الصحافة والمجتمع: من يحمل الآخر؟
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
شرفت الأسبوع الفائت بالمشاركة في ندوة «الصحافة العُمانية: الواقع وفرص الاستدامة»، التي نظمتها وزارة الإعلام وذلك في سبيل البحث عن آليات جديدة تحقق الاستدامة لمشهد المؤسسات الصحفية، من ناحية نماذج الأعمال، والفرص المحتملة لتعدد مصادر التمويل، بالإضافة إلى الممكنات المتاحة أمامها لمواكبة نماذج صحافة المواطن، والتدفق الرقمي للأخبار والمعلومات.
يشير الحمل المعرفي إلى «الجهد العقلي أو الطلب المطلوب لأداء مهمة معرفية. ويمكن أن يتأثر ذلك بعوامل مثل تعقيد المعلومات، وعدد المهام التي يتم تنفيذها في وقت واحد، والموارد المعرفية للفرد»، بمعنى أن قدرة الدماغ البشري محدودة في معالجة المعلومات؛ وبالتالي فإن زيادة الأحمال ومصادر المعرفة يؤدي إلى 4 مفقودات مهمة: أولها القدرة على استيعاب المعرفة، ثم فقدان الانتباه، ثم فقدان الاهتمام، ثم التجاهل. وعليه فمع هذا السيل الواسع من المعلومات والأخبار والصور والأفكار والمقاطع وكافة أشكال الوسائط التي يتعرض لها الفرد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فإن ذلك يدفع الفرد إلى الانتقائية في بعض الأحيان، وإلى ما يُعرف أيضًا بتحيز (الخصم الزائد)؛ وهو في معناه البسيط ميل الأفراد إلى تلقي المعرفة والأخبار والمعلومات من المصادر السريعة، بإيجاز، وقت أقل، كلفة أقل، وتحديث فوري يحقق المكاسب المباشرة للدماغ. ولا يتطلب في الوقت ذاته تحليلًا معمقًا، أو بحثًا عن تفاصيل أخرى. وعودة على مسألة (الانتقائية)؛ فإن أحد أهم الظواهر الشائعة عالميًا اليوم هي ظاهرة «تجنب الأخبار»، وحسب تتبعنا التاريخي لتوسع هذه الظاهرة فقد بدأت في صعود كبير منذ عام (2017)، وتعززت في أعقاب جائحة كورونا (كوفيد 19)، يشير تقرير معهد رويترز عن حالة الأخبار الرقمية 2023 إلى أن نحو 36% من الأفراد في العالم يقولون إنهم «يتجنبون أحيانًا» أو «يتجنبون في كثير من الأحيان» تلقي الأخبار؛ وذلك إما من خلال تجنب أنواع معينة من الأخبار، أو تجنب مصادر معينة للأخبار. وفي المجتمع بسلطنة عُمان – ومن خلال الورقة التي أعددناها – فإن هذه الظاهرة موجودة، حيث تتجنب نسب عالية تقترب من 50% من الأفراد التي تم إجراء البحث عليهم أخبارًا مثل: أخبار الرياضة المحلية.
يلعب «تكوين العادة» دورًا محوريًا في علاقتنا بوسائل الإعلام عمومًا، فنحن نشأنا في بيوت كانت فيها «الجريدة اليومية» عنصرًا أساسيًا في يوم «البيت»، وجزءا رئيسيا من التكوين الثقافي لأفراد المنزل، كما هو الحال مع التلفاز في مرحلة سابقة، والإذاعات في مراحل أسبق. ورغم إيماننا بمقولة «الوسائل لا تلغي بعضها»؛ إلا إن «تكوين العادة» اليوم انتصر على استهلاك ومعايشة والاتحاد مع الوسيط الرقمي، وصارت المشاركة الرقمية في صنع وتداول واستهلاك الأخبار تفرض على الصحف تعزيز وجودها الرقمي، والهرولة للحاق بأنماط السبق والتحديثات والتصحيح والحصري. وفي هذا الصدد فقد يكون إحدى مقاربات تنشيط الصورة الذهنية للصحافة وربطها بالأجيال هو تحويلها إلى عادة داخل المدارس؛ يقضي الطالب قرابة 12 عامًا بين أروقة المدارس، فماذا لو حثت المدارس طلبتها على قراءة تلك الصحف بشكل يومي، وربطت أنشطتها المدرسية ببعض المصادر المرتبطة بالصحف كتلخيص ومناقشة مقالاتها أو أخبارها السياسية أو الاقتصادية، وربطت بعض أنشطة الصف المرتبطة بمواد مثل (اللغة العربية والدراسات الاجتماعية) بما يرد في الصحف المحلية (وهنا لا أتحدث عن أنشطة الصحافة المدرسية بشكلها الذي نعرفه)، وإنما التفاعل مع الصحافة المحلية بأطروحاتها ومقالاتها. أتوقع أننا سنستطيع إلى حد ما ربط الجيل – ولو نسبيًا – بصورة بعض الصحف، والالتفات إلى الأخبار المعمقة، واكتساب ثقافة التحليل، وتحديد جزء من الولاء لوسيلة «الصحيفة» كوسيلة للمعرفة. والأمر هنا لا نقصد به ما إذا كانت ورقية / أم إلكترونية وإنما فكرة الصحيفة في كليتها كمصدر للمعرفة والتحليل المعمّق.
لا يمكن إذن فصل إعادة نهضة الصحافة عما يحدث في المجتمع، وفي تقديري فإن نقاش الصحافة كـ (صناعة) من ناحية تجارية فحسب سيعيد إنتاج حلول غير مستقرة، وذلك لثلاثة اعتبارات أساسية:
-انتقال حالة المجتمع في علاقة باستهلاك وإنتاج البيانات بما في ذلك (المعلومات والأخبار) إلى علاقة ندية.
