أجندة الرئيس الأرجنتيني الجديد
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
في 19 نوفمبر، انتخب (خافيير مايلي) رئيسًا جديدا للأرجنتين، وهو يميني متطرف ليست لديه خبرة سياسية كبيرة. الرئيس الذي يصف نفسه بـ «الرأسمالي الفوضوي» ترك مؤيديه في حالة من النشوة، وترك أولئك الذين يخشون ميوله الاستبدادية في حالة من الكآبة. أما كتّاب الرأي مثلي، فإنهم يحاولون استقراء مدى احتمال نجاح مقترحاته المتطرفة، بما في ذلك إلغاء البنك المركزي الوطني والعملة الوطنية.
وقد أشار النقاد إلى أمر واضح جدا، وهو أنه مع عدم وجود حزب حقيقي، أو أغلبية تشريعية، أو خبرة إدارية، سوف يضطر مايلي إلى تقديم تنازلات من أجل تحقيق أي إنجاز. لكن السوابق، وليس البراغماتية، هي التي تهدد نجاح الرئيس المنتخب، فقد جُرّبَ برنامجه مرتين على الأقل من قبل، وكانت التكاليف باهظة بالنسبة للأرجنتين. ولكي ينتصر هذه المرة، سيتعين على مايلي أن يهزم التاريخ نفسه.
إنّ توقع المستقبل مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، إلا أنه في حالة رئاسة مايلي، فالأمر أصعب، فعلى مدى فترات طويلة من حملته السياسية، مرّ مايلي بنوبات غضب عنيفة ولم يخجل من المقترحات التحررية المتطرفة، مثل وضع قوانين تبيح الأسواق الحرة للأعضاء البشرية أو الأسلحة النارية.
في نظر كثيرين، تعدّ الأرجنتين بلدا محيرا بقدر رئيسها المنتخب، إذ يعتقد الكثير من الأجانب بأنه لا توجد مبررات مقنعة تجعل دولة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية تعاني من أزمات دورية. وفي محاولة لحل هذا اللغز، يلقي العديد من المراقبين في الصحافة الدولية اللوم على «الشعبوية»، بينما يلتزم الخبراء في صندوق النقد الدولي (الذي تدين له الأرجنتين بمبلغ 31 مليار دولار) بالحسابات، فالبلد تنفق أموالًا أكثر مما لديها وتزدهر، إلا أنّ خطيئتها الكبرى هي الركوب المتهور على صهوة تقلبات أسواق السلع الأساسية الدولية، إذ تستمتع بالارتفاعات الهائلة بدون تفكير، لكنها في المقابل لا تدخر أبدًا أو تستعد للانكماش. لقد تكيف أغلب الأرجنتينيين مع هذه الدورة الاقتصاديّة من خلال اعتناق مبدأ قدري منتشر على نطاق واسع، وهو أنّ كل شيء سوف يذهب إلى الجحيم في النهاية. إنها قدرية تتخللها فترات قصيرة اتضح أنها ليست سوى سراب مخادع. هل يعدّ مايلي أحد هذه الأحلام الصعبة؟ كأي رئيس أرجنتيني آخر تقريبًا، يَعِدُ هذا الرئيس الشعب بأنه مختلف، وأنه سيكون المنعطف الحاسم في التاريخ الوطني. وفي نظرته لهذا التاريخ، كانت الأرجنتين أغنى دولة في العالم في نهاية القرن التاسع عشر، لكن سياسات التدخل في شؤون الدول الأخرى دمرتها، ولذلك يمكن القول إن الدولة كانت هي المشكلة، وأنّ تحرير الأسواق هو الحل.
وبقدر ما يحب مايلي أن يعتقد خلاف هذا الرأي، فإن وجهات نظره ليست جديدة. لقد وصلت آخر دكتاتورية عسكرية في الأرجنتين إلى السلطة تحت شعار «تقليص حجم الدولة يجعل الأمة أكبر». وكان وزير اقتصادها، خوسيه ألفريدو مارتينيز دي هوز، من الليبراليين الجدد في فترة ما قبل تاتشر، وحاول تحرير الاقتصاد من القيود التنظيمية، إلا أن الأمر انتهى به إلى كارثة.
