المشروع الصهيوني.. مفارقات وكواليس
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
ليس هناك شكّ في أنّ الوعي بالمشروع الصهيوني، ومكوّناته، وروافعه، وتحالفاته، وتناقضاته، قد أصبحَ من أهمّ قضايا الوعي، وخاصة بعد أن انتقلت معركة "طوفان الأقصى" بمجتمعاتنا نقلة كبيرة نحو تحرير فلسطين وضرورة تفكيك المشروع الصهيوني الذي وضحت كل جوانب عنصريّته وأهم ملامح مخاطره.
فضلًا عن مساحات التّضامن والتعاطف العالمية الكبيرة التي احتلتها المقاومة الفلسطينية لأوّل مرّة منذ اندلاع الصراع العربي -الإسرائيلي، وهو ما يضع بالضرورة المشروع الصهيوني تحت الحصار، ويَأْذَن بمرحلة جديدة.
ولعلَّ ذلك هو ما جعل الولايات المتحدة تعمل في الأيام الأخيرة على محاصرة التعاطف مع القضية الفلسطينية بين شباب جامعاتها، بل ويعلن مجلس النواب الأميركي المساواة في التجريم بين السامية والصهيونية! كما تستخدم الولايات المتحدة "الفيتو" بكل جرأة في مجلس الأمن في مواجهة الدعوة لوقف العدوان الإسرائيلي!
تحت المجهرفبرغم تصدر أخبار المشروع الصهيوني والصراع العربي- الإسرائيلي وسائل الإعلام في بلادنا منذ أكثر من سبعين عامًا، فإن جوانب الغموض فيه لا تزال كثيرة، كما لا تزال غائبة عن مجتمعاتنا.
وبرغم وحشية الهجمة الصهيونية على منطقتنا وخطورة أهدافها، فإنها لم تستوفِ بعدُ حقّها من الدراسة والبحث، ولا تزال بحاجة ماسّة لتقريب بعض أبعادها من القارئ العربي.
كما ما زلنا بحاجة لتحصين مجتمعاتنا في مواجهة حملة صهاينة العرب والمارينز الثقافي الذين يقفون اليوم في صفوف متقدمة لم يتبوَّؤُها من قبلُ.
وفي هذا الإطار، تبرز أهميَّة الاشتباك مع الجوانب المهمَّة في المشروع الصهيونيّ من الناحية التاريخية والأيديولوجية والتي تضعه تحت مجهر التّحليل والنظر بشكل أعمق، كما تكشف ارتباطاته وعلاقاته وتحالفاته بشكل أوضح.
ومن ذلك أن "نابليون بونابرت"- إمبراطور فرنسا – هو أوَّل من حاولَ توظيف وجود اليهود في فلسطين في حملته الاستعمارية على المنطقة الإسلامية، وذلك قبل وعد بلفور بأكثر من 100 عام، وهو ما يعد أول اعتراف دولي بوجود قومية يهودية وتخصيص فلسطين لها، وذلك في إطار مشروعه الاستعماري في منطقتنا. وبعد هزيمته على أسوار عكا عام 1799 ومحاولته الاستعانة باليهود في فلسطين، وجَّه لهم نداءه الشّهير: "أيها الإسرائيليون انهضوا، فهذه هي اللحظة المناسبة، إن فرنسا تقدّم لكم يدها الآن حاملةً إرث إسرائيل، سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم".
منظومة قيمية منافسةإن "وثيقة كامبل" البريطانية 1907 ــ التي تمثل " إستراتيجية أوروبية" بخصوص تموضع اليهود في منطقتنا، بينما كانت تعمل أوروبا على استدامة سيادة الحضارة الغربية عن طريق تدارك عوامل التاريخ وفعله في الحضارات والقوى الاستعماريةــ أكّدت على ضرورة استمرار السيطرة على المنطقة الإسلامية؛ لأنها تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية، كما أنها هي التي صارعتها وأخرجتها من مناطق عديدة.
