شفق نيوز/ رسم "المجلس النرويجي للاجئين" مشهدا للشبكة الخطيرة لمظاهر التغيير المناخي وشح المياه في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، متناولا العراق كأول مثال حيث اشار الى انه يتعرض لنتائج كارثية خطيرة لزراعته، فيما تثير هذه العناصر مخاطر مفاقمة ظاهرة النزوح التي تطال ملايين الناس. 

وذكرت المنظمة النرويجية في تقرير على موقعها الالكتروني ترجمته وكالة شفق نيوز؛ ان التغيير المناخي وشح المياه في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي عانت من سنوات من الحروب والنزوح، أصبحا بمثابة تهديد آخر للسياقات الهشة في هذه المنطقة حيث أن قدرة السكان على التعامل مع تأثيرات تغير المناخ محدودة، مما يؤدي الى تفاقم وضعهم الهش بشكل عام.

وأشار التقرير النرويجي إلى أن المنطقة مثقلة بالفعل بسبب أزمات النزوح سابقة، محذرا من أن التداعيات المدمرة للتغيير المناخي قد تجبر ملايين الناس على النزوح نتيجة شح المياه والجفاف وأحوال المناخ القاسية. 

ولفت التقرير إلى أن المجلس النرويجي للاجئين، أجرى خلال السنوات القليلة الماضية أبحاثا تتعلق بالتغيير المناخي وشح المياه وتأثيرها على المجتمعات الريفية والنازحة في المنطقة، وتناول بالتحديد العراق وسوريا وفلسطين وليبيا، حيث قال أن التغيير المناخي إلى جانب النزوح والصراع، في هذه الدول، يؤدي إلى تفاقم المعاناة الحالية.

وفي حين قال التقرير إنه في العديد من الحالات، فإن البنية التحتية للمياه والزراعة تدمرت بشكل جزئي أو كلي بسبب الصراعات، مما يجعل دول هذه المنطقة أكثر عرضة للتغييرات المناخية، اشار الى انه جرى تجاهل البلدان الهشة في المؤتمرات واتفاقيات الأمم المتحدة السابقة بشأن تغير المناخ.

والآن يقول التقرير إنه في ظل الاجتماعات الجارية في دبي لدول العالم في إطار مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ، فانه يجب ان تركز خطة تمويل المناخ والتكيف معه، على السكان المتأثرين بالنزاعات والنازحين في هذه المنطقة. 

العراق: جفاف الانهار

وحول العراق، نشر التقرير مشهدا لعشرات الاعمدة الخشبية الطويلة المغروزة في بركة مياه شبه جافة في بستان، فيما يتجول رجلان ويتفحصان الجذوع القوية التي كانت عبارة عن نخيل التمر، التي اشتهرت بها مدينة الفاو، مشيرا الى ان ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كميات المياه تسببا في ازالة ثروات هذه الأرض سنة تلو الاخرى. 

ونقل التقرير عن عزيز (65 سنة) الذي عمل في الزراعة طوال حياته، قوله إن "البعض، مثلي، مضطر الى البقاء لانه لا يمكننا تحمل تكاليف المغادرة، لكننا جميعا على وشك التخلي عن الزراعة". 

واعرب عزيز عن اسفه لان 55 الف عائلة تخلت عن الزراعة تماما، بينما قالت زوجته حليمة انه "ليس لدينا سوى القليل هنا سوى التعب، ومع كل عام يزداد الأمر سوءا".

وأوضح التقرير أنه "بينما يتعافى العراق من عقدين من الصراع، فإن القطاع الزراعي، وهو ثاني أكبر قطاع، يخضع لاختبار خاص به، حيث يسود طقس مضطرب، واجتاح الجفاف وموجات الحر الحادة كافة أنحاء البلد في الصيف الماضي". واضاف انه على مدى السنوات القليلة الماضية، "تسببت هذه الظروف بنتائج كارثية على الزراعة في العراق، حيث استنزفت المحاصيل، واختلت سوق الزراعة، واتسعت الفجوة الاجتماعية، واستمر النزوح الثانوي، في حين أدى الجفاف الى عكس اي تقدم". 

وبحسب المجلس النرويجي للاجئين فإن التغيير المناخي في العراق يعرقل الانتعاش الاقتصادي للمجتمعات المتضررة من النزاع ويسرع بمخاطر النزوح الثانوي، في حين أن الظروف المناخية المعاكسة عرقلت الوصول إلى أنظمة السوق، وساهمت في تفاقم التوترات الاجتماعية، وتعزيز مخاطر النزوح الثانوي.

وأوضح التقرير أن نحو 60 % من المزارعين يعانون من شح المياه وانخفاض انتاجية المحاصيل، مضيفا انه في حين يعود الكثيرون الى ديارهم بعد سنوات من النزوح بسبب الصراع، فإن آخرين يفكرون في مغادرة قراهم بسبب الجفاف الشديد. 

ونقل التقرير عن المزارع العراقي ابو رشيد قوله "لقد توقف الرصاص الان، ولكننا لا نزال خائفين من خسارة منازلنا". 

سوريا

وحول سوريا، قال التقرير عبر الحدود من العراق الى الغرب، وفي عمق الأراضي السورية، تقع مسكنة، وهي قرية تفصل الصحراء السورية عن السهول الخصبة على ضفاف نهر الفرات. ولفت التقرير الى عزت الذي ورث مزرعته من أجداده، وانه برغم الصراع وظروف الجفاف المتزايدة، فإنه قال بتصميم "سابقى هنا وازرع ارضي مهما كانت الظروف صعبة". 

وتابع التقرير أن الجيل الأصغر اجبر على الرحيل من مسكنه بحثا عن حياة أفضل، مضيفا أن الذين بقوا حاولوا إيجاد طرق للتكيف، فيما تخلى البعض عن محاصيلهم التقليدية لصالح البطيخ الأكثر مقاومة للجفاف، وذلك لان منسوب مياه نهر الفرات تضاءل خلال السنوات الماضية، مما ساهم في انتشار الكوليرا وغيرها من الأمراض التي تنقلها المياه.

وذكر التقرير أن سوريا واجهت العديد من التحديات من بينها الحروب والنزوح والأزمات الاقتصادية وهشاشة البنية التحتية، في حين يشكل الجفاف وما نتج عنه من انخفاض في الإنتاج الزراعي بعد سنوات من نقص المياه والوقود والكهرباء تحديا آخر يواجه هذا البلد الهش. 

ولفت التقرير إلى أن المسح الأخير الذي أجراه المجلس النرويجي للاجئين والذي شمل أكثر من 460 شخصا، أظهر أن ربع المزارعين عانوا من خسارة المحاصيل بنسبة تزيد عن 90 % في العامين الماضيين، وهو ما ادى الى انخفاض الدخل السنوي لـ 99 % من المزارعين الذين شملهم الاستطلاع، ما يعني أن الجفاف يؤدي الى تفاقم تدهور سبل حياتهم.

وتابع التقرير أنه في ظل اعتماد ما يقرب من نصف سكان الريف على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، فان انهيار البنية التحتية وانظمة الري يعرقل فرص التعافي في سوريا، مضيفا ادى الجفاف ادى إلى نزوح واحد من كل خمسة أشخاص اجرى المجلس النرويجي للاجئين مقابلات معهم، مشيرا إلى أنه في حال استمر هذا المسار، فإن المساحة الصالحة للزراعة، المعرضة للخطر بالفعل، ستستمر في التقلص.

فلسطين

وبعدما أشار التقرير النرويجي الى الأحداث المروعة في غزة بسبب الهجمات الاسرائيلية غير المتناسبة على المدنيين، بالإضافة الى دورة العنف في الضفة الغربية  من جانب المستوطنين والجنود، قال التقرير أنه خلف هذه الانتهاكات الواضحة تكمن قضية أقل وضوحا ولكنها بالغة الاهمية، الا وهي الاحتلال الاسرائيلي وتوسيع المستوطنات التي أدت الى تقييد موارد المياه في الضفة الغربية. 