-ظهور الفرد الانتقائي والذي يفضل المعرفة السريعة المتنوعة، على حساب المعرفة المتخصصة المعمقة.
-الجمهور باختلافه اليوم هو المستهدف بصناعة الصحافة، ودراسة البنى الذهنية والاجتماعية والمعرفية للجمهور هي المدخل الأساس لإنتاج مواد ووسائل إعلامية أكثر قبولًا وتقبلًا من المجتمع.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الدقیقة
إقرأ أيضاً:
نورة الكعبي: أولويات إماراتية في حماية الأسرة والمجتمع
ترأست نورة الكعبي، وزيرة دولة، وفد دولة الإمارات إلى اجتماعات «الجزء رفيع المستوى للدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان» التي عقدت في مدينة جنيف السويسرية، وأكدت في كلمة لها أن دولة الإمارات ملتزمة التزاماً راسخاً بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وينعكس ذلك جلياً في الجهود التي تبذلها نحو التطوير المستمر لتشريعاتها وسياساتها الوطنية وبنيتها المؤسسية وإطلاق العديد من البرامج والمبادرات التي تساهم في النهوض بحقوق الإنسان.
وأشارت إلى عزم دولة الإمارات مواصلة جهودها لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والعمل في إطار شراكتها مع الدول الأخرى ومن خلال الأمم المتحدة للارتقاء بحقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم.
وأوضحت أنّ عام 2024 كان حافلاً بالعديد من التشريعات والقوانين التي تواكب التنوع السكاني الكبير في دولة الإمارات، إذ اعتمدت الدولة تعديلات بشأن الأحوال الشخصية التي توفر إطاراً قانونياً شاملاً ومتكاملاً لتنظيم مسائل الأحوال الشخصية، إضافة إلى إصدار قوانين اتحادية بشأن تنظيم المؤسسات العقابية، والتمكين الاجتماعي.
وأشارت إلى اعتماد الحكومة منظومةً مترابطةً ومتكاملةً من السياسات والاستراتيجيات الوطنية التي تسعى إلى تعزيز وكفالة التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أهمها «الخطة الوطنية حول المرأة والسلام والأمن» التي تهدف لتحقيق المشاركة الفعالة للمرأة في الوقاية من النزاعات، و«السياسة الوطنية لكبار السن» و«استراتيجية التوازن بين الجنسين 2026» و«السياسة الوطنية لتمكين المرأة 2031» و«السياسة الوطنية للتحصينات» و«السياسة الوطنية للأسرة» و«سياسة حماية الأسرة» و«الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051» و«مئوية الإمارات 2071» التي تشكل برنامج عمل حكومياً طويل الأمد.
وقالت الكعبي: «تتصدر حماية الأسرة وتعزيز مكتسباتها سلم الأولويات والاهتمام في جميع السياسات والخطط والبرامج الحكومية في دولة الإمارات انطلاقاً من قناعتها الراسخة بأن الأسرة تمثل الحاضنة الأساسية والنواة الأولى لوطن متماسك ومتسامح وآمن ينعم جميع أفراده بالرفاهية والاستقرار» لذلك أصدرت حكومة دولة الإمارات قوانين بشأن الحماية من العنف الأسري، وتهدف إلى حماية الأسرة من مخاطر العُنف الأسري بما يحافظ على كيانها وترابطها الاجتماعي، كما أنشأت الدولة في ديسمبر 2024 وزارة الأسرة، والتي تختص بالعمل على بناء أسر مستقرة وتعزيز دور الأسرة في التنشئة.
وأكدت: «قررت قيادة دولة الإمارات أن يكون العام 2025 «عام المجتمع» في مبادرة وطنية تجسد رؤية القيادة تجاه مجتمع متماسك ومزدهر انطلاقاً من إيمانها بأن المجتمع القوي والمتماسك والمستقر يعني وطناً قادراً على تحقيق طموحاته، ومواجهة تحدياته والتخطيط السليم للمستقبل».
وأضافت: «تحرص دولة الإمارات على تعزيز تعاونها مع مختلف أجهزة وآليات ولجان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار، أطلقت وبالشراكة مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان برنامجاً تدريبياً يهدف لإعداد كادر وطني متخصص في مجال حقوق الإنسان. كما» «تتطلع إلى العمل مع كافة الدول في إطار المجلس لمعالجة قضايا حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم»، مشيرة إلى أنّ دولة الإمارات التي «تفخر بشغلها لعضوية مجلس حقوق الإنسان لثلاث فترات تعلن ترشحها لشغل عضوية المجلس للفترة 2028 - 2030 إيماناً بالدور المهم والمحوري الذي يضطلع به في تعزيز وحماية حقوق الإنسان على الصعيد العالمي».
وقالت الكعبي: «إنّ منطقة الشرق الأوسط تواجه تحديات كبيرة تتطلب منّا جميعاً تعزيز جسور التواصل والحوار وتغليب الحلول الدبلوماسية وتكثيف الجهود الإقليمية والدولية الداعمة لمسار السلام الشامل»، معتبرة أنّ «الأولوية يجب أن تكون الإنسان الذي لطالما عانى الحروب والصراعات السياسية التي تشهدها المنطقة».
وأكدت أن توجه دولة الإمارات والأولوية القصوى لديها هي دعم الحلول السياسية المبنية على الحوار وتجنب المواجهات والتصعيد وتعزيز العمل الإغاثي والإنساني لرفع المعاناة عن الشعوب.