رفعت العرعير.. اللسان الإنجليزي للمقاومة في غزة
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
أكاديمي وشاعر ومترجم فلسطيني، من مواليد غزة، حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة بوترا بماليزيا عام 2017. كان أستاذا للأدب الإنجليزي بالجامعة الإسلامية في غزّة، وأحد أعمدة القسم الإنجليزي بالمركز الفلسطيني للإعلام. استشهد في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2023 جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة رفقة شقيقه وشقيقته وأولادها الأربعة.
وكان العرعير المؤسس والمشرف على قسم الإعلام الاجتماعي (السوشيال ميديا) في المركز الفلسطيني للإعلام، وأحد مؤسسي مشروع "نحن لسنا أرقاما" الذي جمع مؤلفين من غزة بشخصيات أدبية من الخارج لمساعدتهم على كتابة قصص عن واقعهم بالإنجليزية.
المولد والنشأةوُلد رفعت رفيق سعيد العرعير في حي الشجاعيَّة -الواقع شرق مدينة غزة- يوم 23 سبتمبر/أيلول 1979 من عائلة كافحت في ظل ظروف قاسية من أجل تعليم أبنائها، واستلهم رفعت شغفه بالعلم من قصة كفاح والدته من أجل الدراسة.
وكان له شقيق يدعى حمادة استشهد في غارة جوية إسرائيلية عام 2014، وفي السابع من ديسمبر/كانون الأول 2023 استشهد الدكتور العرعير مع شقيق آخر وشقيقة له وأبنائها الأربعة. وقد كان متزوجا وأبا لـ 3 أبناء.
الدراسة والتكويندرس العرعير المرحلة الابتدائية والثانوية في مدارس غزة، ثم توجه إلى الجامعة الإسلامية حيث حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 2001، ومنها إلى جامعة "يونيفرستي كوليدج" بلندن حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي عام 2007، ثم انتسب إلى جامعة بوترا في ماليزيا وحصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي.
المسيرة العلمية والنضاليةلم يفصل العرعير بين مساره التعليمي وقضية بلده فلسطين، حيث اختار أن يكون اللسان الإنجليزي الناطق باسم وطنه المحتل لينقل واقع وحقيقة الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ أن بدأ التدريس عام 2007 حرص على تعليم تلاميذه قواعد سرد الرواية الفلسطينية التي تمزج بين الحياة والمقاومة لينقلها إلى العالم على جسور الإنجليزية التي أجادها وامتهن تدريسها.
وتحتل اللغة موقعا مركزيا في حياة العرعير، بما مثلته من أداة لتجاوز الحصار على فلسطين وروايتها، ووسيلة لبسط نقيض الأطروحة الإسرائيلية، لذلك حرص طيلة الأعوام التي قضاها في غزة على تدريب طلابه وتطوير قدراتهم وتنمية معارفهم ليتمكنوا من المساهمة في سرد الرواية الحقيقية للقضية الفلسطينية، ومواجهة ما يبثه الإسرائيليون من سرديات وروايات.
وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، ساهم العرعير في تأسيس موقع "نحن لسنا أرقاما" من أجل توثيق حكايات وقصص شهداء العدوان.
العرعير اغتالته إسرائيل يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2023 (مواقع التواصل)خلال العدوان الإسرائيلي على غزة ردا على عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ساهم العرعير في تأسيس صفحة "شهداء غزّة" التي توثق صور وقصص الشهداء، ويعرف الهدف من إنشائها بالقول "لأنهم ليسوا أرقامًا، هُنا نحكي قصة الشهداء، حياتهم، ذكرياتهم، أحلامهم.. اكتبوا لنا وأرسلوا، لنحكي لكلّ العالم عن شهداء غزة".
وحرص العرعير على ترجمة كل ما يكتب على هذه الصفحة إلى الإنجليزية ليصل إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين من جميع الشعوب والفئات إيمانا منه بأن اللغة وسيلة للتحرر من الحصار الإسرائيلي المطبق على غزة، ووسيلة بث فوري تتحدى جدار الفصل الفكري والأكاديمي والثقافي الذي تحاول إسرائيل تطويق الفلسطينيين به، وليلفت انتباه العالم إلى بشاعة ما يحدث في غزة خاصة، وفي فلسطين عامة.
