الإنسان والطبيعة.. فلسفات جديدة لإنقاذ الكوكب
تاريخ النشر: 10th, December 2023 GMT
الفاهم محمد
أخبار ذات صلةتقف حضارتنا المعاصرة في مواجهة أزمة غير مسبوقة. ظاهرة لم يتمكن الفكر البشري من معاينتها.
لأول مرة في تاريخ البشرية، أصبحت الأرض برمتها في كف عفريت. «منزلنا يحترق» تقول الطفلة السويدية المناضلة العالمية من أجل البيئة غريتا تونبورغ. مع ذلك، ليس البيئيون والعلماء هم وحدهم من يجهرون عالياً، بل كل شيء يصرخ اليوم: الأشجار، الحيتان، الحيوانات... الأرض برمتها تئن طلباً للنجدة مما آلت إليه أوضاعها.
نعتقد عادة أننا محصنون داخل مدننا محاطون بجدران الإسمنت التي تحمينا، غير أن الضعف الذي نعيشه، يضرب عميقاً في جذور الحضارة التي نحيط أنفسنا بها. المحاذير كثيرة: ارتفاع نسبة الكربون في الغلاف الجوي، الاضطرابات المناخية، ذوبان القلنسوة الجليدية، ولكن رغم كل هذا يصر البعض على تجاهل التخريب المنهجي لأمنا الأرض.
نحن أبناء هذا العصر، نجد أنفسنا رهائن للحظة تاريخية غير مسبوقة. لقد ورثنا إرثاً تقيلاً يتطلب الأمر منا، أن نقرر ما يجب أن نفعله بصدده. إرث الميتافيزيقا الغربية التي بلغت أوجها واكتمالها، في المشروع التقني الذي يطمح إلى الهيمنة الشاملة على الكرة الأرضية. لذلك، فما نحن مطالبون به يتجاوز مجرد إجراءات بسيطة وتدخلات محدودة. الأمر يرتبط بإيجاد عالم جديد، حضارة بديلة لهذه الحضارة، التي تعيش المراحل الأخيرة لشيخوختها، أو هي بكلمة واضحة آيلة إلى السقوط، حسب الأطروحة الشهيرة للكولابسولوجيا.
عصر الأنثروبوسين
لم يبخل علينا العلماء بمنح تسمية لهذه الأزمة. الأنثروبوسين The Anthropocene هذا هو المصطلح الذي راج منذ عام 2000، حيث تمكن الحائز على جائزة نوبل بول كروتزن من نحت هذا المفهوم، الذي يدل على أن الأنشطة البشرية، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالثورة الصناعية، قد غيرت بشكل ملحوظ التاريخ الجيوفيزيائي للكرة الأرضية. لقد أثار هذا المفهوم في بداية ظهوره بعض الشكوك، لكنه أصبح الآن مقبولاً في المجتمع العلمي. لا يصف الأنثروبوسين الوقائع الآنية فقط، بل أيضاً ما يحتمل أن تعيشه الأرض في المستقبل. على سبيل المثال، توصي جل المؤتمرات البيئية بضرورة تخفيض درجة حرارة الأرض إلى حدود 1.5 درجة مئوية، أو الاستقرار في حدود درجتين على أكثر تقدير. غير أن الدراسات المستقبلية تؤكد أن الأمور ستزداد استفحالاً في المستقبل، إذ من المنتظر أن ترتفع درجة حرارة الأرض، لتصل إلى ما بين 3 و5 بحلول سنة 2100، وهذا من شأنه أن يفاقم الكوارث البيئية التي بدأنا نعيش مقدماتها الآن: الجفاف والاضطرابات المناخية، وانتشار موجات الحرارة، الصيف الطويل كما يحمل عنوان كتاب بريان فاغان. وانخفاض المحاصيل الزراعية، حرائق الغابات واللائحة طويلة. في المحصلة النهائية يمكن التأكيد على أن «ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي ليس مجرد ظاهرة نظرية، ولكنها ظاهرة تم قياسها والتحقق منها، عبر التخصصات العلمية، وترتبط بشكل قاطع بالانبعاثات البشرية».
