الدراما العُمانية في مهب الريح!
تاريخ النشر: 10th, December 2023 GMT
◄ المخرج يوسف البلوشي: الإنتاج العُماني تراجع لمستويات تبعث على الحزن لما آلت إليه الدراما
◄ عُمان "لوكيشن مفتوح" للتصوير.. ورغم ذلك لا نستفيد من هذه الميزة
◄ الإنتاج الدارمي يخدم التوجهات الوطنية.. وغياب الدعم جوهر الأزمة
◄ شركات الإنتاج تعاني الانهيار.. والعديد منها أغلق نهائيًا منذ 5 سنوات
الرؤية- فيصل السعدي
يُؤكد المُخرج والمُنتج يوسف بن محمد البلوشي مدير عام مؤسسة الكهف الأزرق للإنتاج الفني والإعلامي أن الدراما العمانية تعاني من تراجع واضح من حيث حجم الإنتاج، علاوة على ضعف جودة الأعمال التي ترى النور، نظرًا للتحديات التي تُحيط بمهنة التمثيل ونشاط الإنتاج الفني، خاصة بعد الهبوط الحاد في حجم الدعم الحكومي للإنتاج الدرامي.
ويقول البلوشي- في حديث خاص لـ"الرؤية"- إن الدراما تمثل واحدة من عناصر القوة الناعمة للدول والشعوب، ومن خلالها تتعرف الأمم على بعضها البعض، مشيرًا إلى أنَّ الأعمال التلفزيونية تمثل واجهة الإنتاج المحلي في أي دولة، وأنه لا توجد قناة في العالم لا تنتج دراما، خاصة وأن هذا النوع من الإنتاج الفني يحظى بجماهيرية منقطعة النظير، بالمقارنة مع فنون أخرى مثل السينما والمسرح.
ضعف الإنتاج
وقال البلوشي: "من المؤسف أننا نستعين بدراما خارجية لبثها في قنواتنا وفي المقابل لدينا حكايات وقصص تسرد قضايا ومشاكل اجتماعية يمكن توظيفها بقوة وتقديم منتج درامي اجتماعي عُماني أصيل ذي قدرة على جذب المشاهدين". وينصح البلوشي بعرض الدراما العمانية بشكل يومي في قنواتنا المحلية وذلك لأهميتها البالغة في إيصال الرسائل الهادفة وحل قضايا المجتمع المتنوعة.
وأكد البلوشي أن هناك ضعفًا حقيقيًا في إنتاج الدراما العمانية بسبب اقتصارها على مواسم محددة مثل موسم رمضان، وبمعدل إنتاج لا يتجاوز المسلسل أو المسلسلين فقط، موضحاً أن هذا الإنتاج المحدود من الدراما المحلية لا يُشبع رغبة المشاهد الذي يأمل مشاهدة العديد من المسلسلات العمانية، كما إنها في كثير من الأحيان تكون دون المستوى الذي يتوقعه محبو الدراما العمانية. وأضاف: "نعاني من ضعف كبير في إنتاج الدراما العمانية؛ حيث تقلص الإنتاج بعد سنة 2011، ففي السابق كان الإنتاج يتراوح بين 4 إلى 5 أعمال كل سنة، أما الآن فقد وصل الحال إلى إنتاج عمل أو حتى نصف عمل مكون من 14 حلقة فقط".
وقال البلوشي يجب النظر إلى الدراما العمانية على أنها قوة ناعمة تستحق عودتها إلى الشاشة العمانية وعرضها على شاشات أخرى لا سيما في دول الخليج، لأنها تعالج قضايا المجتمع العماني التي عادة ما يتشابه بعضها مع المجتمع الخليجي. وحثَّ البلوشي على ضرورة التركيز على قوة النصوص الدرامية وانتقاء المواضيع بعناية والتي تلامس الجانب المحلي؛ لأنَّ الدراما تعكس صورة وحياة مستوى الفرد والمجتمع في أي بلد. وأشار إلى أن الطبيعة في سلطنة عمان مُشجعة على إنتاج المزيد من الأعمال التلفزيونية واصفًا إياها بأنها "لوكيشن مفتوح للتصوير"؛ وأن جميع المخرجين والفنانين الذين يزورون عُمان يؤكدون ذلك.
تحديات وضغوط
وأكد البلوشي أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه شركات الإنتاج الخاصة في عُمان، وأن شركات الإنتاج المحلية تأسست على يد فنانين عمانيين بسبب حبهم للإنتاج الوطني وشغف إيصال رسالتهم الفنية من خلال الدراما المحلية ولم يكن التركيز على الهدف التجاري الربحي، "على عكس ما يعتقده البعض". وقال: "التحديات يصعب حصرها، لكن من أعقدها غياب الدعم من وزارة الإعلام، باستثناء دعم يسير من خلال الإنتاج كمنتج مُنفِّذ". وأعرب عن حزنه لإنتاج عمل واحد فقط كل 4 أو 5 سنوات، وأن ما يتحقق من عائد قد لا يغطي تكاليف الإنتاج، بينما تخسر الشركة المُنتجة للعمل بعد إنفاق أموال كبيرة لضمان جودة العمل.
ومضى قائلًا: "الكثير من الجهات المعنية لا تنظر إلى الإنتاج الدرامي على اعتبار أنه مشروع وطني وذي قيمة تنموية وتربوية وإرشادية، وهذا سبب رئيس آخر في ضعف الإنتاج الدرامي في عمان، كما لا يوجد أي دعم من الشركات أو الجهات العامة والخاصة لشركات الإنتاج". وقال إن بعض الدعم المقدم من جهات أخرى لا يتناسب مع طبيعة العمل، مشيرًا إلى أن يتم تخصيص أراض لشركات الإنتاج في المناطق الصناعية، وهو أمر لا يتناسب تمامًا مع طبيعة عمل الشركات الفنية ولا يخدم أهدافها.
ولفت البلوشي إلى "أن العديد من شركات الإنتاج أغلقت وانهارت منذ عام 2018، ولم يتم إسناد أعمال درامية لها، مما دفع بشركات الإنتاج إلى الإغلاق بعد أن تحطم أمل الاستمرار، ولم يجدوا من يسمع شكواهم، واليوم أصبحت معداتنا التي دفعنا فيها آلاف الريالات متكدسة في المخازن دون تشغيل".
ويطالب البلوشي الجهات المعنية بالعمل على دعم الدراما، وتقديم عمان إلى العالم في شكل أفضل تاريخيًا وحضاريًا وسياحيًا وتنمويًا، عن طريق الإنتاج التلفزيوني، كما هو الحال عند الدول التي تتسابق فيها جميع القطاعات لدعم قطاع الإنتاج الفني وإقامة معاهد ودورات في مجالات التمثيل والإخراج.
أعمال وإنجازات
وتحدث البلوشي عن أعماله الفنية التي كان أولها في عام 2002 ومن أهم أعماله مسلسل "سدرة"، ومسلسل "حينما تعزف الريح"، ومسلسل "الرقصة الأخيرة"، ومسلسل "نظر عيني"، ومسلسل "دهاليز" وغيرها من الأعمال التي تركت بصمة إبداعية لافتة.
وعمِل الفنان يوسف البلوشي في إنتاج العديد من الأفلام من أبرزها فيلم "دموع الورق"، وفيلم "أقطار وأسوار"، وفيلم "قلوب ضريرة"، وفيلم "الغريب"، وفيلم "جذور الغضب"، وفيلم "سلمى"، وكشف أنه يعكف حاليًا على تصوير فيلم "سجين الزرقة".
وعلى مستوى الإخراج المسرحي، أخرج البلوشي ما يقارب 40 عملًا مسرحيًا وحصل على عدد من التكريمات والجوائز؛ حيث فاز بجائزة أفضل عرض خليجي وأفضل عرض في مصر وغيرها من الدول.
وحصلت الأعمال الدرامية والمسرحية للمنتج يوسف البلوشي على العديد من الجوائز على المستوى المحلي والدولي؛ حيث حصل على الجائزة الثانية والفضية في المهرجان العربي للدارما بتونس، والجائزة الفضية في مهرجان الأردن السينمائي، كما حصل على جائزة أفضل إخراج في مسابقة وزارة الإعلام وجائزة أفضل مخرج سينمائي في المهرجان العماني الذي أقيم في نزوى.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العلاقات العمانية البحرينية.. النموذج الذي يحتاجه العرب
عندما يزور قائد عربي دولة عربية شقيقة يتنامى الحس العروبي، وتشعر الجماهير العربية التي تقرأ الخبر أو تسمع عنه بكثير من الفرحة، حتى لو كانت بعيدة عن المشهد وتفاصيله؛ ولكنّ الشعور العروبي يتحرك في الدماء العربية.
ورغم أن العلاقات العمانية البحرينية لم تكن في يوم من الأيام إلا في ذروة مجدها فإن زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى لبلده الثاني سلطنة عمان تشعرنا في عُمان وتشعر إخوتنا العرب بكثير من الفرح وتنامي حس التضامن العربي الذي ناله بعض الخفوت في بعض المساحات العربية بسبب الأحداث التي شهدتها المنطقة في العقدين الماضيين.
