الزكواني لـ"الرؤية": توظيف الذكاء الاصطناعي في "أتمتة" أنشطة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يُعزز معدلات النمو وينهض بالأداء
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
◄ الذكاء الاصطناعي قادر على مكافحة الاحتيال المالي وتحسين استراتيجيات التداول في البورصات
◄ الذكاء الاصطناعي التوليدي يُحلل البيانات الضخمة بقدرات تفوق البشر
◄ تحليل اتجاهات الزبائن وتحسين الأداء.. من أبرز أدوار الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء
الرؤية- سارة العبرية
أكد المهندس رائف بن علي الزكواني مدرب معتمد ومختص في الذكاء الاصطناعي أن أتمتة العمليات والأعمال الروتينية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأي شركة بشكل عام، من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسهم في تحسين العمليات الروتينية والمهام، بما يضمن تيسير العمل وزيادة الكفاءة التشغلية في عدة مجالات، ومنها مساعدة الموظفين على سرعة اتخاذ القرارات من خلال إنشاء نماذج تنبؤية لتحديد المخاطر وتحسين الكفاءة.
وقال الزكواني- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن عددًا من الدراسات كشف كيفية إسهام الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحويل الأعمال ودفع النمو بشكل غير مسبوق، لا سيما في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مُبرزًا الإمكانيات الهائلة المتاحة أمام الشركات للاستفادة من هذه التكنولوجيا الرائدة عبر تحسين عملياتها الروتينية وبيع منتجاتها وخدماتها بطريقة أفضل.
وأضاف الزكواني أن هناك بعض الأمثلة الشائعة في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع الأعمال؛ منها: إنشاء المحتوى؛ حيث يُمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أتمتة إنشاء المحتوى، مثل كتابة نسخة تسويقية وأوصاف المنتجات والمقالات الإخبارية، مما يوفر الوقت والجهد والموارد. وأضاف: "لو توسعنا أكثر في حياتنا المهنية بإمكان الذكاء الاصطناعي كتابة محتوى احترافي لعقود الشركات، والقوانين الإدارية، والأوامر التشغيلية بمجرد أن ترفع شركة المقاولات المعلومات المطلوبة في نظام الشركة، ثم تجري عملية أتمتة العقود حسب معايير محددة يُحللها الذكاء الاصطناعي".
وأكد أن دعم العملاء من أكثر الأدوات التي من المؤمل رؤيتها في المستقبل القريب، خاصة من خلال الدردشة الذكية "الشات بوت-Chatbot"؛ حيث يمكن توظيفه كأحد أنظمة دعم العملاء، مما يوفر استجابات فعّالة مع الحفاظ على لمسة إنسانية في المخاطبة". وأوضح أن "الشات بوت" يمثل واحدة من لغات البرمجة فيما يعرف بالتعلُّم العميق "Deep Learning" والذي يسمح بتحليل البيانات وفق مدخلات العميل، لافتًا إلى أن روبوتات الدردشة الحديثة والمتطورة تتعرف على الصور عند رفعها في الدردشة؛ مما يسمح بتحليلها للمنتج وتستنتج المخرجات الصحيحة.
وذكر الزكواني أن أتمتة العمليات والأعمال الروتينية يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين العمليات الروتينية والمهام البسيطة لتيسير العمل وزيادة الكفاءة التشغلية في عدة مجالات، إذ إنه على سبيل المثال يُساعد الموظفين على اتخاذ القرارات بشكل أسرع من خلال إنشاء نماذج تنبؤية لتحديد المخاطر وتحسين الكفاءة، وللشركات إعادة ابتكار العمليات وزيادة الكفاءة وخفض التكاليف عبر مختلف الصناعات والأعمال. وأوضح أن هذه التقنيات تساعد على تصميم منتجات في مجال التسويق؛ حيث يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تصميم المنتجات بطريقة مبتكرة وخارجة عن المؤلوف بمجرد كتابة وصف دقيق عن الصورة المراد إنشاؤها؛ فيسمح بالنظر للخيارات المتعددة لتصميم نماذج أولية، ومن أشهر التطبيقات المعروفة تطبيق ميدجرني "Midjourney Adobe Firefly" و"MSBing".
