◄ الذكاء الاصطناعي قادر على مكافحة الاحتيال المالي وتحسين استراتيجيات التداول في البورصات

الذكاء الاصطناعي التوليدي يُحلل البيانات الضخمة بقدرات تفوق البشر

تحليل اتجاهات الزبائن وتحسين الأداء.. من أبرز أدوار الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء

 

الرؤية- سارة العبرية

 

أكد المهندس رائف بن علي الزكواني مدرب معتمد ومختص في الذكاء الاصطناعي أن أتمتة العمليات والأعمال الروتينية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأي شركة بشكل عام، من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسهم في تحسين العمليات الروتينية والمهام، بما يضمن تيسير العمل وزيادة الكفاءة التشغلية في عدة مجالات، ومنها مساعدة الموظفين على سرعة اتخاذ القرارات من خلال إنشاء نماذج تنبؤية لتحديد المخاطر وتحسين الكفاءة.

وقال الزكواني- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن عددًا من الدراسات كشف كيفية إسهام الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحويل الأعمال ودفع النمو بشكل غير مسبوق، لا سيما في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مُبرزًا الإمكانيات الهائلة المتاحة أمام الشركات للاستفادة من هذه التكنولوجيا الرائدة عبر تحسين عملياتها الروتينية وبيع منتجاتها وخدماتها بطريقة أفضل.

 

وأضاف الزكواني أن هناك بعض الأمثلة الشائعة في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع الأعمال؛ منها: إنشاء المحتوى؛ حيث يُمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أتمتة إنشاء المحتوى، مثل كتابة نسخة تسويقية وأوصاف المنتجات والمقالات الإخبارية، مما يوفر الوقت والجهد والموارد. وأضاف: "لو توسعنا أكثر في حياتنا المهنية بإمكان الذكاء الاصطناعي كتابة محتوى احترافي لعقود الشركات، والقوانين الإدارية، والأوامر التشغيلية بمجرد أن ترفع شركة المقاولات المعلومات المطلوبة في نظام الشركة، ثم تجري عملية أتمتة العقود حسب معايير محددة يُحللها الذكاء الاصطناعي".

وأكد أن دعم العملاء من أكثر الأدوات التي من المؤمل رؤيتها في المستقبل القريب، خاصة من خلال الدردشة الذكية "الشات بوت-Chatbot"؛ حيث يمكن توظيفه كأحد أنظمة دعم العملاء، مما يوفر استجابات فعّالة مع الحفاظ على لمسة إنسانية في المخاطبة". وأوضح أن "الشات بوت" يمثل واحدة من لغات البرمجة فيما يعرف بالتعلُّم العميق "Deep Learning" والذي يسمح بتحليل البيانات وفق مدخلات العميل، لافتًا إلى أن روبوتات الدردشة الحديثة والمتطورة تتعرف على الصور عند رفعها في الدردشة؛ مما يسمح بتحليلها للمنتج وتستنتج المخرجات الصحيحة.

وذكر الزكواني أن أتمتة العمليات والأعمال الروتينية يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين العمليات الروتينية والمهام البسيطة لتيسير العمل وزيادة الكفاءة التشغلية في عدة مجالات، إذ إنه على سبيل المثال يُساعد الموظفين على اتخاذ القرارات بشكل أسرع من خلال إنشاء نماذج تنبؤية لتحديد المخاطر وتحسين الكفاءة، وللشركات إعادة ابتكار العمليات وزيادة الكفاءة وخفض التكاليف عبر مختلف الصناعات والأعمال. وأوضح أن هذه التقنيات تساعد على تصميم منتجات في مجال التسويق؛ حيث يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تصميم المنتجات بطريقة مبتكرة وخارجة عن المؤلوف بمجرد كتابة وصف دقيق عن الصورة المراد إنشاؤها؛ فيسمح بالنظر للخيارات المتعددة لتصميم نماذج أولية، ومن أشهر التطبيقات المعروفة تطبيق ميدجرني "Midjourney Adobe Firefly" و"MSBing".

وبيّن الزكواني أن الخدمات المالية في قطاع التكنولوجيا المالية، يمكن أن تساعد الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاحتيال وأتمتة التحليل المالي وتحسين استراتيجيات التداول من خلال تحديد الأنماط والاتجاهات والمشكلات المحتملة وكذلك يسمح للشركات من اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات.

