لم تكن تعرف دولة الاحتلال الإسرائيلي بأن الرجل الذي ستفرج عنه في أواخر عام 2011، سيصبح غريمَها الأول، والشخص الذي أقض مضاجع ملايين الإسرائيليين، وقلب أجندة الاحتلال رأساً على عقب.

يحيى السنوار، ذو الـ61 عاماً، يعتقد الإسرائيليون أنه مهندس هجوم الـ7 من أكتوبر، أو ما يسميه الإسرائيليون هجوم "السبت الأسود"، تعبيراً عن ثقل ودموية ذلك اليوم، الذي مثّل صدمة لا يبدو أن الاحتلال سيتعافى منها.

قضى السنوار أكثر من 23 عاماً خلف قضبان الاحتلال، وهناك تعلّم اللغة العبرية حتى أجادها، وأصبح خبيراً في التعامل مع العقلية الإسرائيلية، ليمنحه ذلك قدرة على التلاعب بأجهزة استخبارات "تل أبيب"، وإرباكها طيلة عقود.

من هو السنوار؟

وُلد السنوار عام 1962، في مخيم خان يونس الذي تعتبره "إسرائيل" معقل حركة حماس، لأسرة لاجئة، من مدينة المجدل قرب مستوطنة عسقلان، حصل على البكالوريوس في الجامعة الإسلامية بغزة، وفيها تشرب قيم المقاومة والنضال ضد الاحتلال حتى أصبح من صفوة شباب الحركة لاحقاً.

خطط لتأسيس جهاز عسكري، عُرف لاحقاً باسم "المجاهدون الفلسطينيون"، واعتقل في يناير 1988، وحكم عليه بالمؤبد أربع مرات وثلاثين عاماً، وداخل السجن التقى الشيخَ أحمد ياسين، الذي رأى فيه سمة القادة.

عُرف السنوار بشخصيته الصارمة الكتومة، والقيادية، وهذا ربما ما جعله لاحقاً أحد أهم المطلوبين للاحتلال، بل الأول على رأس القائمة.

وفقاً للتقارير، ساعد السنوار في إنشاء كتائب القسام -الجناح العسكري لـ"حماس"- ثم أصبح مسؤولاً عن جهاز الأمن الداخلي في غزة، المعروف بـ"مجد"، وكانت لديه استراتيجية مهمة للقضاء على عملاء الاحتلال في قطاع غزة؛ وهو ما تسبب في حالة من العمى لـ"إسرائيل".

انعكس دور السنوار على مجمل الأحداث التي أعقبت خروجه من السجن، فكانت بصماته واضحة في حرب عام 2014، و2021، وأسهم في تعزيز موقف المقاومة داخل القطاع، وتعرض لمحاولة اغتيال فاشلة عام 2021، وظل على قائمة الاغتيال جنباً إلى جنب مع القائد العام لـ"القسام" محمد الضيف.

انتخب في 2017، رئيساً لحركة حماس في غزة خلفاً لإسماعيل هنية، ومنذ ذلك الحين، يمكن القول إنه أصبح رجل حماس الأول في القطاع المحاصر.

قراءة إسرائيلية خاطئة

اعتقل الاحتلال القيادي يحيى السنوار عام 1988، وحُكم عليه بأكثر من 400 عام، ثم أُفرج عنه ضمن صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، مع أكثر من 1000 فلسطيني.

لكن السنوار لم يكن كأي أسير آخر، ولا كأي قيادي آخر يعتقله الاحتلال، ويحكم عليه، بل كان رجلاً كتوماً ذكياً قادراً على الاستفادة من ظروف محبسه، واكتساب مهارات تُمكنه من قراءة عدوه جيداً.

تعلَّم السنوار اللغة العبرية، وكان حريصاً على مطالعة الصحف العبرية، وقرأ كثيراً من الدراسات التي تتعلق بالشأن الداخلي الإسرائيلي، وهذا منحه قدرة على سبر أغوار عدوه، وخداعه.

أوهم السنوار سجانيه بأنه بات مقتنعاً بأن السلام هو ما ينتظر الجميع في نهاية المطاف، ومنح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية شعوراً بالرضى والارتياح، بعد أن اعتقدت أنها سبرت أغوار نفسه، لكنها فشلت.

وفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن القراءة الخاطئة لشخصية السنوار من قبل "إسرائيل"، شكّلت مقدمة لأكبر فشل استخباراتي في تاريخ تل أبيب".

