذلك عبر ممثليهم في البرلمان في إنتاج القوانين التي تحكم الدولة.
٧.٣. العدالة: بالاتفاق على تحديد الكيفية التي يتم على أساسها تقاسم السلطة المركزية.
٧.٤. الشفافية: من خلال العملية التي يتم بها اختيار الوزراء. فمجرد إبعاد الشكوك يساعد على بناء الثقة في مؤسسات الدولة والقائمين عليها.
٧.٥. تقبل الآخر عن طريق القانون بحيث لا يُظن إن هناك واهب وهناك موهوب اليه.
٧.٦. تقليل خطر إساءة استخدام السلطة: وذلك بمنع وضع سلطة بلا حدود لأشخاص محددين لاختيار الوزراء وكبار قيادات الدولة.
٧.٧. ربما يساعد هذا القانون في إصلاح الطريقة التي ستتكون بها الأحزاب في المستقبل، فتصير أكثر قوميةً في انتشارها وفي تكوينها الهرمي للقيادة، مما يساعد في تكوين هوية قومية ووجدان مشترك.

٨. الخلاصة:
إن الدول لا تبنى بالأماني والنوايا الطيبة فقط ولكن بدراسة الواقع ومقاربته مع التجارب البشرية العالمية لإستلهام العبر والدروس. معالجة إشكالية السلطة هي اولى خطوات الاستقرار السياسي والاجتماعي والذي بدونهما لن يتحقق نمو اقتصادي ولا ازدهار في المجتمع. معادلات قسمة السلطة هي أحد الطرق المجربة والتي ساعدت عدة بلدان في الوصول الى الاستقرار المطلوب (سيرلانكا، كينيا واندونيسيا).  

مقالات مشابهة

  • استطلاع رأي عبري: 53% يؤيدون إنهاء حرب غزة حتى لو بقيت حماس بالسلطة
  • الإسرائيليون يؤيدون صفقة تبقي حماس على رأس السلطة في غزة 
  • «الدعم السريع» توقع ميثاقاً لتشكيل حكومة «موازية» في السودان
  • تصور لحل إشكالية قسمة السلطة المركزية
  • السودانيون لا توحدهم حكومتان
  • رويترز: الدعم السريع توقع ميثاقا لتشكيل حكومة موازية بالسودان
  • المنفي يلتقي شبكة الأحزاب السياسية الليبية
  • بلا مجاملة
  • بعد شهرين من الأزمة.. الكتل السياسية في ديالى تتوصل إلى اتفاق ينهي تعطيل المجلس
  • جملة تداولها جمهور مسلسل حكيم باشا بعد عرض البرومو.. «يا مرحب بيك»