لجريدة عمان:
2024-10-05@17:52:18 GMT

الصحافة والمجتمع: من يحمل الآخر؟

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

شرفت الأسبوع الفائت بالمشاركة في ندوة «الصحافة العُمانية: الواقع وفرص الاستدامة»، التي نظمتها وزارة الإعلام وذلك في سبيل البحث عن آليات جديدة تحقق الاستدامة لمشهد المؤسسات الصحفية، من ناحية نماذج الأعمال، والفرص المحتملة لتعدد مصادر التمويل، بالإضافة إلى الممكنات المتاحة أمامها لمواكبة نماذج صحافة المواطن، والتدفق الرقمي للأخبار والمعلومات.

في الواقع فإن جدلية (بقاء المؤسسات الصحفية) هي جدلية عالمية. وليس بالضرورة أن يكون مردها إلى عوامل أو محركات من داخل (صناعة الصحافة) – كما وضحت ذلك في الورقة التي قدمتها – وإنما هي عوامل مشتبكة ترتبط أيضًا بالتغيرات النوعية في تلقي الجمهور لمنتج هذه المؤسسات. لنتأمل في المشهد نبدأ في البداية بالوقوف على حجم البيانات التي يتم إنتاجها واستهلاكها في العالم اليوم؛ فالعالم اليوم (حسب بيانات wpdevshed) يتداول اليوم 41.6 مليون رسالة على (واتس أب) في الدقيقة، فيما يصل عدد المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو التي تجري عبر مختلف التطبيقات – 1.3 مليون مكالمة في الدقيقة، وتزيد القصص المنشورة على Instagram Stories عن 347000 مشاركة في الدقيقة عوضًا عن الحجم الهائل للرسائل المتبادلة في تطبيق Facebook Messenger والتي تزيد عن 150000 رسالة في الدقيقة، هذا إلى جانب الصور المنشورة على الفيسبوك والمقدرة بنحو 147000 في الدقيقة. هذه نماذج بسيطة لاستهلاكنا ونشرنا للبيانات على (مواقع وتطبيقات تواصل اجتماعي محددة)، وإلى جانب غيرها من مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، تحمل هذه البيانات (المعلومات – الأفكار – المشاعر) التي تولد ما يُعرف في علم السلوك بـ (الحمل المعرفي Cognitive load) وهو أحد أشهر التحيزات السلوكية التي يعتمد عليها تفسير الظاهرة الاجتماعية والسلوكيات العامة اليوم.

يشير الحمل المعرفي إلى «الجهد العقلي أو الطلب المطلوب لأداء مهمة معرفية. ويمكن أن يتأثر ذلك بعوامل مثل تعقيد المعلومات، وعدد المهام التي يتم تنفيذها في وقت واحد، والموارد المعرفية للفرد»، بمعنى أن قدرة الدماغ البشري محدودة في معالجة المعلومات؛ وبالتالي فإن زيادة الأحمال ومصادر المعرفة يؤدي إلى 4 مفقودات مهمة: أولها القدرة على استيعاب المعرفة، ثم فقدان الانتباه، ثم فقدان الاهتمام، ثم التجاهل. وعليه فمع هذا السيل الواسع من المعلومات والأخبار والصور والأفكار والمقاطع وكافة أشكال الوسائط التي يتعرض لها الفرد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فإن ذلك يدفع الفرد إلى الانتقائية في بعض الأحيان، وإلى ما يُعرف أيضًا بتحيز (الخصم الزائد)؛ وهو في معناه البسيط ميل الأفراد إلى تلقي المعرفة والأخبار والمعلومات من المصادر السريعة، بإيجاز، وقت أقل، كلفة أقل، وتحديث فوري يحقق المكاسب المباشرة للدماغ. ولا يتطلب في الوقت ذاته تحليلًا معمقًا، أو بحثًا عن تفاصيل أخرى. وعودة على مسألة (الانتقائية)؛ فإن أحد أهم الظواهر الشائعة عالميًا اليوم هي ظاهرة «تجنب الأخبار»، وحسب تتبعنا التاريخي لتوسع هذه الظاهرة فقد بدأت في صعود كبير منذ عام (2017)، وتعززت في أعقاب جائحة كورونا (كوفيد 19)، يشير تقرير معهد رويترز عن حالة الأخبار الرقمية 2023 إلى أن نحو 36% من الأفراد في العالم يقولون إنهم «يتجنبون أحيانًا» أو «يتجنبون في كثير من الأحيان» تلقي الأخبار؛ وذلك إما من خلال تجنب أنواع معينة من الأخبار، أو تجنب مصادر معينة للأخبار. وفي المجتمع بسلطنة عُمان – ومن خلال الورقة التي أعددناها – فإن هذه الظاهرة موجودة، حيث تتجنب نسب عالية تقترب من 50% من الأفراد التي تم إجراء البحث عليهم أخبارًا مثل: أخبار الرياضة المحلية.

