صحيفة الاتحاد:
2025-04-26@10:46:29 GMT

الإنسان والطبيعة.. فلسفات جديدة لإنقاذ الكوكب

تاريخ النشر: 10th, December 2023 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة رئيس الوفد الصيني إلى مؤتمر الأطراف في حوار خاص مع «الاتحاد»: «COP28» حقق نتائج مهمة بجهود ودعم قيادة الإمارات ‏COP28 يشهد نتائج أول حصيلة عالمية للشباب لبناء إرث عالمي للعمل المناخي مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة

تقف حضارتنا المعاصرة في مواجهة أزمة غير مسبوقة. ظاهرة لم يتمكن الفكر البشري من معاينتها.

إنها الأزمة البيئية والتي تدعى أيضاً بالمشكلة الإيكولوجية. نحن لا نجد، على سبيل المثال، محاورة لأفلاطون تتحدث عن الاحتباس الحراري، ولا مصنفاً لأرسطو يتناول فيه قضية الطاقات المتجددة، ولا تأملاً لديكارت يعالج مأساة الانقراض الجماعي للكائنات.
لأول مرة في تاريخ البشرية، أصبحت الأرض برمتها في كف عفريت. «منزلنا يحترق» تقول الطفلة السويدية المناضلة العالمية من أجل البيئة غريتا تونبورغ. مع ذلك، ليس البيئيون والعلماء هم وحدهم من يجهرون عالياً، بل كل شيء يصرخ اليوم: الأشجار، الحيتان، الحيوانات... الأرض برمتها تئن طلباً للنجدة مما آلت إليه أوضاعها.
نعتقد عادة أننا محصنون داخل مدننا محاطون بجدران الإسمنت التي تحمينا، غير أن الضعف الذي نعيشه، يضرب عميقاً في جذور الحضارة التي نحيط أنفسنا بها. المحاذير كثيرة: ارتفاع نسبة الكربون في الغلاف الجوي، الاضطرابات المناخية، ذوبان القلنسوة الجليدية، ولكن رغم كل هذا يصر البعض على تجاهل التخريب المنهجي لأمنا الأرض. 
نحن أبناء هذا العصر، نجد أنفسنا رهائن للحظة تاريخية غير مسبوقة. لقد ورثنا إرثاً تقيلاً يتطلب الأمر منا، أن نقرر ما يجب أن نفعله بصدده. إرث الميتافيزيقا الغربية التي بلغت أوجها واكتمالها، في المشروع التقني الذي يطمح إلى الهيمنة الشاملة على الكرة الأرضية. لذلك، فما نحن مطالبون به يتجاوز مجرد إجراءات بسيطة وتدخلات محدودة. الأمر يرتبط بإيجاد عالم جديد، حضارة بديلة لهذه الحضارة، التي تعيش المراحل الأخيرة لشيخوختها، أو هي بكلمة واضحة آيلة إلى السقوط، حسب الأطروحة الشهيرة للكولابسولوجيا.
عصر الأنثروبوسين
لم يبخل علينا العلماء بمنح تسمية لهذه الأزمة. الأنثروبوسين The Anthropocene هذا هو المصطلح الذي راج منذ عام 2000، حيث تمكن الحائز على جائزة نوبل بول كروتزن من نحت هذا المفهوم، الذي يدل على أن الأنشطة البشرية، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالثورة الصناعية، قد غيرت بشكل ملحوظ التاريخ الجيوفيزيائي للكرة الأرضية. لقد أثار هذا المفهوم في بداية ظهوره بعض الشكوك، لكنه أصبح الآن مقبولاً في المجتمع العلمي. لا يصف الأنثروبوسين الوقائع الآنية فقط، بل أيضاً ما يحتمل أن تعيشه الأرض في المستقبل. على سبيل المثال، توصي جل المؤتمرات البيئية بضرورة تخفيض درجة حرارة الأرض إلى حدود 1.5 درجة مئوية، أو الاستقرار في حدود درجتين على أكثر تقدير. غير أن الدراسات المستقبلية تؤكد أن الأمور ستزداد استفحالاً في المستقبل، إذ من المنتظر أن ترتفع درجة حرارة الأرض، لتصل إلى ما بين 3 و5 بحلول سنة 2100، وهذا من شأنه أن يفاقم الكوارث البيئية التي بدأنا نعيش مقدماتها الآن: الجفاف والاضطرابات المناخية، وانتشار موجات الحرارة، الصيف الطويل كما يحمل عنوان كتاب بريان فاغان. وانخفاض المحاصيل الزراعية، حرائق الغابات واللائحة طويلة. في المحصلة النهائية يمكن التأكيد على أن «ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي ليس مجرد ظاهرة نظرية، ولكنها ظاهرة تم قياسها والتحقق منها، عبر التخصصات العلمية، وترتبط بشكل قاطع بالانبعاثات البشرية».
التنمية المستدامة 
