ترجمة: أحمد شافعي -

وسط صراعات أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، أدى بناء سلسلة إمداد قوية للوقود النووي إلى زيادة التداعيات على الأمن القومي الأمريكي، ولعل أوضح مظاهر هذه التداعيات يتثمل في تقليل اعتمادنا على اليورانيوم الروسي.

وبالإضافة إلى تقليل الاعتماد على روسيا، فإن من شأن وجود قطاع وقود نووي قوي أن يدعم الأمن القومي بطرق لا حصر لها: إذ يعزز منع الانتشار النووي على مستوى العالم من خلال تعزيز الثقة الدولية في إمدادات وقود جديرة بالثقة، ويعزز قيادة أمريكا وقدرتها التنافسية في سوق الطاقة النووية العالمية، وبخاصة في مقابل الصين وروسيا، ويمثل مصدرا محتملا للخامات اللازمة للتطبيقات الدفاعية المهمة للحفاظ على جاهزية قدرات الردع الاستراتيجي الأمريكية.

على المستوى الفردي، من المؤكد أن هذه الفوائد مهمة للأمن القومي الأمريكي. لكنها تعمل بشكل جماعي على تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في دعم أعلى المعايير الدولية في مجال الأمن النووي ومنع انتشار الأسلحة النووية، ومن ذلك تأسيس معايير وممارسات للحد من انتشار التكنولوجيا الحساسة ووسائل إنتاج الخامات القابلة للاستخدام في صنع الأسلحة.

على مدار عقود، كانت الولايات المتحدة هي مورد خدمات الوقود النووي المهيمن في العالم، وبدا أن سوق الوقود النووي العالمي يعمل بشكل مطمئن. ولعل هذا هو السبب في غفلة القادة الأمريكيين عن المخاطر الأمنية الوطنية المطروحة وسماحهم لصناعة الوقود النووي أن تضعف. ففي التسعينات من القرن الماضي، فقدت الولايات المتحدة تدريجيا حصتها في سوق التخصيب العالمية لصالح منافسين خارجيين منهم روسيا. وعندما شن بوتين هجومه غير المبرر على أوكرانيا في عام 2022، إذًا باعتمادنا العميق على الوقود النووي الروسي وقد أصبح فجأة وبشكل هائل غير مقبول. في حين أن بعض المشرعين يفهمون بوضوح ما لهذه القضية من أهمية جيواستراتيجية ـ ومن أولئك من قدموا قانون أمن الوقود النووي (NFSA) في فبراير الماضي ـ فإن كثيرا منهم يعملون في ظل فكرة خاطئة مفادها أن الوقود النووي هو محض مسألة تجارية، مما دفع البعض إلى التساؤل عما لو أن البنود القانونية الخاصة بالوقود النووي أو بالتمويل تنتمي إلى تشريعات الأمن القومي.

فعلى سبيل المثال، ثمة محادثات في الكونجرس حول إدراج تمويل برامج الوقود النووي الفيدرالية في مشروع قانون تكميلي للأمن القومي، ومن المرجح أن تتضمن هذه الأداة حزم مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل. ونظرا للتصورات الخاطئة القديمة المحيطة بالوقود النووي، قد يرى البعض أن تمويل برامج الوقود الفيدرالية يقع خارج نطاق ملحق الأمن القومي أو حتى صرفه عن أهدافه العامة.

غير أن التزاماتنا الحالية في أوكرانيا والشرق الأوسط تبرز بوضوح الترابطات المعقدة بين الوقود النووي والأمن القومي. فضرورات الأمن القومي المتعلقة بالوقود النووي تتوافق بشكل وثيق مع أهداف الولايات المتحدة في هاتين الأزمتين، وإعادة بناء بنيتنا الأساسية المتعلقة بالوقود النووي لدينا أمر مكمِّل ـ بل هو جوهري ـ لاستراتيجياتنا الخاصة بتحقيق الاستقرار في هذين الصراعين.

ففي أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي، تخلت أوكرانيا طواعية عن ترسانتها النووية التي كانت منتشرة في أراضيها خلال الحقبة السوفييتية. ثم انضمت أوكرانيا على الفور إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في عام 1994.