ولفت التقرير إلى أن سيطرة اسرائيل تتوسع لتطال حصول الفلسطينيين على المياه ورفض منح تصاريح للمشاريع التي تهدف الى اصلاح او انشاء بنية تحتية جديدة للمياه.

واوضح التقرير ان الحرمان الصارخ من الحقوق الفلسطينية الأساسية يظهر في الإحصاءات الصادرة عن منظمة حقوق الانسان الاسرائيلية "بتسيلم" حيث انه بينما يتمتع المستوطن الاسرائيلي العادي بمخصصات قدرها 247 لترا من المياه يوميا، فان الفلسطيني الذي يقيم في مجتمع لا تتوفر لديه شبكة مياه ينال حصة مياه تصل الى مجرد 26 لترا يوميا، أي ما يزيد قليلا عن عشر الكمية الاسرائيلية. 

واعتبر التقرير أن السياسات الاسرائيلية تساهم في خنق الجهود الفلسطينية لبناء برامج التكيف ضد آثار التغيير المناخي، في حين تواصل المستوطنات الإسرائيلية، التي أقيمت في انتهاك للقانون الدولي، التوسع في الأراضي الفلسطينية، مما يؤدي الى مخاطر بيئية وسط غياب تام للمساءلة، مشيرا ايضا الى ان توسع المستوطنات واعتداءات المستوطنين، أدت إلى خسارة الماشية والدخل، مما ساهم في التهجير القسري لمجتمعات رعوية بأكملها. 

ودعا التقرير الى إجراءات من شأنها انهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، ومنح الفلسطينيين السيطرة على نموهم وتنميتهم، بما يساعد في نهاية المطاف في تطبيق تدريجي لحقوقهم الانسانية الاساسية.

وحول ليبيا، قال التقرير إن "العاصفة دانيال" في ليبيا هذا العام أدت الى مقتل ونزوح الآلاف في جميع أنحاء المنطقة الشرقية الهشة في ليبيا التي شهدت، مثل العراق وسوريا، سنوات من الصراع والنزو. وقال التقرير أن التغيير المناخي يتخذ يتخذ أشكالا صارخة. 

وتابع أن البنية التحتية المدمرة في البلد وعدم كفاية أنظمة الإنذار قد جعل ليبيا عرضة لمخاطر الفيضانات المتفاقمة كما هو واضح في انهيار السدين في درنة. واضاف التقرير أن ليبيا تواجه ايضا تحديات الاجهاد المائي، وانه في ظل عدم وجود أنهار، اعتمدت ليبيا على طبقات المياه الجوفية، في غياب سياسة شاملة لإدارة المياه. وتابع قائلا انه على مدى الشهور القليلة الماضية، قام المجلس النرويجي للاجئين بتوثيق تأثير شح المياه على الزراعة والاستخدام المنزلي.

تحول عاجل

وختم التقرير بالقول إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتبر أكثر المناطق التي تعاني من إجهاد مائي في العالم، وواحدة من أكثر مناطق العالم عرضة لتأثيرات التغيير المناخي، وبرغم ذلك فان هذه المنطقة هي أصغر متلقٍ لتمويل المناخ في العالم، وتكاد تكون بلدان الصراع والنزوح المعرضة بشدة لتغير المناخ مستبعدة من التمويل والعمل المناخي.

ودعا التقرير الجهات المانحة الى زيادة تمويل المناخ من أجل التكيف مع الخسائر والأضرار وبناء القدرة على الصمود في المنطقة وضمان وصول التمويل إلى المجتمعات المتضررة من النزوح في البيئات الهشة والصراعات. كما قال التقرير أنه يجب أن يشمل التخطيط الوطني لتغير المناخ وإدارة المياه الأشخاص المتأثرين بالصراع والنزوح في تشكيل المناقشات المتعلقة بمستقبلهم.

ودعا التقرير دول المنطقة الى الاستثمار في خطط عمل تغير المناخ وإدارة المياه، بدعم من الجهات المانحة الدولية، كما يجب تطوير أنظمة الإنذار المبكر والاجراءات الاستباقية للجفاف والفيضانات على مستوى البلديات والمستوى الوطني للسماح بالحد من مخاطر الكوارث.