وبيّن الزكواني أن الخدمات المالية في قطاع التكنولوجيا المالية، يمكن أن تساعد الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاحتيال وأتمتة التحليل المالي وتحسين استراتيجيات التداول من خلال تحديد الأنماط والاتجاهات والمشكلات المحتملة وكذلك يسمح للشركات من اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات.
استثمار الشركات العالمية
وأوضح رائف الزكواني أن شركة أمازون الأمريكية- على سبيل المثال- تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء نص الإعلانات، كما أضافت الذكاء الاصطناعي في خدمتها السحابية عبر "Amazon Web Services"، إضافة إلى شركات البث عبر الإنترنت مثل يوتيوب ونتلفلكس والتي أنشأت نظام التوصيات "preferences/ recommended" للأفلام وعروض مخصصة للعملاء حسب اهتمامهم من خلال تحليل السلوكيات والأنماط لكل مستخدم.
أنشطة التسويق
واعتبر الزكواني أن عالم التسويق من المجالات السريعة في مواكبة التطور التكنولوجي لا سيما في استهداف فئات مختلفة من المجتمع؛ حيث إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل أداة فعّالة في إعادة تشكيل مشهد التسويق الرقمي الحديث، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي مجرد تحليل البيانات والتعلم منها؛ إذ يتميز بقدرته على إنشاء محتوى جديد ومبتكر، مما يفتح آفاقًا جديدة للشركات في تعزيز استراتيجيات التسويق لديها.
وقال الزكواني إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يساهم في تحليل البيانات الضخمة (Big Data) بطرق تفوق القدرات البشرية، ويمكنه تقديم رؤى عميقة حول سلوك العملاء، والتفضيلات، والاتجاهات السوقية، ضاربًا المثال بقيام أحد المتاجر الأمريكية بتوظيف الذكاء الاصطناعي في كاميرات المراقبة لتحليل أوجه العملاء وهم يتفاعلون مع المنتج مثل السعر ومكوناته وغيرها من السلوكيات التسويقية المعتادة.
وأشار الزكواني إلى أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا حيويًا في تحليل اتجاهات العملاء أو المتسوقين على الرفوف المختلفة للمنتجات، حيث يساعد في تحديد السلع التي تجذب انتباههم بشكل أكبر. تعتبر هذه البيانات التسويقية الضخمة محورية، حيث تتطلب معالجات سريعة تتجاوز قدرات الموظف العادي. ونتيجة لذلك، يمكن للشركات اتخاذ قرارات تسويقية مستنيرة وفعّالة، وإعادة صياغة استراتيجيات الترويج باستخدام خطط متنوعة، مضيفًا يمكن لهذه التكنولوجيا تحسين استهداف الإعلانات وتخصيص الحملات التسويقية لتحقيق أقصى قدر من الفعالية.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يعزز التفاعل مع العملاء من خلال الروبوتات الذكية كالمساعدين الافتراضيين المرتبطين بمخرجات صوتية لتقديم تجربة عملاء مُحسَّنة تتميز بالاستجابة السريعة وتقديم المعلومات والمساعدات بدقة. وقال إن شركة أمازون أعلنت عن نيتها إصدار النسخة المستحدثة لـ"ألكسا" مع خاصية الذكاء الاصطناعي؛ مما يسمح التفاعل مع نموذج اللغة الطبيعية مع المستخدمين بطريقة أكثر سهولة وذكاءً وإفادة.
وحول طرق تحليل البيانات، أوضح خبير الذكاء الاصطناعي أن هناك أساليبَ متعددة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات لاتخاذ قرارات استراتيجية في مجال الأعمال، ومن بين هذه الأساليب: Microsoft Power BI، و Oracle BI، والذي يُعرف بتحليله الذكي الذي يساهم في تمكين المؤسسات من اتخاذ قرارات أفضل وتنفيذ إجراءات مستنيرة، ويُشير إلى إمكانيات تحليلية تتيح الإجابة على أسئلة متنوعة مثل "من، ما، متى، وأين، ولماذا وكيف".
وألقى الزكواني الضوء على استخدام بنك أوف أمريكا للذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات المخاطر لتحديد العملاء المعرضين لخطر الائتمان، وأظهر النموذج كيف يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي مساعدة الشركات في اتخاذ قرارات أكثر حكمة بشأن مخاطر الائتمان، مما يساعد على تقليل الخسائر وتعزيز كفاءة العمليات المصرفية.
وردًا على سؤال حول تحسين عمليات الأمن والحماية للشركات ضد التهديدات السيبرانية، أوضح الزكواني أن مجال الأمن السيبراني يشهد تطورًا كبيرًا في استخدام التكنولوجيا الذكية، ومن المتوقع أن يتم ربط الأمان السيبراني بعدة أنظمة، مشيرًا إلى أن التحول نحو تبني الذكاء الاصطناعي في هذا السياق يمثل أمرًا حيويًا للغاية.
وهذا يتماشى مع دراسة أجرتها شركة "IBM" أوضحت من خلالها أن الأخطاء البشرية تمثل السبب الرئيسي في 95% من حالات اختراق وانتهاك أمان الشبكات، فيما يُعزز استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كبير الجهود المبذولة لتقليل هذه الأخطاء البشرية؛ حيث يقوم بتحليل الأنماط والأخطاء المتكررة.
تحديات محتملة
ويرى الزكواني أن من الطبيعي لأي شركة تتجه لتبني حلول الذكاء الاصطناعي أن تواجه تحديات كثيرة، خصوصًا في المنطقة العربية، مشيرًا إلى تحديين رئيسيين؛ وهما: التحديات التقنية في تطوير وتنفيذ أنظمة وبرمجيات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ حيث إنه على الرغم من توافر أدوات الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، إلّا أن التطور اللافت حدث في 2021 مع إطلاق منصة OpenAI للتفاعل اللغوي تطبيق ChatGPT، ويتوازى ذلك مع قلة المهندسين المتخصصين في برمجة الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أن التحدي الثاني يتمثل في الجوانب القانونية والأخلاقية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي؛ حيث يتعين على الشركات الامتثال للقوانين واللوائح المتعلقة بحقوق الخصوصية والأمان والملكية الفكرية، مشددًا في هذا السياق على ضرورة أن تتوافق الاستخدامات مع المبادئ الأخلاقية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية
يشهد العالم اليوم تطورا مُتسارعا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تطبيقاته تتغلغل في مختلف القطاعات، من الرعاية الصحية إلى التعليم والصناعة والخدمات المالية وغيرها من القطاعات. ومع هذا التوسع الهائل، تتزايد الحاجة إلى وضع أطر تنظيمية تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنية، وهو ما يُعرف بحوكمة الذكاء الاصطناعي.
إن التحدي الرئيس الذي تواجهه الحكومات والمؤسسات يتمثل في إيجاد توازن بين تشجيع الابتكار التكنولوجي من جهة، وضمان الامتثال للمبادئ الأخلاقية والقانونية التي تحمي الأفراد والمجتمعات من المخاطر المحتملة من جهة أخرى. وقد عرفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حوكمة الذكاء الاصطناعي بأنها «مجموعة من السياسات والإجراءات والمعايير القانونية التي تهدف إلى تنظيم تطوير واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وشفافة، مع ضمان احترام القيم الإنسانية وحماية الحقوق الأساسية».
ووفقا لتوصية منظمة اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لعام 2021، فإن الحوكمةَ الفعالةَ للذكاء الاصطناعي ينبغي أن تستند إلى مبادئ الشفافية والمساءلة والأمان لضمان تحقيق الفائدة للمجتمع دونَ المساس بالحقوق الفردية. تهدفُ هذه الحوكمة إلى ضمان العدالة والشفافية وحماية البيانات واحترام حقوق الإنسان في جميع مراحل تطوير واستخدام هذه التقنيات. وتبرز أهمية الحوكمة في ضوء المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، مثل التحيز الخوارزمي وانتهاك الخصوصية والتأثير على سوق العمل، الأمر الذي يستدعي وضع تشريعات صارمة لضمان عدم إساءة استخدام هذه التقنية.