كما أكَّدت الوثيقة على ضرورة العمل على تمزيقها وتعويق تقدمها، وذلك عن طريق إقامة حاجز بشري غريب في قلبها يكون عدوًا لشعوبها، ويجعلها في حالة اضطراب دائم، ومن ثَم استمرار تخلّف دولها وتبعيتها، وقد أكملت بريطانيا هذه الإستراتيجية عبر وعد بلفور 1917.
تمَّت بلورة الفكر الصهيونيّ لأوَّل مرّة قبل ميلاد "هرتزل" – (1860 ـ 1904) مؤسّس الصهيونية السياسية الحديثة – بعشرين سنة على يد اللورد "شافتسبري" (1801-1885)، الذي كان يعتقد أن الشعب اليهودي يمكن توظيفه في خدمة الإمبراطورية الإنجليزية ودول الغرب عمومًا، بعد طرد اليهود خارج أوروبا إلى فلسطين.
هذا، فضلًا عن أنهم يتميزون بالمهارة والمثابرة، ويستطيعون العيش على أقل شيء!! فهم قد ألفوا العذاب عبر عصور طويلة، كما أن وجودهم في فلسطين يمثل عنصرًا حيويًا في الرؤية المسيحية للخلاص، وقد بلور فكرته في الشعار الشهير: "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن"!
برغم أن هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية نفسه، كان يخطط لإقامة دولة إسرائيل في عدة دول أخرى، مثل: أوغندا، أو كندا، أو العراق، أو الأرجنتين، فإن المسيحية الصهيونية لم تغير موقفها، فقد كانت أكثر حسمًا في التوجيه لفلسطين "أرض الميعاد"!
سيطرة واستقطابمن المفارقات المهمة أيضًا أن مؤسسي الحركة الصهيونية وغالب قادة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، هم "ملحدون"، ومع ذلك فقد وجدوا بشكل براغماتي بحت أن استدعاء الدِّين هو أهم عامل يمكن أن يساعد المشروع على النجاح، وخاصة النجاح في جذب الهجرات اليهودية من مناطق العالم المختلفة.
لذا فإنَّ دولة إسرائيل الحالية ليست هي الدولة الدينية التي ستشهد صراعَ آخر الزمان، فهي إلى زوال مثلها مثل مملكة بيت المقدس الصليبية، التي سقطت في حطين بعد ما يقرب من 88 عامًا.
وبرغم أنَّ اليهودي المخوّل بإقامة الدولة اليهودية ـ حسب معتقداتهم ـ لابد أن يكون من نسل يعقوب، فإن اليهود الذين أحيوا هذا المشروع ليسوا يهودًا، بل تهوَّدوا، حيث لا يوجد يهود بالمعنى المقصود عندهم سوى أعداد قليلة بقرية بنابلس، ومن المفارقات أن هؤلاء رفضوا مشروع الدولة اليهودية.
من العوامل الدينية الرئيسة التي جعلت المشروع يستقطب وعي البروتستانت – وخاصة في بريطانيا ثم أميركا (حيث المسيحية الصهيونية التي يتبعها 80 مليون أميركي)- هو الاعتقاد بأن سيطرة إسرائيل على كامل فلسطين وعودة جميع اليهود يسرّع من العودة الثانية للمسيح، كما أنَّ نزول المسيح سيكون مرتبطًا ببناء الهيكل الذي سيبنى بطبيعة الحال مكان "المسجد الأقصى"، ولهذا فهم يعدون عدتهم لبنائه.. كما أنّ عقيدة "هرمجدون" ما زالت أحد محركات المشروع.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المشروع الصهیونی کما أن
إقرأ أيضاً:
إعلانات الجزيرة الممولة.. نموذج للتأثير القسري على “يوتيوب”
محمد محسن الجوهري
أصبحت مشاهدة مقاطع “يوتيوب” تجربة مزعجة للكثيرين بسبب كثافة الإعلانات الممولة، لكن يبقى للمستخدم خيار حظر بعض الإعلانات أو الإبلاغ عنها إن لم يرغب في رؤيتها مجددًا. غير أن بعض الإعلانات، وعلى رأسها تلك الخاصة بمنصة الجزيرة 360، تبدو عصية على الحظر. فمهما حاولت تجاوزها، تبقى ماثلة أمامك بإصرار، لتطرح تساؤلات مشروعة حول آليات الانتشار والظهور التي تتحكم بها شركات التكنولوجيا العالمية.