يلعب «تكوين العادة» دورًا محوريًا في علاقتنا بوسائل الإعلام عمومًا، فنحن نشأنا في بيوت كانت فيها «الجريدة اليومية» عنصرًا أساسيًا في يوم «البيت»، وجزءا رئيسيا من التكوين الثقافي لأفراد المنزل، كما هو الحال مع التلفاز في مرحلة سابقة، والإذاعات في مراحل أسبق. ورغم إيماننا بمقولة «الوسائل لا تلغي بعضها»؛ إلا إن «تكوين العادة» اليوم انتصر على استهلاك ومعايشة والاتحاد مع الوسيط الرقمي، وصارت المشاركة الرقمية في صنع وتداول واستهلاك الأخبار تفرض على الصحف تعزيز وجودها الرقمي، والهرولة للحاق بأنماط السبق والتحديثات والتصحيح والحصري. وفي هذا الصدد فقد يكون إحدى مقاربات تنشيط الصورة الذهنية للصحافة وربطها بالأجيال هو تحويلها إلى عادة داخل المدارس؛ يقضي الطالب قرابة 12 عامًا بين أروقة المدارس، فماذا لو حثت المدارس طلبتها على قراءة تلك الصحف بشكل يومي، وربطت أنشطتها المدرسية ببعض المصادر المرتبطة بالصحف كتلخيص ومناقشة مقالاتها أو أخبارها السياسية أو الاقتصادية، وربطت بعض أنشطة الصف المرتبطة بمواد مثل (اللغة العربية والدراسات الاجتماعية) بما يرد في الصحف المحلية (وهنا لا أتحدث عن أنشطة الصحافة المدرسية بشكلها الذي نعرفه)، وإنما التفاعل مع الصحافة المحلية بأطروحاتها ومقالاتها. أتوقع أننا سنستطيع إلى حد ما ربط الجيل – ولو نسبيًا – بصورة بعض الصحف، والالتفات إلى الأخبار المعمقة، واكتساب ثقافة التحليل، وتحديد جزء من الولاء لوسيلة «الصحيفة» كوسيلة للمعرفة. والأمر هنا لا نقصد به ما إذا كانت ورقية / أم إلكترونية وإنما فكرة الصحيفة في كليتها كمصدر للمعرفة والتحليل المعمّق.

لا يمكن إذن فصل إعادة نهضة الصحافة عما يحدث في المجتمع، وفي تقديري فإن نقاش الصحافة كـ (صناعة) من ناحية تجارية فحسب سيعيد إنتاج حلول غير مستقرة، وذلك لثلاثة اعتبارات أساسية:

-انتقال حالة المجتمع في علاقة باستهلاك وإنتاج البيانات بما في ذلك (المعلومات والأخبار) إلى علاقة ندية.

-ظهور الفرد الانتقائي والذي يفضل المعرفة السريعة المتنوعة، على حساب المعرفة المتخصصة المعمقة.

-الجمهور باختلافه اليوم هو المستهدف بصناعة الصحافة، ودراسة البنى الذهنية والاجتماعية والمعرفية للجمهور هي المدخل الأساس لإنتاج مواد ووسائل إعلامية أكثر قبولًا وتقبلًا من المجتمع.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الدقیقة

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال: تحييد فلسطيني يحمل سكينا وصل إلى مدخل مقر لواء يهودا بالخليل

قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن فلسطيني يحمل سكينا وصل إلى مدخل مقر لواء يهودا بالخليل وقام جنود الجيش بتحييده، حسبما أفادت قناة «القاهرة الإخبارية»، في نبأ عاجل.

وأعلن جيش الاحتلال إطلاق نار على نقطة عسكرية قرب الخليل بالضفة الغربية وتحييد منفذ العملية.

مقالات مشابهة

  • الثلاثاء.. تربية موسيقية حلوان تنظم مؤتمر "الموسيقى والمجتمع"
  • نيمار: ندمي على ترك برشلونة أخبار كاذبة
  • محافظ الدقهلية: نصر أكتوبر مازال يحمل الكثير من الأسرار العسكريه التي لم يعلن عنها
  • اليوم.. انطلاق النسخة العاشرة من مؤتمر تكني سمبت 2024 في مكتبة الإسكندرية
  • الرئيس سليمان: آمل ان يحمل وزير الخارجية الايراني مهمة وقف اطلاق النار
  • وزير الري: متابعة الدقيقة لحالة الترع والحفاظ على أملاك الوزارة بالمحافظات
  • شراكة مثمرة بين الدولة والمجتمع المدني لتحقيق التنمية المستدامة |خاص
  • جيش الاحتلال: تحييد فلسطيني يحمل سكينا وصل إلى مدخل مقر لواء يهودا بالخليل
  • دراسة تكشف تأثير تجارة المخدرات في الاقتصاد والمجتمع
  • بالصورة.. أول مولود في العراق يحمل اسم نصر الله