ترجمة: وكالة شفق نيوز

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي شح المياه التغيير المناخي المجلس النرویجی للاجئین التغییر المناخی البنیة التحتیة قال التقریر التقریر أنه هذه المنطقة التقریر أن سنوات من إلى أن الى ان فی حین

إقرأ أيضاً:

من المغرب إلى العراق.. أزمة شح المياه تتفاقم في العالم العربي

تواجه الدول العربية مستقبلا قاتمًا بسبب تفاقم مشكلة الأمن المائي، فنصيب الفرد العربي من المياه العذبة لا يتجاوز 800 متر مكعب في السنة في وقت حددت فيه الأمم المتحدة الفقر المائي بألف متر مكعب من المياه للفرد في العام الواحد.

يُعرِّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الأمن المائي بأنه توافر كمية ونوعية كافية وموثوقة ومرنة من المياه العذبة لسبل العيش والصحة العامة والصناعة والنظم الإيكولوجية والاقتصادات الإنتاجية إلى جانب مستوى مقبول من المخاطر المرتبطة بالمياه على الناس والبيئات والاقتصادات.

أزمة المياه.. العالم العربي ليس استثناء

وتؤثر ندرة المياه بالفعل على كل القارات، فوفقًا للأمم المتحدة، يعيش أكثر من مليار شخص حاليًا في مناطق تعاني من ندرة المياه، ويقترب 500 مليون إنسان من هذا الوضع.

وعلى امتداد خريطة العالم، يواجه 1.6 مليار إنسان  نقصًا في المياه، بل إن 1.5 مليون نسمة، أغلبهم من الأطفال، يموتون سنويًا لأسباب تتعلق إما بنقص المياه أو تلوثها.

 

ويبدو لافتًا أن العديد من الدول العربية مدرجة على قائمة الدول الأكثر معاناة من أزمة المياه، وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإجهاد المائي حيث يواجه 83% من السكان ضغطًا مائيًا مرتفعًا للغاية بينما يتعرض 74% من سكان جنوب آسيا لظروف مماثلة.

إعلان

وحسب تقرير الأمم المتحدة حول المياه لعام 2023، يفتقر حوالي 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية، ويعاني 390 مليون شخص، أي حوالي 90% من إجمالي سكان العالم العربي، من ندرة في المياه.

بحسب الباحث والأكاديمي المختص بالتنمية والموارد المائية حسين رحيلي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، فإن هذا يعني تراجع كمية المياه المتوفرة للفرد إلى أقل من 500 متر مكعب سنويًا، أي أقل من نصف حد الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة، لذلك فإن واقع المياه في العالم العربي، خاصة منذ عام 2015 وحتى اليوم، يشير إلى تحول الندرة المائية إلى شح مائي".

حصتنا من المياه في تراجع مستمر

إن ندرة المياه ظاهرة طبيعية وبشرية، فهناك ما يكفي من المياه العذبة على كوكب الأرض لأكثر من 8 مليارات إنسان، ولكنها موزعة بشكل غير متساو.

وبالنسبة لمعظم سكان المنطقة العربية، بات "إكسير الحياة" نادرًا، إذ يبلغ نصيب العرب 1% فقط من موارد المياه العذبة عالميًا رغم أن المساحة الإجمالية للدول العربية تشكل 10% من مساحة العالم، ويمثل سكانها نحو 6% من سكان الكوكب، وهذا ما يجعل نصيب الفرد العربي من المياه العذبة قليلاً جدًا، ففي 12 دولة عربية، تقل حصة الفرد الواحد عن مستوى الندرة حسب معايير منظمة الصحة العالمية.

وتعد 8 دول عربية من بين أفقر 10 دول في العالم من حيث حصة الفرد من المياه المتجددة، وهي موارد المياه السطحية والجوفية غير العميقة، وتتجاوز النسبة المستخدمة من المياه المتجددة سنويًا 4 أضعاف النسبة الآمنة المحددة بنحو 50% في 7 دول عربية.

