محللون إسرائيليون: حماس لم تنكسر وتقاتل بقوة
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
القدس المحتلة – في الوقت الذي يكرر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن جيش الاحتلال الإسرائيلي المتوغل في قطاع غزة منذ أكثر من شهر ونصف الشهر يبسط سيطرته الأمنية في شمالي القطاع، ويوشك على تقويض القوة العسكرية وترسانة حركة حماس، أتت التطورات الميدانية البرية، والمعارك الضارية، وقصف فصائل المقاومة العمق الإسرائيلي لدحض مزاعم نتنياهو التي يحاول تسويقها للجمهور الإسرائيلي.
وفي إشارة إلى ضعف وعدم صحة مزاعم رئيس الوزراء، وحتى فشل الجيش في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب كتفكيك حماس وتدمير شبكة الأنفاق، أوضحت تقديرات المستوى العسكري، بحسب ما عبر عنها رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، أن الجيش بحاجة لشهر على الأقل من أجل إحكام السيطرة والقضاء على المسلحين في شمالي القطاع.
كما ألمح الوزير الإسرائيلي يوآف غالانت إلى أن تحقيق الأهداف من التوغل في منطقة خان يونس ومخيم جباليا قد يستغرق وقتا حتى نهاية يناير/كانون الثاني المقبل، وحملت تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس في طياتها رسائل بأن الحرب قد تدوم طويلا، وأن سير المعارك بطيء والجيش لم يحقق أهدافه، قائلا لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية "نحن لا نحدد الوقت، يجب أن نمنح الجيش الإسرائيلي الوقت الذي يحتاجه".
وتناغمت هذه التصريحات والمواقف مع تحليلات لمراسلين عسكريين في وسائل إعلام إسرائيلية، رافقوا عدة مرات قوات الجيش المتوغلة في شمالي القطاع، وأجمعت التحليلات على أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تنكسر ولا تتفكك، وأن قوات المقاومة تتصدى بمعارك ضارية واشتباكات عنيفة للقوات الإسرائيلية المتوغلة بريا.
يعتقد مراسل الشؤون العسكرية والأمن في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشع أن الخسائر الكثيرة والقصص المؤلمة في الجانب الإسرائيلي تعكس واقع المعارك البرية في غزة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على الوعي الإسرائيلي فيما يتعلق بالحرب مستقبلا.
وأوضح المراسل العسكري أنه على الرغم من تصريحات غالانت وهاليفي بشأن "بوادر انكسار" حركة حماس، فإن ضابطا كبيرا بالجيش الإسرائيلي موجودا في عمليات التوغل البري بغزة قال إن "الأصح هو الحديث عن علامات تآكل وليس أي انكسار أو علامات تقويض".
وعلى سبيل المثال، يقول يهوشع "هناك قتال عنيد من ثلاث كتائب تابعة لحماس اختارت عدم الانسحاب إلى الجنوب، وبقيت تخوض معارك ضارية في الشمال، وهي المناطق التي أعلن الجيش عن إحكام السيطرة عليها، حيث ما زالت القوات المسلحة للفصائل تحتشد فوق الأرض وتحتها في شمال غزة، مما يشكل تحديا عملياتيا للجيش الإسرائيلي".
وبحسب تقديرات يهوشع، فإن "سيناريو النجاح في خان يونس لن يحل مشكلة رفح، وهو النجاح الذي يشكل ضرورة أساسية لقطع تهريب الأسلحة من مصر، في هذه المنطقة جنوب رفح ليس لدى حماس قوات مدربة، لكن المصريين يضغطون على إسرائيل حتى لا تعمل هناك عسكريا، تحسبا للنزوح والهجرة للغزيين إلى رفح المصرية".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الأيدي على الزناد.. والنووي على الخط
نذر الانفجار السياسي والعسكري تلوح في المنطقة، الأعصاب مشدودة، وأجزاء السلاح أيضا مشدودة،، كل طرف "ركب أعلى ما في خيله"، نتنياهو نفذ تهديده بالفعل بإخلاء رفح لتصبح قواته في أقرب نقطة من الجيش المصري المواجه لها على الجانب الNخر من الحدود. لن يقتصر الأمر على إخلاء رفح بل سيشمل مناطق أخرى في غزة، الهدف واضح وهو تنفيذ خطة التهجير المدعومة بقوة من ترامب، ليس بالضرورة أن يكون التهجير إلى مصر كما كانت الفكرة الأولى، وإن لم يكن الأمر مستبعدا أيضا ولكن في إطار خطة شاملة تضم إلى جانب مصر دولا عربية وإسلامية وحتى غير إسلامية أخرى.
