نوافذ: موسم الغضب على جوتيريش
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
قامت دنيا إسرائيل ولم تقعد على أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، حين قرر يوم الأربعاء الماضي تفعيل مادة مهجورة وتكاد تكون منسية في الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة، تخوّله -بصفته الوظيفية- «لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حماية السلم والأمن الدوليين»، وهو ما فعله حين نبّه في رسالة وجهها للدول الخمس عشرة أعضاء مجلس الأمن إلى خطورة الانهيار الوشيك للنظام الإنساني بسبب الحرب في غزة، وأن تداعيات هذه الحرب ستكون وخيمة ليس فقط على الفلسطينيين وإنما على الأمن الإقليمي أيضا.
إذا تأملنا هذا الموقف من جوتيريش الذي وصفه البعض بــ «الشجاع» من منظور آلاف الأمهات الفلسطينيات المكلومات منذ السابع من أكتوبر الماضي فهو «أضعف الإيمان» ولا يعدو كونه محاولة يائسة لوقف الآلة الإجرامية الإسرائيلية التي يصمّ ما يسمى المجتمع الدولي أذنه ويعمي بصره عنها، والتي لم تستثنِ من إجرامها حتى المؤسسات الأممية نفسها. وقد جاء بعد أسابيع من تلعثم العجوز البرتغالي ومحاولته إمساك العصا من منتصفها بإدانة الجلاد والضحية معًا على ما يجري في غزة، وممارسته العادة الأثيرة لسلفه الكوريّ بان كي مون وهي «الإعراب عن القلق». لكنه مع ذلك أثار غضب إسرائيل التي يغضبها في العادة مجرد همسة عتاب عمّا ترتكبه من فظائع، فرأينا سفيرها في الأمم المتحدة جلعاد إردان يتهم جوتيريش بــ «الانحطاط الأخلاقي» (نعم، هذه ليست نكتة. مندوب إسرائيل يتحدث عن الانحطاط الأخلاقي!)، في حين اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ولاية جوتيريش في الأمم المتحدة، هي التهديد للسلام العالمي!، وإذا لم تستحِ فصرّح بما شئت.
نسي هذان (إردان وكوهين) أنه لم تمض سوى ثلاث سنوات فقط منذ منح المؤتمر اليهودي العالمي جائزة تيودور هيرتزل (مؤسس الحركة الصهيونية العالمية) لجوتيريش لا سواه في أكتوبر 2020م، وفي حفل تكريمه بالجائزة وصفه رئيس هذا المؤتمر رونالد لاودر بقوله: «على مدى سنوات عديدة أثبتَّ أنك صديق حقيقي ومخلص للشعب اليهودي ودولة إسرائيل»! ومن الجيد التذكير أن هذه الجائزة نالها أيضًا جو بايدن، الرئيس الأمريكي الذي يتفاخر بصهيونيته وبأنه «ليس عليك أن تكون يهوديًّا كي تكون صهيونيّا»، وأنها تُمنح للشخصيات البارزة التي «تعمل على نشر قيم هرتزل المتمثلة في عالمٍ أكثر أمانا وتسامحًا للشعب اليهودي، وكذلك دعم إسرائيل وتعزيز فهم التاريخ والثقافة والقومية اليهودية».
والحق أن جوتيريش يستحق هذه الجائزة الصهيونية بجدارة، فمنذ توليه منصبه في الأول من يناير 2017م، وهو لا يألو جهدًا ولا يدخّر وسعًا في خدمة إسرائيل والدفاع عنها في الأمم المتحدة. ويكفي فقط أن نعدد ما فعله في الأشهر الخمسة الأولى لولايته لنقف على عظيم الخدمات التي أسداها لإسرائيل. ففي 27 يناير من ذلك العام، وهو لم يكمل بعد شهره الأول في المنظمة الدولية، قال جوتيريش في رسالته بمناسبة اليوم العالمي لضحايا الهولوكوست: «إن اعتبار محرقة اليهود مجرد نتيجة لجنون مجموعة من النازيين المجرمين، مغالطة خطيرة»، مضيفًا أنها «كانت تتويجًا لآلاف السنين من كراهية اليهود واتخاذهم أكباش فداء والتمييز ضدهم»، مؤكدًا أنه سيكون في طليعة المعركة ضد معاداة السامية، وهي التهمة التي اعتدنا في السنوات الأخيرة على رشقها في وجه كل من يتجرأ فينتقد إسرائيل.
