العلماء الروس يكتشفون طفيليات القوارض والطيور المائية لدى الخفافيش
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
وجد فريق من الباحثين بقيادة ماريا أورلوفا، العالمة في جامعتي "تومسك" و"تيومين" الطبية بغرب سيبيريا، أن الخفافيش تحمل براغيث القوارض وطفيليات الطيور المائية.
أفادت بذلك الخدمة الصحفية في جامعة "تومسك" الحكومية. وجاء في تقرير صادر عنها، إن مجموعة من الباحثين تدرس الخفافيش كمصدر للخطر البيولوجي. ويجد العلماء المزيد من الأدلة على أن الخفافيش تتفاعل بنشاط مع البشر والحيوانات.
وحسب أورلوفا، فلا توجد في الوقت الحالي معلومات علمية شاملة حتى عن تصنيف الخفافيش، ناهيك عن الطفيليات، ولا يزال انتشار العديد من الإصابات على مساحات شاسعة يتمثل في معلومات مجزأة وغير كاملة.
في الوقت نفسه، فاستنادا إلى نتائج أبحاثهم الخاصة، وجد علماء الأحياء المزيد من الأدلة على وجود اتصالات عديدة بين الخفافيش من جهة والحيوانات والبشر من جهة أخرى، مما يزيد من فرص انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ، مثل مرض (الريكتسيوس) الذي يسبب أنواعا مختلفة من الحمى. والآن ينخرط العلماء عن كثب في دراسة حالات العدوى المنتشرة بين الخفافيش الاصطناعية، أي التي تعيش في مدن قريبة من البشر.
وبشكل عام فهناك الكثير من الخفافيش تعيش في المدن، لكن العلماء لم يعطوا في السابق أي أهمية لذلك. وفي الوقت الحاضر تظهر في كل مدينة كبيرة تقريبا مراكز تطوعية تعمل على إعادة تأهيل هذه الحيوانات، حيث أن عددا كبيرا منها يعود إلى أنواع مدرجة على الكتاب الأحمر، مع ذلك فإن هناك قانونا بيئيا يتمثل في أن الكثافة العالية لأي نوع تؤدي إلى وجود عدد كبير من الطفيليات التي تتغذى على هذا النوع، وبالتالي، يزداد عدد الإصابات.
وأشارت الباحثة إلى أن الاتصالات بين الخفافيش وحيوانات أخرى يزيد من احتمالية انتقال مسببات الأمراض المختلفة (البكتيريا والفيروسات وغيرها) إلى الخفافيش ثم إلى البشر، كما حدث مؤخرا من خلال جائحة فيروس "كورونا" الجديد.
ويعتقد العلماء أنه لضمان السلامة البيولوجية للبشرية من الضروري توسيع البحوث حول الحيوانات الحاملة للأمراض الخطيرة وإجراء مراقبة طويلة الأمد وتبادل المعلومات مع العلماء من المناطق والبلدان الأخرى.
المصدر: نوفوستي
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: البيئة
إقرأ أيضاً:
الإنسانُ
كنتُ طوال هذه المدّة أفكِّرُ فـي هذا الكائن الغريب العجيب الموجود على وجه الأرض، الإنسان، فلسفـيّا وعلميّا ودينيّا وأخلاقيًّا. وبدأتُ بمفارقة كبرى بين الإنسان والبشر، ذلك أنّ الإنسان فـي وجه من وجوه التصوُّر القرآني هو الصورة المتطوِّرة للبشر، فالبشر لفظًا، هو الكيانُ الجثماني، الحيوانيّ، قبل أن تُداخله الرّوح وقبل التكليف، وهو لفظ راجعٌ إلى ما يُجريه العرب وسْمًا لظاهر بشرة البشر، فهو بشرٌ لأنّه -وفقًا للسان العرب- دالٌّ على «ظاهر الجلد»، والبشرة أعلى جلدة الوجه، والجسد من الإنسان، ويعنى به اللَّون والرقّة، ومنه اشتقت مباشرة الرجل المرأة لتضامِّ أبشارهما.
والبشرة والبشر: ظاهر جلد الإنسان، وفـي الحديث: لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم»، فخارج الإنسان ممّا يتكوَّن منه مِن هيكلٍ هو البشر، أمّا لفظة الإنسان، فهي حاملة للهيكل والرّوح والعقل، قال تعالى: «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إنَّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»، فالخلْقُ الأوَّل، صناعةً من طينٍ قبل الاستواء، هو خلق البشر، وأمّا الاستواء والنفخُ فإنّه يُحوّلُ هذا الهيْكل إلى إنسانٍ، عاقلٍ، مُكَلَّف، حاملٍ لأمانةٍ. البشريَّة إذن أعرَقُ وأقْدَمُ من الإنسانيَّة، وأعْلقُ بالحيوانيّة، وبالوجود الجثمانيِّ الهيكليّ فحسبُ.
