الجزيرة:
2025-03-04@04:50:22 GMT

التفكير في السلم في زمن الحرب

تاريخ النشر: 10th, December 2023 GMT

التفكير في السلم في زمن الحرب

يبدأ الباحث الفرنسي جون بيير فيليو كتابه عن تاريخ غزة بالإهداء إلى أرواح آلاف من المجهولين ممن ماتوا بغزة قبل الأوان، في الوقت الذي كانت لهم حياة يريدون أن يحيوها، مع ذويهم في أمن وسلام.

ويضيف:  

غزة مفترق الحضارات، غزة فضاء ليس نتاجًا للجغرافيا بل متفرعًا عن التاريخ، تاريخ يعتوره العذاب والمأساة لإقليم نزحت إليه غالبية السكّان كي تفرّ من العذاب والمأساة.

ثم يشفع:

ومع ذلك، ففي هذا السجن على العراء، يقبع مصير العالم. ولذلك ينبغي تجديد خيط التاريخ، لما وراء الخراب والأسى؛ ترقبًا لأفق المستقبل، من أجل غزة، ومن أجلنا كلنا؛ لأن مصير العالم هو ما يعتمل بشكل رمزي في هذه القطعة من الأرض.

كذلك يقول فيليو في كتاب له عن غزة- صدر قبل عشر سنوات ونيّف (2012)- لم تُبلِ جِدّته الأيام، كما يقول التعبير العربي القديم، أو لا يزال يحتفظ براهينيّته. مصير العالم يتحدد اليوم فيما يجري في غزة. وينبغي رغم الأسى والدمار- الذي تتعرض له غزة- إيقاد شعلة تنفتح على المستقبل، بالحوار، ومن خلال الحوار الجِدي، من غير أحكام مسبقة، أو وصاية.

يعترف فيليو أن الحوار لم يعد ممكنًا على بلاتوهات التلفزيون في القنوات الغربية. ومع ذلك لا بد من الحديث، في هذا المنعرج التاريخي، الذي ينبئ بالأسوأ، فيقول: "الأزمة في أولياتها، ومُرشّحة لأن تلتهب"

حلّ فيليو في المغرب هذا الأسبوع، وأجرى فيه سلسلة محاضرات في ربوع مدن عدة. تحدث على هامش المحاضرات، في لقاءات جانبية، منها لقاء جمعه بكاتب هذه السطور، والأسى يعتصره لما يجري في غزة، ولما نال أصدقاء كانوا له في غزّة لم يعودوا من الأحياء، عرفهم بها، حيث عاش لفترة، فتحوا له قلوبهم، ونقل عنهم شؤونهم، وشهد عنهم، وأيضًا للتقتيل الذي لا يوفر المدنيين والعُزل، وللدمار الذي يصيب المباني والمساكن.

جون بيير فيليو خبير بقضايا العالم العربي، عاش بسوريا، وأحبها، وعاش بالأردن وتعلق به، وأقام في لبنان لفترة وعرف شؤونه، وتجوَّل في بقية أرجاء العالم العربي. أتقن اللغة العربية، فنفذ إلى تجاويف العالم العربي. يقرأ باللغة العربية، ويتحدث بها لا ليرسخ أحكامًا مسبقة، بل ليفهم، ويُعين على الفهم.

يكتب بالفرنسية والإنجليزية ليمد يده لعالم أحبه كي يريه مواطن الزلل، ومكامن القوة، لشيء يؤمن به، هو المصير المشترك، بين ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط، أو بين فرنسا والعالم العربي.

للكاتب سجلّ من الكتابات الرصينة عن العالم العربي، كتب بعضها بالإنجليزية، تفيد في فهم ما يجري بالعالم العربي، وتحمل رسالة أمل ودعوة للتقارب لعالمين- هما: العالم العربي والغرب- أخلفا، غالبًا، المواعيد التاريخية.

ينبغي أن نُقر أن باحثًا من طينة فيليو ليس ممن يُقبل في بلاتوهات التلفزيونات الغربية، أو يستدرون اهتمام أصحاب القرار، ولو أنه اشتغل لفترة في دواليب خارجية فرنسا، لكان من الأصوات الحكيمة التي يمكن أن تنقل خبرتها لأصحاب القرار في الغرب في هذه الظرفية المضطربة وتنقل رؤيتها للعالم العربي الذي يعيش أزمة وجودية.

يعترف فيليو أن الحوار لم يعد ممكنًا على بلاتوهات التلفزيون في القنوات الغربية. ومع ذلك لا بد من الحديث، في هذا المنعرج التاريخي، الذي ينبئ بالأسوأ، فيقول: "الأزمة في أولياتها، ومُرشّحة لأن تلتهب".

الأمور أسوأ من أن تُرَدّ في تقييم ما يجري إلى الداء الوبيل المتمثل في قاعدة "الكيل بمكيالين"، بل إلى "سيكوزفرنيا" مستشرية في الغرب، وعند من يصنعون الرأي العام، من شريحة ترفض أن ترى ما لا تريد أن تراه، وتَشْخَص أبصارها لترى ما تريد أن تراه.

حتى بعض الجامعات الغربية، أو كبريات الجامعات الأميركيّة لم تسلم من نوع من الماكرثية، أو هذا الشعور الذي يشكل عنصرًا من الثقافة السياسية الأميركية: التجني والعار Blame and shame .

