أظهرت بيانات من البنك المركزي المصري اليوم الأحد تراجع معدل التضخم الأساسي في البلاد إلى 35.9% على أساس سنوي في نوفمبر الماضي من 38.1% في أكتوبر.

وقال البنك في بيان على موقع الإلكتروني إن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي، سجل معدلاً شهرياً بلغ 1.0% في نوفمبر 2023 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 2.

7% في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.8% في أكتوبر 2023.

تراجع معدل التضخم

وذكر أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 10 ديسمبر 2023، سجل معدلاً شهرياً بلغ 1.3% في نوفمبر 2023 مقابل معدلاً بلغ 2.3% في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.0% في أكتوبر 2023، كما سجل المعدل السنوي للتضخم العام 34.6% في نوفمبر 2023 مقابل 35.8% في أكتوبر 2023

فيما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ، اليوم الأحد، أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بلغ (191.8) نقطة لشهر نوفمبر لينخفض المعدل السنوي لـ التضخم خلال نوفمبر ليصل إلى 36.4% مقابل 38.5% في أكتوبر2023.

وأرجع الجهاز أسباب التراجع إلى انخفاض أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة (-1.5%)، مجموعة الفاكهة بنسبة (-3.5%)، الخضروات بنسبة (-4.7%)، مجموعة خدمات النقل بنسبة (-2.3%)، مجموعة خدمات الفنادق بنسبة (0.3).

وأضاف بالرغم من تغير أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة (5.2%)، مجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (0.1%)، مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (2.7%)، مجموعة الزيوت والدهون بنسبة (1.0%)، مجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة (5.9%) مجموعة الدخان بنسبة (11.7%)، مجموعة الاقمشة بنسبة (2.2%)، مجموعة الملابس الجاهزة بنسبة (1.7%)، مجموعة التنظيف والإصلاح وتأجير الملابس بنسبة (0.7%)، مجموعة الأحذية بنسبة (0.6%)، مجموعة شراء المركبات بنسبة (1.2%)، مجموعة الكتاب المنفق على النقل الخاص بنسبة (6.2%)، مجموعة الخدمات الثقافية والترفيهية بنسبة (0.1%)، مجموعة الصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة (0.3%).

وذكر الجهاز المركزي للإحصاء، أن معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية سجل (0.9%) لشهر نوفمبر 2024 مقابل (1.2%) في أكتوبر، موضحا أن قسم الطعام والمشروبات سجل تغيرا قدره (0.1%) لتغير أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة (5.2%)، ارتفاع أسعار مجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (0.1%)، ارتفاع أسعار مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (2.7%)، ارتفاع أسعار مجموعة الزيوت والدهون بنسبة (1.0%)، ارتفاع أسعار مجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة (5.9%)، ارتفاع أسعار مجموعة ارتفاع أسعار مجموعة البن والشاي والكاكاو بنسبة (2.8%).

المؤشرات الاقتصادية| الحكومة: تراجع طفيف في معدل التضخم.. ونستهدف نمو 4.2% البنك المركزي يتوقع تباطؤ معدلات التضخم في العام المالي الجاري لنحو 6.7%

وأضاف أن قسم المشروبات الكحولية والدخان سجل تغيرا قدره (11.7%) بسبب ارتفاع مجموعة الدخان بنسبة (11.7%)، كما سجل قسم الملابس والاحذية تغيرا قدره (1.5%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الاقمشة بنسبة (2.2%)، مجموعة الملابس الجاهزة بنسبة (1.7%)، مجموعة الأحذية بنسبة (0.6%)، وسجل قسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود تغيرا قدره (0.3%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الإيجار الفعلي للمسكن بنسبة (0.6%)، مجموعة صيانة وإصلاح المسكن بنسبة (1.0%)، مجموعة المياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالمسكن بنسبة (0.1%).

قسم الأثاث والتجهيز

وسجل قسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة تغيرا قدره (1.3%) بسبب تغير أسعار مجموعة المفروشات المنزلية بنسبة (2.2%)، مجموعة الأجهزة المنزلية بنسبة (2.0%)، مجموعة الأدوات الزجاجية وأدوات المائدة والأدوات المنزلية بنسبة (1.1%) ،وسجل قسم الرعاية الصحية تغيرا قدره (0.5%) بسبب تغير أسعار مجموعة خدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة (1.3%)، مجموعة خدمات المستشفيات بنسبة (1.0%).

وسجل قسم النقل والمواصلات تغيرا قدره (0.5%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة شراء المركبات بنسبة (1.2%)، مجموعة خدمات النقل بنسبة (-2.3%).

وأضاف سجل قسم الاتصالات السلكية واللاسلكية تغيرا قدره (0.3%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة معدات خدمات الهاتف والفاكس بنسبة (4.0%) كما سجل قسم الثقافة والترفيه تغيرا قدره (0.3%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الخدمات الثقافية والترفيهية بنسبة (0.1%)، مجموعة الصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة (0.3%)، وسجل قسم المطاعم والفنادق تغيرا قدره (0.7%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة (0.7%). 

وسجل قسم السلع والخدمات المتنوعة تغيرا قدره (1.5%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة العناية الشخصية بنسبة (1.4%)، مجموعة امتعة شخصية بنسبة (5.5%).

أما بالنسبة للتغير السنوي (شهر نوفمبر 2023 مقارنة بشهر نوفمبر 2022)، فأشار الجهاز إلى أن قسم الطعام والمشروبات سجل تغيرا قدره (63.9%) وتأتي التغييرات لارتفاع أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة (45.2%)، ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة (81.6%)، ارتفاع أسعار مجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (74.7%)، ارتفاع أسعار مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (62.7%)، ارتفاع أسعار مجموعة الزيوت والدهون بنسبة (27.4%)، ارتفاع أسعار مجموعة الفاكهة بنسبة (62.0%)، ارتفاع أسعار مجموعة الخضروات بنسبة (78.2%)، ارتفاع أسعار مجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة (47.4%)، ارتفاع أسعار مجموعة البن والشاي والكاكاو بنسبة (74.0%).

وأوضح الجهاز، أن قسم المشروبات الكحولية والدخان سجل تغيرا قدره (72.1%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الدخان بنسبة (72.1%)،كما سجل قسم الملابس والاحذية تغيرا قدره (21.8%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الاقمشة بنسبة (41.2%)، مجموعة الملابس الجاهزة بنسبة (21.2%)، مجموعة الأحذية بنسبة (19.5%).

قسم المسكن والمياه

وأشار إلى أن قسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود سجل تغيرا قدره (7.4%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الايجار الفعلي للمسكن بنسبة (9.4%)، مجموعة المياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالمسكن بنسبة (2.7%)، مجموعة الكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى بنسبة (1.1%)، وسجل قسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة تغيرا قدره (39.1%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة المفروشات المنزلية بنسبة (28.5%)، مجموعة الأجهزة المنزلية بنسبة (52.5%)، مجموعة السلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل بنسبة (37.6%)،وسجل قسم الرعاية الصحية تغيرا قدره (16.9%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة (13.4%)، مجموعة خدمات المستشفيات بنسبة (26.6%).

كما سجل قسم النقل والمواصلات تغيرا قدره (15.4%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة شراء المركبات بنسبة (31.8%)، مجموعة خدمات النقل بنسبة (11.4%)،كما سجل قسم الاتصالات السلكية واللاسلكية تغيرا قدره (1.8%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة خدمات البريد بنسبة (12.9%)، مجموعة معدات خدمات الهاتف والفاكس بنسبة (31.7%) ،وسجل قسم الثقافة والترفيه تغيرا قدره (19.5%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الخدمات الثقافية والترفيهية بنسبة (29.6%)، مجموعة الصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة (16.4%)، مجموعة الرحلات السياحية المنظمة بنسبة (19.8%).

وسجل قسم المطاعم والفنادق تغيرا قدره (42.9%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة (43.4%)، مجموعة خدمات الفنادق بنسبة (14.1%)،وسجل قسم السلع والخدمات المتنوعة تغيرا قدره (27.8%) بسبب ارتفاع أسعار مجموعة العناية الشخصية بنسبة (33.1%)، مجموعة امتعة شخصية بنسبة (47.4%).