وفي التسعينات، حاول الرئيس كارلوس منعم اتباع السياسة ذاتها باستخدام صيغة سياسية مختلفة، حيث أجبر حركته البيرونية على احتضان عدوها التاريخي، الليبرالية الجديدة. وقام وزير الاقتصاد الأطول خدمة دومينغو كافالو بتحرير الاقتصاد، وربط البيزو الأرجنتيني بالدولار الأمريكي لترويض التضخم. وأسفرت هذه السياسات عن الأزمة المأساوية التي اندلعت في الفترة ما بين 2001 و2002، مع تجميد المدخرات الخاصة، وانخفاض قيمة البيزو، ووقوع أكثر من نصف سكان البلاد تحت خط الفقر.
ومع أنّ تلك التجارب انتهت بالفشل التام، إلا أنها حققت نجاحا ولو على المدى القصير، حتى أن الرئيس منعم كارلوس أعيد انتخابه من جديد، وترك المشاكل للإدارة التالية، التي انهارت في النهاية بسبب العبء الاقتصادي. وبالرغم من ذلك، فإنّ منعم ومارتينيز دي هوز كان لديهما مصدران رئيسيان لصالحهما، وهما: الدعم السياسي القوي والقدرة على الوصول إلى التمويل اللازم، فـمارتينيز دي هوز كان خلفه ديكتاتورية عسكرية، وتحمّلَ ديونًا ضخمة من البنوك الدولية لإبقاء سياساته واقفة على قدميه، وفي النهاية، لم تسفر سياساته عن شيء. وفي الوقت نفسه، كان منعم يقود القوة السياسية الأكثر شعبية في تاريخ البلاد، وقام وزيره كافالو بتمويل سياساته النيوليبرالية بديون خارجية ضخمة، وهذا ما فعله أيضا مارتينيز دي هوز، الذي أضاف إليها بيع الشركات المملوكة للدولة. (وساهمت استحالة سداد تلك الديون الخارجية بشكل حاسم في سقوط النظام العسكري في الحالة الأولى، وأدت إلى تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها في الحالة الأخرى في عام 2001).
إن الحل الذي يقدمه مايلي للأزمة، على حسب ما ذكر بنفسه، هو نسخة من العلاج بالصدمة النيوليبرالية، مع إلغاء القيود التنظيمية وتخفيضات صارمة في الإنفاق العام. وكما ذكرنا، فقد حدث كل هذا من قبل. إنّ مايلي معجب بسياسة (منعم- كافالو) أكثر من أي شيء آخر، إلا أنه لا يستطيع أن يطلب قروضاً دولية لتمويل تلك الإصلاحات، فالأرجنتين لا تزال بالكاد تسدد مدفوعاتها لصندوق النقد الدولي، ولن يقرض أي بنك البلاد دولارا واحدا. لذا فإن (مايلي)، مثل (منعم وكافالو)، يريد بيع الشركات القليلة المملوكة للدولة التي لا تزال قائمة، ولكن هذا سوف يستغرق وقتًا طويلًا، وهو الوقت الذي قد لا تمنحه إياه الأزمة.
من جانب آخر، فإنّ مايلي أضعف بكثير من الناحية السياسية. أجل، لقد وصل إلى السلطة، مثل سابقيه، في أعقاب أزمة اقتصادية رهيبة اتسمت بارتفاع معدلات التضخم وارتفاع معدلات الفقر، لكنه يفتقر إلى القوة السياسية التي ساعدت سابقيه في التغلب على المقاومة الاجتماعية، إذ حصل ائتلافه المسمى (لالي بيرتيد أفانسا) الذي يعني (الحريّة تمضي قدما)، على 30% فقط من الأصوات الوطنية في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وحصل (مايلي) على 56% من الأصوات في جولة الإعادة، لكن الناخبين الذين دعموا الـ 26 نقطة الإضافية كانوا يرفضون بديل (مايلي) وليس بالضرورة اختاروه اقتناعا به، وقد أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن العديد من ناخبيه لا يتفقون مع وجهات نظره أو يؤمنون بمقترحاته، ولذلك فلا عجب أنه أرسل تهديدًا مبطنا بأنه سيرد بالعنف على أية احتجاجات ضد سياساته.
وفي المؤتمر الوطني، سوف يتمكن من الاعتماد على أقل من 40 مقعدًا من ائتلافه في مجلس النواب من أصل 257 مقعدًا، و7 أعضاء في مجلس الشيوخ من أصل 72. وبعيدًا عن الخطوط الحزبية، يلعب حكام المقاطعات عادة دورًا حاسما في المفاوضات البرلمانية من خلال عملية تبادل لأصوات ناخبي ممثليهم في مقابل الحصول على الإعانات الفيدرالية أو الأشغال العامة التي تعود بالنفع على المناطق التي يحكمونها. ولا يوجد في ائتلاف (مايلي) حكام، وقد قال مرارًا وتكرارًا إنه يريد إلغاء تلك الإعانات ووقف جميع الأشغال العامة.
ومع ذلك، فإن (مايلي) أكثر من لديه قدرة على التوصل إلى حل وسط. وبغض النظر عن شخصية «المجنون» التي اعتمدها خلال الحملة الانتخابية، فقد كان يتمتع بالذكاء الكافي للتغلب على القوتين السياسيتين الرئيسيتين في البلاد في ظل عدم وجود بنية تحتية حزبية تقريبًا، مع موارد ضئيلة للغاية. وعندما قام حزب (البيرونية) الحاكم من يسار الوسط بتمويله لتقسيم المعارضة، لم يكن لدى مايلي أي مخاوف بشأن استخدام هذا الدعم لإقصاء منافسيه في ائتلاف (هونتوس بوريل كامبيو) (JxC) المحافظ، والذي يعني (معا للتغيير). وعندما عرض زعماء ائتلاف (JxC) المهزومون ولاءهم في جولة الإعادة، وهم الذين شوّهَ (مايلي) سمعتهم، احتضنهم لضمان النصر، حتى أنه تراجع عن بعض مقترحاته التي لا تحظى بشعبية، بما في ذلك إلغاء التعليم العام والتأمين الصحي.
سيحاول (مايلي)، المتسلح بما هو أكثر بقليل من الدهاء، مرة أخرى تطبيق برنامجٍ فشل مرتين من قبل. ولكن في بلد لا يخجل من الإطاحة بالرؤساء الذين لم يحققوا إنجازاتهم، أتساءل ما إذا كان الرئيس الجديد والبرنامج القديم قادرين على البقاء معاً، أو ما إذا كان أحدهما سيضطر إلى الرحيل.
جابرييل باسكيني صحفي وكاتب أدبي أرجنتيني.
عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلا أن
إقرأ أيضاً:
السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: الأمن والازدهار الاقتصادي مرتبطان بشكل مباشر برفع العقوبات الأمريكية التي فرضت على نظام الأسد، فلا نستطيع أن نقوم بضبط الأمن في البلد والعقوبات قائمة علينا
2025-03-10SAMERسابق السيد الرئيس أحمد الشرع يؤكد في مقابلة مع وكالة رويترز أن موالين للأسد ودولة أجنبية متحالفة هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا انظر ايضاًالسيد الرئيس أحمد الشرع يؤكد في مقابلة مع وكالة رويترز أن موالين للأسد ودولة أجنبية متحالفة هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا
آخر الأخبار 2025-03-10السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: سوريا دولة قانون، والقانون سيأخذ مجراه على الجميع، ونحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين 2025-03-10ضمن حملة رمضان الخير.. أكثر من 56 ألف مساعدة غذائية للأسر المحتاجة بالمحافظات 2025-03-10الاتحاد الأوروبي يدين هجمات فلول النظام البائد في الساحل ويدعو لاحترام سيادة سوريا ووحدتها 2025-03-10تشييع 5 شهداء في حماة من عناصر وزارة الدفاع والأمن العام ارتقوا بكمائن غادرة لفلول النظام البائد 2025-03-10مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام لـ سانا: ننفي الشائعات التي تنشرها وسائل إعلام إيرانية حول هروب أبناء الطائفة العلوية في دمشق إلى السويداء، ونؤكد أن الخبر ضمن سياق الحرب الإعلامية التي تستهدف سوريا الجديدة ووحدتها 2025-03-10استمرار عمليات إيصال الدقيق التمويني إلى المخابز في اللاذقية وطرطوس 2025-03-10الحياة الطبيعية تعود إلى معظم أحياء مدينة اللاذقية 2025-03-10الهلال الأحمر السوري يؤكد استمرار تقديم خدماته في اللاذقية وطرطوس وحماة 2025-03-10مركز الاختبارات والأبحاث الصناعية: جهوزية عالية لضمان جودة المنتج الوطني 2025-03-10نائب الرئيس التركي: فلول النظام البائد لن تتمكن من عرقلة التحول التاريخي في سوريا
صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |