لجريدة عمان:
2025-02-03@00:11:42 GMT

أجندة الرئيس الأرجنتيني الجديد

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

في 19 نوفمبر، انتخب (خافيير مايلي) رئيسًا جديدا للأرجنتين، وهو يميني متطرف ليست لديه خبرة سياسية كبيرة. الرئيس الذي يصف نفسه بـ «الرأسمالي الفوضوي» ترك مؤيديه في حالة من النشوة، وترك أولئك الذين يخشون ميوله الاستبدادية في حالة من الكآبة. أما كتّاب الرأي مثلي، فإنهم يحاولون استقراء مدى احتمال نجاح مقترحاته المتطرفة، بما في ذلك إلغاء البنك المركزي الوطني والعملة الوطنية.

وقد أشار النقاد إلى أمر واضح جدا، وهو أنه مع عدم وجود حزب حقيقي، أو أغلبية تشريعية، أو خبرة إدارية، سوف يضطر مايلي إلى تقديم تنازلات من أجل تحقيق أي إنجاز. لكن السوابق، وليس البراغماتية، هي التي تهدد نجاح الرئيس المنتخب، فقد جُرّبَ برنامجه مرتين على الأقل من قبل، وكانت التكاليف باهظة بالنسبة للأرجنتين. ولكي ينتصر هذه المرة، سيتعين على مايلي أن يهزم التاريخ نفسه.

إنّ توقع المستقبل مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، إلا أنه في حالة رئاسة مايلي، فالأمر أصعب، فعلى مدى فترات طويلة من حملته السياسية، مرّ مايلي بنوبات غضب عنيفة ولم يخجل من المقترحات التحررية المتطرفة، مثل وضع قوانين تبيح الأسواق الحرة للأعضاء البشرية أو الأسلحة النارية.

في نظر كثيرين، تعدّ الأرجنتين بلدا محيرا بقدر رئيسها المنتخب، إذ يعتقد الكثير من الأجانب بأنه لا توجد مبررات مقنعة تجعل دولة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية تعاني من أزمات دورية. وفي محاولة لحل هذا اللغز، يلقي العديد من المراقبين في الصحافة الدولية اللوم على «الشعبوية»، بينما يلتزم الخبراء في صندوق النقد الدولي (الذي تدين له الأرجنتين بمبلغ 31 مليار دولار) بالحسابات، فالبلد تنفق أموالًا أكثر مما لديها وتزدهر، إلا أنّ خطيئتها الكبرى هي الركوب المتهور على صهوة تقلبات أسواق السلع الأساسية الدولية، إذ تستمتع بالارتفاعات الهائلة بدون تفكير، لكنها في المقابل لا تدخر أبدًا أو تستعد للانكماش. لقد تكيف أغلب الأرجنتينيين مع هذه الدورة الاقتصاديّة من خلال اعتناق مبدأ قدري منتشر على نطاق واسع، وهو أنّ كل شيء سوف يذهب إلى الجحيم في النهاية. إنها قدرية تتخللها فترات قصيرة اتضح أنها ليست سوى سراب مخادع. هل يعدّ مايلي أحد هذه الأحلام الصعبة؟ كأي رئيس أرجنتيني آخر تقريبًا، يَعِدُ هذا الرئيس الشعب بأنه مختلف، وأنه سيكون المنعطف الحاسم في التاريخ الوطني. وفي نظرته لهذا التاريخ، كانت الأرجنتين أغنى دولة في العالم في نهاية القرن التاسع عشر، لكن سياسات التدخل في شؤون الدول الأخرى دمرتها، ولذلك يمكن القول إن الدولة كانت هي المشكلة، وأنّ تحرير الأسواق هو الحل.

وبقدر ما يحب مايلي أن يعتقد خلاف هذا الرأي، فإن وجهات نظره ليست جديدة. لقد وصلت آخر دكتاتورية عسكرية في الأرجنتين إلى السلطة تحت شعار «تقليص حجم الدولة يجعل الأمة أكبر». وكان وزير اقتصادها، خوسيه ألفريدو مارتينيز دي هوز، من الليبراليين الجدد في فترة ما قبل تاتشر، وحاول تحرير الاقتصاد من القيود التنظيمية، إلا أن الأمر انتهى به إلى كارثة.

وفي التسعينات، حاول الرئيس كارلوس منعم اتباع السياسة ذاتها باستخدام صيغة سياسية مختلفة، حيث أجبر حركته البيرونية على احتضان عدوها التاريخي، الليبرالية الجديدة. وقام وزير الاقتصاد الأطول خدمة دومينغو كافالو بتحرير الاقتصاد، وربط البيزو الأرجنتيني بالدولار الأمريكي لترويض التضخم. وأسفرت هذه السياسات عن الأزمة المأساوية التي اندلعت في الفترة ما بين 2001 و2002، مع تجميد المدخرات الخاصة، وانخفاض قيمة البيزو، ووقوع أكثر من نصف سكان البلاد تحت خط الفقر.

ومع أنّ تلك التجارب انتهت بالفشل التام، إلا أنها حققت نجاحا ولو على المدى القصير، حتى أن الرئيس منعم كارلوس أعيد انتخابه من جديد، وترك المشاكل للإدارة التالية، التي انهارت في النهاية بسبب العبء الاقتصادي. وبالرغم من ذلك، فإنّ منعم ومارتينيز دي هوز كان لديهما مصدران رئيسيان لصالحهما، وهما: الدعم السياسي القوي والقدرة على الوصول إلى التمويل اللازم، فـمارتينيز دي هوز كان خلفه ديكتاتورية عسكرية، وتحمّلَ ديونًا ضخمة من البنوك الدولية لإبقاء سياساته واقفة على قدميه، وفي النهاية، لم تسفر سياساته عن شيء. وفي الوقت نفسه، كان منعم يقود القوة السياسية الأكثر شعبية في تاريخ البلاد، وقام وزيره كافالو بتمويل سياساته النيوليبرالية بديون خارجية ضخمة، وهذا ما فعله أيضا مارتينيز دي هوز، الذي أضاف إليها بيع الشركات المملوكة للدولة. (وساهمت استحالة سداد تلك الديون الخارجية بشكل حاسم في سقوط النظام العسكري في الحالة الأولى، وأدت إلى تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها في الحالة الأخرى في عام 2001).

إن الحل الذي يقدمه مايلي للأزمة، على حسب ما ذكر بنفسه، هو نسخة من العلاج بالصدمة النيوليبرالية، مع إلغاء القيود التنظيمية وتخفيضات صارمة في الإنفاق العام. وكما ذكرنا، فقد حدث كل هذا من قبل. إنّ مايلي معجب بسياسة (منعم- كافالو) أكثر من أي شيء آخر، إلا أنه لا يستطيع أن يطلب قروضاً دولية لتمويل تلك الإصلاحات، فالأرجنتين لا تزال بالكاد تسدد مدفوعاتها لصندوق النقد الدولي، ولن يقرض أي بنك البلاد دولارا واحدا. لذا فإن (مايلي)، مثل (منعم وكافالو)، يريد بيع الشركات القليلة المملوكة للدولة التي لا تزال قائمة، ولكن هذا سوف يستغرق وقتًا طويلًا، وهو الوقت الذي قد لا تمنحه إياه الأزمة.

من جانب آخر، فإنّ مايلي أضعف بكثير من الناحية السياسية. أجل، لقد وصل إلى السلطة، مثل سابقيه، في أعقاب أزمة اقتصادية رهيبة اتسمت بارتفاع معدلات التضخم وارتفاع معدلات الفقر، لكنه يفتقر إلى القوة السياسية التي ساعدت سابقيه في التغلب على المقاومة الاجتماعية، إذ حصل ائتلافه المسمى (لالي بيرتيد أفانسا) الذي يعني (الحريّة تمضي قدما)، على 30% فقط من الأصوات الوطنية في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وحصل (مايلي) على 56% من الأصوات في جولة الإعادة، لكن الناخبين الذين دعموا الـ 26 نقطة الإضافية كانوا يرفضون بديل (مايلي) وليس بالضرورة اختاروه اقتناعا به، وقد أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن العديد من ناخبيه لا يتفقون مع وجهات نظره أو يؤمنون بمقترحاته، ولذلك فلا عجب أنه أرسل تهديدًا مبطنا بأنه سيرد بالعنف على أية احتجاجات ضد سياساته.

وفي المؤتمر الوطني، سوف يتمكن من الاعتماد على أقل من 40 مقعدًا من ائتلافه في مجلس النواب من أصل 257 مقعدًا، و7 أعضاء في مجلس الشيوخ من أصل 72. وبعيدًا عن الخطوط الحزبية، يلعب حكام المقاطعات عادة دورًا حاسما في المفاوضات البرلمانية من خلال عملية تبادل لأصوات ناخبي ممثليهم في مقابل الحصول على الإعانات الفيدرالية أو الأشغال العامة التي تعود بالنفع على المناطق التي يحكمونها. ولا يوجد في ائتلاف (مايلي) حكام، وقد قال مرارًا وتكرارًا إنه يريد إلغاء تلك الإعانات ووقف جميع الأشغال العامة.

ومع ذلك، فإن (مايلي) أكثر من لديه قدرة على التوصل إلى حل وسط. وبغض النظر عن شخصية «المجنون» التي اعتمدها خلال الحملة الانتخابية، فقد كان يتمتع بالذكاء الكافي للتغلب على القوتين السياسيتين الرئيسيتين في البلاد في ظل عدم وجود بنية تحتية حزبية تقريبًا، مع موارد ضئيلة للغاية. وعندما قام حزب (البيرونية) الحاكم من يسار الوسط بتمويله لتقسيم المعارضة، لم يكن لدى مايلي أي مخاوف بشأن استخدام هذا الدعم لإقصاء منافسيه في ائتلاف (هونتوس بوريل كامبيو) (JxC) المحافظ، والذي يعني (معا للتغيير). وعندما عرض زعماء ائتلاف (JxC) المهزومون ولاءهم في جولة الإعادة، وهم الذين شوّهَ (مايلي) سمعتهم، احتضنهم لضمان النصر، حتى أنه تراجع عن بعض مقترحاته التي لا تحظى بشعبية، بما في ذلك إلغاء التعليم العام والتأمين الصحي.

