زهرة خارقة تُلهم علماء إنتاج أدوية أرخص وصديقة للبيئة
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
استوحى علماء من جامعة باث البريطانية آلية طبيعية دفاعية تعطي زهرة "أولدنلانديا أفينيس" الاستوائية قوة خارقة في مواجهة التهديدات، وقاموا بتوظيفها من أجل إنتاج أدوية أفضل وأكثر صداقة للبيئة.
وتعمل معظم الأدوية عن طريق الالتصاق ببروتينات معينة في أجسامنا. وعوضا عن الأدوية المعتادة التي تستخدم جزيئات صغيرة، يسعى العلماء لاستكشاف بروتينات صغيرة تسمى "الببتيدات" يمكنها القيام بالوظيفة نفسها بشكل أفضل.
ولكن العائق الذي دائما ما يواجه العلماء هو أن تلك "الببتيدات" هشة وتتفكك وتكافح للوصول إلى الخلايا حيث تكون هناك حاجة إليها، وهي المشكلة التي وجد الباحثون من قسم علوم الحياة بجامعة باث حلا لها، استلهموه من الآلية الدفاعية التي تستخدمها زهرة "أولدنلانديا أفينيس"، وأعلنوا عن تفاصيل هذا الحل في دراسة نشرتها دورية "الجمعية الكيميائية الأميركية".
وتتضمن الآلية الدفاعية التي تستخدمها الزهرة إنتاج "البروتينات الحلقية" التي تعمل كرادع للحيوانات المفترسة أو التهديدات، فعندما يتعرض النبات للهجوم أو يواجه الإجهاد، فإنه ينتج هذه البروتينات المتخصصة، والتي قد تتداخل مع الجهاز الهضمي للحيوانات العاشبة أو تعطل العمليات في الآفات التي تحاول أن تتغذى على النبات، وتساعد هذه الآلية الدفاعية النبات على تثبيط أو منع الضرر الذي تسببه الحيوانات العاشبة أو مسببات الأمراض، مما يساهم في بقائه في بيئته الطبيعية.
بين البروتينات الخطية والحلقيةوتمتلك أغلب البروتينات "بنية خطية"، وهذا هو الشكل الشائع في الطبيعة، حيث تتكون من سلسلة من الأحماض الأمينية -التي هي اللبنات الأساسية للبروتينات- مرتبة في بنية تشبه السلسلة الخطية، حيث يبدأ هذا الترتيب الخطي بمجموعة أمينو في أحد الأطراف (النهاية N)، وينتهي بمجموعة الكربوكسيل في الطرف الآخر (النهاية C)، ويحدد تسلسل الأحماض الأمينية في هذه السلسلة الخطية بنية البروتين ووظيفته.
أغلب البروتينات تمتلك بنية خطية وهذا هو الشكل الشائع في الطبيعة حيث تتكون من سلسلة من الأحماض الأمينية (شترستوك)والاختلاف بينها وبين البروتينات الحلقية، أن الأخيرة تُربط نقاط بداية البروتين ونهايته (أطرافه) معا، لتشكل حلقة مغلقة أو بنية حلقية، ويتم إنشاء هذه البروتينات الحلقية عن طريق ربط الأطراف السائبة لسلسلة البروتين، مما يجعلها أكثر استقرارا ومقاومة للتفكك أو التدهور مقارنة بنظيراتها الخطية.
وأدرك العلماء منذ فترة طويلة، أن استقرار "البروتينات الحلقية" يجعلها مرشحة بشكل كبير للاستخدام في إنتاج الأدوية، ولكن ظلت الكيفية الاقتصادية والصديقة للبيئة، التي يمكن من خلالها إنتاج هذه البروتينات غير واضحة بشكل كبير، ويزعم الباحثون من جامعة باث أن دراسة آلية إنتاج تلك البروتينات في زهرة " أولدنلانديا أفينيس"، وضعهم على الطريقة الصحيح.