التنمية المستدامة
من الحلول الجدية التي تطرح من أجل الخروج من عنق الزجاجة، التنمية المستدامة والمقصود بهذا المفهوم محاولة إيجاد التوازنات الضرورية والأساسية، بين الموارد الطبيعية والأنشطة البشرية، بما يحفظ البيئة بكل مكونتها، ويحفظ كذلك حقوق الأجيال القادمة. ثمة عدة تعريفات قدمت لهذا المفهوم، لكن جلها يركز على ضرورة احترام الأنظمة البيئية، والتعامل معها بشكل متوازن، بما يتطلبه ذلك من ترشيد للاستهلاك، وتخفيض استخدام الطاقة، خاصة الطاقات الأحفورية، واعتماد الطاقات البديلة سواء في عملية التصنيع، أو في الاستهلاك اليومي، كتدفئة المنازل وقيادة السيارات، بل والقيام بتغيير جذري لنمط الحياة المعاصرة.
هكذا تسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق مجموعة من الإجراءات، مثل تلك التي تعمل على مكافحة التغيرات المناخية أو الحفاظ على التنوع البيولوجي، سواء في الغابات أو المحيطات، ومكافحة التصحر، وانقراض الحيوانات، والعمل على تشجير الغابات.
بصورة مجملة، تتحطم أسطورة الذات المطلقة، التي اعتدت بها الفلسفة الأنوارية. ذلك أن التنمية المستدامة لا تهدف فقط إلى البحث عن رفاهية الإنسان، بل أيضاً الحفاظ على هذا العالم الذي يعيش فيه. هذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال مراجعة مفهوم الذات الأنوارية المتمكنة، والوعي بأن الكائنات جميعها متساوية في الحق في الحياة. فالإنسان جزأ من الكل، ولا يمكنه أن يتوهم يوماً أنه يعلو على هذا الكل.
بطريقة أخرى، نقول إننا نتجه اليوم إلى بناء فلسفة شمولية، يتقاطع ويتكامل فيها ما هو اقتصادي وسياسي، مع ما هو اجتماعي وبيئي ضمن بوتقة واحدة. هذه الفلسفة الجديدة لم يعد بإمكانها بأي حال من الأحوال تجاهل الطبيعة، ومنح وضع اعتباري خاص للإنسان مقارنة مع بقية الكائنات.
فلسفات جديدة
هناك العديد من الأمثلة على مثل هذه المنظومات الفكرية المستحدثة، التي تحاول أن تؤسس لعلاقة جديدة بين الإنسان والطبيعة، نذكر من بينها فلسفة هانس يوناس الذي يتحدث عن مفهوم موسع للمسؤولية، بحيث لا يضطلع الإنسان بمسؤولية القرارات التي تهم شؤونه الخاصة، بل عليه أن يفكر أيضاً بما يمكن أن يؤول إليه فعله في المستقبل، بحيث لا يتعارض مع حقوق الأجيال القادمة.
لدينا أيضاً فيلسوفة البيئة الأميركية راشيل كارسون، صاحبة الكتاب الشهير: «ربيع صامت»، والتي ينسب لها وضع اللبنات الأولى لما سيعرف لاحقاً بعلم البيئة المتقدم. تؤكد كارسون في هذا الكتاب أن المبيدات الحشرية التي استعملها الإنسان لعقود طويلة، قد ألحقت أضراراً جسيمة بالتوازنات البيئية. وبما أن جل الكائنات الحية مترابطة ضمن السلسلة الغذائية، فإن هذه المبيدات الحشرية لابد أن ينتهي بها المطاف إلى الاستقرار داخل جسم الإنسان والمس بصحته. ليس هناك شيء ثانوي في الطبيعة، سواء كان من النباتات أو الكائنات الحية. كل شيء له مكانته ودوره الحيوي الذي يجب أن يصان ويحترم. تقول الكاتبة: «هذه النباتات ليست «أعشاباً ضارة» إلا بالنسبة لأولئك الذين يكسبون المال من مبيدات الأعشاب الكيميائية».