من الحلول الجدية التي تطرح من أجل الخروج من عنق الزجاجة، التنمية المستدامة والمقصود بهذا المفهوم محاولة إيجاد التوازنات الضرورية والأساسية، بين الموارد الطبيعية والأنشطة البشرية، بما يحفظ البيئة بكل مكونتها، ويحفظ كذلك حقوق الأجيال القادمة. ثمة عدة تعريفات قدمت لهذا المفهوم، لكن جلها يركز على ضرورة احترام الأنظمة البيئية، والتعامل معها بشكل متوازن، بما يتطلبه ذلك من ترشيد للاستهلاك، وتخفيض استخدام الطاقة، خاصة الطاقات الأحفورية، واعتماد الطاقات البديلة سواء في عملية التصنيع، أو في الاستهلاك اليومي، كتدفئة المنازل وقيادة السيارات، بل والقيام بتغيير جذري لنمط الحياة المعاصرة.
هكذا تسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق مجموعة من الإجراءات، مثل تلك التي تعمل على مكافحة التغيرات المناخية أو الحفاظ على التنوع البيولوجي، سواء في الغابات أو المحيطات، ومكافحة التصحر، وانقراض الحيوانات، والعمل على تشجير الغابات. 
بصورة مجملة، تتحطم أسطورة الذات المطلقة، التي اعتدت بها الفلسفة الأنوارية. ذلك أن التنمية المستدامة لا تهدف فقط إلى البحث عن رفاهية الإنسان، بل أيضاً الحفاظ على هذا العالم الذي يعيش فيه. هذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال مراجعة مفهوم الذات الأنوارية المتمكنة، والوعي بأن الكائنات جميعها متساوية في الحق في الحياة. فالإنسان جزأ من الكل، ولا يمكنه أن يتوهم يوماً أنه يعلو على هذا الكل.
بطريقة أخرى، نقول إننا نتجه اليوم إلى بناء فلسفة شمولية، يتقاطع ويتكامل فيها ما هو اقتصادي وسياسي، مع ما هو اجتماعي وبيئي ضمن بوتقة واحدة. هذه الفلسفة الجديدة لم يعد بإمكانها بأي حال من الأحوال تجاهل الطبيعة، ومنح وضع اعتباري خاص للإنسان مقارنة مع بقية الكائنات.
فلسفات جديدة
هناك العديد من الأمثلة على مثل هذه المنظومات الفكرية المستحدثة، التي تحاول أن تؤسس لعلاقة جديدة بين الإنسان والطبيعة، نذكر من بينها فلسفة هانس يوناس الذي يتحدث عن مفهوم موسع للمسؤولية، بحيث لا يضطلع الإنسان بمسؤولية القرارات التي تهم شؤونه الخاصة، بل عليه أن يفكر أيضاً بما يمكن أن يؤول إليه فعله في المستقبل، بحيث لا يتعارض مع حقوق الأجيال القادمة.
لدينا أيضاً فيلسوفة البيئة الأميركية راشيل كارسون، صاحبة الكتاب الشهير: «ربيع صامت»، والتي ينسب لها وضع اللبنات الأولى لما سيعرف لاحقاً بعلم البيئة المتقدم. تؤكد كارسون في هذا الكتاب أن المبيدات الحشرية التي استعملها الإنسان لعقود طويلة، قد ألحقت أضراراً جسيمة بالتوازنات البيئية. وبما أن جل الكائنات الحية مترابطة ضمن السلسلة الغذائية، فإن هذه المبيدات الحشرية لابد أن ينتهي بها المطاف إلى الاستقرار داخل جسم الإنسان والمس بصحته. ليس هناك شيء ثانوي في الطبيعة، سواء كان من النباتات أو الكائنات الحية. كل شيء له مكانته ودوره الحيوي الذي يجب أن يصان ويحترم. تقول الكاتبة: «هذه النباتات ليست «أعشاباً ضارة» إلا بالنسبة لأولئك الذين يكسبون المال من مبيدات الأعشاب الكيميائية».
في السياق نفسه، يذهب الفيلسوف النرويجي أرون ناييس، صاحب مفهوم الإيكولوجيا العميقة، فهو لا يتوقف فقط عند إيجاد التدابير اللازمة لمكافحة الخراب الذي أحدثه التلوث على النظم البيئية، بل يذهب إلى ضرورة مراجعة الأسس الفكرية والحضارية التي قادتنا إلى ما نحن عليه اليوم. فمعالجة المشاكل البيئية بالنسبة له ليست مجرد إجراءات تقنية، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إذ تتطلب تغييراً عميقاً في نمط الوعي البشري.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإمارات المناخ مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ الاستدامة الاحتباس الحراري كوب 28 التنمیة المستدامة هذا المفهوم

إقرأ أيضاً:

هل تزيد الكوارث البيئية إيمان الناس بالأشباح؟

في أعقاب الكوارث الطبيعية المدمرة من حرائق غابات وأعاصير وفيضانات، والتي تزداد وتيرتها نتيجة التغير المناخي، تشهد ظاهرة قصص الأشباح عودة ملحوظة، وفق مجلة "ناشونال جيوغرافيك".

إذ يبدو أن الصدمة النفسية الناتجة عن هذه الكوارث لا تؤثر فقط على الأجساد والممتلكات، بل تمتد لتغذي إحساسا باللاواقع، يُترجَم أحيانا إلى مشاهدات غريبة وتفسيرات خارقة للطبيعة.

تقول خبيرة الطب النفسي في سياق الكوارث ليزلي هارتلي جيز، والتي عملت مع ناجين من حرائق هاواي عام 2023، إن الحزن العميق يمكن أن يُحدث تغييرات ملموسة في الدماغ.

وتوضح أن "الكثير من الناس يعتقدون أنهم بدؤوا يفقدون صوابهم حين يرون أو يسمعون أحبّاءهم بعد وفاتهم، لكن في الواقع، هذه تجربة شائعة تعكس طريقة العقل في معالجة الفقد".

ويشير علماء النفس إلى أن مثل هذه "الهلوسات الحزينة" هي وسيلة دفاعية لعقل مرهق يحاول التكيف مع الخسارة، وفق المجلة.

وفي لحظات الأزمات، ترتفع معدلات الإيمان بالظواهر الخارقة. ففي المملكة المتحدة، خلال الأشهر الأولى من إغلاق جائحة كوفيد-19، سجل الاتحاد الوطني للروحانيين زيادة بنسبة 325% في طلبات العضوية.

كما أبلغ محققو الخوارق وطاردو الأرواح الشريرة في عدة دول عن قفزات كبيرة في الطلب على خدماتهم بعد كوارث مثل زلزال اليابان عام 2011 أو فيضانات ليبيا وحرائق ماوي عام 2023.

حرائق هاواي تسببت بخسائر كبيرة أدت لتغييرات ملموسة في أدمغة الناجين نتيجة الحزن (رويترز) آليات متشابكة

الآليات التي تفسر هذه المشاهدات متشابكة. فعلى المستوى البيولوجي، يؤدي الحزن والقلق إلى إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، التي بدورها تُضعف النوم وتزيد من حساسية الدماغ للمثيرات، مما قد ينتج عنه هلوسات واقعية للغاية.

إعلان

أما في البيئة المحيطة بالكوارث، فإن الظلال الطويلة، الصمت الغريب، والأماكن المهجورة تضفي جوا شبه سريالي يجعل من السهل إسقاط الخوف على المحيط.

وتشير جيز إلى أن بعض الناجين يشعرون أنهم فقدوا إحساسهم بالواقع تماما، قائلة "يشعر البعض بأنهم ليسوا أنفسهم، أو أنهم مجرد أشباح في عالم لم يعد كما كان".

وفي أحيان أخرى، قد تسهم التلوّثات الكيميائية التي تنتشر بعد الكوارث الطبيعية -كالزئبق أو المبيدات- في تعزيز الإحساس بالهذيان أو "رؤية" أشياء غير موجودة.

أبعاد ثقافية

بعيدا عن التفسيرات البيولوجية، يذهب بعض الباحثين إلى أن قصص الأشباح تحمل بعدا ثقافيا واجتماعيا عميقا.

ويقول عالما الأنثروبولوجيا كريستين وتود فانبول إن الأشباح قد تكون رموزا تحذيرية، تُجسد مخاوف المجتمع من الجشع أو الفقد أو التغيير الجذري. وهي، بذلك، ليست فقط للتسلية أو الترويع، بل وسيلة للتكيف الجماعي وبناء سرديات تعزز التماسك المجتمعي.

في بعض الحالات، ترتبط الأشباح بالمكان أكثر من الإنسان. فقد تحدّث سكان جبال الألب عن "أشباح جليدية" بعد اختفاء الأنهار الجليدية التي رافقتهم لعقود، فيما يرى آخرون أن اختفاء المعالم الطبيعية يُولّد حدادا يشبه الحداد على إنسان.

لكن ما يجعل قصص الأشباح أداة فعالة، هو قدرتها على الحفاظ على الذاكرة. فبعد الزلازل المدمرة في تركيا عام 2023، واجه كثير من الناس صعوبة في دفن أحبائهم بسبب حجم الدمار، وهو ما أفضى إلى "صدمات ثانوية"، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وفي مثل هذه الظروف، تُصبح القصص وسيلة للحفاظ على الروابط العاطفية، واستمرار الحوار مع الماضي رغم غياب الأجساد.

في اليابان، بعد تسونامي عام 2011، انتشرت ظاهرة "الكايدانكاي"، أي سرد قصص الأشباح في جلسات جماعية، كوسيلة للشفاء الجماعي وتكريم الأرواح الغائبة.

وفي هاواي، كما تقول جيز، شعر أفراد من الجالية اليابانية بالصدمة لما حدث في وطنهم، رغم المسافة، في دلالة على الامتداد العاطفي العابر للحدود للكوارث الجماعية.

إعلان

وفي ظل استمرار الكوارث المناخية والبيئية حول العالم، تشير جيز إلى أن العالم قد يشهد المزيد من هذه الظواهر النفسية الخارقة.

وتربط بين ارتفاع القلق الجماعي والمعلومات المضللة والتدهور العقلي لدى بعض الأفراد، مما قد يدفعهم للعودة إلى تفسير العالم من خلال ما هو غير مرئي، موضحة "حين لا نجد تفسيرا منطقيا لمعاناتنا، نبحث عن أجوبة في أماكن أخرى، حتى لو كانت على شكل أشباح".

وهكذا، في زمن تتسارع فيه الكوارث، قد لا تكون الأشباح مجرّد خرافات، بل انعكاسات نفسية عميقة لجراح لم تندمل، ورسائل معلقة بين عالم فقَد استقراره، وآخر نحاول إعادة بنائه بكل ما أوتينا من ذاكرة وخيال، بحسب مجلة ""ناشونال جيوغرافيك".

مقالات مشابهة

  • تقرير: ليلة الآليات المحترقة .. حين تُقصف الأذرع التي تساعد غزة على النجاة
  • هل تزيد الكوارث البيئية إيمان الناس بالأشباح؟
  • الولايات المتحدة تكشف تفاصيل جديدة بشأن الانفجار الذي وقع قرب موقع تراث عالمي في صنعاء
  • السيسي: نرفع الهامات إجلالًا للقوات المسلحة التي قدمت الشهداء دفاعًا عن الأرض والعرض
  • شباب يواجهون الأحزاب السياسية والعرف: نحن هنا أيضا
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • "أنا سينا".. أغنية جديدة من الشئون المعنوية تجسد روح الأرض والتاريخ في ذكرى تحرير سيناء
  • أدلة جديدة تتحدى النظريات حول أصل الماء على الكرة الأرضية
  • بينالي الفنون الإسلامية يقدم ورش عمل تفاعلية في مجال الفنون والطبيعة
  • التقدّم المحرز في مواجهة التغيّر المناخي.. الذكاء الاصطناعي يساعد على التنبؤ بالكوارث البيئية