ولذلك فإن عدم تقديم المساعدة لأوكرانيا في هذه اللحظة كان من شأنه أن يبعث إشارات سلبية مترددة إلى أصدقائنا وحلفائنا في جميع أنحاء العالم ويثير الشكوك حول حكمة الالتزام بالمعايير العالمية لمنع الانتشار النووي. واعتماد العالم بصورة واسعة النطاق على الطاقة الروسية، ومنها الوقود النووي، لم يعد بالأمر المقبول، في ضوء أن هذا يقوّض عزمنا الجماعي على دعم أوكرانيا ضد العدوان الروسي (ويعزز بشكل مباشر بوتين عسكريا وتسليحيا).

أما الاضطراب الجيوسياسي في الشرق الأوسط فأمر قديم وموثَّق، ومن ثم فمخاوف خطر الانتشار النووي في المنطقة مستمرة لعقود. وقد أبرزت الأعمال الإرهابية والأزمات الإنسانية الأخيرة بشكل أكبر حتمية الإدارة الفعالة لمخاطر الانتشار الإقليمي.

ومع ازدياد عدد دول المنطقة التي تعبر عن اهتمامها ببدء برامج نووية مدنية ـ ومنها المملكة العربية السعودية والأردن ـ تتزايد أهمية قيادة الولايات المتحدة للحفاظ على معايير دولية قوية لمنع انتشار الأسلحة النووية.

لطالما كان تقييد انتشار التقنيات القادرة على إنتاج مواد قابلة للاستخدام في الأسلحة أولوية رئيسية في السياسة الأمريكية. ففي عام 2009، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقية «123» مع الإمارات العربية المتحدة التي تخلت بموجبها أبو ظبي رسميا عن حقها في تقنيات التخصيب وإعادة المعالجة الحساسة.

وفي حين أشاد البعض بهذا الشرط الخاص بإعادة التخصيب وإعادة المعالجة الحساسة في الاتفاقية باعتباره فوزا كبيرا للولايات المتحدة في منع الانتشار النووي ودعوا إلى تكريسه باعتباره «المعيار الذهبي» لجميع اتفاقيات 123 اللاحقة، فليس لدى واشنطن سجل ناجح ـ منذ دولة الإمارات العربية المتحدة ـ في التفاوض على مثل هذه التنازلات من شركائها النوويين.

وبصفة عامة، لدينا فرصة أكبر بكثير لتحقيق شروط منع الانتشار هذه من خلال قدرات وتدابير أكثر قوة لضمان إمدادات وقود موثوقة ودولية. فتزويد البلاد تزويدا أكثر فعالية بإمدادات الوقود النووي هو الخطوة الأساسية لتثبيط تطوير تقنيات دورة الوقود الحساسة وتعزيز أهداف الولايات المتحدة في منع الانتشار النووي.

فضلا عن ذلك، في ضوء أن روسيا تتعهد بالتزامات رسمية بتوفير الوقود اللازم لحياة المفاعلات في الدول التي تستورد منها ـ ضمن حزم شاملة تشمل التدريب والتمويل وغير ذلك من الامتيازات ـ فإن إمدادات الوقود النووي تشكل أيضا مسألة تتعلق بالقدرة التنافسية التجارية. حيث تسارع الصين في إقامة سلسلة توريد وقود نووي خاصة بها، وستكون في وضع يمكنها من تقديم عروض مماثلة للعملاء الدوليين في المستقبل. ومع تراجع قدرتنا التنافسية الدولية، سوف يتناقص نفوذنا في مجال منع الانتشار النووي بوتيرة أكبر.

وتزداد الحاجة الملحة إلى معالجة هذه التحديات السياسية بسبب الاضطرابات الإقليمية ودفع المملكة العربية السعودية المستمر لبدء برنامجها النووي المدني (بما في ذلك طموحات تطوير تخصيب اليورانيوم). ومع مزاعم قيام المملكة العربية السعودية باستخدام التعاون النووي المدني المحتمل مع الصين لدفع واشنطن إلى التراجع عن مطالبها المتعلقة بالتخصيب، فإن نفوذ الولايات المتحدة التفاوضي ووجودها التجاري في المنطقة أصبحا حاسمين بشكل متزايد ـ ويدعم الوقود النووي كليهما دعما حاسما.

