تردّد أمريكي… وانتهازية إيرانيّة!
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
دخلت حرب غزّة شهرها الثالث من دون ما يشير إلى احتمال وضع حدّ للمأساة قريباً، تحتاج إسرائيل إلى المزيد من الوقت لالتقاط أنفاسها في ظلّ إدارة أمريكيّة تتعاطى مع الوضع القائم بنوع من التساهل تجاه ما ترتكبه إسرائيل.
من الواضح سعي الإدارة الأمريكيّة إلى استيعاب الوضع الإسرائيلي المعقد عبر الجمع بين التناقضات.نجد إدارة جو بايدن تدفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى اتخاذ موقف جريء من المجزرة من جهة، فيما تلجأ من جهة أخرى إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع تمرير مشروع قرار إماراتي يوقف مأساة غزّة وتداعيات المأساة من منطلق “إنساني” قبل أيّ شيء آخر.
في ظلّ إدارة أمريكيّة متردّدة، ليس في استطاعة إسرائيل التي فقدت صوابها الردّ على الضربة التي وجهتها إليها "حماس" سوى عبر سياسة الأرض المحروقة. يعني ذلك رغبة في تدمير للقطاع الذي مساحته 365 كيلومتراً مربّعاً، بغية إزالته من الوجود.
ليس معروفاً هل إزالة غزّة من الوجود سيعيد إلى إسرائيل صوابها وقوة الردع التي افتقدتها يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل)، سيكون هذا اليوم، الذي هاجم فيه مقاتلو "حماس" مستوطنات غلاف غزّة، نقطة تحوّل على صعيد المنطقة كلّها إن لم يكن العالم، خصوصاً بعدما عوّمت غزّة فلاديمير بوتين، عاد بوتين يتصرّف كرئيس روسيا الواثق من نفسه، عاد يسافر إلى خارجها بعدما خفّ الضغط عليه في أوكرانيا… بسبب حرب غزّة.
يمكن النظر إلى حرب غزّة من زوايا مختلفة أولاها الزاوية الإسرائيليّة، كانت الحرب، ولا تزال، كارثة على الدولة العبريّة التي نجدها تلجأ إلى قتل المزيد من النساء والأطفال والمتقدمين في السنّ وتدمير المزيد من المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد من أجل تأكيد وجودها وتأكيد أنّها ما زالت قادرة على الردّ. بكلام أوضح، سيكون على إسرائيل ارتكاب المزيد من الأعمال الوحشية والجرائم لإثبات أنّها ستهزم "حماس".
تدفع إسرائيل ثمن رهانها التاريخي على "حماس" من أجل إفشال أيّ تسوية سياسيّة كانت تقوم على خيار الدولتين كانت في متناول اليد أيّام ياسر عرفات، تجد نفسها في ظلّ حكومة بنيامين نتانياهو خارج الخيارات السياسيّة في مرحلة لا جدوى فيها من هذه الخيارات.
لا جدوى من الخيارات العسكريّة، كونها لن تعيد إلى إسرائيل ما فقدته يوم 7 أكتوبر 2023 في ذكرى مرور خمسين عاما ويوم واحد على حرب تشرين أو حرب أكتوبر 1973.
تبدو إسرائيل في مأزق كبير ليس ما يشير إلى أنّ في استطاعتها الخروج منه قريبا ما دام "بيبي"، الذي يقدّم إنقاذ نفسه ومستقبله السياسي على إنقاذ إسرائيل، على رأس الحكومة.
لا يمنع المأزق الإسرائيلي من الاعتراف بالمأزق الذي تعاني منه "حماس" التي يبدو أنّها ارتكبت خطأ لن يكون في استطاعتها العودة عنه، خصوصاً أنّها سمحت لإسرائيل بتدمير غزّة وتهجير أهلها من جهة والسعي إلى تصفية القضيّة الفلسطينية من جهة أخرى.
الأكيد أنّ تدمير غزّة احتمال وارد، ما ليس وارداً تصفية القضيّة الفلسطينيّة بأي شكل، لا يمكن تصفية قضيّة شعب موجود على الخريطة السياسيّة للمنطقة، على أرض فلسطين نفسها، وليس في أيّ مكان آخر.