هذا التطوُّر من البشريّة إلى الإنسانيّة حاملٌ لأبعادٍ ومعانٍ، ذلك أنّ التمايز بين الكائنين بيّن وجليٌّ فـي القرآن الكريم، فالسياقاتُ التي وردت فـيها لفظة «بشر» تدلُّ على الهيئة والشكل والقالب الذي اتّخذه الإنسان، ولذلك فقد استعمل اللّه عز وجلّ سمة البشريّة فـي التعبير عن بداية خلق آدم عليه السّلام، يقول: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر: 28)، ويقول فـي السّياق ذاته، بيانًا لرفض إبليس السّجود لبشرٍ من الطّين: «قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر: 33)، ونساءُ امرأة العزيز فـي موقف خروج يوسف عليهن انبهرن بالجثمان والشكل، ولم يكنَّ على درايةٍ بالإنسان، ولذلك وسمنه بالبشريَّة، يقول تعالى: «فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ» (يوسف: 31)، ولعلّ الصّورة الأجلى والأبين فـي تجسُّد الملك لمريم وهي بمحرابها منعزلةً، إذ اتَّخذ الملَك صورة البشر هيئةً وجسْمًَا، وبقي الفارق حاصلًا بين الإنسان والملك، يقول تعالى: «فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا» (مريم: 17)، والدلائل عديدة على هذا التمايز بين البشر والإنسان فـي القرآن، لا يتّسع لها هذا المقام، ولكن يُمكن الإشارة إلى أنَّ إجراء لفظة الإنسان واستعمالها يُقرَن دومًا بالتكليف، وبدخول المشاعر إلى البشر ذاته، وإلى العصيان والإيمان، وكلّ ما له صلة بالشعور الإنساني من جهة وبتحمُّل الأمانة وهي اكتساب العقل والرّوح من جهة ثانية «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (يونس: 12). هذا وجهٌ يدعو إلى التدبُّر والتفكُّر، خاصَّة فـي وجود نظريَّات علميّة مستندة إلى حفريَّات واكتشاف علميّ لبقايَا بشرٍ أوّل، مهَّدت لظهور الإنسان العاقل هومو سابينس الذي يردُّنا العلم إليه، مع وجودِ ممكن لبشرٍ سابقين، وهذا لا يتعارض البتّة مع الخطاب القرآني، بل إن تمعنّا هذا الإشكال لوجدنا أنّ القرآن سبَّاق لإظهار الفارق بين الإنسان العاقل والبشر، أو من اتّخذ هيْئة الإنسان دون أن يكون له الإدراك ودون أن يكون مُكلَّفًا، فاللّه قد مايز كما سبق أن ذكرنا بين الإنسان (وهو ما يُمكن أن يُصطلَح عليه فـي لغة العلم اليوم بالإنسان العاقل) والبشر، وهو متَّخذٌ الشكل فحسب، بل إنّ مفهوم الإنسان المنتصب Homo erectus يُمكن أن يُدرَك فـي مفهوم خَلْقي وهو الاستواء، وفـي كلّ الحالات فإنّ القرآن قد أقرّ أنَّ الإنسان فـي معناه الآدميّ قد خُلق عبر مراحل وتطوّرَ تدريجيًّا، يقول عزّ وجلّ: «وقد خلقكم أطوارًا» (نوح 14)، وهذا يقودنا إلى فكرةٍ تُعالجها الفلسفة اليوم بعمق، وتعيد طرح مفهوم الإنسان، بعيدًا عن الإشكالات الأخلاقية والوجوديّة التي طُرحت بعمق فـي ستينيّات القرن العشرين.
اليوم بأدواتنا اللّسانيّة والذهنيّة والعلميّة يُمكن أن نُوجِد تصوُّرًا لأبينا الأوّل دون تنافُرٍ مع الدّين، ودون رفضٍ للعلم وللحفريّات، وأعتقد أنّ مخنق الدّرس ماثلٌ فـي الفاصل الفارق بين الإنسان المكلّف العاقل، الذي مرجعه آدم ويسمّيه العلم هومو سابينس Homo sapiens والإنسان فاقد التكليف، أو البشر، فالكائنات البشريّة السابقة للإنسان العاقل مثل Homo erectus وNeanderthals، يُمكن أن تمثّل نواةً أولى لبشرٍ، ويُمكن أن تُشكِّل تأويلًا لقوله: «وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (البقرة 30)، وهو بابٌ حمَّالُ أوجه، على الباحثين فـي الخطاب القرآني إحياء تأويله. هذا على مستوى التطوّر الجثماني والإدراكي للكائن الذي يُمثِّل محور هذا الكون، وهو الإنسان، الذي خُصِّصت له نظريّات فلسفـيّة لفهم عمقه، وكُرِّست له نظريّات علميّة لإدراك جيناته والبحث عن أصوله، وبدايات خلْقه، تبقى أخلاقُه، ولا أحبّ أن أعود إلى فـيلسوف الأخلاق نيتشة ونحن على أبواب فتْحةٍ فـي العلم والتكنولوجيا قد تُنْهي البشريّة القديمة.
أخلاقُ الإنسان وسلوكه هي الإشكال سواء امتلك ذرةً من العقل والإدراك أو امتلك بحرًا، الإنسانُ القاتل، الباحث عن الدَّمار، المنصرف إلى أكْل لحم أخيه الإنسان، هل تطوّر وانصقل وتهذَّب؟