وطوال مسيرته الأكاديمية والمهنية سعى العرعير لتوثيق الرّواية الشّفويّة لكبار السّنّ من الفلسطينيين وسرد قصصهم، معتبرا أن التاريخ الشفهي الفلسطيني قادر على دعم استمرارية المقاومة في بعدها الثقافي، وأن اندثار هذا التاريخ بسبب وفاة هذه الفئة العمريّة أو بسبب التكنولوجيا الحديثة لا يخدم القضية الفلسطينية.
وفسر العرعير هذا التوجه النضالي حيث قال "كفلسطينيين تحت الاحتلال، تتجاوز رواية القصص القيمة التعليمية إلى الحاجة الملحة لامتلاك روايتنا، وهو الأمر الذي يعيد القوة للمجتمع بدلا من النخبة. إن القصص التي يمكن أن يرويها الناس عن أرض ما هي دليل على حقهم في تلك الأرض".
وقفة احتجاجية نظمها ناشطون لتأبين الدكتور العرعير (مواقع التواصل)وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة 2023، ظهر العرعير إعلاميا على العديد من القنوات التلفزية الغربية الناطقة بالإنجليزية حرصا منه على فضح جرائم العدوان بحق القطاع وإيصال صوت غزة إلى العالم الخارجي، كما أعلن عن رفضه مغادرة شمال غزة رغم القصف الإسرائيلي.
الوظائف والمسؤولياتعام 2007 عمل أستاذا بالجامعة الإسلامية في غزة متخصصا بالأدب العالمي والكتابة الإبداعية.
عمل في القسم الإنجليزي بالمركز الفلسطيني للإعلام.
مؤسس ومشرف قسم الإعلام الاجتماعي بالمركز الفلسطيني للإعلام.
المؤلفاتنشر للعرعير عام 2014 كتاب "غزة تعود للكتابة" وبعد عام "غزة تخرج عن صمتها".
كما نشر العديد من المقالات بالإنجليزية في صحف غربية مثل افتتاحية لنيويورك تايمز سنة 2021.
استشهادهاستشهد العرعير في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2023 ومعه شقيقه خلال ضربة جوية نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية على منزل شقيقته (شمال غزة) والتي استشهدت وأولادها الأربعة، وذلك خلال العدوان على غزة ردا على عملية "طوفان الأقصى".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دیسمبر کانون الأول 2023 الفلسطینی للإعلام العرعیر فی على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
محمود الجارحي يكتب: 7 مشاهد من معركة الإسماعيلية
في 25 يناير عام 1952 سطرت الشرطة المصرية واحدة من ملاحمها الخالدة في التاريخ المصري، هي معركة الإسماعيلية المجيدة، عندما تصدت قوات الشرطة المصرية بعدادها وعتادها المتواضع لجيش بريطانيا العظمى أكبر دولة في العالم.. ولم تخلُ من الدروس والشواهد على عظمة الشعب المصري والشرطة والمعجزات التي يصنعها اتحادهما معا، ومعهما القوات المسلحة وجيش مصر الأبي، لتأبى صفحات التاريخ أن تتعاقب إلا بتسجيل هذه الملحمة التي عكست نبل وتضحيات الشخصية المصرية على مر التاريخ.
وبالتزامن باحتفالات الشرطة بعيدها الـ73 تحدث اللواء عادل عبدالعظيم، مساعد وزير الداخلية السابق، عن تلك الملحمة بقوله إنّ معركة الإسماعيلية هي التي مهدت الطريق أمام ثورة يوليو 1952، وأنهت الحكم الملكي في مصر، لافتا إلى أنّ توثيق معركة الشرطة ضد الاحتلال في الإسماعيلية حق أصيل للأجيال.. لترسيخ التضحيات والانتماء والولاء للوطن، وإلقاء الضوء عليها، بالتوازي مع تضحيات القوات المسلحة والشرطة.. هنا نروي ما حدث في ذلك اليوم التاريخي، نستعرضه في المشاهد التالية:
المشهد الأول: نوفمبر وديسمبر عام 1951حكومة الوفد قررت الاستجابة لمطلب الشعب بإلغاء معاهدة 1936، وأعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس في مجلس النواب يوم 8 أكتوبر 1951، إلغاء المعاهدة التي فرضت على مصر الدفاع عن مصالح بريطانيا. تتصاعد الأمور، ويقرر 91 ألف عامل مصري مغادرة معسكرات البريطانيين للمساهمة في حركة الكفاح الوطني، التجار يمتنعون عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية.
تتوتر الأجواء بين الشعب المصري وقوات الاحتلال الإنجليزي، الأعمال الفدائية ضد قوات بريطانيا العظمى تصل إلى ذروتها، وتكبدت قوات الاحتلال خسائر فادحة، أعمال التخريب والأنشطة الفدائية تشتد وتتصاعد وتيرتها ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم في منطقة القناة من خلال الفدائيين، تكبدت قوات الاحتلال البريطاني خسائر لا تقدر بثمن، في نفس الوقت ينسحب العمال المصريون من العمل في معسكرات الإنجليز، ما أدى إلى وضع القوات البريطانية في منطقة القناة في حرج شديد.
وأزعجت تلك الأفعال حكومة لندن، فهددت باحتلال القاهرة إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، غير أنّ الشباب لم يهتموا بهذه التهديدات ومضوا في خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربي البريطاني، واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة، أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة.
المشهد الثاني: الجمعة 25 يناير عام 1952يستدعي القائد البريطاني في منطقة القناة، «البريجادير إكسهام»، ضابط الاتصال المصري، وسلّمه إنذارا لتُسلِّم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.
وجاء هذا الإنذار بعد أن أدرك البريطانيون أنّ الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة، لذا خطط الاحتلال لتفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أي غطاء أمني.
المشهد الثالث: الجمعة 25 يناير.. مكتب وزير الداخليةيجلس وزير الداخلية فؤاد سراج الدين في مكتبه، يتلقى اتصالا من قائد قوات الشرطة في الإسماعيلية، اللواء أحمد رائف، كان نصها:
- ألو.. حولني على فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية.
- مين يا أفندم؟ أنا اللواء أحمد رائف، قائد بلوكات النظام في الإسماعيلية.
- حاضر يا أفندم..
- معالي الوزير صباح الخير يا أفندم..
- صباح النور.. يا أفندم قوات الاحتلال البريطاني وجهت لنا إنذار برحيل قوات البوليس عن مدينة الإسماعيلية، واحنا يا أفندم رافضين وقررنا المقاومة ومنتظرين تعليمات سعادتك..
- هتقدروا يا أحمد؟..
- يا أفندم مش هنسيب الإسماعيلية حتى لو ضحينا بآخر نفس فينا.
- ربنا معاكم.. استمروا في المقاومة.
المشهد الرابع: مكتب القائد البريطاني «البريجادير إكسهام»يشتد غضب القائد البريطاني في القناة، بعد رفض رحيل قوات البوليس، ويأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية، تتحرك القوات، ويحاصر أكثر من 7 آلاف جندي بريطاني مبنى محافظة الإسماعيلية، والثكنات التي كان يدافع عنها 850 جنديا فقط، ما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة.
ويقابل قائد قوات الاحتلال (إكسهام) اليوزباشي مصطفى رفعت، قائد بلوكات النظام الموجودة بمبنى محافظة الإسماعيلية لإخلاء المبنى، وكان هذا نص المكالمة:
- إذا أنت لم تأخذ قواتك من حول المبنى.. سأبدأ أنا الضرب، لأن تلك أرضي، وأنت الذي يجب أن ترحل منها ليس أنا.. وإذا أردتم المبنى.. فلن تدخلوه إلا ونحن جثث.
ثم تركه ودخل إلى مبنى المحافظة.
وداخل مبنى المحافظة يتحدث اليوزباشي مصطفى رفعت إلى جنوده وزميله اليوزباشي عبدالمسيح، وقال لهم ما دار بينه وبين (إكسهام)، فما كان منهم إلا أن أيدوا قراره بعدم إخلاء المبنى، وقرروا مواجهة قوات الاحتلال، على الرغم من عدم التكافؤ الواضح في التسليح؛ حيث كانت قوات الاحتلال تحاصر المبنى بالدبابات وأسلحة متطورة شملت بنادق ورشاشات وقنابل، فيما لا يملك رجال الشرطة سوى بنادق قديمة نوعا ما.