وأضافت أن "الخبرة الإسرائيلية في التعامل مع السنوار، لم تؤدِّ إلا إلى تهدئة قادة الأمن الإسرائيليين ومنحهم شعوراً زائفاً بالرضى عن النفس"، في حين اعتبر ضابط مخابرات إسرائيلي يدعى مايكل ميلشتاين، أنهم "لم يفهموا السنوار إطلاقاً".

قدرة الرجل على خِداع "إسرائيل" جعلت الاحتلال يتجاهل كل المعلومات والتقارير التي وصلت إليه عن التحضيرات لعملية "طوفان الأقصى"، لدرجة أنه في 2022، أنتجت قناة الأقصى مسلسلاً اسمه "في قبضة الأحرار"، رأى فيه المراقبون تطبيقاً حرفياً لهجوم 7 أكتوبر، وهو المسلسل الذي كرّم السنوار أبطاله، كل ذلك تحت سمع وبصر الاحتلال.

"رجل ميت يمشي"

هوس إسرائيل بالسنوار جعلها تضعه على رأس قائمة الأهداف في غزة، حتى لو تطلَّب الأمر تدمير القطاع ودك أحياء كاملة على رؤوس ساكنيها؛ لاعتقادها أنه مهندس هجوم السبت الدامي على مستوطنات وثكنات غلاف غزة.

ويبدو أن "إسرائيل" تشعر بالمرارة إزاء الخديعة التي تعرضت لها، بسبب سوء تقييمها لخطر السنوار، وما شكَّله لاحقاً من تهديد وجودي على "إسرائيل".

ويجمع القادة السياسيون والعسكريون والاستخباراتيون في "إسرائيل" على أن السنوار "رجل ميت يمشي"، في إشارة إلى حتمية الوصول إليه وتصفيته، فهو بالنسبة لهم المخطط الأول لذلك الهجوم.

ووفقاً لشبكة "سي إن إن"، فإن السنوار بالنسبة لـ"إسرائيل" مثل "أسامة بن لادن بالنسبة لأمريكا"، مشيرةً إلى أن الاحتلال سيواصل ملاحقة السنوار، حتى يتمكنوا منه، وأن الحرب لن تتوقف إلا بذلك.

لكن يبدو حتى اللحظة أن "إسرائيل" لم تقترب حتى من السنوار، ويبدو أن التكلفة الباهظة التي يدفعها جنودها، قد تجعلها تخفض سقف أهدافها، بعد أن حولت غزة إلى مقبرة لعشرات آلاف المدنيين، دون تأثير واضح على قدرات المقاومة، ورجال السنوار.

وفي هذا السياق قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، إنه في حال تلقي معلومات حول مكان السنوار "ونعرف أنه محاط بمخطوفين (أسرى) إسرائيليين، فسيضعنا ذلك في حيرة تُمزق القلب"، في إشارة إلى عدم اكتراث الاحتلال لمصير أسراه في غزة.

وأوضح في حديث للقناة 12 العبرية: "سيكون هذا الاختيار مؤلماً، ولكن هذا يعني أننا وصلنا إليه (السنوار)، وإذا وصلنا إليه فهذا إنجاز عظيم".

وتابع: "إذا قتلنا السنوار فربما تدرك القيادة التي ستخلفه أنه يتعين عليها مغادرة غزة (..) لإنقاذ حياتها. قتل السنوار هو مفتاح لتحقيق أهداف الحرب: القضاء على حماس وتحرير المختطفين"، على حد تعبيره.

حالة الفزع من السنوار لم تقتصر على "إسرائيل" وحدها، بل أصبحت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى ترى فيه خطراً يستوجب العقوبة، ومن هنا شرعت عديد من تلك الدول في فرض عقوبات عليه.

ففي منتصف نوفمبر الماضي، أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة فرض عقوبات على السنوار وخمسة من قيادات "حماس" ومموليها، تتضمن حظر السفر وتجميد الأصول وحظر الأسلحة.

ومطلع ديسمبر الحالي، فرضت فرنسا عقوبات على السنوار تتضمن تجميد أصول وممتلكات، إلى جانب قيادات أخرى من قيادات "حماس" في غزة.