لا بدّ في ضوء هذه المعطيات الإسرائيلية والحمساوية التوقف عند نقطة تتمثّل في أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران تسعى إلى الاستفادة إلى أبعد حدود من حرب غزّة، يكشف كلّ ما تقوم به إيران رغبة في عقد صفقة مع "الشيطان الأكبر" الأمريكي العاجز عن الدخول في مثل هذه الصفقة لاعتبارات داخليّة.
أكثر من أيّ وقت، تعتبر "الجمهوريّة الإسلاميّة" نفسها مؤهلة لتمثيل المنطقة بصفة كونها القوة المهيمنة فيها، خصوصاً في ضوء سيطرتها على العراق وسوريا ولبنان وجزء من اليمن.
على هامش حرب غزّة تخوض إيران معركة إثبات وجودها في دول عربيّة معيّنة، تفعل ذلك معتمدة الانتهازية بغض النظر عمّا إذا كان هجوم "حماس" الذي استهدف مستوطنات غلاف غزّة كان بالتنسيق معها أم لا، ليس إطلاق ميليشيات عراقيّة تابعة لـ"الحرس الثوري" قذائف في اتجاه السفارة الأمريكيّة في بغداد سوى رسالة إيرانيّة أخرى إلى واشنطن، كشف هذا الهجوم مدى السيطرة الإيرانيّة على العراق من جهة ومدى هشاشة حكومة محمّد شيّاع السوداني ودورها غير الموجود على أرض العراق من جهة أخرى.
تبدو حرب غزّة فرصة لا تعوّض كي تعرض إيران عضلاتها في المنطقة، بما في ذلك تهديد الملاحة في البحر الأحمر، ما لا مفرّ من الاعتراف به أنّ حرب غزّة أسفرت عن نجاح باهر لإيران في نقل معركتها مع إسرائيل إلى الداخل الإسرائيلي.
لا وجود لأيّ مشروع سياسي إسرائيلي في الوقت الحاضر باستثناء تدمير غزّة وتحويلها أرضا لا حياة فيها، تعتبر ذلك خطوة على طريق تصفية القضيّة الفلسطينيّة.
كذلك، لا وجود لأيّ مشروع سياسي لدى "حماس"، صحيح أن الحركة، التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين، استطاعت هزّ الكيان الإسرائيلي من أساسه، لكن الصحيح أيضاً أنّ ليس لديها ما تفعله بهذا الانتصار الذي هو هزيمة كبيرة لها ولفكرها… ولغزّة.
عاجلاً أم آجلاً، سيترتب على الفلسطينيين التساؤل ما الذي فعلته بنا "حماس"؟ سيثبت الشعب الفلسطيني بكلّ الوسائل المتاحة لديه، وليس عبر الوسائل التي اتبعتها "حماس"، وجوده على أرض فلسطين.
سيكون السؤال الكبير في المستقبل القريب هل لدى إدارة بايدن الخروج من ترددها، على الرغم من كل ما تمتلكه من نيات طبية؟ هل لديها القدرة على ممارسة دور قيادي؟ الأهم من ذلك كلّه، هل تستطيع الإدارة عقد صفقة مع إيران التي تجد نفسها مضطرة كلّ يوم إلى رفع سقف مطالبها من منطلق أن حرب غزّة فرصة لا تعوض بالنسبة إليها؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل المزید من من جهة ة أخرى
إقرأ أيضاً:
توتر إسرائيلي أمريكي بعد المحادثات المباشرة مع حماس.. كشف تفاصيل مكالمة صعبة
كشفت مخاوف "إسرائيل" بشأن المفاوضات السرية والمباشرة التي تجريها إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع حركة حماس، في محادثة متوترة بين اليد اليمنى لرئيس وزراء الاحتلال، والمسؤول الأمريكي الكبير الذي يقود المحادثات.
ويأتي هذا بعدما أبلغ مسؤولون كبار في إدارة ترامب المسؤولين الإسرائيليين في أوائل شباط/ فبراير أنهم يفكرون في إجراء محادثات مباشرة مع حركة حماس، وحينها نصحت "إسرائيل" بعدم القيام بذلك، وخاصة دون وضع شروط مسبقة.
وأفاد موقع "واللا" بأن "إسرائيل" اكتشفت بعد ذلك من خلال قنوات أخرى، أن الولايات المتحدة تتجه نحو المفاوضات المباشرة مع حماس على أي حال.
ومنذ الكشف عن المحادثات غير المسبوقة بين الولايات المتحدة وحماس، امتنع نتنياهو عن انتقاد ترامب علنا، بينما قال مكتبه إن "إسرائيل أوضحت موقفها للولايات المتحدة"، إلا أن أقرب المقربين من نتنياهو، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، اتخذ لهجة أقل تحفظا بكثير في محادثة مع المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن آدم بويلر.
