مفهوم النشوز في القرآن الكريم
تاريخ النشر: 10th, December 2023 GMT
ورد لفظ النشوز في الآية الأولى (النساء 34) المعروفة بآية القوامة، وهي تأتي بعد آية النهي عن تمني ما فضل الله به الرجال والنساء بعضهم على بعض (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)، والتي تتكامل من حيث المعنى مع آية القوامة لما بين التفضيل والقوامة من علائق.
ويأتي النشوز في الآية الثانية (النساء 128) صفة للرجل الذي سمته الآية بعلا، لما لهذا اللفظ من دلالة على معنى الغلظة والاستعلاء، المناسب لمعنى النشوز. وهي تأتي بعد آية الاستفتاء في أمر النساء (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُوْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً)، والتي نزلت في أمر يتامى النساء اللاتي لا يعطيهن الرجال ممن يكفلونهن ما فرض الله لهن من الميراث أو غيره من الحقوق المالية، والمناسبة بين هذه الآية والآية موضوع الدرس أن الجامع بينهما معنى النشوز والاستعلاء عما فرضه الله للنساء من حقوق، ويأتي بعد الآية تقرير حقيقة صعوبة العدل بين النساء، والنهي عن الميل في التعامل معهن في حال كراهة عشرتهن:(وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً). وبذلك تكون الآية منسجمة مع هذا السياق الذي تعالج فيه حالة من حالات استعلاء الرجل على المرأة.
يستخلص من هذه السياقات، أن بناء السورة على التواصل والتآلف والتصالح، وحفظ الحقوق وضمان العدل فيها، يجعل النشوز، بنوعيه، وعلاجه، داخلا ضمن المقصد العام للسورة الذي يرمي إلى رأب الصدع الذي قد تتعرض له الأسرة بسبب الخلاف بين الزوجين، وهو لذلك يمثل الاستثناء من القاعدة التي بنتها السورة في مطلعها على الوحدة والتواصل بدل الفرقة والتقاطع. وهو مع هذا لا يعكس ظلما لأي طرف من الأطراف، بل على العكس يأتي منسجما مع إحقاق الحق الذي رمت إليه السورة كما مر، وأكدته آيات بينات فيها كقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) ، وقوله عز وجل: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً).
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
مفهوم الكرامة الإنسانية في الفلسفة والأديان
عيسى الغساني
يُشكِّلُ الإنسان العنصرَ الأهم على هذه البسيطة، وتدور كل الأفكار والمعتقدات حول الحياة الإنسانية الكريمة، بحيث يُصان عقل الإنسان وجسده ومقومات بقائه من مسكنٍ ومأكلٍ ومشربٍ؛ بل إن توفُّر مقومات الحياة وتشارك الإنسان فيها مع الآخرين هو حق له وواجب عليه الحفاظ عليها؛ فالاجتماع الإنساني يقوم على قاعدة الاحترام والتشارك والتآزر.
والكرامة الإنسانية تُعد من القيم المحورية التي تتناولها كل من الفلسفة والأديان الكبرى وكل المعتقدات والنِحَل. والإسلام، يؤكد كرامة الإنسان منذ خلقه؛ إذ يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، وهذا يُظهر الشأن السامي للإنسان في الدين الحنيف. كما إن الإسلام يشدد على العدل والمساواة بين الناس. إلى جانب أن الكرامة الإنسانية في المسيحية مبنية على فكرة أن الإنسان خُلِقَ على صورة الله؛ مما يعني أن كل فرد يحمل قيمة مُقدَّسة. ويُشدد الكتاب المقدس على المحبة والاحترام بين البشر كجزء من الإيمان. بينما ترى التعاليم اليهودية أن كل إنسان يستحق الاحترام والكرامة. وإذا انتقلنا إلى النصوص التلمودية، نجد أنها تُشدد على احترام الكرامة الإنسانية، وتجنب الإذلال أو الإساءة للآخرين.
وكذلك البوذية التي تُوطِّد مفهوم الكرامة من خلال السعي والعمل على تخفيف معاناة الآخرين والعيش برحمة وتسامح؛ إن تعاليم بوذا تدعو إلى احترام الحياة الإنسانية وتعزيز السلام الداخلي والخارجي. وهناك في الهندوسية، مفهوم الكرامة مرتبط بفكرة "أهيمسا" (أي عدم الأذى)، وفكرة أهميسا (Ahimsa)، نظرية جوهرية في العديد من المُعتقدات الهندية مثل الهندوسية والبوذية والجينية، ويعني "عدم الأذى" أو "اللاعنف". وهذا المفهوم يعد من أنبل القيم الأخلاقية الإنسانية، وتكون مقطعًا حيويًا من الفلسفة والوجدانية والممارسات العملية في الحياة اليومية لاتباع هذه النِحَل.
واللاعنف هو الطريق إلى السلام الداخلي والخارجي، في حين أن العنف كممارسة، مناقضٌ للقيم الإنسانية، وليست فقط سلوكًا ساقطًا ومُنكرًا يوصم من يقوم به بالتردي الأخلاقي والخلل العقلي؛ بل تمتد آثاره إلى فاعله ومحيطه، فيُصاب بشتي العِلَل والأمراض النفسية والعقلية والجسدية؛ ذلك أنه مخالف ومنافٍ ومتناقض مع طبيعة النفس البشرية السوية.
ومن زاوية التحليل النفسي، فإنَّ الأشخاص الذين يمارسون التعذيب قد يعانون من اضطرابات شخصية مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder) أو اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder)، وهذه الاضطرابات قد تجعلهم غير قادرين على التعاطف مع الآخرين أو احترام حقوقهم، وبالتالي أصبح اليوم اختبار الحالة النفسية للوظائف ذات الارتباط المباشر بالأفراد؛ سواء على مستوى المؤسسات الخاصة أو العامة، تمُر بمرحلة تقييم واختبار حالة الصحة النفسية وهو اختبار يسمى تقييم الملاءمة النفسية للوظيفة.
رابط مختصر