استثمار الشركات العالمية

وأوضح رائف الزكواني أن شركة أمازون الأمريكية- على سبيل المثال- تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء نص الإعلانات، كما أضافت الذكاء الاصطناعي في خدمتها السحابية عبر "Amazon Web Services"، إضافة إلى شركات البث عبر الإنترنت مثل يوتيوب ونتلفلكس والتي أنشأت نظام التوصيات "preferences/ recommended" للأفلام وعروض مخصصة للعملاء حسب اهتمامهم من خلال تحليل السلوكيات والأنماط لكل مستخدم.

أنشطة التسويق

واعتبر الزكواني أن عالم التسويق من المجالات السريعة في مواكبة التطور التكنولوجي لا سيما في استهداف فئات مختلفة من المجتمع؛ حيث إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل أداة فعّالة في إعادة تشكيل مشهد التسويق الرقمي الحديث، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي مجرد تحليل البيانات والتعلم منها؛ إذ يتميز بقدرته على إنشاء محتوى جديد ومبتكر، مما يفتح آفاقًا جديدة للشركات في تعزيز استراتيجيات التسويق لديها.

وقال الزكواني إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يساهم في تحليل البيانات الضخمة (Big Data) بطرق تفوق القدرات البشرية، ويمكنه تقديم رؤى عميقة حول سلوك العملاء، والتفضيلات، والاتجاهات السوقية،   ضاربًا المثال بقيام أحد المتاجر الأمريكية بتوظيف الذكاء الاصطناعي في كاميرات المراقبة لتحليل أوجه العملاء وهم يتفاعلون مع المنتج مثل السعر ومكوناته وغيرها من السلوكيات التسويقية المعتادة.

وأشار الزكواني إلى أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا حيويًا في تحليل اتجاهات العملاء أو المتسوقين على الرفوف المختلفة للمنتجات، حيث يساعد في تحديد السلع التي تجذب انتباههم بشكل أكبر. تعتبر هذه البيانات التسويقية الضخمة محورية، حيث تتطلب معالجات سريعة تتجاوز قدرات الموظف العادي. ونتيجة لذلك، يمكن للشركات اتخاذ قرارات تسويقية مستنيرة وفعّالة، وإعادة صياغة استراتيجيات الترويج باستخدام خطط متنوعة، مضيفًا يمكن لهذه التكنولوجيا تحسين استهداف الإعلانات وتخصيص الحملات التسويقية لتحقيق أقصى قدر من الفعالية.

ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يعزز التفاعل مع العملاء من خلال الروبوتات الذكية كالمساعدين الافتراضيين المرتبطين بمخرجات صوتية لتقديم تجربة عملاء مُحسَّنة تتميز بالاستجابة السريعة وتقديم المعلومات والمساعدات بدقة. وقال إن شركة أمازون أعلنت عن نيتها إصدار النسخة المستحدثة لـ"ألكسا" مع خاصية الذكاء الاصطناعي؛ مما يسمح التفاعل مع نموذج اللغة الطبيعية مع المستخدمين بطريقة أكثر سهولة وذكاءً وإفادة.

وحول طرق تحليل البيانات، أوضح خبير الذكاء الاصطناعي أن هناك أساليبَ متعددة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات لاتخاذ قرارات استراتيجية في مجال الأعمال، ومن بين هذه الأساليب: Microsoft Power BI، و Oracle BI، والذي يُعرف بتحليله الذكي الذي يساهم في تمكين المؤسسات من اتخاذ قرارات أفضل وتنفيذ إجراءات مستنيرة، ويُشير إلى إمكانيات تحليلية تتيح الإجابة على أسئلة متنوعة مثل "من، ما، متى، وأين، ولماذا وكيف".

وألقى الزكواني الضوء على استخدام بنك أوف أمريكا للذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات المخاطر لتحديد العملاء المعرضين لخطر الائتمان، وأظهر النموذج كيف يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي مساعدة الشركات في اتخاذ قرارات أكثر حكمة بشأن مخاطر الائتمان، مما يساعد على تقليل الخسائر وتعزيز كفاءة العمليات المصرفية.

وردًا على سؤال حول تحسين عمليات الأمن والحماية للشركات ضد التهديدات السيبرانية، أوضح الزكواني أن مجال الأمن السيبراني يشهد تطورًا كبيرًا في استخدام التكنولوجيا الذكية، ومن المتوقع أن يتم ربط الأمان السيبراني بعدة أنظمة، مشيرًا إلى أن التحول نحو تبني الذكاء الاصطناعي في هذا السياق يمثل أمرًا حيويًا للغاية.

وهذا يتماشى مع دراسة أجرتها شركة "IBM" أوضحت من خلالها أن الأخطاء البشرية تمثل السبب الرئيسي في 95% من حالات اختراق وانتهاك أمان الشبكات، فيما يُعزز استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كبير الجهود المبذولة لتقليل هذه الأخطاء البشرية؛ حيث يقوم بتحليل الأنماط والأخطاء المتكررة.

تحديات محتملة

ويرى الزكواني أن من الطبيعي لأي شركة تتجه لتبني حلول الذكاء الاصطناعي أن تواجه تحديات كثيرة، خصوصًا في المنطقة العربية، مشيرًا إلى تحديين رئيسيين؛ وهما: التحديات التقنية في تطوير وتنفيذ أنظمة وبرمجيات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ حيث إنه على الرغم من توافر أدوات الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، إلّا أن التطور اللافت حدث في 2021 مع إطلاق منصة OpenAI للتفاعل اللغوي تطبيق ChatGPT، ويتوازى ذلك مع قلة المهندسين المتخصصين في برمجة الذكاء الاصطناعي.

وأضاف أن التحدي الثاني يتمثل في الجوانب القانونية والأخلاقية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي؛ حيث يتعين على الشركات الامتثال للقوانين واللوائح المتعلقة بحقوق الخصوصية والأمان والملكية الفكرية، مشددًا في هذا السياق على ضرورة أن تتوافق الاستخدامات مع المبادئ الأخلاقية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني

ترجمة: نهى مصطفى -

خلال شهرين من إصدار شركة صينية غير معروفة تدعى DeepSeek نموذجًا جديدًا قويًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بدأ هذا الاختراق بالفعل في تحويل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.

يتميز DeepSeek-V3، كما يُطلق على نموذج اللغة الكبير المفتوح (LLM) الخاص بالشركة، بأداء ينافس أداء النماذج من أفضل المختبرات الأمريكية، مثل ChatGPT من OpenAI و Claude من Anthropic و Llama من Meta ، ولكن بجزء صغير من التكلفة. وقد أتاح هذا للمطورين والمستخدمين في جميع أنحاء العالم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتطور بأقل تكلفة.

في يناير، أصدرت الشركة نموذجًا ثانيًا، DeepSeek-R1، يُظهر قدرات مماثلة لنموذج o1 المتقدم من OpenAI مقابل خمسة بالمائة فقط من السعر. ونتيجة لذلك، يشكلDeepSeek تهديدًا لقيادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للصين للحصول على مكانة عالمية مهيمنة على الرغم من جهود واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

يُبرز الصعود السريع لشركةDeepSeek حجم التحديات والمخاطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. فإلى جانب الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه التقنية، ستتمتع الدولة التي تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، التي تشكّل العمود الفقري لتطبيقات وخدمات المستقبل، بنفوذ واسع النطاق. ولا يقتصر هذا النفوذ على المعايير والقيم المضمّنة في هذه النماذج فحسب، بل يمتد أيضًا إلى منظومة أشباه الموصلات، التي تعد الركيزة الأساسية والبنية التحتية التقنية والمعالجة الحسابية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ العمليات المعقدة بكفاءة. وتعكس القناعة الراسخة لدى كل من الصين والولايات المتحدة بأن هذه التقنيات قادرة على تحقيق تفوّق عسكري، الأهمية الاستراتيجية للريادة في هذا المجال وضرورة الحفاظ عليها على المدى الطويل.

ومع ذلك، فإن التركيز على أداء نموذج DeepSeek-V3 وتكاليف تشغيله المنخفضة قد يُغفل نقطة أكثر أهمية. فإحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في سرعة انتشار نماذج DeepSeek هي أنها مفتوحة المصدر، مما يتيح لأي شخص تنزيلها وتشغيلها ودراستها وتعديلها والبناء عليها، مع تحمّل تكلفة الطاقة الحاسوبية فقط. في المقابل، تكاد جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية المماثلة أن تكون ملكية خاصة، مما يحدّ من استخدامها ويزيد من تكاليف تبنيها من قِبل المستخدمين.

بدأت شخصيات بارزة في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأمريكي يدركون بشكل متزايد المشكلات الناجمة عن التركيز على النماذج المغلقة المصدر. ففي أواخر يناير، أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة ربما «أخطأت في قراءة التاريخ» بعدم تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وفي فبراير، توقّع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google، مستقبلًا يُهيمن فيه مزيج من النماذج المفتوحة والمغلقة على التطبيقات اليومية. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاعتماد كليًا على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تطورها الشركات الكبرى لمنافسة الصين، مما يستدعي من الحكومة الأمريكية تكثيف دعمها للنماذج مفتوحة المصدر، حتى مع استمرار جهودها في تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات وبيانات التدريب.