أضاع هيبة "إسرائيل"

السنوار من وجهة النظر الإسرائيلية بات رمزاً مهماً من القادة الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة، والأضرار التي تسبب فيها السنوار وكتائب القسام في الهجوم المفاجئ على "غلاف غزة" وبلدات إسرائيلية بالجنوب والنقب لم تحدثها الجيوش العربية في مختلف حروبها مع "إسرائيل"، وفقاً للصحفي المهتم بالشأن الإسرائيلي، محمد محسن وتد.

وأضاف وتد في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "ومن ثم، فالسنوار أصبح يرمز إلى الشخص الذي تسبب بانتكاسة (إسرائيل) في طوفان الأقصى وغيَّر صورتها سواء داخلياً أو عالمياً وكذلك إقليمياً".

ويشير الصحفي وتد إلى أن المؤسسة الإسرائيلية بمختلف أذرعها، تجمع على أن "رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، هو العقل المدبر والمخطط لمعركة "طوفان الأقصى" بالسابع من أكتوبر، وهو الهجوم المفاجئ الذي لم تشهده (إسرائيل) منذ نكبة 1948 أو ما تسميها تل أبيب بـ"حرب الاستقلال".

ولفت إلى أن السنوار "يجيد اللغة العبرية ويفهم العقلية الإسرائيلية، وكيف تفكر (إسرائيل) وإلام تخطط، ولذا تراه (إسرائيل) خطراً عليها، وأعلنت على لسان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن السنوار هدف وسيتم اغتياله".

واستطرد وتد قائلاً: "بعيداً عن الماضي والسجال حول خطأ (إسرائيل) بالإفراج عن السنوار، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن حماس لديها كثيرون على شاكلة السنوار، ولذا تصر المؤسسة العسكرية على تقويض قوة حماس عسكرياً، واستنزاف قدراتها الصاروخية وترسانتها خلال الحرب".

وأضاف موضحاً: "المستوى السياسي يصر على تقويض الحكم المدني لحماس في غزة، وهي أهداف تكون مهمة مستحيلة ويصعب تحقيقها بفترة زمنية قصيرة، بحسب التقديرات الإسرائيلية".

وأشار إلى أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ومن خلال معرفتها بالسنوار الذي أُخضع للتحقيق لديها خلال وجوده بالأسر "تجمع على أنه لن يستسلم، ولن يقدم أية تنازلات حتى في ملف الرهائن (الأسرى) وصفقة التبادل المستقبلية، وسيبذل قصارى جهده حتى اللحظة الأخيرة لإيذاء (إسرائيل) قدر الإمكان".

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

الإعلام الصهيوني يواكب المخاوف “الإسرائيلية” المتصاعدة من التهديدات اليمنية

 أكد تقرير عبري، أن الكيان الصهيوني يأخذ تهديدات السيد القائد عبد الملك عبدالملك الحوثي، على محمل الجد، فيما يتعلق بالعودة إلى ضرب العدو في مركز احتلاله “يافا” حال عاود دوانه على غزة، مشيراً إلى أن المؤسسة الأمنية والعسكرية “الإسرائيلية” تستعد لهذا السيناريو وتعتمد على الولايات المتحدة في مواجهته.

وأوضح تقرير نشره موقع “ماكو” التابع للقناة العبرية الثانية عشرة، أن اليمنيين “يزيدون من وتيرة تهديداتهم باستئناف إطلاق الصواريخ تجاه “إسرائيل”، وذلك على خلفية وقف إطلاق النار الهش واستعدادات الجانبين لاحتمال تجدد القتال في قطاع غزة.

وأشار التقرير إلى تصريحات السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي في وقت سابق، والتي قال فيها: “إننا نتابع الوضع في غزة باستمرار ونرى أن العدو الإسرائيلي يتهرب من الالتزام الكامل بالاتفاق” وقال أيضاً: “كنا مستعدين للتدخل العسكري عندما هدد ترامب بإعادة الحرب في غزة إذا لم تفرج حماس عن الرهائن”.

وذكر التقرير أن التهديدات من جانب اليمنيين تشمل استئناف إطلاق الصواريخ على “إسرائيل”، وتشديد الحصار البحري على الممرات الملاحية في البحر الأحمر إلى ميناء أم الرشراش “إيلات”.

ووفقاً للتقرير فإن الكيان الصهيوني “لا يتجاهل التهديد الذي يشكله اليمنيون، وهو يدرك أن تجدد القتال في غزة سيؤدي إلى إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، وربما بأعداد أكبر”.