سيحاول (مايلي)، المتسلح بما هو أكثر بقليل من الدهاء، مرة أخرى تطبيق برنامجٍ فشل مرتين من قبل. ولكن في بلد لا يخجل من الإطاحة بالرؤساء الذين لم يحققوا إنجازاتهم، أتساءل ما إذا كان الرئيس الجديد والبرنامج القديم قادرين على البقاء معاً، أو ما إذا كان أحدهما سيضطر إلى الرحيل.

جابرييل باسكيني صحفي وكاتب أدبي أرجنتيني.

عن واشنطن بوست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلا أن

إقرأ أيضاً:

صحفية أمريكية: 4 أولويات على أجندة نتنياهو في واشنطن

حددت الصحفية الأميركية الإسرائيلية معيان هوفمان في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية 4 أولويات ينبغي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التركيز عليها في لقائه مع الرئيس الأميركي في واشنطن:

1. التوافق على إستراتيجية مواجهة إيران

وأكدت هوفمان أن إيران لا تزال تعتبر التهديد الأمني الرئيسي لإسرائيل، ولا سيما بسبب طموحاتها النووية، والجدل الدائر بشأن ما إذا كان على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية أو استهداف بنيتها التحتية للطاقة أو الاعتماد على الضغط الاقتصادي والسياسي لزعزعة استقرار نظامها.

ونظرا لتردد ترامب إزاء الانخراط في صراعات جديدة شددت هوفمان على ضرورة تنسيق أي تحرك إسرائيلي بعناية مع الولايات المتحدة.

2. ضمان التنفيذ الكامل لصفقة المحتجزين

وأضافت هوفمان أنه من المهم لنتنياهو ضمان إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، وأشارت إلى أن عائلات الأسرى الأميركيين ناشدت ترامب بشكل مباشر، مما جعل القضية -برأيها- ذات أهمية شخصية لإدارته.

وترى أن على نتنياهو أن يحث على استمرارية دور الولايات المتحدة في ضمان تنفيذ الصفقة بشكل كامل.

3. ضمان استمرارية الهجمات الأميركية على الحوثيين

ووفقا لهوفمان، تشكل هجمات جماعة الحوثيين في البحر الأحمر تهديدا أمنيا واقتصاديا لإسرائيل.

وفي حين أن الولايات المتحدة قد اتخذت بالفعل إجراءات عسكرية ضد الجماعة فإن الكاتبة تصر على ضرورة أن يضمن نتنياهو التزام الولايات المتحدة بمواصلة الضغط العسكري والسياسي وتعطيل ما وصفتها بـ"شبكة الدعم الإيرانية" للحوثيين.

4. تعزيز الدعم المسيحي الإنجيلي لإسرائيل

وقالت هوفمان إن على نتنياهو تعزيز "الانحياز الأيديولوجي الإنجيلي لإسرائيل" الذي أظهرته إدارة ترامب حتى الآن، مع الاستمرار برفض قيام دولة فلسطينية.

وذكرت مشروع قانون النائبة الجمهورية كلوديا تيني في ديسمبر/كانون الأول 2024 لإعادة تسمية الضفة الغربية بـ"يهودا والسامرة" في الوثائق الحكومية الأميركية، وبدورها أكدت تيني دعم ترامب للمشروع.

وأكملت الكاتبة بذكر أمثلة شجعت بها نتنياهو على استجداء دعم "المسيحيين الإنجيليين" في ساحة السياسة الأميركية، إذ رشح ترامب حاكم ولاية أركنساس السابق والمؤيد القوي لإسرائيل مايك هاكابي سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل، وقد أيد هاكابي ضم الضفة سابقا.

 

مقالات مشابهة

  • الرئيس تبون: ماكرون لن يكسب شيئا من الخطأ الفادح الذي ارتكبه في قضية الصحراء الغربية
  • أجندة مواعيد استمارة الثانوية العامة 2025
  • في غياب محمد عبد منعم.. نيس يتعادل مع تولوز في الدوري الفرنسي
  • مدبولي يناقش التصورات المقترحة لحزمة الحماية الاجتماعية التي كلف بها الرئيس السيسي
  • صحفية أمريكية: 4 أولويات على أجندة نتنياهو في واشنطن
  • روزاريو وسان خوان يكتفيان بالتعادل في الدوري الأرجنتيني
  • جماهير مانشستر يونايتد تعارض بيع الأرجنتيني غارناتشو
  • الرئيس السيسي يدعو ترامب لزيارة مصر والمشاركة في افتتاح المتحف المصري الجديد
  • لقجع لمجلة OLÉ : الجمهور الأرجنتيني يتقاسم مع المغاربة شغف كرة القدم ونرحب به في المغرب في مونديال 2030
  • مركز دبي التجاري يكشف عن أجندة فعالياته لشهر فبراير