لم تكن صورة الدّمار الواسع الذي ألحقته الغارات الإسرائيلية على عيتا الشعب سوى نموذج أرادت من خلاله إسرائيل إقران تهديداتها للبنان و"حزب الله" بمصير مماثل لدمار غزة بفعل تدميري ضد البلدات والقرى الحدودية في جنوب لبنان عند تخوم المواجهة الميدانية المتصاعدة بينها وبين "حزب الله". وحتى لو كثّف "حزب الله" هجماته أمس على المواقع والتجمّعات العسكرية الإسرائيلية المواجهة للشريط الحدودي فإنّ الدّلالات السياسيّة والميدانية لرسالة التدمير الواسع الذي طاول عيتا الشعب كما طاول منازل في الرميش لم تنفصل عن التطوّرات السلبية التي أحاطت بالتدهور المستمر عند الجبهة الجنوبية.

إذ انّ التصعيد حصل متزامناً مع إخفاق مجلس الأمن في إقرار قرار لوقف النار في غزة، بفعل فيتو أميركي.   كذلك، فإنّ إيران عاودت التلويح بالأسوأ، مع إشارة وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللّهيان إلى أنّه "ما دامت أميركا تدعم جرائم النظام الصهيوني فهناك احتمال بخروج الوضع عن السيطرة بالمنطقة". كما أنّ تحرّك الوفد الأمني الفرنسي في بيروت بعد تل أبيب لم يبلور بعد أي مؤشّرات إيجابية ملموسة لجهة الدفع نحو التزام الأطراف المتحاربين تنفيذ القرار 1701 .   كل هذه المعطيات أضفت مزيداً من الظلال القاتمة على مصير الوضع عند الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل بما يبقي المخاوف، بل يزيدها، من ازدياد احتمالات الانزلاق إلى مواجهة حربية واسعة رغم كل الضغوط والتحذيرات الدولية الهادفة إلى تجنيب لبنان هذا الخطر المخيف. كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"الجمهورية" انّ الولايات المتحدة الاميركية مارست ضغوطاً جدية لمنع توسّع دائرة الحرب في اتجاه لبنان. وان اسرائيل رضخت لهذه الضغوط، الا أنّ واشنطن ما زالت قلقة من أن يستغل "حزب الله" هذا الوضع لشَن حرب وتصعيد ضد الجيش الاسرائيلي ما يعزّز احتمال وقوع مواجهات واسعة يتأثر بها لبنان بشكل مباشر.
 
ومَردّ هذا القلق، كما تقول المصادر، هو تصاعد العمليات العسكريّة على الحدود، فالمستويات الرسمية في لبنان اكدت انّه ليس في وارد الانخراط في حرب لا يتحمل آثارها وتداعياتها، الا انّ "حزب الله" الذي شملته لقاءات الموفدين في لبنان، والفرنسيين على وجه الخصوص الذين حذّروا من مخاطر هذا التصعيد واحتمالات نشوب حرب واسعة، لم يقدّم للموفدين ما يُبدّد هذا القلق.

وأضافت "الجمهورية": اذا كان ظاهر الصورة قد أبرز حراكاً دوليّاً في اتجاه لبنان، لا سيما من قبل الإميركيّين والفرنسيّين تحت عنوان علني هو "منع توسّع دائرة التصعيد"، فإنّ جوهره هو "حَث المسؤولين في لبنان على ممارسة الضغط على "حزب الله" ومنعه من فتح جبهة حرب ضد اسرائيل انطلاقاً من لبنان، والتحذير من عواقب وخيمة قد تجرّها هذه الحرب على هذا البلد".
 
الّا أنّ مصدراً مسؤولاً على صِلة مباشرة بحركة الموفدين تجاه لبنان، اكد لـ"الجمهورية" انّ اسرائيل تستبق انتهاء حربها على غزة بحديثٍ عن نصرٍ مسبق وحتمي، يُمكّنها من فرض ارادتها على غزة وأجندتها على مرحلة ما بعد هذه الحرب، تشمل لبنان بفرض حل سياسي لطمأنة المستوطنين، او فرض واقع جديد بحل عسكري. فهذا الكلام لا يعدو اكثر من محاولة احتواء لخوف المستوطنين. بالنسبة الى الحل السياسي، يفترض المصدر انه مَبني على أجندة مفترضة للمنطقة بعد غزة، والفرنسيون قالوا صراحة أمامنا ما مفاده انّ مرحلة ما بعد حرب غزة ستشهد مؤتمراً دولياً لوضع ترتيبات جديدة ربما تشمل كل المنطقة ومن ضمنها لبنان.

