الصدمات النفسية.. قنبلة مستقبلية تهدد المجتمع اليمني
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
عدن الغد /متابعات
تحوّلت حياة أسرة اليمني "عبدالكريم أحمد" المكونة من 4 أشخاص، إلى كابوس مظلم فجأة، بعد ظهور أعراض غريبة على زوجته المرضعة، التي باتت تعاني من آلام في الصدر وضيق في التنفس، بشكل متكرر يوميًا، دفعتها لاحقًا إلى عدم إخفاء رغبتها في الانتحار، وإعلان ذلك صراحة لزوجها.
طاف الأب لطفلتين إحداهما رضيعة، بزوجته على معظم مستشفيات العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، ولم يجد مشكلة عضوية تتسبب بهذه الأعراض التي كانت تواصل تفاقمها مع مرور الأيام، وأدت إلى تغيّر طبائع زوجته، وتعاملها بعصبية مفرطة تجاه طفلتيها البالغتين من العمر: 3 أعوام، والأخرى 10 أشهر.
يقول الأربعيني عبدالكريم،، إن أحد الأطباء اقترح عليه عرض زوجته على طبيب نفسي، لكنه اصطدم بمعارضة شديد من أهل زوجته، ليضُطر بعد ذلك إلى خوض رحلة العلاج بالرقية الشرعية.
مع استمرار سوء الحالة على مدى شهرين "هما الأطول" في حياة الرجل، وتصاعد انعكاساتها على حياة الأسرة، قرر عبدالكريم بعد نقاشات مع زوجته، عرضها على طبيب نفسي، مستجيبًا لطلبها بأن ترافقها والدتها إلى العيادة النفسية، بدلًا عنه، حتى لا تتم ملاحظته معها أثناء دخولهما العيادة، خشية أن يعرف أحد بمرضها، كما يقول.
كانت هذه الخطوة بمثابة "استعادة الحياة" كما يصفها عبدالكريم، فبعد تشخيص حالتها بنوبات هلع واكتئاب، وبدئها في تناول الأدوية والتزامها بنصائح الطبيب، بدأت بوادر التحسن في الظهور تدريجيًا على مدار أسابيع من العلاج حتى تعافت تمامًا، وتمكنت أسرتها من استعادة حياتها الطبيعية الآن.
حاجز الوعي
وتعدّ الأمراض النفسية، من أكثر الحالات الصحية شيوعًا في اليمن، إذ يعاني نحو 8 ملايين يمني، من مشاكل عقلية ونفسية واجتماعية، تفاقمت بسبب النزاع المسلح، والنزوح القسري، والبطالة، ونقص الغذاء، وغيرها من الظروف القاسية، وفق منظمة الصحة العالمية.
وذكر مدير مركز أكسجين حياتك، للصحة النفسية والعلاج الطبيعي في عدن، محمد إسماعيل، أن المركز يستقبل شهريًا نحو 40 حالة تعاني من بعض الاضطرابات النفسية من الجنسين، أكثر شرائحها العمرية بين 20 إلى 40 عامًا، يعاني معظمهم من اضطراب القلق، كنتيجة سلبية للصراع وما أفرزه من تداعيات".
وقال إسماعيل، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الكثير من المرضى، يفضّلون مواصلة معاناتهم بصمت، بسبب قلة الوعي المجتمعي الذي لا يعترف بهذه الأمراض، ويعتبرها وصمة تلاحق المريض.
قنبلة مستقبلية
ومع توسع رقعة الأمراض النفسية، وحالة الإهمال التي تقابلها، بات اليمن يواجه خطرًا مستقبليًا يهدد المجتمع، في ظل النقص الحاد في موارد واحتياجات الصحة النفسية، وتدهور المستشفيات المتخصصة البالغ عددها 5 مستشفيات حكومية، و3 أخرى أهلية في مختلف محافظات البلد، والتي كانت جميعها تعمل بسعة إجمالية تصل إلى 946 سريرًا فقط، إضافة إلى 76 سريرًا مخصصًا للأمراض النفسية في مستشفيات صنعاء، بحسب ما أوردته "الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية 2022 – 2026".
ويقول استشاري الطب النفسي، الدكتور منصور الشرجي، إن غياب المعالجات النفسية الكافية والشافية، للمجتمعات التي تعرّضت لأزمات أو حروب أو كوارث، يضاعف نسبة المرضى النفسيين إلى 35 ضعفًا، عن المجتمعات الطبيعية والعادية، "ما يعني أن حجم المشاكل النفسية سيكون كبيرًا ومبالغًا فيه، من ناحية الانتشار، ومن حيث شدّة الأعراض وآثارها على الإنتاج".
وأشار في حديثه الخاص لـ"إرم نيوز"، إلى أن التعرّض للصدمات، هو عبارة عن كارثة كبرى تحل بالمجتمع، لا تبدأ آثارها بالظهور فورًا، بل تجعلها قنبلة للمستقبل، ما يتسبب في تتزايد معدلات تتفكك الأسر، وتخلّف تربية غير سوية للأطفال، وتنتشر المخدرات والإدمان والعنف وغيرها، وتبدأ تأثيراتها بالتدحرج ككرة الثلج، لتشمل مختلف جوانب الحياة.
وقال الشرجي إن تركيز الجهود على إعداد البرامج المتخصصة وتدريب وتأهيل وزيادة أعداد المعالجين النفسيين والأخصائيين والأطباء، يقلل من حجم الكوارث المتوقعة من الأزمات والحروب، سواء على المستويات الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، "فمعالجة آثار الصدمات النفسية، تعني تهيئة المصاب ليصبح عضوًا سليمًا في مجتمعه، وعدم معالجته وإهماله، ستحوله إلى عاهة عدوانية وغير منتجة مستقبلًا".
عواقب متعددة
يشير رئيس قسم علم النفس، في كلية الآداب بجامعة عدن، الدكتور وحيد سليمان، إلى أن غياب البرامج الحكومية المتخصصة في الصحة النفسية، وضعف الدعم الأسري والمجتمعي، وقلة الوعي، ساهمت في توسع الكثير من الأمراض النفسية وتسبب في مفاقمتها، وذلك ما أدى إلى ظهور الكثير من السلوكيات العدوانية وغير الأخلاقية، التي انتشرت، مؤخرًا، في أوساط المجتمع.
وأكد أن استمرار معاناة المرضى وتزايد أعدادهم، دون معالجتهم سلوكيًا ومعرفيًا ونفسيًا، يفقدهم حياتهم، ويحوّلهم إلى تهديد يؤثر على تماسك المجتمع ونسيجه، في ظل تفاقم حالاتهم التي يقود بعضها إلى سلوكيات عدوانية، تتسبب ارتفاع معدلات الجرائم والعنف والتحرش الجنسي، وتعاطي المخدرات، وغيرها.
وقال سليمان إن حجم ما أحدثه الصراع ومخلفاته من ضغوط متعددة، يتطلب التفاتة من جميع الجهات الدولية والحكومية ومراكز الخدمات النفسية، لانتشال وضع الصحة النفسية المتدني جدًا في البلاد، منذ فترة ما قبل اندلاع الحرب، لتلافي حجم الكلفة المجتمعية التي يمكن حدوثها مستقبلًا، أو على الأقل التقليل منه، للحؤول دون وقوع العواقب المقبلة الناجمة عن تدهور تنمية الفرد.
المصدر/ إرم نيوز
المصدر: عدن الغد
إقرأ أيضاً:
دور الكتابة العلاجية في تعزيز الصحة النفسية والوعي الذاتي
جدة – بدر النهدي
ضمن فعاليات “معرض جدة للكتاب 2024″، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، عُقدت اليوم ورشة عمل بعنوان “الكتابة وسيلة علاجية” قدمتها الدكتورة ميسم الشمري، الحاصلة على شهادة الدكتوراه في جودة التعليم.
وركزت الورشة على الكتابة العلاجية بوصفها أداة مبتكرة للتعبير عن المشاعر وتخفيف الضغوط النفسية وتعزيز الوعي الذاتي. أوضحت الدكتورة الشمري أهمية الكتابة الإبداعية بوصفها أسلوباً يساعد الأفراد على التعامل مع تحديات الحياة، واستعادة التوازن النفسي، وتحسين التنسيق الحركي اليدوي.
وتناولت الورشة مجموعة من الممارسات مثل: كتابة اليوميات بوصفها وسيلة لتنظيم الأفكار والمشاعر، والشعر والقصص لتفريغ العواطف بأسلوب إبداعي، ورسائل غير مُرسلة بوصفها طريقة للتعامل مع الصراعات الداخلية.
وأكدت الدكتورة الشمري أن الكتابة العلاجية تعزز من التعبير الحر، وتساعد على تنظيم المشاعر وفهم الذات، مما يسهم في تحسين الصحة العقلية والجسدية. كما أشارت إلى إمكانية دمجها في خطط إدارة التوتر أو برامج علاجية شاملة.
وناقشت الورشة أيضاً الأثر المتبادل للكتابة الأدبية على الكاتب والقارئ، وكيف يمكن أن تصبح الكتابة وسيلة للتداوي والتعبير العميق.
وتُعد هذه الورشة فرصة فريدة للمهتمين باستكشاف الكتابة بوصفها وسيلة للتعبير والتعافي النفسي، وسط أجواء ثقافية مميزة يحتضنها المعرض.
ويستقبل معرض جدة للكتاب 2024 زواره يومياً من الساعة 11 صباحاً حتى 12 منتصف الليل، باستثناء يوم الجمعة حيث يفتح أبوابه من الساعة 2 ظهراً، ويستمر المعرض حتى 21 ديسمبر الجاري.