ومع ذلك في هذا الظرف الذي يعتريه الغبش، فلا بديل عن الحوار، يتوجب مد الجسور؛ لأن مصير ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط متداخل، ولأن فرنسا الأنوار كانت شريكًا في النهضة العربية، ويؤمن بعض من المتشبعين بقيمها، بمصير مشترك.

طبعًا ليس الحوار هيّنًا، ويكاد أن يكون مستعصيًا في الغرب في الظرفية الراهنة. ولكنه ضروري؛ لأن المنطقة ستدخل سياقًا حرجًا، أو بتعبير فيليو: الأزمة في أولياتها، وهي بالكاد بدأت.

بغض النظر عما أتاحه لقاء جمع فيليو مع ثُلة من الباحثين في الرباط، فالحاجة ملحة إلى حوار مع عقلاء الضفة الأخرى.

من المشروع أن تُعبّر الجماهير في العالم العربي، وفي العالم عما يساورها من غضب جراء العدوان الذي تتعرّض له غزة، ولكن صاحب القرار ينبغي ألا يستسلم للعاطفة، كما يجب أن يُغلّب العقل.

لكن صاحب القرار أو السياسي عمومًا، منغمر في الحدث الآني، وليس لديه مسافة مما يجري؛ ولذلك الحوار الممكن هو مع أصحاب الرُؤى، من يتخذون مسافة من الأحداث، ويزاوجون مع المعرفة الإيمانَ بمصير مشترك.

لا حاجة إلى القول؛ إن العالم لا يُختزل في صورة جاهزة، لأبيض وأسود، أو لـ "نحن خيرون" و"آخرون أشرار". الأمور أعقد من ذلك، وأثبت أحرار العالم، انصياعهم للحق.

ليس من السهل التفكير في السّلم زمن الحرب. ولكنه الأمر الضروري، لتجنّب لعنة المواعيد التاريخية المُخلفة، من خلال حوار يُجرى مع هؤلاء الذين يسميهم التعبير الفرنسي بحاملي التأميل (وهو غير الأمل) Porteurs d’espérance .

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العالم العربی ومع ذلک ما یجری فی هذا

إقرأ أيضاً:

المغرب يترأس مجلس السلم والأمن الإفريقي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تولى المغرب، اعتبارًا من اليوم السبت 1 مارس 2025، رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، في إطار مواصلته لجهوده الهادفة إلى تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في القارة الإفريقية.

وتعد هذه المرة الرابعة التي يترأس فيها المغرب المجلس بعد دورات فبراير 2024، أكتوبر 2022، وسبتمبر 2019، ما يعكس الثقة المتجددة في الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، ودورها الفاعل في دعم القضايا الإفريقية على المستويين الإقليمي والدولي.

ووفقًا لمصادر رسمية، ستسترشد الرئاسة المغربية برؤية ترتكز على الدفع بالعمل الإفريقي المشترك ووضع القضايا ذات الأولوية في صلب الأجندة الإفريقية، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجهها القارة، والتي تفاقمت بسبب الأزمات المناخية والصحية، وانتشار التطرف العنيف.

وخلال فترة رئاسة المغرب، سيعقد مجلس السلم والأمن الإفريقي مشاورات غير رسمية مع بوركينا فاسو، والغابون، وغينيا، ومالي، والنيجر، والسودان، لمناقشة تسريع عودتها إلى الاتحاد الإفريقي، إلى جانب تنظيم اجتماع وزاري حول "الذكاء الاصطناعي وتأثيره على السلم والأمن والحكامة في إفريقيا"، وهي مبادرة مغربية غير مسبوقة داخل المجلس.

وأكد السفير محمد عروشي، الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا، أن المغرب يعزز من خلال هذه الرئاسة مكانته كطرف رئيسي في تعزيز السلم والأمن والتنمية المستدامة في إفريقيا، مشددًا على أهمية الحوار، وحسن الجوار، واحترام سيادة الدول، والعمل على تحقيق مستقبل أكثر استقرارًا للقارة.

مقالات مشابهة

  • ليون: بن العمري هو اللاعب العربي الوحيد الذي حمل الرقم 3
  • ليون :”بن العمري اللاعب العربي الوحيد الذي حمل رقم 3 “
  • القارئ الطبيب صلاح الجمل لـ«الأسبوع»: أنا العربي الوحيد الذي سُمح له أن يسجل القرآن في الحرمين النبوي والمكي
  • بعد سنوات من التفكير .. الرابر الأمريكي ليل ريس يشهر إسلامه في شهر رمضان
  • "بازار" مسلسلات شهر رمضان في العالم العربي.. النقد السياسي ممنوع
  • روبيو: ترامب الوحيد في العالم الذي يستطيع جلب بوتين إلى طاولة المفاوضات
  • إنفوغراف.. المشهد "البشع" في المكتب البيضاوي يشغل العالم
  • من هو الصحفي الذي أشعل الحرب داخل البيت الأبيض بين ترمب وزيلينسكي؟
  • المغرب يترأس مجلس السلم والأمن الإفريقي
  • تقرير يكشف الضرر الكبير الذي خلفته الحرب على الصحة العقلية للأطفال في لبنان