وهذا الامر مجرّد فكرة حتى الآن، الّا انّ ما ينبغي لَحظه في هذا السياق، هو أنّ زيارة الموفدين الى لبنان اقترَنت بإثارة غير بريئة لموضوع القرار 1701، من زاوية تطبيقه من الجانب اللبناني، واعتبار منطقة عمل قوات "اليونيفيل" منطقة منزوعة السلاح وخالية من المسلحين. واكثر من ذلك إقران هذه الاثارة بالترويج لِما سَمّوها الحاجة الملحّة لتعديل القرار، بما يعدّل مهام اليونيفيل وجعلها قوات قتالية، من دون ان يأخذوا في الاعتبار انّ مثل هذا الامر قد يُدخِل المنطقة في المجهول. ويؤكد المصدر المسؤول أن اثارة موضوع القرار 1701 اعلامية وسياسية لا اكثر ولا اقل، وبالتالي هو ليس مطروحاً على بساط البحث، اضافة الى أنّ المنسقة الخاصة للامم المتحدة يوانا فرونتيسكا نَفت صراحة ايّ توجّه لتعديل القرار، بل اكدت على تطبيقه، ونحن نشاركها بالدعوة الى تطبيقه وإلزام اسرائيل بذلك، كما انّ احداً من الموفدين الدوليين لم يطرح امام اي مسؤول لبناني هذا الموضوع لا من قريب او من بعيد. وامّا بالنسبة الى الحل العسكري، فيقول المسؤول عينه: "قبل الحديث عن هذا الحلّ العسكري دعونا نرَى كيف ستخرج اسرائيل من حربها على غزة وبعد ذلك لكلّ حادث حديث. ولكن بمعزل عن ذلك، فإنّ الحل العسكري الذي لَوّح به وزير دفاع العدو، يعني الحرب مع "حزب الله" وسائر قوى المقاومة في لبنان، وليس خافياً ان اسرائيل من يدعو اليها". الّا أن هذه الحرب، باعتراف الاسرائيليين أنفسهم، غير مضمونة النتائج، وأهم ما فيها ما قرأته أخيراً في الصحافة الاسرائيلية وحرفيته أن الحرب مع لبنان ستدخل كلّ اسرائيل الى الملاجىء، ولا يمكن تقدير آثارها خصوصاً أنّ واقع اليوم غير الواقع الذي كان سائداً في حرب تموز 2006.

وكشفت مصادر مطلعة لـ"الديار" أنّ وفد الخارجية والدفاع الفرنسي لم يتطرق خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين الى تعديل القرار 1701، لكنه تحدث عن "إعادة تفعيله"، معتبراً أن "عامل الوقت أساسي ومهم جداً للوصول الى حل بالطرق الدبلوماسية من احل تطبيق القرار 1701 بكل اطاره، وتفادي المزيد من التصعيد او انفجار كبير للوضع بين لبنان واسرائيل". والمح الوفد، الذي كان زار الكيان الاسرائيلي، الى طلب المسؤولين الاسرائيليين لما وصفوه بـ "الضمانات" التي يرونها ضرورية لعملية تطبيق القرار المذكور، خصوصاً في ضوء ما حصل ويحصل بالنسبة للمستوطنين الاسرائيليين في المنطقة الحدودية. وفي السياق نفسه، علمت الـ"الديار" من مصدر موثوق ان التحرك الفرنسي الناشط في هذا الخصوص يركز على اكثر من سيناريو لتطبيق القرار 1701 ابرزها السعي لوقف العمليات والخروقات الاسرائيلية مقابل عدم وجود مسلح لحزب الله جنوبي الليطاني. ويضيف المصدر ان التركيز هو على ابعاد صواريخ حزب الله لمسافة 30 كيلومترا من الحدود الجنوبية باعتبار ان من الصعب بل المستحيل البحث في انهاء السلاح الخفيف او المتوسط في هذه المنطقة. ويحرص الجانب الفرنسي على تكرار القول إنه "في حال لم يتم التوصل الى تفاهم دبلوماسي لحل مشكلة تنفيذ القرار المذكور، فإن اسرائيل تهدد بشن حرب قد تكون تداعياتها كبيرة، وأن باريس تعمل من اجل تفادي هذا الامر لمصلحة الاستقرار ولمصلحة لبنان وإسرائيل".      

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: القرار 1701 حزب الله فی لبنان

إقرأ أيضاً:

صمت رسمي مثير للاستغراب حيال إنعكاسات الاحداث السورية وتداعياتها

تصاعدت المخاوف في لبنان على المستويات الرسمية والأمنية والشعبية حيال انعكاسات الأحداث والتطورات الجارية في سوريا في ظل الأنباء عن مجازر مروعة شهدتها مناطق الساحل السوري منذرة باقتتال أهلي طائفي ولو أن آخر المعلومات تحدثت عن تراجع نسبي في الاشتعال الحاصل. ولعل ما زاد وتيرة المخاوف اللبنانية تمثّل في موجات النزوح الجديدة للسوريين الهاربين من جحيم الاقتتال الأهلي في الساحل السوري بحيث كانت مناطق عكار وجبل محسن في طرابلس مقصداً لألوف النازحين كما أن مناطق البقاع الشمالي "تأهلت" لتلقي دفعات مماثلة جديدة. وقدرت الأعداد الأولية للنازحين الذين وصلوا إلى عدد من البلدات العكارية وحدها بنحو عشرة آلاف نازح حتى البارحة.