للحفاظ على هيمنتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع برنامج شامل لتطوير ونشر أفضل النماذج مفتوحة المصدر. لكن في الوقت ذاته، يجب عليها ضمان أن تظل الشركات الأمريكية الرائدة هي التي تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم «أنظمة الحدود»، والتي غالبًا ما يتم تطويرها ضمن شركات خاصة ذات تمويل ضخم.

إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن تبنّي أجندة سياسية أوسع تعزز مكانة الذكاء الاصطناعي الأمريكي مفتوح المصدر على الساحة الدولية، وتدعم بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحفاظ على ريادتها في هذا المجال. ولا يقتصر ذلك على تحفيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر داخل الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا تسهيل وصولها إلى المساهمين والمستخدمين في المجال الصناعي والأكاديمي والقطاع العام في الدول المتحالفة معها.

بدون هذه الخطوات الاستراتيجية، يُشير مشروع DeepSeek إلى مستقبل محتمل قد تستخدم فيه الصين نماذج مفتوحة المصدر قوية ومنخفضة التكلفة لتجاوز الولايات المتحدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.

لطالما كان الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عاملًا رئيسيًا في التقدم التقني، رغم قلة الاهتمام السياسي به مقارنة بالأنظمة المغلقة. منذ ظهور ChatGPT عام 2022، بدأ يُنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية على أنها بمثابة «نظام تشغيل» جديد، حيث تعمل كجسر بين اللغة البشرية والبيانات التي تعالجها الآلات. وكما استمر نظام Linux مفتوح المصدر بجانب أنظمة احتكارية مثل Windows، برزت نماذج مفتوحة مثل Llama إلى جانب ChatGPT، مما يمهّد لانتشار أوسع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور دفع بعض الباحثين لوصف المرحلة الحالية بأنها «لحظة لينكس» في مجال الذكاء الاصطناعي.

على مرّ العقود، ازدهرت مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر، مثل لينكس، بفضل مساهمات المطورين حول العالم، وهو ما أدى إلى تطويرها بسرعة وتحسين أمنها، حيث يمكن لأفضل المهندسين اختبارها وتحسينها بشكل متواصل. كما أن كونها خاضعة لإدارة أمريكية وأوروبية جعلها أحد عوامل تفوّق الغرب في مجالات عدة، مثل: أنظمة التشغيل، متصفحات الويب، قواعد البيانات، التشفير، وحتى لغات البرمجة.

تُهيمن Nvidia على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وبرنامجها الحصري CUDA، مما يمنحها موقعًا متقدمًا في هذا المجال. ورغم القيود الأمريكية، استخدمت الصين رقائق Nvidia في تدريب نماذج DeepSeek، لكنها تسعى حاليًا للاعتماد على رقائق Ascend من هواوي، مما قد يُقلص الحاجة إلى الرقائق الأمريكية. إذا حققت النماذج الصينية انتشارًا واسعًا بدعم حكومي، فقد يُجبر المستخدمون عالميًا على التحول إلى شرائح هواوي، مما سيُضعف شركات مثل Nvidia و TSMC ويمنح الصين نفوذًا أكبر في صناعة الرقائق. هذا السيناريو يُشبه استحواذ الصين على سوق بطاريات الليثيوم، حيث قد تؤدي استراتيجيتها إلى إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، مُهددة الهيمنة الغربية في هذا القطاع. كيفية مواجهة هذا التهديد

لمواجهة النفوذ الصيني في الذكاء الاصطناعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مع التركيز على دعم الجامعات والشركات والمختبرات الوطنية. رغم ارتفاع الاستثمارات في هذا المجال، لا تزال متواضعةً مقارنةً بالتمويل الإجمالي للذكاء الاصطناعي. لذا، يجب تقديم حوافز حكومية لدعم المشاريع المتوافقة مع الشرائح الغربية، وتوسيع البرامج البحثية الوطنية، والاستفادة من موارد وزارتي الطاقة والدفاع. كما ينبغي تعزيز التعاون مع مبادرات كبرى مثل Stargate، التي تخطط لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأمريكي خلال السنوات القادمة.

يجب على واشنطن تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عبر تطوير نظام حوسبة متكامل يتيح للمطورين الاستفادة من أفضل الشرائح الغربية، مما يعزز الطلب عليها ويحد من المنافسة الصينية. وينبغي ترسيخ تفوق التقنيات الغربية، إلى جانب قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم هيمنة بنية Transformer، فإن مناهج جديدة مثل Structured State Space Models ونماذج Inception diffusion تُظهر إمكانات مستقبلية واعدة، مما يستدعي دعمها لضمان الريادة الأمريكية في هذا المجال.