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التضخم معدل التضخم البنك المركزي المصري المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

إقرأ أيضاً:

على وقع تراجع أصوات التحرير.. مفارقة قاتلة: الطبقة السياسية تستنجد بالأمريكان لا تتركونا

بغداد اليوم - خاص

لا أحد في بغداد ينام حقًا. فحتى حين تهدأ الضوضاء في الشوارع، ويُطفأ ضوء آخر مكتب حكومي، يبقى القلق مستيقظًا. وبينما يبدو المشهد السياسي العراقي ساكنًا على السطح، تغلي تحته براكين من الاحتمالات، ليس أولها استمرار التواجد الأمريكي، وليس آخرها خشية الدولة من عقوبات لا تأتي بصيغة تهديد، بل تُفرض كأنها قَدَر سياسي لا مفر منه. منذ سقوط نظام صدام وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تكن العلاقة بين بغداد وواشنطن سوى قصة طويلة من الخوف المقنّع بالتحالف، والتبعية المتزيّنة بمساحيق السيادة. وإذا كانت القوات الأمريكية قد خرجت رسميًا عام 2011، فإنها عادت بعدها بثلاث سنوات، لا بقرارٍ من البيت الأبيض فحسب، بل بطلب يائس من عراقٍ كان يتفكك تحت ضربات داعش، ويبحث عن قشة في بحره الغارق.

لكن القشة ذاتها تحوّلت إلى حبل يُمسك بخناق القرار العراقي، لا يُفلت، ولا يسمح له بالتنفس. اليوم، لا تتحدث واشنطن عن انسحاب، ليس لأنها تخشى العودة إلى نقطة الصفر، بل لأنها تدرك أن العراق بات هو النقطة التي تبدأ منها كل خرائط المنطقة الجديدة. والبقاء الأمريكي، كما يقول أحمد الشريفي، "أمر وارد جداً"، بل قد يكون، وهنا تكمن المفارقة، خيارًا عراقيًا بامتياز، حين تتحول السيادة إلى مجاز، والخوف من المجهول إلى عقيدة سياسية، والمصلحة الوطنية إلى ملفّ مؤجل إلى إشعار آخر. السؤال لم يعد: "هل ستخرج أمريكا؟"، بل: "هل يستطيع العراق أن يعيش من دونها؟"، والإجابة المضمَرة بين السطور، هي: لا، أو على الأقل، ليس الآن، ولا بهذه الطبقة السياسية التي تخشى العقوبات أكثر من احتلال القرار.


الانسحاب المؤجل... أم البقاء بطلب عراقي؟

في زمن أصبحت فيه مفردات السيادة تُوزن بميزان الذهب السياسي، لا يبدو "الانسحاب الأمريكي" من العراق خيارًا مطروحًا على الطاولة بجدية، حتى لو رُفع كيافطة في بعض الخطابات الرنانة. فالميدان يقول شيئًا آخر، يقول إن الأمريكيين باقون، وإن الدولة العراقية – بتركيبتها المرتجفة – لم تعد تملك ترف الاستغناء عنهم. وهنا لا نتحدث عن الاحتلال بمعناه الكلاسيكي، بل عن نوع جديد من الحضور: حضور بالطلب، ووجود بالرضا، وتمدّد بالصمت. تلك المفارقة عبّر عنها بوضوح الخبير العسكري والاستراتيجي أحمد الشريفي، حين قال: "حتى الساعة لا يوجد أي تأكيد أمريكي رسمي يؤكد بأن هناك نية حقيقية للانسحاب من العراق، خاصة في ظل التطورات الأخيرة، وخاصة في الساحة السورية، ولهذا بقاء الأمريكان لفترة أطول في العراق أمر وارد جداً، وربما البقاء يكون بطلب عراقي."

وهنا تكمن المفارقة القاتلة: أن الحكومة التي طالما تباهت بأنها تعمل على إنهاء "الوجود الأجنبي"، قد تكون نفسها من يطلب بقاءه، ليس حبًا في الدبابة الأمريكية، بل خوفًا مما قد تجرّه الفوضى التي تحوم كطائر جارح فوق سماء العراق. في حسابات الواقعية السياسية، الانسحاب يعني إعادة خلط الأوراق؛ يعني تَحرُّك الفصائل بحرية، واندفاع الخصوم الإقليميين لسد الفراغ، وانكشاف القرار العراقي أمام شمس العقوبات الدولية. ولهذا، ما يُحكى في العلن لا يعكس ما يُهمس به في أروقة الدولة، حيث تُدار المعادلات وفق ميزان الخسارة الأقل، لا الربح الأكبر. وهكذا، تتحوّل السيادة من حقّ دستوري إلى ورقة تفاوضية، وتتحوّل الجيوش الأجنبية من "قوة احتلال" إلى "حاجة مؤقتة" تتجدد كلما خاف القرار السياسي من مصيره.


الصوت الذي خفت... حين تصبح المقاومة عبئًا

لم تعد المطالبات بإخراج القوات الأمريكية تصدح كما كانت، ولا تعلو كما كانت تصدح أيام التظاهرات المليونية والخطابات النارية التي تُلقَى من على منصات حديدية متهالكة. الآن، انكفأ الصوت، وتراجعت الحناجر، كأن المقاومة نفسها باتت غير مرغوب بها في خريطة توازنات جديدة، أكثر هشاشة، وأشد تعقيدًا. لم تعد المسألة مجرّد "رفض احتلال"، بل تحوّلت إلى سؤال خائف: "ماذا لو خرجوا؟ من سيحمينا من الضغوط؟ من سيفصل بين بغداد وواشنطن الغاضبة؟". وهنا تنكشف هشاشة القرار الوطني حين يصبح رهينة لردود الفعل الخارجية.

الخبير العسكري أحمد الشريفي، وضع إصبعه على هذه النقطة الحرجة حين قال: "الجانب العراقي الحكومي وكذلك السياسي يخشى في ظل هذه الأوضاع الانسحاب الأمريكي، خاصة أن هذا الانسحاب قد يعجّل في فرض العقوبات على العراق كدولة، والشخصيات السياسية والفصائل، ولهذا نرى هناك تراجع في الأصوات التي كانت تطالب بإخراج الأمريكان سابقاً."

بهذا المعنى، صار الأمريكي هو الغطاء غير المُعلن للطبقة السياسية التي تدرك أن خروجه قد يجرّ معها انكشافًا خطيرًا: سياسيًا، واقتصاديًا، وربما قانونيًا. فالعقوبات لم تعد سيفًا مسلطًا على "دول مارقة"، بل أصبحت وسيلة ضبط حتى للحلفاء. وبين نظام مصرفي هش، ودولة تعتمد في خزينتها على رضا الدولار، يصبح الكلام عن السيادة مجرّد قناع يُلبس في المؤتمرات، ويُخلع خلف الأبواب المغلقة. 

لذلك تراجعت أصوات "التحرير"، لا لأنها اقتنعت بضرورة الوجود الأمريكي، بل لأنها باتت تخشى اليوم ما كانت تريده بالأمس، حين أدركت أن التوازن في العراق لا يُصنع على الأرض فقط، بل على ورق العقوبات، وفي تقارير وزارة الخزانة، وبين سطور المبعوثين الدوليين الذين يكتبون بلغة القوة، لا البلاغة.


إيران التي انسحبت بصمت... وتركَت ظلها يتنقّل وحيدًا

ذات يوم، كانت طهران تتنفس من رئة بغداد، وتحرّك أوراق الشام من كواليس كربلاء، وترسل إشاراتها إلى الضاحية الجنوبية من قلب البصرة. لكنها اليوم لم تعد تلك القوة المتحفزة العابرة للحدود، بل تبدو وكأنها تنسحب إلى داخلها، تنكمش على همومها، وتطفئ جبهات الخارج واحدة تلو الأخرى. إيران التي كانت تهندس السياسة في العراق بالمجسات، وتراقب حركة القوات الأمريكية بالنبضات، باتت اليوم تنظر إلى الخارطة بنظارات داخلية... مرهقة، مثقلة، ومحمّلة بكمٍّ من الخسارات لا يُخفى.

الخبير العسكري أحمد الشريفي اختصر هذا التحوّل العميق بجملة تكشف ما خلف الستار، حين قال: "إيران لن يكون لها أي رأي بهذا الأمر، خاصة وهي الآن تتعرض إلى ضغوطات وتهديدات أمريكية كبيرة، خاصة بعد رسالة ترامب الأخيرة لها، ولهذا هي ستكون منشغلة في وضعها الداخلي أكثر من وضع نفوذها في العراق وباقي دول المنطقة، التي خسرته في سوريا ولبنان."

ولعل في هذا التصريح ما يتجاوز التوصيف، ليبلغ مستوى التحذير: إيران التي انسحبت من شوارع دمشق، وغابت عن نقاشات بيروت، وارتبكت في ساحات بغداد، لم تعد الشريك الثقيل الذي يخشاه الغرب، بل الحليف الذي يُرثى له. ومع كل ضغط مالي، وعقوبة اقتصادية، ورسالة تحذير من واشنطن، تنكمش الأذرع الإيرانية أكثر فأكثر، وتتحول من مشروع إقليمي طموح إلى دولة تحاول النجاة من الغرق داخل حدودها. وفي ظل هذا التراجع، يبقى العراق بلا مظلة إقليمية حقيقية، مكشوفًا على قراراته، محاطًا بالأعداء، ومربوطًا بقيد أمريكي لا يُرى، لكنه يُحَسّ كاختناق في حلق القرار السياسي. لم يعد لإيران ما يكفي من القوة لتفرض رأيًا، ولا ما يكفي من النفوذ لتمنع الانهيار، وهي تدرك – قبل غيرها – أنها خسرت كثيرًا، وأن البقاء في العراق لم يعد مشروعًا استراتيجيًا، بل عبئًا إضافيًا على جسدها المنهك.


العراق بين مفترقين... والقرار يُصنع خارج الحدود

العراق، ذلك البلد الذي كان يصدر قراراته يومًا تحت قباب ملوكية وأروقة إمبراطورية، أصبح اليوم يترقب مصيره من على حافة هاتف خارجي أو تقرير من وزارة دفاع لا تعرف الجغرافيا بقدر ما تعرف المصالح. الوجود الأمريكي فيه لم يعد مجرّد حالة أمنية أو ضرورة عسكرية، بل تحوّل إلى معادلة وجودية، تكشف هشاشة البنية السياسية، وتعرّي التصورات الرومانسية عن "الاستقلال الوطني". فالعراق، كما يبدو، لا يستطيع أن يبقى معهم، ولا يملك أدوات البقاء بدونهم، وكأنه واقع في مساحة رمادية يتحكم بها الجميع، إلّا هو.

في هذا التناقض القاتل، تُصبح الدولة العراقية كأنها سفينة مشروخة تسير في بحرٍ هائج، لا تملك بوصلة، ولا تملك قرار العودة إلى الشاطئ. كل محاولة للانسحاب الأمريكي تعني زعزعة للتوازن الهش، وكل محاولة للبقاء تعني تجذيرًا لوصاية مرفوضة على الورق، مقبولة بحذر في الواقع. واشنطن تعرف هذه الحقيقة، وتدير اللعبة بحسابات دقيقة: لا انسحاب كامل، ولا التزام طويل الأمد… فقط وجود كافٍ لردع الخصوم، وضغط يكفي للهيمنة. أما بغداد، فهي العالق الأبدي في المنتصف، تنظر إلى طهران المُنهكة فلا تجد سندًا، وإلى واشنطن المتحفّظة فلا تجد حليفًا، وإلى الشارع المتذمّر فلا تملك له جوابًا.

والبقاء الأمريكي لم يُعلن، لكنه يتحقّق يوميًا بصمتٍ ثقيل، بين خوف سياسي من العقوبات، وتراجع إيراني عن الدعم، وعجز تام عن تخيّل عراق بلا ظلّ أمريكي يتمدد فوق أرضه، من البرلمان إلى غرفة العمليات.

هكذا يُختصر الموقف: القرار الأمريكي لم يُحسم، لكن القرار العراقي محسوم سلفًا... "ليس بيده".


المصدر: بغداد اليوم + وكالات

مقالات مشابهة

  • مؤشر بورصة إسطنبول يغلق على تراجع
  • تباطؤ في ارتفاع أسعار العقارات حول العالم
  • التضخم في منطقة اليورو يهبط إلى 2.2 بالمئة خلال الشهر الماضي
  • على وقع تراجع أصوات التحرير.. مفارقة قاتلة: الطبقة السياسية تستنجد بالأمريكان لا تتركونا
  • الدويري: غزة تمر بأصعب أوقاتها منذ بدء الحرب وهذه هي الأسباب
  • غرفة تجارة إسطنبول تكشف ارتفاع التضخم الشهري إلى 3.79 بالمئة في آذار
  • متأثرة بالرسوم الأمريكية.. ارتفاع أسعار «النفط والذهب»
  • مجموعة من اليابانيين يتجمعون حول طفل رضيع في أحد المطاعم .. فيديو
  • ارتفاع أسعار الذهب
  • تراجع أسعار النفط وخام برنت يسجل 72.46 دولارًا للبرميل