«أسدِد الفاتورة.. لا مناقشة ولا يحزنون»
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
دفعتني الرسالة النصية التي تفيد أنهم سيُقدِمون على قطع الخدمة في حال لم أقُم بتسديد «المتأخرات» على إرسال رد شارح أو لنقُل «توضيح» كتبته بحُرقة وبعثته عبر التطبيق الإلكتروني على أمل أن أجد تجاوبا سريعا وأحصل على رد يؤكد قبولهم مبرراتي.
يا لي من رجل صافي النية ظننت أنني لن أُضطر إلى أن أتكلف عناء الذهاب إلى مقر الشركة وأن ذلك التوضيح سيُسفرُ عن حل لا لبس فيه لمشكلة اكتشفت لاحقًا أن مجرد التفكير في البحث عن حل لها هو مضيعة للوقت.
ولأنني يئستُ من قدوم الرد توجهت إلى حيث إدارة الشركة عاقدا العزم على البوح بكل ما يجيش بخاطري ومناقشة دافع إرسال تلك الرسالة «المُروِعة» الذي هو بمثابة «تهديد» مُبطن لقطع الخدمة مُصمما أنه إذا دعِت الحاجة سأُبرز للموظف بطاقتي الشخصية فأنا مواطن صالحُ وحرُ لا يقبل التهديد ولن أتردد في تقديم الأدلة التي تُثبت التزامي السابق بدفع فواتيري وإن أُجبرت سأقسم بكل أيمان الله على ذلك.
سأتحمل ضجر الانتظار الطويل الذي سبق وأن جربته بسبب قِلة عدد الموظفين، وتوقُف البرنامج الذي تعمل من خلاله الشركة «نتيجة العوق المُزمن» لخدمة الإنترنت.. سأتحمل كل المُنغصات بروح عالية جدًا وبدون تذمر.
وصلت إلى مكتب الشركة الواقع في الطابق الثاني من «المول التجاري».. بدا المكان مكتظا بالمراجعين لكنني تمكنت من سحب رقم انتظار وبقيت واقفا أرقب وجوه من سبقني من المنتظرين.
بلغ مسمعي شخير رجل كبير في السن سرقتَه غفوة وهو جالس بمقعده في مواجهة مكيف الصالة.. يبدو أنه ترك دشداشته غير مزررة متعمدا فيما التيار البارد يتلاعب بصفحات حزمة الفواتير التي سقطت من يده على الأرض..
جاء دور الرجل السادر في غفوته فأيقظه جاره: «سالم نهض أوين وصل دورك» فاتجه بعد التوجيه إلى المكتب رقم « ٣ » وبدون أن يُطلب منه ألقى بحزمة الفواتير الكثيفة على طاولة الموظفة لينفتح نقاش طرشان بينهما أسفر عن نتيجة متوقعة وهي أن الرجل مخطئ مخطئ مخطئ أما الشركة فهي على صواب لا لبس فيه بل ومنزهة عن الخطأ ( وحاشا على نظام وُضع لإنصاف الناس أن يقترف « غلطة عُودة » كتلك ).
بلغ صوت الرجل الحانق المرتفع وشكواه ممرات المجمع التجاري وعلِم الجميع أنه كانت تصله «فاتورة تقديرية» لا يتأخر في سدادها وهو عاجز عن سداد المبلغ المطلوب منه والبالغ ٩٣٠ ريالًا سمعوه يقول: «لو صلّبتوني في الشمس 20 سنة ما أقدر أسدد هذا المبلغ».
وهنا هاج الحاضرون وماجوا وارتفعت أصوات أُخرى تؤكد أنها جاءت تناقش المشكلة نفسها «فواتير غير منطقية» بمئات الريالات تخص منازل مكونة من غرفة وصالة أو غرفتين وصالة.
وسط تلك الجَلَبة والساعة تقترب من الواحدة حيث تنتهي دورة العمل وجدتني وسط ذلك الجو الخانق والازدحام أبحث عن مخرج المكتب وأُفكر فقط في آلية دفع فواتيري المتأخرة.. نسيت حينها ما جئت بسببه قُلت: «أحسن لي أسدد الفاتورة ولا مناقشة ولا يحزنون».
آخر نقطة..
«لو كان بيدي أن أمحو، لمحوت سنوات من الطيبة الزائدة عن الحد، والسذاجة التي تصل إلى الاعتقاد بأن كل الناس أنقياء».
جابرييل ماركيز
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً: