صحيفة الاتحاد:
2025-07-04@01:28:57 GMT

الإنسان والطبيعة.. فلسفات جديدة لإنقاذ الكوكب

تاريخ النشر: 10th, December 2023 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة رئيس الوفد الصيني إلى مؤتمر الأطراف في حوار خاص مع «الاتحاد»: «COP28» حقق نتائج مهمة بجهود ودعم قيادة الإمارات ‏COP28 يشهد نتائج أول حصيلة عالمية للشباب لبناء إرث عالمي للعمل المناخي مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة

تقف حضارتنا المعاصرة في مواجهة أزمة غير مسبوقة. ظاهرة لم يتمكن الفكر البشري من معاينتها.

إنها الأزمة البيئية والتي تدعى أيضاً بالمشكلة الإيكولوجية. نحن لا نجد، على سبيل المثال، محاورة لأفلاطون تتحدث عن الاحتباس الحراري، ولا مصنفاً لأرسطو يتناول فيه قضية الطاقات المتجددة، ولا تأملاً لديكارت يعالج مأساة الانقراض الجماعي للكائنات.
لأول مرة في تاريخ البشرية، أصبحت الأرض برمتها في كف عفريت. «منزلنا يحترق» تقول الطفلة السويدية المناضلة العالمية من أجل البيئة غريتا تونبورغ. مع ذلك، ليس البيئيون والعلماء هم وحدهم من يجهرون عالياً، بل كل شيء يصرخ اليوم: الأشجار، الحيتان، الحيوانات... الأرض برمتها تئن طلباً للنجدة مما آلت إليه أوضاعها.
نعتقد عادة أننا محصنون داخل مدننا محاطون بجدران الإسمنت التي تحمينا، غير أن الضعف الذي نعيشه، يضرب عميقاً في جذور الحضارة التي نحيط أنفسنا بها. المحاذير كثيرة: ارتفاع نسبة الكربون في الغلاف الجوي، الاضطرابات المناخية، ذوبان القلنسوة الجليدية، ولكن رغم كل هذا يصر البعض على تجاهل التخريب المنهجي لأمنا الأرض. 
نحن أبناء هذا العصر، نجد أنفسنا رهائن للحظة تاريخية غير مسبوقة. لقد ورثنا إرثاً تقيلاً يتطلب الأمر منا، أن نقرر ما يجب أن نفعله بصدده. إرث الميتافيزيقا الغربية التي بلغت أوجها واكتمالها، في المشروع التقني الذي يطمح إلى الهيمنة الشاملة على الكرة الأرضية. لذلك، فما نحن مطالبون به يتجاوز مجرد إجراءات بسيطة وتدخلات محدودة. الأمر يرتبط بإيجاد عالم جديد، حضارة بديلة لهذه الحضارة، التي تعيش المراحل الأخيرة لشيخوختها، أو هي بكلمة واضحة آيلة إلى السقوط، حسب الأطروحة الشهيرة للكولابسولوجيا.
عصر الأنثروبوسين
لم يبخل علينا العلماء بمنح تسمية لهذه الأزمة. الأنثروبوسين The Anthropocene هذا هو المصطلح الذي راج منذ عام 2000، حيث تمكن الحائز على جائزة نوبل بول كروتزن من نحت هذا المفهوم، الذي يدل على أن الأنشطة البشرية، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالثورة الصناعية، قد غيرت بشكل ملحوظ التاريخ الجيوفيزيائي للكرة الأرضية. لقد أثار هذا المفهوم في بداية ظهوره بعض الشكوك، لكنه أصبح الآن مقبولاً في المجتمع العلمي. لا يصف الأنثروبوسين الوقائع الآنية فقط، بل أيضاً ما يحتمل أن تعيشه الأرض في المستقبل. على سبيل المثال، توصي جل المؤتمرات البيئية بضرورة تخفيض درجة حرارة الأرض إلى حدود 1.5 درجة مئوية، أو الاستقرار في حدود درجتين على أكثر تقدير. غير أن الدراسات المستقبلية تؤكد أن الأمور ستزداد استفحالاً في المستقبل، إذ من المنتظر أن ترتفع درجة حرارة الأرض، لتصل إلى ما بين 3 و5 بحلول سنة 2100، وهذا من شأنه أن يفاقم الكوارث البيئية التي بدأنا نعيش مقدماتها الآن: الجفاف والاضطرابات المناخية، وانتشار موجات الحرارة، الصيف الطويل كما يحمل عنوان كتاب بريان فاغان. وانخفاض المحاصيل الزراعية، حرائق الغابات واللائحة طويلة. في المحصلة النهائية يمكن التأكيد على أن «ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي ليس مجرد ظاهرة نظرية، ولكنها ظاهرة تم قياسها والتحقق منها، عبر التخصصات العلمية، وترتبط بشكل قاطع بالانبعاثات البشرية».
التنمية المستدامة 
من الحلول الجدية التي تطرح من أجل الخروج من عنق الزجاجة، التنمية المستدامة والمقصود بهذا المفهوم محاولة إيجاد التوازنات الضرورية والأساسية، بين الموارد الطبيعية والأنشطة البشرية، بما يحفظ البيئة بكل مكونتها، ويحفظ كذلك حقوق الأجيال القادمة. ثمة عدة تعريفات قدمت لهذا المفهوم، لكن جلها يركز على ضرورة احترام الأنظمة البيئية، والتعامل معها بشكل متوازن، بما يتطلبه ذلك من ترشيد للاستهلاك، وتخفيض استخدام الطاقة، خاصة الطاقات الأحفورية، واعتماد الطاقات البديلة سواء في عملية التصنيع، أو في الاستهلاك اليومي، كتدفئة المنازل وقيادة السيارات، بل والقيام بتغيير جذري لنمط الحياة المعاصرة.
هكذا تسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق مجموعة من الإجراءات، مثل تلك التي تعمل على مكافحة التغيرات المناخية أو الحفاظ على التنوع البيولوجي، سواء في الغابات أو المحيطات، ومكافحة التصحر، وانقراض الحيوانات، والعمل على تشجير الغابات. 
بصورة مجملة، تتحطم أسطورة الذات المطلقة، التي اعتدت بها الفلسفة الأنوارية. ذلك أن التنمية المستدامة لا تهدف فقط إلى البحث عن رفاهية الإنسان، بل أيضاً الحفاظ على هذا العالم الذي يعيش فيه. هذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال مراجعة مفهوم الذات الأنوارية المتمكنة، والوعي بأن الكائنات جميعها متساوية في الحق في الحياة. فالإنسان جزأ من الكل، ولا يمكنه أن يتوهم يوماً أنه يعلو على هذا الكل.
بطريقة أخرى، نقول إننا نتجه اليوم إلى بناء فلسفة شمولية، يتقاطع ويتكامل فيها ما هو اقتصادي وسياسي، مع ما هو اجتماعي وبيئي ضمن بوتقة واحدة. هذه الفلسفة الجديدة لم يعد بإمكانها بأي حال من الأحوال تجاهل الطبيعة، ومنح وضع اعتباري خاص للإنسان مقارنة مع بقية الكائنات.
فلسفات جديدة
هناك العديد من الأمثلة على مثل هذه المنظومات الفكرية المستحدثة، التي تحاول أن تؤسس لعلاقة جديدة بين الإنسان والطبيعة، نذكر من بينها فلسفة هانس يوناس الذي يتحدث عن مفهوم موسع للمسؤولية، بحيث لا يضطلع الإنسان بمسؤولية القرارات التي تهم شؤونه الخاصة، بل عليه أن يفكر أيضاً بما يمكن أن يؤول إليه فعله في المستقبل، بحيث لا يتعارض مع حقوق الأجيال القادمة.
لدينا أيضاً فيلسوفة البيئة الأميركية راشيل كارسون، صاحبة الكتاب الشهير: «ربيع صامت»، والتي ينسب لها وضع اللبنات الأولى لما سيعرف لاحقاً بعلم البيئة المتقدم. تؤكد كارسون في هذا الكتاب أن المبيدات الحشرية التي استعملها الإنسان لعقود طويلة، قد ألحقت أضراراً جسيمة بالتوازنات البيئية. وبما أن جل الكائنات الحية مترابطة ضمن السلسلة الغذائية، فإن هذه المبيدات الحشرية لابد أن ينتهي بها المطاف إلى الاستقرار داخل جسم الإنسان والمس بصحته. ليس هناك شيء ثانوي في الطبيعة، سواء كان من النباتات أو الكائنات الحية. كل شيء له مكانته ودوره الحيوي الذي يجب أن يصان ويحترم. تقول الكاتبة: «هذه النباتات ليست «أعشاباً ضارة» إلا بالنسبة لأولئك الذين يكسبون المال من مبيدات الأعشاب الكيميائية».
في السياق نفسه، يذهب الفيلسوف النرويجي أرون ناييس، صاحب مفهوم الإيكولوجيا العميقة، فهو لا يتوقف فقط عند إيجاد التدابير اللازمة لمكافحة الخراب الذي أحدثه التلوث على النظم البيئية، بل يذهب إلى ضرورة مراجعة الأسس الفكرية والحضارية التي قادتنا إلى ما نحن عليه اليوم. فمعالجة المشاكل البيئية بالنسبة له ليست مجرد إجراءات تقنية، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إذ تتطلب تغييراً عميقاً في نمط الوعي البشري.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإمارات المناخ مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ الاستدامة الاحتباس الحراري كوب 28 التنمیة المستدامة هذا المفهوم

إقرأ أيضاً:

بعد تدخل السيد عامل الحوز والي مراكش بالنيابة لتعزيز النظافة بمراكش هل يتدخل أيضا لإنهاء الوضع الكارثي للنظافة بجماعة تمصلوحت :

في ظل الجهود المتواصلة لتحسين خدمات النظافة بمراكش ونواحيها، ترأس السيد عامل إقليم الحوز، والي جهة مراكش-آسفي بالنيابة، اجتماعًا هامًا مع مسؤولي شركة النظافة وممثلي السلطات المحلية، تم خلاله مناقشة سبل تعزيز نجاعة تدبير قطاع النظافة وتحسين جودة الخدمات .

هذا الاجتماع، الذي جاء في سياق تدهور مقلق لوضع النظافة بعدد من المناطق، لم يخلُ من تساؤلات مشروعة يطرحها سكان جماعة تمصلوحت، الذين يعانون من تفاقم الوضع البيئي نتيجة المطارح العشوائية وتدبير “مرتبك” أو يوصف أحيانًا بـ”العشوائي” لقطاع النظافة داخل الجماعة.

ويعيش المواطن المصلوحي يوميًا مشاهد تُسيء إلى جمالية المنطقة وسلامة بيئتها، حيث تتناثر النفايات على جنبات الطرق والمساحات العامة، وتنتشر الروائح الكريهة دون أي تدخل ناجع من الجهات المسؤولة، مما يُهدد الصحة العامة ويُشوه صورة الجماعة التي توجد على بعد كيلومترات فقط من مدينة مراكش.

ويبقى السؤال المطروح اليوم لساكنة الحوز عموما وساكنة جماعة تمصلوحت خصوصا: هل يشمل تدخل السيد العامل جماعة تمصلوحت التي أضحت عنوانًا لمعاناة بيئية مستمرة؟ وهل نشهد أخيرًا تحركًا ملموسًا يُنهي سنوات من الإهمال ويُعيد الاعتبار لحق الساكنة في بيئة نظيفة وصحية؟

مقالات مشابهة

  • سوريا تكشف عن هوية بصرية جديدة.. فما الرسائل التي تحملها؟
  • الرئيس الشرع: الهوية تعبر عن بناء الإنسان السوري وترمم الهوية السورية التي ألفت الهجرة بحثاً عن الأمن والمستقبل الواعد، فنعيد إليها ثقتها وكرامتها وموقعها الطبيعي في الداخل والخارج
  • وزير الخارجية: توجت جهودنا برفع العقوبات ورفع علم سوريا في مقر الأمم المتحدة، سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري، والرمزية السورية اليوم أكثر انفتاحاً ترمز إلى الإنسان السوري وثقافته وأرضه
  • تفاصيل جديدة حول المقترح الذي تدرسه حماس
  • بعد تدخل السيد عامل الحوز والي مراكش بالنيابة لتعزيز النظافة بمراكش هل يتدخل أيضا لإنهاء الوضع الكارثي للنظافة بجماعة تمصلوحت :
  • حريق بشنين: النفايات تشتعل… والسياسة أيضاً!
  • رئيس حزب البيئة العالمي يُحذر: الكوكب يحترق والتغير المناخي يخرج عن السيطرة
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • زيادة جديدة تدخل حيز التنفيذ في تركيا.. تعرف على التغيير الذي سيؤثر على فواتيرك الشهرية
  • ما قصة السحابة المتوهجة التي ظهرت في السماء الليلة وكيف تشكلت؟