وأفاد التقرير الصادر عن موقع “ماكو” التابع للقناة العبرية الثانية عشرة، بإنه في حال تجددت العمليات اليمنية، فسوف تحظى إسرائيل بدعم كبير من الولايات المتحدة، ما يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستظل هي الراعي الرسمي للعدو الصيهوني مهما تعاقبت الإدارات وتغيرت مناصب الرؤساء.

في السياق نفسه نشرت مجلة “إيبوك” العبرية تقريراً نقلت خلاله عن مسؤولين أمنيين كبار في إسرائيل قولهم إنه: “بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي بدأ في 19 يناير، أوقف اليمنيون عملياتهم على إسرائيل، لكنهم لم يختفوا من المشهد وهم منتشون بنجاحاتهم في ضرب “إسرائيل”.

وأكد التقرير أن “القصف الإسرائيلي في اليمن لم يغير تصميمهم على مواصلة القتال ضد إسرائيل دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة وحزب الله في لبنان”.

ولفت التقرير إلى أن “زعيم حركة أنصار الله، هدد في 13 فبراير بأنه إذا انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، فإن اليمنيين سيستأنفون النشاط العسكري ضد إسرائيل، كما حذر من أنه إذا تحركت الولايات المتحدة وإسرائيل بقوة لتنفيذ خطة ترامب لهجرة سكان قطاع غزة، فإن اليمن ستتدخل بالقوة العسكرية المتاحة لهم، بما في ذلك عن طريق الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها من الوسائل”.

وأضاف التقرير الصادر عن مجلة “إيبوك” العبرية: “لقد هدد زعيم انصارالله مرة أخرى في نهاية الأسبوع الماضي، في 28 فبراير، بأن تل أبيب ستكون تحت النار إذا عادت إسرائيل إلى الحرب على قطاع غزة”.

وبحسب المجلة فإن “تقييم المؤسسة الأمنية في إسرائيل، هو أن انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، واستئناف القتال الإسرائيلي في قطاع غزة، سيؤدي إلى تجدد هجمات اليمنيين على إسرائيل”، مشيرة إلى أن كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية قلقون للغاية ويأخذون تهديدات قائد انصار الله المتكررة على محمل الجد.

ونقلت المجلة العبرية عن مسؤولين أمنيين في الكيان الصهيوني قولهم: إن “اليمنيين لديهم مواقف مستقلة”، موضحين أنه في حال استأنفت إسرائيل الحرب على قطاع غزة، فإن إدارة ترامب ستقف إلى جانب الكيان في القتال ضد اليمنيين، وهنا تأكيد آخر على تعويل الكيان الصهيوني الكبير على الولايات المتحدة في كل الخطوات العدوانية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني.

يشار إلى أن السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي كان قد هدد في خطابه بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، الكيان الصهيوني بضربات قاسية وانتقامية في حال عودة التصعيد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أو تنصل عن تنفيذ التزاماته بشأن اتفاق وقف اطلاق النار، وهو الأمر الذي أثار حفيظة العدو الصهيوني وراعيه الأمريكي، ما يؤكد أن اليمن بات لاعباً أساسياً في المنطقة ورادعاً للعربدة الصهيوأمريكية.

مقالات مشابهة

  • معاريف : هذا هو الكنز الذي استولت عليه حماس من “إسرائيل”
  • الجيش الإسرائيلي: قتلنا قائد حماس في مخيم جنين
  • الإعلام الصهيوني يواكب المخاوف “الإسرائيلية” المتصاعدة من التهديدات اليمنية
  • إغلاق نظام الذكاء الاصطناعيّ التابع لوزارة التعليم الإسرائيليّ بسبب رفضه اعتبار الشهيد يحيى السنوار إرهابيًا .. تفاصيل
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • تحذير جنبلاط من المكائد الإسرائيلية.. ما الذي يخشاه البيك؟!
  • هيئة البث الإسرائيلية: محادثات إطلاق سراح المحتجزين متوقفة حتى وصول المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف
  • ‏”إسرائيل” أسوأ جارٍ.. تنامي الغضب السوري ضد الاحتلال
  • حماس ترفض التمديد الصهيوني للمرحلة الأولى
  • تصاعد الدعوات الإسرائيلية لتشديد حصار غزة ومنع توزيع المساعدات الإنسانية