بعدها بأقل من شهرين، وتحديدًا في 17 مارس 2017 استقالت المسؤولة الأممية الأردنية ريما خلف التي كانت تشغل منصب الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) في بيروت، بعد أن طلب منها جوتيريش سحب تقرير يتهم إسرائيل بأنها «دولة فصل عنصري». وبعد شهر من تلك الاستقالة، وتحديدًا في أبريل 2017 تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أمام الجمعية العامة للمؤتمر اليهودي العالمي في نيويورك ووعد بالعمل ضد ما وصفه «المدّ العالمي المتزايد لمعاداة السامية»، قائلًا: إن «الشكل الحديث لمعاداة السامية هو إنكار حق دولة إسرائيل في الوجود». ولم يمض شهر على هذه الخطبة، حتى انتُخِب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون في مايو 2017 نائبًا لرئيس الدورة السنوية الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
حدث هذا فقط في الأشهر الأولى لولاية جوتيريش، ومع كل هذا الذي قدمه لإسرائيل فقد نسيتْ كل شيء بمجرد أن صرح في 24 أكتوبر الماضي أي بعد ستة عشر يومًا من بدء حرب الإبادة على غزة، وفي مستهل جلسة مجلس الأمن الدولي، أن «أي طرف في الصراع المسلح -في غزة - ليس فوق القانون الدولي» من دون الإشارة الصريحة لإسرائيل، بل إن إشارته الصريحة كانت فقط ضد حماس، حين قال: «لا شيء يبرر الهجمات المروعة من قبل حماس». منذ ذلك التاريخ بدأ الهجوم عليه، وبُعَيد تلك الجلسة دعاه مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة إلى الاستقالة متهمًا إياه أنه «أبدى تفهُّمًا للإرهاب والقتل»!
أذكّر هنا أن جوتيريش يجيد التحدث بأربع لغات هي البرتغالية (لغته الأم) والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، لكنه لا يجيد العربية. ولو أنه يجيدها فلا أشك أنه سيرد على إسرائيل ببيت المتنبي الشهير: إذا أنت أكرمتَ الكريم ملكتَه / وإنْ أنت أكرمت اللئيم تمردا.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الأمم المتحدة للأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
نواب بريطانيون يدعون إسرائيل للعودة عن قرارها حظر "الأونروا"
دعا نواب بريطانيون، اليوم الجمعة، إسرائيل إلى العودة عن قرارها حظر نشاط وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في إسرائيل والقدس الشرقية، اعتباراً من نهاية يناير (كانون الثاني) الجاري.
وتقدر لجنة التنمية الدولية التابعة للبرلمان البريطاني في تقرير، أن مثل هذا الحظر يهدد بـ"تدهور الوضع الإنساني سريعاً وبطريقة لا يمكن إصلاحها" في غزة والضفة الغربية المحتلة.
بعد قانون حظرها..مصير أونروا يشعل الجدل بين الأمم المتحدة وإسرائيل - موقع 24تختلف الأمم المتحدة وإسرائيل، على هوية من يملأ الفراغ إذا توقفت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا عن العمل في قطاع غزة والضفة الغربية في وقت لاحق من هذا الشهر، عند العمل بقانون إسرائيلي جديد. تداعيات القراروأقر النواب الإسرائيليون قوانين تحظر على الأونروا العمل في إسرائيل والقدس الشرقية، على أن تدخل حيز التنفيذ نهاية يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد 90 يوماً من التصويت عليها في الكنيست، في 28 أكتوبر (تشرين الأول).
وأوضح مدير الأونروا فيليب لازاريني، أنه من تداعيات هذا القرار، أن موظفي الأونروا من غير الفلسطينيين لن يتمكنوا بعد الآن من دخول غزة، وأولئك الموجودين في القطاع سيضطرون إلى مغادرته.
ونشر التقرير البرلماني بعد يومين من الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة "حماس"، والذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ، يوم الأحد.
وقالت رئيسة اللجنة البرلمانية النائبة العمالية سارة شامبيون: "في حين أن أنباء الهدنة مشجعة، لا يزال الوضع على الأرض في غزة والضفة الغربية يثير القلق".
وأضافت أن "حظر إسرائيل للأونروا من شأنه أن يمنع توزيع المساعدات في غزة ويقوض سبل عيش الفلسطينيين ويؤدي الى تداعيات سلبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
ويدعم هذا التقرير تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الذي اعتبر أن هذا الحظر يهدد الهدنة.
وقال في البرلمان الخميس: "ما لا نريده هو أن يتم تقويض هذا السلام الذي يبدأ الأحد بهذا القانون الذي يدخل حيز التنفيذ بعد أيام" من تطبيق الهدنة.
وتعتبر الوكالة الأممية "ركيزة" العمليات الإنسانية للفلسطينيين، وتقدم اليوم المساعدة لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسوريا.
وتتهم إسرائيل الأونروا بأنها "مخترقة من قبل أعضاء في حركة حماس" التي كانت وراء هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأدت إلى العملية العسكرية الانتقامية التي شنها الجيش الإسرائيلي في غزة.