الأوضاع المأساوية في القطاع فوق طاقة احتمال البشر، وستدفع البعض لقبول فكرة التهجير ليبدو تهجيرا طوعيا وما هو بطوعي. نسمع الآن أصواتا من داخل القطاع تطلب إطلاق رصاصة الرحمة إنقاذا لهم من هذا الجحيم المقيم، بعضهم طالب الحكومات العربية بالسعي لدى واشنطن لإلقاء قنبلة نووية على القطاع لتخليصه من هذا الجحيم مرة واحدة!! بالتأكيد ليس هذا موقف غالبية أهل القطاع الذين قدموا معجزة العصر في التضحية والصمود، ولم يعد لديهم الكثير الذي يبكون عليه، لكن لا شك أن قطاعا متناميا يريد السلامة الشخصية، ويدرك العدو ذلك ويبذل كل جهده لتعزيز تلك القناعات عنده، وسيسهل لهم الخروج الآمن ولكن بلا عودة.
مرة أخرى لن يمثل هذا أغلبية في القطاع، بل ستواصل الأغلبية تمسكها بأرضها خلف مقاومتها حتى لو فنيت عن بكرة أبيها، فهي تدرك أن الاستشهاد خير لها من عيشة الذل الدائمة سواء تحت الاحتلال أو في المنافي القسرية.
المقاومة من ناحيتها تلوح بآخر وأهم أوراقها، وهم الأسرى الإسرائيليين، حيث أعلن الناطق باسم القسام أن نصفهم في المناطق التي يسعى جيش الاحتلال لإخلائها بالقوة، وأن المقاومة لن تنقلهم إلى مناطق أخرى آمنة، بل ستتركهم لمصيرهم على يد جيشهم، وهي رسالة قوية جديدة لأسرهم لتصعيد ضغوطها ضد نتنياهو.
التهديدات والضغوط لا تستهدف الفلسطينيين وحدهم، لكنها تتسع لتشمل عموم المنطقة، وهي لا تقتصر أيضا على داعمي المقاومة من دول وحكومات أو تنظيمات شعبية كما هو الحال في إيران أو تركيا أو الحوثيين أو حزب الله، ولكنها تشمل أيضا دولا ذات علاقات طبيعية مع الكيان مثل مصر وحتى دول الخليج، فمصر متهمة الآن من الكيان بتعزيز بنيتها العسكرية في المنطقة الحدودية بالمخالفة لاتفاقية كامب ديفيد، وهي بذلك تشكل خطرا مباشرا لن ينتظر جيش الاحتلال وقوعه بل يسعى لعدم تكرار ما حدث في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 و7 أكتوبر 2023، وها هو قد حشد قواته في رفح أقرب نقطة في مواجهة الجيش المصري مع قرع لطبول الحرب أوكل مهمتها لوزرائه وإعلامييه وسياسييه الأكثر تطرفا.
ومع استشعار الجانب المصري الخطر عمد إلى تعبئة شعبية متدرجة (ومتحكم فيها حتى لا تخرج عن السيطرة)، ظهر ذلك في مظاهرات صلاة العيد التي رتبتها الأجهزة الأمنية تحت غطاء أحزاب الموالاة، كما سمحت النظام لوسائل الإعلام بانتقاد الموقف الإسرائيلي، لكن المشكلة في الموقف المصري هو رسائله المتضاربة فمن جهة يبدو عليه ملامح القلق مما تخطط له إسرائيل خاصة التهجير وربما الاشتباك العسكري مع الجيش المصري الذي أعلن قائده العام وزير الدفاع عبد المجيد صقر على هامش إفطار رمضاني للقوات المسلحة أنه على أهبة الاستعداد للدفاع عن حدود مصر وأمنها القومي، ومن جهة أخرى ترك بعض الأذرع الأكثر تعبيرا عن النظام ولو بطريقة غير رسمية لمهاجمة المقاومة الفلسطينية وتحميلها المسئولية والضغط عليها لقبول الإملاءات الإسرائيلية الأمريكية، وتسليم سلاحها ومغادرة غزة، رغم أن وجود هذه المقاومة في غزة هو حائط أمان للأمن القومي المصري، كما أن النظام يعزز التأزيم السياسي الداخلي بالإصرار على اعتقال عشرات الآلاف بينهم عدد كبير ممن تظاهروا دعما لفلسطين.