ورغم العلاقات التاريخية والعميقة بين عُمان والبحرين الممتدة عبر الأزمنة فإن تعميقها وتحويلها إلى مسار اقتصادي واستثماري أصبح ضرورة ملحّة.. وليس هذا بين عُمان والبحرين فقط، ولكن بين دول الخليج بعضها البعض وبين الدول العربية كذلك، فالاستثمارات العربية أولى بها الدول العربية بل إن الأمر تحوّل إلى خيار استراتيجي وأمن عربي في ظل التحولات الجيوسياسية التي يعيشها العالم الذاهب إلى مزيد من التكتلات الاقتصادية. والتحديات المتزايدة، سواء على صعيد الأزمات الاقتصادية العالمية، أو التغيرات المناخية، أو المنافسة على الموارد الحيوية، تفرض على دول الخليج العربي والعالم العربي عمومًا تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي، والعمل على بناء شراكات مستدامة تضمن الاستقرار والازدهار المشترك.
ودول الخليج العربي واحدة من أكثر المناطق حيوية اقتصاديا في العالم، بفضل ثرواتها الهيدروكربونية وموقعها الجغرافي الذي يجعلها مركزا للتجارة والطاقة العالمية. لكن هذا الاعتماد الكبير على النفط بوصفه مصدرا رئيسيا للدخل يجعل اقتصادات المنطقة عرضة لتقلبات الأسواق العالمية كما حدث خلال العقد الماضي، وكما هو متوقع خلال السنوات الأربع القادمة في ظل تحولات القيادة في بعض الدول الكبرى. ومن هنا، تأتي أهمية تعزيز الاستثمارات البينية بين دول الخليج، ليس فقط في قطاعات الطاقة التقليدية، ولكن أيضًا في قطاعات جديدة مثل الطاقة النظيفة والمتجددة.
ومن غير المنطق أن تبقى دول الخليج العربي التي تملك بعضها رؤوس أموال جيدة مستوردة للسلع التي تستطيع إنتاجها بالفعل أو أن تبقى أسيرة للنفط فيما يمكنها التحوُّل إلى طاقة الهيدروجين الأخضر أو أن تصبح مركزا دوليا للوجستيات في العالم بسبب موقعها على خطوط التجارة العالمية.
وإضافة إلى الطاقة المتجددة فإن دول الخليج العربي بشكل خاص باتت قادرة اليوم على الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وفيه أشباه الموصلات التي تعَد أحد المجالات التي يمكن أن تتحكم بمسارات الصراع في العالم. ومن المهم أن تتكاتف الجهود الخليجية لإنشاء منظومات متكاملة للبحث والتطوير في هذه المجالات، سواء من خلال إنشاء مراكز أبحاث مشتركة أو دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة.
ولا بدّ أن تستند العلاقات الخليجية الخليجية والعربية العربية إلى رؤية استراتيجية تتجاوز المصالح الاقتصادية إلى تعزيز الترابط السياسي والاجتماعي بين الدول؛ فالدبلوماسية الاقتصادية، القائمة على تبادل المصالح وتنمية المشاريع المشتركة، يمكن أن تكون أداة فعالة لتحقيق هذا الهدف. وفي هذا السياق، يعَد إنشاء صناديق استثمارية مشتركة وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة خطوتين أساسيتين لتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي.
لكنّ التعاون أيضا يمكن أن يتجاوز هذا المسار إلى التكامل في طريق بناء قوة ناعمة خليجية تكون قادرة على تعزيز مكانة هذه الدول والضغط والتأثير على الكثير من القضايا التي تمس المنطقة العربية بشكل عام.
وإذا كانت المنح تأتي من المحن فإن المحن الكثيرة التي مرت بها المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين كفيلة بجعل دول الخليج العربي بشكل خاص والدول العربية بشكل عام أن ترى ما حدث فرصة لتوحيد الجهود وبناء شراكات استراتيجية قائمة على رؤية مشتركة للمستقبل.
وتبقى زيارة ملك البحرين إلى سلطنة عمان وعقده قمَّة مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فرصة ليتحدث أهل الخليج عن طموحاتهم من الزيارة التي يرون فيها تنامي العلاقات العربية العربية إلى حيث يتمنى العرب أن تصل.. ويرون في العلاقات العمانية البحرينية النموذج الذي يمكن أن تقتفيه العلاقات العربية العربية.