المشهد الخامس: المعركةالقوات البريطانية تقوم بإطلاق قذيفة دبابة كنوع من التخويف لقوات الشرطة، أدت إلى تدمير غرفة الاتصال «السويتش» بالمبنى، وأسفرت عن استشهاد عامل الهاتف، بدأت بعدها المعركة بقوة، والتي شهدت في بدايتها إصابة العشرات من رجال الشرطة واستشهاد آخرين.
اليوزباشي مصطفى رفعت، قائد قوة بلوكات النظام الموجودة داخل مبنى المحافظة، يخرج إلى ضابط الاحتلال البريطاني في مشهد يعكس مدى جسارة وشجاعة رجل الشرطة المصري، فتوقفت الاشتباكات ظنا من قوات الاحتلال أنّ رجال الشرطة سيستسلمون، ولكنهم فوجئوا بأنّ اليوزباشي مصطفى رفعت يطلب الإتيان بسيارات الإسعاف لعلاج المصابين وإخلائهم قبل استكمال المعركة، وفقا لتقاليد الحرب الشريفة التي اعتاد عليها المصريون.
قوة الاحتلال رفضت واشترطت خروج الجميع أولا والاستسلام، وهو ما رفضه اليوزباشي مصطفى رفعت، وعاد إلى جنوده لاستكمال معركة الشرف والكرامة، والتي لم يغب عنها أيضا أهالي الإسماعيلية الشرفاء؛ حيث كانوا يتسللون إلى مبنى المحافظة؛ لتوفير الغذاء والذخيرة والسلاح لقوات الشرطة، رغم حصار دبابات الاحتلال للمبنى.
المشهد السادس: النصر أو الشهادةتستمر الاشتباكات بشراسة، بدأت الذخيرة في النفاد من رجال الشرطة المصرية، ولكنهم رفضوا أيضا مجرد فكرة الاستسلام، فقرأوا جميعا فاتحة كتاب الله والشهادتين، بمن فيهم الضابط المسيحي اليوزباشي عبدالمسيح، وقرروا القتال حتى آخر طلقة، وقرر اليوزباشي مصطفى رفعت الخروج من المبنى لقتل قائد قوات الاحتلال (إكسهام)، أملا منه في أن يؤدى ذلك إلى فك الحصار وإنقاذ زملائه، وبالفعل عندما خرج، توقف الضرب كالعادة، ولكنه فوجئ بضابط آخر أعلى رتبة من (إكسهام)، وبمجرد أن رأى هذا الضابط اليوزباشي مصطفى رفعت، أدى له التحية العسكرية، فما كان من اليوزباشي رفعت إلا أن يبادله التحية وفقا للتقاليد العسكرية، وتبين بعد ذلك أن ذلك الضابط هو الجنرال (ماتيوس)، قائد قوات الاحتلال البريطاني في منطقة القناة بالكامل.
المشهد السابع: حوار الكرامةيتحدث الجنرال (ماتيوس) إلى اليوزباشى مصطفى رفعت، وقال له إنهم فعلوا ما عليهم بل أكثر، وإنهم وقفوا ودافعوا عن مبنى المحافظة ببطولة لم تحدث من قبل، وإنهم أظهروا مهارة غير عادية باستخدامهم البنادق التي معهم ووقوفهم بها أمام دبابات وأسلحة الجيش البريطاني المتعددة، ولا مفر من وقف المعركة بشرف، فوافق اليوزباشي مصطفى رفعت على ذلك، مع الموافقة على شروطه، وهي أن يتم نقل المصابين وإسعافهم بشكل فوري، وأنّ الجنود الذين سيخرجون من المبنى لن يرفعوا أيديهم على رؤوسهم، بل سيخرجون بشكل عسكري يليق بهم، مع تركهم لأسلحتهم داخل المبنى، فوافق الجنرال (ماتيوس) على تلك الشروط، وتم خروج قوات الشرطة بشكل يليق بها وهم في طابور منظم.