ينبغي على واشنطن تجنب فرض قيود واسعة على تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وبدلًا من ذلك، تقديم حوافز لضمان توافقها مع الشرائح الغربية. كما يجب على لجنة التجارة الفيدرالية مراعاة دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز الريادة الأمريكية عند النظر في قضايا مكافحة الاحتكار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التصدي لمحاولات الشركات الصينية خفض أسعار نماذج الذكاء الاصطناعي لإضعاف المنافسة، عبر دراسة فرض تدابير مكافحة الإغراق إذا تبيّن أن هذه الممارسات تهدف إلى إقصاء الشركات الأمريكية.

يجب على الولايات المتحدة تعزيز تنافسها مع الصين في الأسواق العالمية، حيث قد تستخدم بكين نماذج الذكاء الاصطناعي كأداة للنفوذ الاقتصادي. كما ينبغي لواشنطن التحقيق في إمكانية استخدام DeepSeek بيانات من GPT-4 دون تصريح، ودراسة تطبيق قاعدة «المنتج الأجنبي المباشر» على مخرجات الذكاء الاصطناعي، لمنع الشركات الصينية من الاستفادة من النماذج الأمريكية الرائدة، كما فعلت مع معدات تصنيع أشباه الموصلات.

ستكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية إذا تبنتها دول أخرى. لذا، تحتاج واشنطن إلى تنسيق سياساتها مع شركائها في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى لإنشاء كتلة دولية قادرة على إبطاء انتشار النماذج الصينية. ورغم ضخامة السوق الصينية، فإنها تظل صغيرة مقارنة بالسوق العالمية، وهو المجال الأكثر أهمية الذي يجب أن تركز عليه الولايات المتحدة لضمان هيمنة النظام البيئي الغربي للحوسبة والذكاء الاصطناعي في المستقبل.

ورغم أن القيود الأمريكية على تصدير الشرائح المتقدمة حدّت من قدرة الصين على الوصول إليها، فإن بكين ترى في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، المبني على تقنيات أقل تقدمًا، مسارًا استراتيجيًا لاكتساب حصة سوقية أكبر. ومن المرجح أن تستمر النماذج الصينية في التحسن عبر الابتكار الخوارزمي، والتحسينات الهندسية، والتصنيع المحلي للرقائق، بالإضافة إلى أساليب غير مشروعة، مثل التدريب غير المصرح به على مخرجات النماذج الأمريكية، والتحايل على ضوابط التصدير. ومع استمرار الصين في تحسين أداء نماذجها وأسعارها، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية متماسكة تصبح أكثر إلحاحًا.

يجب على واشنطن أن تتبنى استراتيجية استباقية تضمن توفير بدائل أمريكية متفوقة فور إصدار الصين لنماذجها الجديدة، ما يعزز الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك تحسين الإطار التنظيمي، مثل ذلك الذي وضعته إدارة بايدن لضبط انتشار التكنولوجيا، إلى جانب تسخير الموارد الحكومية لدعم النماذج المتقدمة قبل إتاحتها للعامة. تقف إدارة ترامب المقبلة أمام «لحظة لينكس» حاسمة، حيث يمكنها إما ترسيخ الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، أو المخاطرة بفقدان النفوذ لصالح الصين، التي قد تعيد توجيه السوق نحو تقنياتها الخاصة.

جاريد دانمون هو المستشار الأول للمبادرات الاستراتيجية في وحدة الابتكار الدفاعي (DIU)

نشر المقال في Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • استشاري: الذكاء الاصطناعي يفرض تحديات على بعض الوظائف التقليدية
  • بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
  • "الغرفة" تقدم تسهيلات لرواد الأعمال لسداد الاشتراكات المتأخرة
  • بنك ظفار يتعاون مع "سمارتك" لإطلاق حلول متطورة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • النمو السريع في سوق الذكاء الاصطناعي يعقّد مهمة المستثمرين
  • افتتاح حاضنة أعمال "هيئة تنمية المؤسسات" في نزوى
  • الذكاء الاصطناعي والدخول إلى خصوصيات البشر
  • الجديد وصل .. جوجل تتحدى آبل في مجال الذكاء الاصطناعي الشخصي
  • الصين تدخل الذكاء الاصطناعي إلى مناهج الابتدائية
  • افتتاح حاضنة أعمال هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة بنزوى