ووفقًا لتقرير صندوق النقد العربي لا توجد سوى دولة عربية واحدة تتمتع باكتفاء ذاتي من المياه، وهي موريتانيا، إذ تصل حصة الفرد فيها أكثر من 1700 متر مكعب من المياه سنويًا.

وتوضح منظمة "اليونيسيف" أن 11 دولة من أصل 17 الأكثر تضررًا بندرة المياه موجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن 9 من أصل 10 أطفال مهددون بمخاطر محتملة.

الكثير من المياه يُهدر ويُلوث ولا تتم إدارته بشكل مستدام (شترستوك) المنطقة الأكثر ندرة في المياه

تأتي نصف المياه المتجددة التي تحصل عليها الدول العربية سنويًا من خارج المنطقة عبر الأنهار والخزانات الجوفية المشتركة، مما يزيد من تعقيد إدارة هذه الموارد، في هذا السياق، يشير رحيلي إلى أنه "باستثناء بعض الدول العربية التي تمتلك مصادر مائية تاريخية متعددة، مثل مصر والعراق وسوريا، فإن الموارد المائية في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج محدودة وغير مستقرة؛ لأن المناخ شبه جاف والتساقطات ضعيفة تاريخيًا".

إعلان

لكن حتى هذه الدول لم تعد استتثناء في معادلة ندرة المياه في العالم العربي، وصارت الأوضاع فيها في طريقها للتغيير مع تسارع نضوب هذه الموارد السطحية، فالعراق مثلاً، صار من الدول العربية التي تعاني أزمة شح المياه بسبب استغلال دول المنبع لنهري دجلة والفرات، وتحكمها في حصة ملايين المواطنين العراقيين من خلال إقامة مشاريع الري وتشييد السدود التي تساهم في تفاقم المشكلة.

إذا كان العراق موعودا بالعطش، فإن الأزمة تبلغ ذروتها في مصر، الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان، والتي تمتلك موارد قليلة من المياه العذبة المتجددة الداخلية، ويوفر نهر النيل أكثر من 90% من مواردها المائية، أي نحو 55 مليار متر مكعب، فيما تمثل مياه الأمطار والآبار الجوفية نسبة ضئيلة للغاية.

ووفقًا للبنك الدولي، يبلغ إمداد مصر السنوي من المياه 60 مليار متر مكعب فقط، وهو أقل من الكمية المطلوبة المقدرة بنحو 114 مليار متر مكعب سنويًا لتلبية احتياجات سكانها الذين يزيد عددهم عن 100 مليون نسمة، إذ تواجه مصر عجزًا سنويًا في المياه يبلغ حوالي 20 مليار متر مكعب.

وتجاوزت مصر بالفعل الحد الذي حددته الأمم المتحدة لندرة المياه، وهي الآن تقترب بشكل خطير من مرحلة ندرة المياه المطلقة، والتي حددتها الأمم المتحدة بأقل من 500 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويًا.

ويثير هذا مخاوف تبعات بناء سد النهضة في إثيوبيا على حصة مصر من مياه النيل بشكل مباشر، خاصة في ضوء التقارير المتواترة عن تأثير الملء الخامس لسد النهضة الإثيوبي خلال يوليو/تموز الماضي، لكن وفقًا لمسؤولين مصريين، فإن مصر تعاني من الفقر المائي حتى بدون الأخذ في الاعتبار تأثير سد النهضة الذي تحول مؤخرًا إلى واحدة من أبرز الأزمات حول تقاسم الموارد المائية في العالم.

دول الخليج

دول الخليج أيضًا من بين الدول الأكثر معاناة من أزمة المياه، خصوصًا أن الصحراء تشكل النسبة الكبرى من مساحتها، ويرافق ذلك شح في المياه العذبة مقارنة بالدول الأخرى.

إعلان

وتقع هذه الدول في منطقة تعتبر الأكثر شحًا في المصادر المائية، حيث المصادر الطبيعية المتوفرة هي الأمطار والمياه الجوفية فقط، التي يقدر مخزونها في العالم العربي بنحو 7734 مليار متر مكعب، يتجدد منها سنويًا 42 مليارًا، ويُتاح للاستعمال 35 مليار متر مكعب.

لكن هذه الدول استهلكت نسبًا مرتفعة من احتياطي المياه لديها عبر السنين، حتى شهدت مستويات المياه الجوفية انخفاضًا وفقًا لدراسة نشرتها مجلة "نيتشر" العلمية في يناير/ كانون الثاني الماضي، وتشير الأرقام إلى أن النسبة المستخدمة سنويًا من المياه المتجددة تتجاوز  4 أضعاف النسبة الآمنة المحددة بنحو 50% في 7 دول عربية.

وفي ظل ارتفاع الطلب الناتج عن الزيادة السكانية، كان اللجوء إلى الحلول الصناعية -مثل رفع إنتاجية محطات تحلية مياه البحر وزيادة أعداد السدود المنشأة لحصر مياه الأمطار والسيول- إلزامًا لتفادي العطش الجماعي.

وتنتج دول الخليج 40% من مياه البحر المحلاة عالميًا، والسعودية مسؤولة وحدها عن خُمس الإنتاج العالمي، وتمثل هذه المياه اليوم أكثر من 75% من المياه المستخدمة في دول الخليج، لكن التحلية لم تكن يومًا خيارًا وإنما ضرورة لا تُخفي حتى اليوم الهواجس حيال وفرة المياه في المستقبل.

ولا تستثني أزمة المياه سرقة  إسرائيل لمياه فلسطين، فقد كانت حصة الفلسطيني تقدر بـ45 لترًا يوميًا فقط قبل اندلاع الحرب الأخيرة بينما يحصل الإسرائيلي على 250 لترًا، والمستوطن على 400 لتر، إضافة إلى سرقة إسرائيل لمياه الجولان السوري المحتل وجنوب لبنان.

كما بسطت إسرائيل سيطرتها على نهر الوزاني الذي يغذي نهر الأردن بعد اجتياح لبنان عام 1978، ووضعت مضخات وأنابيب لإيصال المياه من نهر الحاصباني إلى شمال إسرائيل ما يؤثر على حصة الأردن من المياه.

شمال أفريقيا

ولم تكن الأوضاع في شمال أفريقيا أفضل حالًا عما هو موجود عند العرب في آسيا، فكثيرة هي الأمثلة التي تظهر حجم التحديات التي تواجهها هذه المنطقة في التعامل مع مشكلة شح المياه، فدول مثل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا تعاني هذه الأزمة بشدة.

إعلان

وفي تونس، التي يهدد تعاقب سنوات الجفاف بتصنيفها في خانة الفقر المائي، لجأت الجهات الحكومية في مارس/آذار من العام الماضي إلى قطع المياه عن المنازل لمدة 7 ساعات يوميًا لتقليل الاستهلاك كحل مؤقت لمواجهة أزمة شح المياه، ووثّق "المرصد التونسي للمياه" ما يقرب من 600 بلاغ عن انقطاع المياه.

وأصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة أفادت بأن حصة الفرد من الماء لا تتجاوز 400 متر مكعب سنويًا رغم أن تونس لديها ما لا يقل عن 30 سدًا بين زِراعي تقليدي وإستراتيجي، لكن "المرصد الوطني للفلاحة" حذر من تراجع نسبة امتلاء هذه السدود إلى 23.1% في سبتمبر/أيلول الماضي، في مشهد مقلق يعكس الوضع المائي المتدهور في البلاد.

وفي المغرب، تراجعت واردات المياه بشكل كبير لتصل إلى 14 مليار متر مكعب، ويقدر نصيب الفرد من المياه بنحو 650 مترا مكعبا، وهو ما يمثل تراجعًا كبيرًا عما كان الوضع عليه في عام 1960 عندما كان نصيب الفرد 2500.

المياه في قلب أزمة المناخ

يقول مؤسس بنك المياه الدولي وعضو المجلس الدولي والعربي للمياه رشاد الشوا لـ"الجزيرة نت" إن "أزمة الفقر المائي في الدول العربية مردها إلى عدة أسباب متعددة ومترابطة منها الخيارات السياسية والاقتصادية والنمو السكاني والحضاري المتزايد والتصنيع والممارسات غير الفعالة لإدارة المياه، وتقادم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وهدر المياه والاستعمال المفرط لها خاصة في بعض المجالات".

وهناك أسباب عدة أخرى لهذه الأزمة أهمها المناخ الصحراوي الغالب على المنطقة العربية، فـ87% من تضاريس العالم العربي عبارة عن صحراء، زد على ذلك التدهور البيئي الواسع الانتشار وتأثير التغيرات المناخية المتمثلة في تراجع الهطولات المطرية والثلجية التي لا تتعدى نسبتها في الوطن العربي 2% من مجمل التساقطات العالمية.

إعلان

ومع تغير المناخ وتقلباته، تأتي أنماط هطول الأمطار المتقلبة ودرجات الحرارة القصوى، مما يؤدي إلى تقصير مواسم الأمطار وإطالة مواسم الجفاف، وتؤثر هذه التحولات بشدة على حياة شعوب هذه المنطقة  وسبل عيشهم.

وعن توزيع مياه الأمطار في الدول العربية، فـ60% من مياه الأمطار تتساقط صيفًا، معظمها في حوض السودان والقرن الأفريقي واليمن وموريتانيا، و4% من مياه الأمطار تهطل شتاءً على المغرب العربي والدول المطلة على البحر المتوسط.

وعن  تأثير تغير المناخ على ما يعرف بـ"الأمن المائي" لسكان المنطقة العربية يقول رحيلي إن بعض الدول العربية تشهد أمطارًا غزيرة اخضرّت على إثرها الصحاري، ووصل الأمر حد الفيضانات، في حين لم تشهد دول أخرى تساقط الأمطار لفترة طويلة، مما أدى إلى موجات جفاف متكررة، إضافة إلى خسارة جودة المياه بسبب غمر المياه المالحة.

ولا يرتبط خطر الجفاف هنا فقط بالأنهار، فالمغرب مثلا لا يملك أي أنهار أو مياه جوفية بل يعتمد على مياه الأمطار، ومع ذلك، يكافح الفلاحون الجفاف الذي يعرّض محصولهم لخطر التلف، ورغم عودة الأمطار إلى الهطول خلال العام الماضي فإن منسوب الكثير من السدود المغربية وصل لمستوى ضعيف مما دفعهم لدق ناقوس الخطر.

وبالنسبة للجزائر التي عانت من تداعيات تغير المناخ الواضحة على الأرض من خلال الجفاف وندرة المياه وحرائق الغابات، فقد صنفت نفسها على أنها من الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية، وذلك بسبب فترات الجفاف الطويلة والمتكررة خلال السنوات القليلة الماضية، ولا يزال هناك نقص في الأمطار المسجلة بنسبة تناهز 40%.

الحكومة الجزائرية وضعت خطة عاجلة لمواجهة نقص المياه الناتج عن شح مياه الأمطار، ومنها الإعلان عن تفعيل دور الشرطة في مراقبة استعمال المياه في كل المجالات لمكافحة التبذير.

ورغم هذه الجهود، فإن الواقع يقول إن مياه الوطن العربي شحيحة، ويكمن أحد الأسباب وراء ذلك في سوء توزيع موارد المياه المتوفرة، إذ تحتل الزراعة المرتبة الأولى في استهلاك المياه في العالم العربي بنسبة 91% من حجم الاستهلاك العام، حيث يعتمد المزارعون على أساليب ري تقليدية تؤدي إلى هدر المياه، في حين تستغل الصناعة 4%، والشرب 5%.

إعلان

وبحسب الشوا، فإن هذا من شأنه أن ينعكس سلبًا على الأمن الغذائي، فـ30% من الأراضي الصالحة للزراعة في الدول العربية معرضة للتصحر بسبب نقص المياه، ويضع البلدان العربية التي تعاني بالفعل من شح في مصادر المياه أمام تهديدات حقيقية تطال أمنها الغذائي والحياتي، وقد يدفعها إلى خطوات تحمي بها حياة مجتمعاتها.

من يروي عطشنا في المستقبل؟

يعتقد البعض أن استهلاكنا اليومي بصفتنا أفرادًا من المياه لا يشكل فارقًا كبيرًا في الأزمة العالمية وأنها مشكلة دول، ففي النهاية لا تتخطى احتياجاتك 4 لترات ماء يوميًا، لكن المشكلة في الحقيقة ليست في الماء الذي تراه بل الذي لا تراه.

الكثير من المياه يُهدر، ويُلوث، ولا تتم إدارته بشكل مستدام، ويتحدث الخبراء عن أن العالم العربي لا يستغل سوى 50% من موارده المائية البالغة نحو 350 مليار متر مكعب، والباقي معرض للهدر والضياع.

على سبيل المثال، تستهلك زجاجة واحدة من المياه الغازية 28 لترًا من المياه الطبيعية لصناعتها، بينما يحتاج فنجان القهوة الواحد إلى 135 لترًا من زراعة الحبوب، كذلك يذهب أكثر من 90% من المياه المستهلكة في العالم للزراعة وتربية المواشي.

وتمثل محطات الطاقة الحرارية أحد أكبر مستهلكي المياه حول العالم لاستخدامها كميات كبيرة من الماء للتبريد، لذا يساهم الاعتماد على طاقة الرياح والشمس في تقليل استخدام المياه.

وبينما يدعو الكثير من الخبراء الحكومات إلى تسريع وتيرة جهود مكافحة أزمة شح المياه، فإن فريقا آخر يشدد على أهمية تغيير ثقافة استهلاك المياه عند العرب، بحيث يتم التخلي عن العادات التي تشهد إسرافًا في استخدام المياه لا مبرر له.

على سبيل المثال، تشير الإحصاءات العالمية إلى أن المواطن السعودي هو ثالث أكبر مستهلك للمياه في العالم بمعدل يتراوح بين  263 و300 لتر يوميًا، وهذا الاستهلاك يعادل حوالي ضعف متوسط الاستهلاك العالمي، ووفق دراسة حكومية، فإن 86% من السعوديين لا يعلمون أن هناك شحًا في مصادر المياه في المملكة.

إعلان

باختصار، من المتوقع أن تشتد ندرة المياه بشكل كبير خلال العقدين القادمين. وبحلول عام 2050، يُتوقع أن يعيش ما يقرب من نصف سكان المناطق الحضرية في العالم في مناطق تعاني من ندرة المياه.

مقالات مشابهة

  • من المغرب إلى العراق.. أزمة شح المياه تتفاقم في العالم العربي
  • تعاون المواطنين يقود للإطاحة بـ 6 شبكات خطيرة لتجارة الأعضاء البشرية في العراق
  • تعاون المواطنين يقود للإطاحة بـ 6 شبكات خطيرة لتجارة الأعضاء البشرية في العراق - عاجل
  • خلال 2024.. البيئة: توفير دعم لـ3 مشروعات من صندوق المناخ الأخضر وتوجه لإدماج التغيرات المناخي في قانون البيئة.. خبراء: مصر تتبني المطالبة بتعويض الخسائر والأَضرار.. والتمويل والقروض الخضراء كلمة السر
  • أمير المنطقة الشرقية يتسلم التقرير السنوي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  • أمير الشرقية يتسلم التقرير السنوي لـ "هيئة الأمر بالمعروف"
  • الأمم المتحدة : تلوث المياه في غزة وصل معدلات مقلقة
  • المشهداني: الدماء التي سالت في العراق ولبنان لن تذهب هدرا
  • منظمة بدر:موقف حكومة السوداني تجاه سوريا الجديدة هو نفس الموقف الإيراني
  • رئيس الإمارات ووزير الدفاع السعودي يبحثان تطورات المنطقة بينها اليمن