وفي سياق الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، صدر التقرير الدولي حول سلامة الذكاء الاصطناعي في يناير 2025 عن المعهد الدولي لسلامة الذكاء الاصطناعي (International AI Safety Report)، الذي شارك في إعداده 30 دولة من بينها منظمات دولية بارزة مثل هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تناول الحالة الراهنة للفهم العلمي المتعلق بالذكاء الاصطناعي العام، وهو ذلك «النوع من الذكاء الاصطناعي القادر على تنفيذ مجموعة واسعة من المهام». وقد هدف التقرير إلى بناء فهم دولي مشترك حول المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم، مع تقديم تحليل شامل للوسائل العلمية والتقنية المتاحة لإدارتها والتخفيف منها بفعالية، وتوفير معلومات علمية تدعم صانعي القرار في وضع سياسات تنظيمية فعالة. وعلى الرغم من الفوائد العديدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي العام، فإن التقرير يحذر من المخاطر المتزايدة المرتبطة باستخدامه.
فمن الناحية الأمنية، قد يُستغل الذكاء الاصطناعي في تنفيذ هجمات سيبرانية متقدمة أو في تسهيل عمليات الاحتيال الإلكتروني، من خلال إنتاج محتوى مزيف (Fake content) يصعب تمييزه عن الحقيقي. كما أن هناك مخاطر اجتماعية تتمثل في إمكانية تعميق التحيزات الموجودة في البيانات التي تُستخدم في تدريب هذه الأنظمة. إضافة إلى ذلك، مخاوف تتعلق بفقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حيث يمكن أن يؤدي التطور المتسارع لهذه الأنظمة إلى سلوكيات غير متوقعة قد يصعب التحكم بها. أما على المستوى الاقتصادي، فإن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في اضطرابات كبيرة في سوق العمل، حيث يؤدي إلى استبدال العديد من الوظائف التقليدية بالأنظمة الآلية، ففي قطاع خدمة العملاء مثلا، تعتمد الشركات الكبرى مثل أمازون وجوجل على روبوتات الدردشة (Chatbots) لتقديم الدعم الفني والتفاعل مع العملاء بكفاءة عالية، مما يقلل الحاجة إلى الموظفين البشريين.
أما في مجال التصنيع والتجميع، فقد أصبحت الروبوتات الصناعية تقوم بمهام الإنتاج بدقة وسرعة تفوق القدرات البشرية، كما هو الحال في مصانع تسلا وفورد التي تستخدم أنظمة مؤتمتة لتنفيذ عمليات اللحام والتجميع، مما يقلل التكاليف ويرفع كفاءة الإنتاج. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن يمتد تأثيره إلى المزيد من القطاعات.
ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، أصبح من الضروري تبني استراتيجيات وحلول لمواجهة تحديات فقدان الوظائف التقليدية. ويُعد إعادة تأهيل القوى العاملة من أهم هذه الحلول، إذ يجب الاستثمار في برامج تدريبية تُمكن الموظفين من اكتساب مهارات رقمية وتقنية جديدة، مثل تحليل البيانات وتطوير البرمجيات، مما يساعدهم على التكيف مع متطلبات سوق العمل المتغير. إلى جانب ذلك، يمثل تعزيز ريادة الأعمال والابتكار حلا فعالا، حيث يُمكن تشجيع إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يخلق فرص عمل جديدة.
كما يعد تبني نموذج العمل الهجين ضرورة مُلحة، إذ يُمكن دمج الذكاء الاصطناعي مع القدرات البشرية بدلا من الاستبدال الكامل، مما يعزز الإنتاجية مع الحفاظ على دور العنصر البشري. كما أن تطوير الأطر القانونية والتنظيمية يعد خطوة مهمة، حيث ينبغي صياغة قوانين تضمن الاستخدام العادل والمسؤول للذكاء الاصطناعي، وتحمي العمال من التمييز الناتج عن الأتمتة. بالإضافة إلى ذلك فإن التعليم المستمر يُسهم في تأهيل القوى العاملة الوطنية لمواكبة التحولات في سوق العمل، حيث ينبغي تعزيز ثقافة التعلم المستمر لضمان قدرة القوى العاملة على التكيف مع المتطلبات المستقبلية للتكنولوجيا المتقدمة. وغيرها من الاستراتيجيات الجديدة لدمج الإنسان مع الآلة في بيئة العمل.
من جانب آخر، هناك مخاطر تتعلق بالخصوصية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات كبيرة من البيانات الشخصية، مما يزيد من احتمالات انتهاك الخصوصية وسوء استخدام المعلومات. ولتقليل هذه المخاطر، من الضروري تبني مجموعة من الاستراتيجيات التقنية والتنظيمية التي تعزز شفافية وأمان أنظمة الذكاء الاصطناعي. ومن أبرزها، تطوير تقنيات تتيح فهما أعمق لآليات اتخاذ القرار لدى الذكاء الاصطناعي، مما يسهل عملية المراجعة والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، تبرز أهمية تعزيز الأمن السيبراني عبر تصميم بروتوكولات حماية متقدمة لمواجهة التهديدات المحتملة.
كما يجب العمل على تصفية البيانات وتقليل التحيز لضمان دقة وعدالة أنظمة الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات. ومن أجل حماية بيانات المستخدمين، يتوجب استخدام تقنيات التشفير القوية وآليات الحماية الحديثة التي تضمن الامتثال لمعايير الخصوصية. بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على دور الإنسان في عمليات اتخاذ القرار، لضمان عدم الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في الأمور الحساسة، مما يقلل من المخاطر المحتملة الناجمة عن التحكم الذاتي للأنظمة. إن التطور السريع لهذه التقنية يتطلب نهجا شاملا يجمع بين البحث العلمي والسياسات التنظيمية والتقنيات المتقدمة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه الأنظمة، بحيث تتحقق الفائدة المرجوة منها دون التعرض للمخاطر المحتملة.
وقد اعتمدت العديد من الدول سياسات مُتقدمة لتنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات رائدة في هذا المجال عبر قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ عام 2024م والذي يُعدُ أول إطار قانوني شامل يهدف إلى تَنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وفق معايير صارمة تحمي الخصوصية وتحد من التحيز الخوارزمي. وفي المقابل، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية نهجا يعتمد على توجيهات إرشادية لتعزيز الشفافية والمساءلة، مع منح الشركات حرية الابتكار ضمن حدود أخلاقية محددة. أما الصين، فقد ألزمت الشركات التقنية بمراجعة وتقييم خوارزميات الذكاء الاصطناعي المُستخدمة في المنصات الرقمية، لضمان الامتثال لمعايير الأمان السيبراني.
عليه فإنه يُمكن الإشارة إلى مجموعة من التوصيات والمُبادرات التي يُمكن أن تُسهم في تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، ومن أبرزها: وضع أطر قانونية مَرنة تُتيح تطوير الذكاء الاصطناعي دون عرقلة الابتكار، مع ضمان حماية حقوق الأفراد والمجتمع وتعزيز الشفافية والمساءلة من خلال فرض معايير تضمن وضوح كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وإتاحة آليات لمراجعة القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة وتعزيز التعاون الدولي لإنشاء منصات مشتركة لمراقبة تطورات الذكاء الاصطناعي وتبادل المعلومات بين الدول حول المخاطر المحتملة وتشجيع البحث والتطوير المسؤول عبر دعم الأبحاث التي تركز على تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي أكثر أمانا واستدامة وتعزيز تعليم الذكاء الاصطناعي الأخلاقي من خلال دمج مقررات حوكمة الذكاء الاصطناعي في مناهج المؤسسات الأكاديمية والتعليمية، لضمان وعي المطورين الجدد بالمسؤوليات الأخلاقية المترتبة على استخدام هذه التقنية.
إن حوكمة الذكاء الاصطناعي تُشكل ركيزة أساسية لضمان تحقيق أقصى الفوائد من هذه التقنية، مع الحد من المخاطر المرتبطة بها. وبينما يستمر الابتكار في التقدم بوتيرة غير مسبوقة، فإن المسؤولية تقتضي وضع سياسات وتشريعات تنظيمية تضمن الاستخدام العادل والمسؤول لهذه التقنيات، بما يتوافق مع القيم الأخلاقية والقوانين الدولية. ويُعد تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومات وصناع القرار، لكن من خلال التعاون الدولي ووضع سياسات متقدمة، يمكن بناء مستقبل مستدام للذكاء الاصطناعي يعود بالنفع على البشرية جمعاء.
عارف بن خميس الفزاري كاتب ومتخصص في المعرفة