في السياق نفسه، يذهب الفيلسوف النرويجي أرون ناييس، صاحب مفهوم الإيكولوجيا العميقة، فهو لا يتوقف فقط عند إيجاد التدابير اللازمة لمكافحة الخراب الذي أحدثه التلوث على النظم البيئية، بل يذهب إلى ضرورة مراجعة الأسس الفكرية والحضارية التي قادتنا إلى ما نحن عليه اليوم. فمعالجة المشاكل البيئية بالنسبة له ليست مجرد إجراءات تقنية، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إذ تتطلب تغييراً عميقاً في نمط الوعي البشري.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات المناخ مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ الاستدامة الاحتباس الحراري كوب 28 التنمیة المستدامة هذا المفهوم
إقرأ أيضاً:
الوزراء يستعرض ملامح المدن المستدامة في ظل التحديات البيئية والتحولات الحضرية
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريرًا جديدً احول "المدن المستدامة"، استعرض فيه ملامح هذه المدن انطلاقًا من واقع التحضر العالمي، مرورًا بالتحديات الهيكلية التي تواجهها، وأفضل الحلول بخصوصها، وأنجح التجارب الدولية في هذا الشأن، مشيراً إلى أن العالم يشهد اليوم تحولات حضرية غير مسبوقة، إذ أصبحت المدن مركزًا أساسيًّا للأنشطة السكانية والاقتصادية، ومسرحًا بارزًا للتحديات البيئية والاجتماعية.
وأوضح المركز أن المدن وبالرغم من أنها تشغل حيزًا محدودًا من مساحة الأرض، فإنها تستحوذ على النصيب الأكبر من استهلاك الموارد وإنتاج الانبعاثات المسببة للتغير المناخي، وهذه المعادلة المقلقة تثير تساؤلًا جوهريًّا حول كيفية بناء مدن قادرة على استيعاب التوسع السكاني والتنموي، دون دفع ثمنًا بيئيًّا أو اجتماعيًّا باهظًا.
في هذا السياق، برز مفهوم المدن المستدامة كمدينة مصممة لتقليل تأثيرها البيئي إلى أدنى حد ممكن، مع تحقيق توازن بين تلبية احتياجات السكان الحاليين وضمان حقوق الأجيال القادمة، كما تعتمد هذه المدن على أنماط معيشة خضراء تُقلل من التلوث في الهواء والمياه، وتوظف مصادر طاقة نظيفة كالشمس والرياح، بالإضافة إلى تقنيات ذكية، مثل؛ أجهزة الاستشعار التي تراقب استهلاك المياه وتُحسّن إدارة النفايات.
الفرق بين مفاهيم المدن المستدامة والذكية والخضراء:- المدينة المستدامة: تُعد نموذجًا حضريًّا يهدف إلى ضمان استمرارية الحياة البشرية والبيئية على المدى الطويل، من خلال الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، دون الإخلال بسلامة البيئة. ويستلزم تحقيق هذا النموذج توافر مجموعة من المقومات الأساسية، تشمل: الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والنقل المستدام، والمباني الخضراء، والإدارة المتكاملة للنفايات، والتعليم البيئي.
الإسكان تعلن استئناف ورش المدن المستدامة والبداية من 6 أكتوبر
- المدينة الذكية: تُعرف بأنها كيان حضري يستخدم تقنيات الحوسبة المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) لتعزيز كفاءة وترابط مكونات البنية التحتية الحيوية وخدمات المدينة المختلفة، مثل؛ النقل، والمرافق، والتعليم، والرعاية الصحية، وغيرهم
- المدينة الخضراء: هي نمط حضري يتبنى سياسات وإجراءات بيئية واجتماعية مسئولة تهدف إلى تحقيق مستوى عالٍ من الجودة البيئية والرفاهية المجتمعية. ويعتمد هذا النموذج على تطوير بنية تحتية خضراء تُسهم في استعادة النظم البيئية الحضرية، وتعزيز قدرتها على التعافي، وتوفير مساحات طبيعية مفتوحة تُمكّن السكان من التفاعل مع البيئة بشكل مستدام.
أبرز الآثار الاجتماعية للمدن المستدامة:-تحسين جودة الحياة: حيث تحسن التنمية الحضرية المستدامة جودة الحياة بشكل كبير من خلال توفير وسائل نقل عام فعّالة، ومساحات خضراء وافرة، وتحسين الصحة العامة.
-تقليل المخاطر الصحية: يخفف الحد من التلوث من المخاطر الصحية، وتُشير منظمة الصحة العالمية إلى أن انخفاض تلوث الهواء في المدن الأوروبية قد أدى إلى تحسينات صحية كبيرة، بما في ذلك انخفاض معدلات أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية.
-تعزيز العدالة الاجتماعية: تُعزز المدن المستدامة الشمولية والعدالة الاجتماعية من خلال تطبيق مبادرات مبتكرة للتخطيط الحضري والمشاركة المجتمعية.
وأشار التقرير إلى أن المدن المستدامة تلعب دورًا حيويًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تحتضن نصف سكان العالم وتسهم بما يقارب من 70% من الأنشطة الاقتصادية العالمية، وتعكس الأهداف العالمية أهمية التحضر عبر الهدف الحادي عشر الذي يركز على جعل المدن والمستوطنات شاملة وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة، وعلى الرغم من أن هذه الأهداف وضعت على المستوى الوطني، فإن قضاياها المحورية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياق الحضري، إذ تمثل المدن مراكز النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتأثيرها بالغ في القضايا الجوهرية التي تتناولها الأجندة، لذلك، يعد التمكين المؤسسي للحكومات المحلية شرطًا أساسيًّا لتسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما في المدن التي لا تزال بحاجة إلى دعم مالي وفني، وبناء قدرات فاعلة، ويطرح التحضر المتسارع عالميًّا تحديات وفرصًا في آن واحد. فالمدن، من جهة، مسئولة عن جزء كبير من انبعاثات الغازات الدفيئة، ومن جهة أخرى، تُعد من أكثر النظم تأثرًا بتداعيات تغيّر المناخ. لذا، فإن تمكين المدن، إداريًّا وماليًّا وتكنولوجيًّا، يشكل عاملًا حاسمًا في تحديد ما إذا كان العالم قادرًا على تحقيق أهداف أجندة 2030 أم لا.
كما أشار التقرير إلى تزايد الحاجة لمبادرات عالمية فعّالة تُعزز من قدرة المدن على لعب دورها كمحرّك رئيس لتحقيق أجندة 2030، ومن بين هذه المبادرات البارزة: مبادرة مدن أهداف التنمية المستدامة وهي إحدى أبرز المبادرات الأممية التي تهدف إلى تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة في البيئات الحضرية، وبخاصة الهدف الحادي عشر، وتستهدف المبادرة، في مرحلتها الأولى (2020-2030)، العمل مع نحو 900 مدينة حول العالم، مع التركيز على البلدان الأقل نموًا والدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وذلك بهدف تحسين الظروف المعيشية لأكثر من مليار شخص.
ويقدر إجمالي تكلفة البرنامج الرئيس بنحو 208.5 ملايين دولار أمريكي على مدى عشر سنوات، ما يعكس حجم الالتزام الدولي تجاه التحول الحضري المستدام.
وقد سلط التقرير الضوء على ما أشارت إليه التقديرات العالمية من أن الفجوة التمويلية اللازمة لتطوير البنية التحتية في المدن تتراوح بين 4.5 و5.4 تريليونات دولار، مع توافر نحو 3% فقط من هذا المبلغ من خلال المساعدات الإنمائية الرسمية، مما يفرض على المدن ضرورة البحث عن مصادر تمويل بديلة متنوعة وابتكار آليات جديدة لدعم استثمارات البنية التحتية.