كيف تنتج الزهرة البروتينات الحلقية؟ويلعب الإنزيم المعروف باسم (OaAEP1) الموجود في زهرة "أولدنلانديا أفينيس"، الدور المهم في عملية إنتاج البروتينات الحلقية، فعلى وجه التحديد، يساعد في عملية تدوير بعض البروتينات أو الببتيدات داخل النبات، حيث يتعرف على تسلسلات محددة داخلها، ويساعد في ربط أطرافها السائبة معا، مما يؤدي إلى إنشاء الهياكل الدائرية المغلقة التي تعرف بـ "البروتينات الحلقية".
استخدام العلماء بكتيريا "الإشركية القولونية" لإنتاج أسرع وأبسط وأكثر أمانا للبروتين الحلقي (شترستوك)ووفق بيان صحفي صادر عن جامعة باث، قال الباحثون في قسم علوم الحياة بالجامعة، إن النباتات تقوم بهذه العملية لإنتاج البروتينات الخطية، ولكن ببطء، وعند محاولة محاكاتها كيميائيا سيكون الأمر معقدا ويحتاج لمواد كيميائية ضارة، وكان الحل الذي اهتدى له العلماء هو استخدام بكتيريا "الإشركية القولونية"، لإنتاج أسرع وأبسط وأكثر أمانا للبروتين الحلقي.
وقام العلماء بتعديل الإنزيم الطبيعي الموجود بالزهرة، ووجدوا أنه عند وضعه في البكتيريا عمل على تكوين بروتينات وببتيدات حلقية قوية، ثم اختبروا هذه الطريقة على إنزيم موجود في خلايا العديد من الكائنات الحية، بما في ذلك البشر، وهو إنزيم "اختزال ثنائي هيدروفولات" (المعروف اختصارا بـDHFR) ، ووجدوا أنه يمكن استخدامه بنفس الطريقة لإنتاج "بروتين حلقي" عن طريق البكتيريا.
وإنزيم "اختزال ثنائي هيدروفولات" وظيفته في الكائنات الحية -بما في ذلك البشر- تحويل ثنائي هيدروفولات إلى رباعي هيدروفولات، وهي خطوة أساسية في تخليق النيوكليوتيدات (اللبنات الأساسية للحمض النووي دي إن إيه، والحمض النووي الريبوزي آر إن إيه والأحماض الأمينية).
ويلعب هذا الإنزيم دورا حاسما في انقسام الخلايا ونموها، لأنه يشارك في توفير اللبنات الأساسية اللازمة لتكرار الحمض النووي وتكاثر الخلايا. ونظرا لأهميته في هذه العمليات الخلوية الأساسية، يعد هدفا شائعا لبعض الأدوية، خاصة في العلاج الكيميائي للسرطان والعلاجات المضادة للميكروبات، ويمكن أن يؤدي تثبيط نشاطه إلى تعطيل تخليق الحمض النووي وانقسام الخلايا، وهي إستراتيجية تستخدم غالبا لوقف نمو الخلايا السرطانية أو بعض الكائنات المعدية.
الباحثون متحمسون للتطبيقات المحتملة لإنتاج البروتينات الحلقية من نبات فقد تفيد الصناعات الأخرى (شترستوك) إنتاج الأدوية وصناعات أخرىفي حديث عبر البريد الإلكتروني لـ"الجزيرة نت"، يقول جودي ماسون الباحث في قسم علوم الحياة بجامعة باث والباحث الرئيسي بالدراسة: إن الجزيئات الصغيرة التي تستخدم في الأدوية لا تحقق الفعالية المطلوبة في الالتصاق ببروتينات معينة في أجسامنا، وذلك لأنها عادةً ما تكون مسطحة ولا يمكن للجزيء الصغير تشكيل نقاط اتصال كافية.
ويوضح أن "الببتيدات تمثل أرضية وسطية مناسبة، فهي كبيرة بما يكفي للالتصاق والتفاعل مع البروتينات في أجسامها، ولكنها صغيرة بما يكفي لتكون قادرة على الدخول إلى الخلايا، لذلك فإن البروتينات الحلقية هي الحل".
ويضيف أن الميزة في عملنا أننا أنتجنا تلك البروتينات الحلقية دون حاجة إلى مواد كيميائية باهظة الثمن، حيث يمكن إجراء العملية برمتها داخل البكتيريا باستخدام عمليات الإنتاج الداخلية الخاصة بها، والنتيجة إنتاج بخطوات أبسط وأسهل وأكثر نظافة ومراعاة للبيئة.