وذكرت مصادر للموقع الإسرائيلي، أن المحادثة بين ديرمر وبوهلر جاءت بعد ساعات من لقاء المبعوث الأميركي في الدوحة مع خليل الحية، أحد كبار الشخصيات في الجناح السياسي لحركة حماس ورئيس فريق التفاوض في المنظمة.
وبدأت محادثات بوهلر في العاصمة القطرية الأسبوع الماضي بلقاء مع مسؤولين من مستوى منخفض في حماس، وركزت على إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي الأميركي إيدان ألكسندر (21 عاما)، وجثث الأسرى الأميركيين الأربعة الذين قتلوا.
وكانت الرسالة الأمريكية لحماس هي أن إطلاق سراح الأسرى الأمريكيين من شأنه أن يمنح حماس قدرا كبيرا من الثقة لدى الرئيس ترامب، الذي سوف يضغط بعد ذلك من أجل التوصل إلى اتفاق أوسع نطاقاً يمكن أن يشمل هدنة طويلة الأمد، وممرا آمنا من غزة لقادة حماس، ونهاية فعلية للحرب.
وكان البديل، وفقا للأمريكيين، هو حملة عسكرية إسرائيلية متجددة لـ"تدمير حماس"، وكان ترامب ومستشاروه يأملون في تحقيق انفراجة قبل خطاب الرئيس أمام الكونغرس الأميركي، لكنهم وجدوا رد حماس غير كاف، بحسب ما نقل الموقع الإسرائيلي عن المصادر.
وتطرقت المحادثات أيضًا إلى تفاصيل مثل عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية مقابل عودة ألكسندر، وهو الرقم الذي لم توافق عليه "إسرائيل".
وأوضحت المصادر أن نتنياهو اعتقد في البداية أن احتمالات الاتصالات بين الولايات المتحدة وحماس منخفضة وأن التنسيق بينه وبين ترامب وثيق للغاية، إلا أنه ومستشاريه أصبحوا قلقين بشكل متزايد بعد أن أصبحت الفكرة حقيقة.
وخلال المكالمة الهاتفية بين ديرمر وبوهلر، والتي وصفها مصدران بأنها "محادثة صعبة"، أعرب ديرمر عن تحفظاته بشأن المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس، وأوضح أنه يعارض قيام بوهلر بتقديم مقترحات دون موافقة "إسرائيل" المسبقة.
وأكد بوهلر لديرمر أن الأمريكيين ليسوا قريبين من التوصل إلى اتفاق مع حماس، وأنه يفهم المبادئ المهمة بالنسبة لـ"إسرائيل"، بينما وزعم مسؤول إسرائيلي أن المحادثة المتوترة بين ديرمر وبوهلر دفعت البيت الأبيض إلى "إعادة تقييم المحادثات مع حماس والتراجع قليلا عن هذه الخطوة".
وضغطت عائلات الأسرى الذين يحملون الجنسية الأمريكية على إدارة بايدن منذ أشهر للتحدث مباشرة مع حماس بهدف التوصل إلى اتفاق منفصل لإطلاق سراحهم.
وقال مسؤول أمريكي كبير سابق إن "إدارة بايدن لم تعتقد أن مثل هذه المحادثات ستسفر عن نتائج وتخشى إضفاء الشرعية على حماس، التي تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية".
وأضاف المسؤول الذي شارك بشكل مباشر في المفاوضات بشأن صفقة الأسرى أن البيت الأبيض "أجرى محادثات مع حماس من خلال مصدر أميركي مقرب من الإدارة لكنه غير رسمي"، وتحدث نفس الشخص مع كبار مسؤولي حماس حول إمكانية التوصل إلى صفقة منفصلة بشأن الأسرى الأمريكيين.
وعندما انضم مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، إلى الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى في الأيام الأخيرة من إدارة بايدن، عرض الاجتماع مباشرة مع حماس لتسريع المحادثات، لكن هذا لم يحدث في نهاية المطاف في ذلك الوقت.
وقال المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي من المقرر أن يسافر إلى المنطقة مطلع الأسبوع المقبل، إن إطلاق سراح ألكسندر كان "أولوية قصوى" بالنسبة للبيت الأبيض.