استعرض التقرير أهم النماذج العالمية للمدن المستدامة ومنها: "أوسلو" والتي تُعد نموذج عالمي للاستدامة الحضرية وريادة العمل المناخي. و"دبي" والتي تُعد نموذج ريادي في التحول البيئي والمعيشي.
وفي إطار التوجه نحو التحول العمراني المستدام، أشار التقرير إلى قيام الدولة المصرية بتأسيس وحدة المدن المستدامة والطاقة المتجددة بموجب القرار الوزاري رقم (512) لسنة 2014، لتعزيز دمج مفاهيم الاستدامة البيئية والطاقة النظيفة في تخطيط وتنفيذ المدن الجديدة في مصر، سواءً تلك القائمة أو المخطط إنشاؤها، وتركز الوحدة على وضع استراتيجيات وخطط لضمان تطبيق معايير العمران الأخضر، خاصة فيما يتعلق بترشيد استهلاك الطاقة وتعزيز استخدام المصادر المتجددة، مع مراعاة التنوع المناخي والجغرافي للبلاد.
كما أقرت الدولة نظام الهرم الأخضر أكتوبر 2021 لتصنف المشاريع حسب مدى مطابقتها لاشتراطات البناء الخضراء.، مثل؛ كفاءة استخدام الطاقة والمياه، جودة المواد الإنشائية الصديقة للبيئة. التكيف مع الظروف المناخية المحلية.
ووضعت السياسة الحضرية الوطنية، وهي وثيقة إستراتيجية تهدف إلى توجيه جهود الدولة نحو بناء مدن مستدامة، وتحسين جودة حياة المواطنين، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 والتزاماتها الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والخطة الحضرية الجديدة، ومن أهم محاورها تشجيع إنشاء مدن جديدة وتحديث المناطق الحضرية القائمة، وتمثل السياسة الحضرية الوطنية أداة رئيسة لتحقيق رؤية مصر نحو مدن أكثر استدامة وترابطًا. وتدعم تنفيذ مشاريع ضخمة مثل "حياة كريمة" لتطوير الريف.
وضمن جهود الدولة المصرية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر وتحقيق التنمية الحضرية المستدامة، تم اعتماد محافظة القاهرة كإحدى المدن الرائدة ضمن برنامج المدن الخضراء الذي ينفذه البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بالتعاون مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
وتتضمن خطة العمل 13 مشروعًا استراتيجيًّا تشمل قطاعات حيوية، مثل؛ النقل المستدام، وكفاءة الطاقة، وإدارة المخلفات، وتحسين خدمات المياه، بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز التكيف مع تغير المناخ. ومن أبرز هذه المشروعات: موقف بدر للحافلات الكهربائية، وتطوير الأحياء السكنية بحلوان، ومبادرات إعادة تدوير مخلفات البناء وتحسين كفاءة المباني العامة. وتتويجًا لمجهودات الدولة المصرية حصلت المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية على جائزة "المدن المستدامة والمستوطنات البشرية الجديدة" خلال المنتدى العالمي التاسع عشر للمستوطنات البشرية (GFHS 2024) الذي عقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وفي ذات السياق، شكّل المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر الذي استضافته مصر بنجاح في نوفمبر 2024 تحت شعار "كل شيء يبدأ محليًا"، أحد أبرز الأحداث الحضرية على المستوى الدولي، وذلك بمشاركة 40 ألف ممثل من 182 دولة، حيث تم إطلاق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية كنهج مبتكر لربط العمل المناخي بالتنمية العمرانية.