وإلى جانب صناعة الأدوية، فإن الباحثين متحمسون إزاء التطبيقات المحتملة لعملية إنتاج البروتينات الحلقية المستوحاة من نبات، حيث يمكن أن تفيد الصناعات الأخرى مثل صناعة المواد الغذائية، كما يؤكد ماسون.
وتحقق هذه النوعية من البروتينات عده مزايا لصناعات الأغذية، وهي:
الاستقرار المعزز: تميل البروتينات الحلقية إلى أن تكون أكثر استقرارا ضد عوامل مثل الحرارة وتغيرات الرقم الهيدروجيني والإنزيمات مقارنة بنظيراتها الخطية، ويمكن أن يكون هذا الاستقرار مفيدا في معالجة الأغذية، حيث قد تواجه البروتينات ظروفا قاسية أثناء التصنيع أو التخزين أو الطهي. المكونات الوظيفية: قد تمتلك بعض البروتينات الحلقية خصائص وظيفية فريدة يمكن أن تكون مفيدة في تركيبات الأغذية، فعلى سبيل المثال، قد تعمل كمستحلبات أو مكثفات أو مثبتات، مما يحسن نسيج المنتجات الغذائية ومدة صلاحيتها. المركبات النشطة بيولوجيا: قد تظهر بعض البروتينات الحلقية نشاطا حيويا، مثل الخصائص المضادة للميكروبات أو مضادات الأكسدة، ودمج هذه البروتينات في التركيبات الغذائية يمكن أن يعزز القيمة الغذائية أو يطيل العمر الافتراضي للمنتجات الغذائية بشكل طبيعي. سلامة الأغذية: فيمكن استخدام البروتينات الحلقية أيضا في تطوير المواد الحافظة الطبيعية أو العوامل المضادة للميكروبات لمنع نمو الكائنات الحية الدقيقة الضارة في الغذاء.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذه البروتینات یمکن أن
إقرأ أيضاً:
حزب العدل يستعرض أبرز توصيات مائدته المستديرة في اليوم الوطني للبيئة
نظم حزب العدل مائدة مستديرة تحت عنوان «اليوم الوطني للبيئة»، وذلك تزامنًا مع الاحتفال بذكرى تخليد قانون 4 الذي صدر منذ 31 عامًا، بمقر الحزب في التجمع الخامس.
التدريب والتثقيفوأكدت الدكتورة إيفا فارس، مساعد أمين التدريب والتثقيف بحزب العدل، على أهمية أن يكون لمصر يوم وطني للبيئة يتم الاحتفال به سنويًا، بهدف شحذ الوعي البيئي لدى الأفراد وتشجيعهم على تبني سلوكيات صديقة للبيئة، فضلًا عن تأكيد التزام الدولة بتنفيذ رؤية مصر 2050.
كما شددت على أن البيئة كنز منحه الله لنا، والحفاظ عليه مسؤولية لا يمكن التهاون فيها، حيث يؤدي أي تهاون إلى تعريض كوكبنا وحياتنا للخطر.
الاهتمام بالمخلفات الصلبةوأوضحت أن أبرز التوصيات تمثلت في ضرورة الاهتمام بالمخلفات الصلبة باعتبارها ثروة، والتعامل مع مخلفات المجازر لكونها قنبلة موقوتة، وحوكمة القوانين البيئية وتفعيلها بقوة مع وضع تشريعات خاصة بالبلاستيك لمخاطره الجسيمة، وإنشاء برامج توعية للمزارعين حول أهمية دورهم في حماية البيئة والصحة العامة، وتوجيه المجتمع المدني والمؤسسات الدولية الخاصة بتمويل ملفات البيئة نحو الاقتصاد الأخضر وإيجاد حلول بديلة للتمويل، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في استغلال المخلفات واستثمارها للحد من خطورتها، واستثمار فتيات الخدمة العامة كبديل للرائدات الريفيات لنشر برامج توعية بيئية منظمة، إضافة إلى تضافر الجهود والتنسيق بين الجهات المعنية باعتبار أن العمل البيئي عمل متشابك يتطلب التنسيق للوصول إلى نتائج وحلول سريعة.