وكتبت" النهار": بإزاء هذا الخطر الداهم الجديد بدا من المستغرب للكثير من الأوساط المعنية أن يلتزم كبار المسؤولين اللبنانيين الصمت المطبق فيما يفترض أن يرتب هذا التطور المثير للقلق استنفاراً على مختلف المستويات وخطة عاجلة لمنع تلقي لبنان كالعادة النتائج والتداعيات الأشدّ سلبية لمجريات التقلبات السورية. ذلك أن تداعيات الأحداث السورية عادت تثير المخاوف من تسرب تداعياتها الأمنية إلى لبنان إذ تتهم السلطات السورية الحالية "حزب الله" بالتورط مع فلول النظام الأسدي في الصراع. وأمس اتهم مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام السورية، علي الرفاعي، إيران و"حزب الله" بالوقوف وراء زعزعة الأمن في البلاد من خلال "فلول النظام السابق" وذلك تعليقاً على الاشتباكات الدامية التي وقعت بين القوات الأمنية وعدد من المسلحين الموالين للرئيس السوري السابق بشار الأسد، في الساحل السوري.
ولا يقف الأمر عند التطورات السورية وحدها إذ أن التصعيد الإسرائيلي في الجنوب وعبره بات يثير عوامل ريبة كبيرة في الأهداف التي ترمي إليها إسرائيل لجهة عرقلة وحشر السلطات اللبنانية في خانة الاستفزاز والإحراج في وقت لا تجد فيه المراجعات اللبنانية الضاغطة على الولايات المتحدة الأميركية أي استجابة مناسبة لردع التصعيد الإسرائيلي. ولذا ستكتسب الأيام الطالعة دلالات بارزة لجهة رصد ومعاينة كيف سيتصرف المسؤولون اللبنانيون في مواجهة التحدي المزدوج الذي دهم العهد والحكومة بعد شهرين فقط من انطلاقتهما وبدء مواجهة الأولويات والاستحقاقات الداخلية كالتعيينات وغيرها.
وكتبت" الديار": بيّنت الاحداث الاخيرة وبخاصة المجازر التي شهدها الساحل السوري، ان النيران السورية كامنة تحت الرماد، وان الانفجار في حال حصل سيكون كبيرا ويودي بالمنطقة ككل. 
ولعل اولى الانعكاسات السلبية للتطورات السورية على المشهد اللبناني، هي توافد آلاف النازحين السوريين الجدد الى شمال لبنان، هربا من المجازر والقتل والتنكيل، خاصة بعدما تحولت الحدود بين البلدين مشرعة، مع تدمير «اسرائيل» المعابر الشرعية، وعدم قدرة الجيش المنهمك في اكثر من مهمة ، على التصدي لموجات النزوح الكبيرة، التي تهدد باغراق البلدات اللبنانية ذي الغالبية العلوية ، بغياب اي دور لمفوضية اللاجئين والمؤسسات والمنظمات الدولية الانسانية.
وتقول مصادر نيابية معنية بالملف لـ «الديار» ان «التصدي بالقوة للهاربين من ابشع المجازر، وعمليات الاعدام التي تحصل على الهوية غير وارد. فالوافدون راهنا ليسوا نازحين اقتصاديين، انما فقراء علويّون يحاولون انقاذ حياتهم حيث يلجأون الى عكار ، وهو ما يستدعي تحمل المنظمات الانسانية مسؤولياتها لاغاثة الآلاف، الذين باتوا من دون مأوى، بحيث بات نحو 60 شخصا يسكنون في بيت واحد». 
وتشير المصادر الى انه «في الوقت عينه لا يمكن للاجهزة الأمنية التخلي عن مسؤولياتها، بحيث ان هناك خشية حقيقية من انتقال التوتر الامني والطائفي الى المجتمع السوري النازح في لبنان، وليس ما حصل في مدينة طرابلس نهاية الاسبوع من اشكالات وتوترات، الا عينة مصغرة عما ينتظرنا، اذا لم يتم الضرب بيد من حديد من قبل الجيش ». 
وكتبت" اللواء":ان الرئيس عون يجري الاتصالات اللازمة لمنع وصول اللهيب السوري الى لبنان، وبخاصة بعد الاشتباكات التي حصلت على الحدود الشرقية مع سوريا.  وشدد على ضبط الحدود بين البقاع وسوريا لمنع اي توتر اونزوح جديد.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تضغط بالنار على لبنان لمقايضة استقراره بمعاهدة سلام
  • اسرائيل ترسّم حدوداً جديدة في الجنوب واتصالات للامم المتحدة للجم التصعيد
  • صمت رسمي مثير للاستغراب حيال إنعكاسات الاحداث السورية وتداعياتها
  • الصحة اللبنانية: استشهاد جندي وإصابة شخصين في اعتداء إسرائيلي بكفركلا
  • بلاسخارت إلى إسرائيل… هذا ما سيناقش عن لبنان!
  • الاشتراكي.. مواقف حاسمة ضد اسرائيل
  • عطالله: قد يتحول الجنوب الى ساحة للقتال
  • بالفيديو.. طوابير أمام محطات المحروقات بعد غارات الجنوب!
  • بعد غارات الجنوب.. خبر مفبرك يثير بلبلة وهذه حقيقته
  • الجنوب السوري خاصرة لبنان الأضعف في مواجهة إسرائيل