كما أطلقت مبادرة "المدن المستدامة - أطلس المدن المصرية" كأداة استراتيجية جديدة تهدف إلى دعم جهود الدولة المصرية في تحقيق التنمية الحضرية المستدامة، وذلك في إطار رؤية مصر 2030 واستراتيجيتها الوطنية لتغير المناخ 2050.
وأشار التقرير إلى أن العاصمة الإدارية الجديدة تُعد من أبرز النماذج المتقدمة لمدن الجيل الرابع، إذ تجمع بين البنية الرقمية المتكاملة، والمرافق الذكية، والأنظمة البيئية المستدامة، كما تضم "مدينة المعرفة" التي تعمل كمركز إقليمي لدعم البحث والابتكار والتدريب على التكنولوجيا المتقدمة. وقد تم الاعتراف بها كعاصمة رقمية عربية لعام 2021، تقديرًا لدورها الريادي في التحول الرقمي، والتنمية المستدامة وتقديم نموذج يُحتذى به.
أبرز جهود وحلول المدن المستدامة في مواجهة تغير المناخ:-جهود المدن المستدامة في التخفيف والتي ركزت على: تعزيز إزالة الكربون في النقل والبيئة المبنية، ودعم الإدارة المستدامة للأراضي واستعادة الطبيعة، تضمين الحلول الدائرية في إدارة النفايات.
-جهود المدن المستدامة في التكيف وأبرزها: تضمين الحلول القائمة على الطبيعة، تطوير حلول فعالة للتكيف مع ارتفاع الحرارة وندرة المياه.
-مواجهة النزوح والخسائر والأضرار.. من الاستجابة الإنسانية إلى التمكين المحلي: تقوم المدن بدور متقدم في التصدي للنزوح كأحد أبرز مظاهر الخسائر والأضرار الناتجة عن تغير المناخ، والتي تتجاوز إمكانات التكيف العادية. وقد تضمنت الحلول: تمكين المجتمعات من الوصول إلى طاقة مستدامة ميسورة التكلفة. تحقيق العدالة الطاقية.
-وعن تحقيق العدالة الاجتماعية في العمل المناخي.. الانتقال العادل: أبرز التقرير دور المدن في بناء اقتصادات محلية أكثر شمولًا وعدالة، تعزيز سياسات الإسكان ميسور منخفض الكربون.
-التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات: دعائم تنفيذ العمل المناخي بالحلول المحلية: وذلك عبر توظيف التكنولوجيا لدعم العمل المناخي والصحة العامة، تسريع وتيرة التمويل الأخضر عبر الحلول المبتكرة، تعزيز التعاون المناخي الدولي وتمويل العدالة المناخية.
أشار التقرير في ختامه إلى أن المدن المستدامة تُعد ركيزة محورية في الاستجابة العالمية، ليس فقط لأنها موطن لأكثر من نصف سكان العالم ومصدر لأغلب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بل لأنها أيضًا تمتلك الإمكانات التخطيطية والابتكارية لتنفيذ حلول منخفضة الكربون تتسم بالعدالة والمرونة.
كما أن استدامة المدن لا تعني فقط تقنيات خضراء أو بنى تحتية ذكية، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرة هذه المدن على تمكين المجتمعات، وضمان الوصول العادل إلى الطاقة والمياه والمساحات العامة، وتعزيز الاقتصاد الحضري القائم على المعرفة والعدالة المناخية. ومن خلال الابتكار الحضري، والتخطيط المتكامل، والمشاركة المجتمعية، أثبت العديد من المدن أن بوسعها قيادة التحول المناخي من القاعدة إلى القمة، غير أن تحقيق هذا الدور يتطلب تمكينًا حقيقيًّا للمدن من الوصول المباشر إلى التمويل الدولي، وتجاوز الحواجز المؤسسية التي تفصل بين التخطيط الوطني والاحتياجات المحلية. وفي هذا الإطار، فإن تعزيز الاستدامة الحضرية يشكل مفتاحًا لنجاح العقد القادم من العمل المناخي، ولبناء مستقبل حضري عادل وآمن مناخيًّا.