على الجبهة السورية يواصل جيش الاحتلال تحرشه بالحكم الجديد الذي يحاول تجنب المواجهة حتى يتمكن من الاستعداد لها بعد تأسيس جيش نظامي مدرب ومسلح بما يلزم لهذه المواجهة، لكن صبر النظام لم يمنع الشعب من التصدي مؤخرا لبعض التوغلات الإسرائيلية في درعا، حيث تمكنت هذه المقاومة الشعبية من رد العدو إلى أماكن خلفية، وهذه المقاومة الشعبية مرشحة للتصاعد سواء بدعم النظام السوري الحديد، أو حتى بدون دعمه، ما يشي باحتمال حدوث مواجهات أوسع تجبر الجيش السوري (تحت التأسيس) على خوضها.
إلى ذلك فإن التصعيد الإسرائيلي تجاه تركيا في تزايد، حيث كانت بعض الضربات الأخيرة في سوريا بمثابة رسالة علنية لتركيا حسبما أعلن وزيرا الدفاع والخارجية الإسرائيليان، ورغم أن تركيا ردت بشكل دبلوماسي عبر وزير خارجيتها هاكان فيدان بأنها لا تريد مواجهة مع إسرائيل، إلا أن الموقف الفعلي التركي هو التأهب والاستعداد، وقد عبر عن ذلك الرئيس أردوغان في تصريحات قوية اعتبرتها إسرائيل معادية وتمثل خطرا عليها، كل ذلك يعني أن الجبهة الإسرائيلية التركية ملتهبة سواء على الأرض السورية، أو حتى في الداخلين التركي والإسرائيلي.
إيران هي بيت القصيد، والمعركة الكبرى التي يستعد لها ترامب ومعه ذراعه الإسرائيلي، والهدف هو المشروع النووي، والضغط على طهران للإذعان لاتفاق مجحف ينهي هذا المشروع (وهو ما رفضته إيران) وبين حرب لا تبقي ولا تذر، رغم ان ترامب حاول في بداية حكمه تقديم نفسه باعتباره مناهضا للحروب وأنه جاء ليطفئها!!
إيران تتعامل بجدية مع هذه التهديدات وقد تصدى الجيش الإيراني هذه المرة وليس الحرس الثوري للتعامل معها، وأن رده سيكون قاسيا ضد كل من تسول له نفسه المس بأمن إيران، وتدرك إيران أن الأهداف الأمريكية من قواعد عسكرية ومصالح تجارية في مرمى نيرانها التقليدية، بل إنها سربت معلومات أنها شرعت في تركيب صواريخها الباليستية على منصاتها، ليس هذا فحسب بل ظهرت دعوات على لسان شخصيات إيرانية نافذة لاحتمال إنتاج السلاح النووي لمواجهة هذه التهديدات (رغم أن ذلك يخالف فتوى سابقة للخميني بتحريم إنتاج سلاح نووي عسكري)، وهو ما يعني أن إيران لن تتوانى في استخدام هذا السلاح عند الضرورة.
ضمن تحجيم المحور الإيراني وبعد الضربات القوية ضد حزب الله اللبناني، وبعد تحجيم المقاومة الشيعية العراقية تواصل واشنطن ضرباتها للحوثيين في اليمن، زاعمة أنها ألحقت بهم إصابات كبيرة وهو ما ينفيه الحوثيون الذين يعلنون بدورهم عن إسقاط بعض المسيرات الأمريكية واستمرارهم في معركة إسناد غزة، وحال حدوث مواجهات مسلحة مع إيران فإن الحوثيين سيستخدمون ما لديهم من صواريخ لضرب الكيان والملاحة في البحر الأحمر.
الموقف الشعبي العربي الإسلامي الذي كان دون المستوى المأمول طيلة شهور الحرب لن يستمر على وضعه مهما بلغت التضييقات الأمنية الرسمية عليه، وهو مرشح للانفجار مع أقرب انفجار عسكري أو تنفيذ فعلي للتهجير، وقد تصاعدت دعوات من هيئات سياسية وعلمائية مؤخرا لهبة شعبية جارفة، وإزاء جريمة الإبادة التي يتعرض لها الأشقاء في غزة أمام أعين هذه الشعوب، وإزاء خذلان الحكومات العربية والإسلامية، فمن المحتمل أن لا تقتصر هذه الهبة الشعبية المتوقعة على المظاهرات والاعتصامات، بل قد تطال المصالح الإسرائيلية والأمريكية ومصالح كل الدول الداعمة للعدوان، فحين تتحرك الشعوب فلا أحد قادر على التنبؤ بمساراتها ولا لجم حركتها.
x.com/kotbelaraby