يتم إنتاج اليورانيوم والمتاجرة به وبيعه شأن العديد من السلع الأخرى. ومع ذلك، ليس من المبالغة في شيء القول بأن التداعيات الجيوسياسية المترتبة على الوقود النووي ربما تكون أعظم من أي سلعة تجارية أخرى في تاريخ العالم.

فليس وجود قطاع نووي مدني قوي وقادر على المنافسة عالميا في الولايات المتحدة محض مسألة تجارية، بل إن له عواقب كبيرة على الأمن القومي الأمريكي. فالوقود النووي يقع في صلب المصالح الأمريكية المتعلقة بالمناخ والطاقة والمصالح التجارية والجيوسياسية والأمن القومي.

وفي هذا المنعطف التاريخي بالغ الأهمية، لا بد أن ترقى الولايات المتحدة إلى مستوى الحدث وتعيد بناء قدراتها في مجال الوقود النووي من أجل أمننا على المدى البعيد ومن أجل تحديات الأمن القومي الملحة اليوم.

آلان آن نائب مدير الشؤون النووية في شركة ثيرد واي.

عن ناشونال إنتريست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة القومی الأمریکی الوقود النووی الأمن القومی المتحدة فی

إقرأ أيضاً:

«زيلينسكي»: سوف نخسر الحرب إذا توقفت الولايات المتحدة عن مساعدة أوكرانيا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا ستخسر الحرب أمام روسيا إذا توقفت الولايات المتحدة عن مساعدة بلاده. 

وقالت وكالة فرانس برس إن أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين يخشون من فك الارتباط الأمريكي في ظل الرئاسة المستقبلية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. 

وقال زيلينسكي: "إذا قطعوا (المساعدات) أعتقد أننا سنخسر، بالطبع، سنبقى، سنقاتل ولكن أعتقد أن هذا ليس كافيًا للبقاء على قيد الحياة".

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، سمح بتزويد أوكرانيا بالألغام الأرضية المضادة للأفراد.

وأكد مسئولان أمريكيان بأن الرئيس بايدن سمح بتزويد أوكرانيا بالألغام الأرضية المضادة للأفراد، وهي خطوة من شأنها أن تعزز دفاعات كييف ضد القوات الروسية المتقدمة، لكنها أثارت انتقادات من مجموعات الحد من الأسلحة.

تأتي هذه الخطوة في أعقاب تفويض البيت الأبيض الأخير الذي يسمح لأوكرانيا باستخدام نظام صاروخي قوي بعيد المدى لضرب داخل روسيا - كجزء من مجموعة من الإجراءات العاجلة التي تتخذها إدارة بايدن لمساعدة جهود الحرب المتعثرة في كييف.

مقالات مشابهة

  • بايدن وماكرون يبحثان الوضع في أوكرانيا والشرق الأوسط
  • أوكرانيا تكشف معلومات جديدة حول صاروخ روسيا "النووي"
  • ختام ملتقى شباب دول إفريقيا والشرق الأوسط ﻓﻲ نسخته السادسة
  • عاجل.. الرئيس الصيني شي جين بينغ يصل مساء اليوم الى المغرب
  • البنتاغون: على الولايات المتحدة الدخول في حوار مع روسيا والصين لمنع التهديد النووي
  • المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
  • البنتاجون: على الولايات المتحدة الدخول في حوار مع روسيا والصين لمنع التهديد النووي
  • مندوب الصين بمجلس الأمن: الولايات المتحدة تواصل إمداد إسرائيل بالأسلحة
  • زيلينسكي: أوكرانيا قد تخسر الحرب إذا خفضت الولايات المتحدة المساعدات
  • «زيلينسكي»: سوف نخسر الحرب إذا توقفت الولايات المتحدة عن مساعدة أوكرانيا