هذا النموذج من الحضور الإعلامي القسري يكشف كثيرًا من الخفايا حول طبيعة التمويل الضخم لبعض المؤسسات الإعلامية، والدور الذي يلعبه المال في فرض خطاب معين على الجمهور، بغض النظر عن طبيعة هذا الخطاب أو صدقيته. فحين تتمكن مؤسسة إعلامية من احتلال صدارة التوصيات على المنصات العالمية، أو من فرض نفسها على شاشات المستخدمين دون خيار للرفض، فنحن أمام نموذج من الاستحواذ الإعلامي لا يقل خطرًا عن أشكال الاستبداد التقليدية.
وبالرجوع إلى قناة “الجزيرة” القطرية، نجد أن ما تملكه من أدوات ليس المحتوى بقدر ما هو المال السياسي الضخم الذي يُستخدم لتوجيه الرأي العام العربي والإقليمي. إذ لطالما اتُّهِمت القناة بلعب أدوار تتجاوز الإعلام إلى صناعة التأزيم، وتعزيز الانقسامات الداخلية بين مكونات المجتمعات العربية. ويكفي أن نراجع أرشيف تغطيتها للأحداث في سورية، أو العراق، أو ليبيا، لندرك كيف يمكن للإعلام الممول أن يُسهم في إذكاء النعرات الطائفية والعرقية، بل وحتى في تبرير الاقتتال الداخلي.
فعلى سبيل المثال، خلال السنوات الأولى للأزمة السورية، ركّزت تغطيات الجزيرة على تأجيج السرديات الطائفية، وسعت لتصوير الصراع وكأنه حرب بين مذهبين، بدلًا من عرضه كأزمة سياسية واجتماعية مركبة. وقد أشار كثير من الباحثين في الإعلام إلى خطورة هذا النوع من الخطاب، الذي يسهم في ترسيخ الكراهية بدلًا من فتح باب الفهم والحوار.
ولا يقتصر التأثير على الإعلانات وحدها، بل يمتد ليشمل نتائج البحث على محركات مثل “غوغل”، حيث تلعب الأموال دورًا جوهريًا في تحسين ترتيب الصفحات، وتمكين مؤسسات معينة من الظهور أولًا، حتى لو لم تكن الأكثر موضوعية أو مهنية. هذا التلاعب بخوارزميات الانتشار يُعد نوعًا من “الرقابة الناعمة”، حيث لا يُمنع المحتوى المنافس بشكل مباشر، بل يُدفن تحت سيل من المحتوى الممول والمهيمن.
إن خطورة هذا الوضع تكمن في أن التمويل الضخم لا يستخدم فقط لأغراض تجارية، بل بات يُستخدم كسلاح سياسي ناعم، يُعيد تشكيل وعي الجماهير، ويوجه النقاشات العامة نحو ما يخدم مصالح مموليه. وهذه الظاهرة باتت تستحق دراسة متعمقة من قبل خبراء الإعلام، وصانعي السياسات، للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن والعدالة في الفضاء الرقمي.
إن التمويل الضخم لا يصنع فقط إعلامًا مهيمنًا، بل يصنع واقعًا إعلاميًا جديدًا تتحكم فيه القنوات الكبرى بالرأي العام، وتُحاصر الأصوات البديلة والمستقلة، في ظل تواطؤ خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وسياسات المنصات التجارية.
وحين يغيب التوازن، وتُفرض قناة ما على الجمهور رغمًا عنه، فإننا نكون أمام أزمة حرية إعلام حقيقية. فالمشكلة لا تكمن في وجود إعلام ممول، بل في غياب الحياد الرقمي، وضعف آليات حماية المستخدم من الإعلام القسري.