إنسانية العصر ورجعية أهل الكهف
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
عائض الأحمد
أشباه البشر وضعاف الأنفس لن تشاهد أفعالهم، ولكنك قد تستشهد بمقولاتهم ومنها؟
"لم يتأذى أي حيوان في هذا الفيلم".. من منَّا لم يقرأ رومانسية الخداع البصري، وانحطاط أفعال الواقع المرئي ونماذجه الحية التي تسيطر على أخبارنا وتغطيها فضائياتهم وهي تبث أفعال هؤلاء "الإنسانيين" ذوي الأحاسيس البشرية "الراقية" التى تبث روح الرحمة وتطمئن مشاهديها أن الحيوانات تتمتع بالصحة والسلامة ولم يمسها أذى وهذا جميل ونحن ننشده.
لكن هناك "أنفس" تنتهك حرمتها وأرواح "تدعس" حية، وتنشر دون رحمة أو شفقة، وكأن مكيال هؤلاء القوم و"ديمقراطياتهم" ألعاب أطفال يصح أن تلعب بها ثم تكسرها لترى ما بداخلها ومن أي المعادن صنعت، عالم "دزني" مليء بما يصنع البهجة وينتزع الغضب ماعليك إلا أن تختار ما يناسبك ثم العب حتى ينفذ وقتك ومالك، ثم عد إلى منزلك وأنت خالي الوفاض بلا عقل وبلا هوية.
الحيرة في عصر الألف خطوة "لوحة مفاتيح" و"شبكة عنكبوتية" وصناعة محتوى يقف خلفه أبشع من صنعتهم البشرية فامطرت غيومها السوداء عصارة حقد ومقابر أحياء جاهزة يزورها أرذل مفكريهم ثم ينشرون معتقد الرأفة بالحيوان ذي الأربع والبقاء سر الصنعة الخفي، يلتف حوله أغبياء العالم منبهرين أي عالم هذا وكأن تساؤل مجموعة الحقمى تغطيه أفعال سادتهم وأفراد عصابات القوة التي لا تحمي شعبا أعزل ليست إلا نتاج إسفاف يدور حوله أستاذ يستخدم أقل تلاميذه علما ومعرفة ويلقي بهم في يم شيطان يرى بعين واحدة فيغرق ويغرق العالم معه.
سجاد ورادء، يسقيها دم أحمر يعتريهما خفقان الرهبة وهم الظهور وفلاشات الشهرة، سلطان المال أكثر شهوة، وعثرات بسطاء المجلس لن تغنيهم يوما دهرا قل أكثر، سردية ليس لها نهاية فكسر قلمك ونثر حبره وذهب بلا رجعة.
ختامًا: الشفقة والرحمة، يا جاري ليست سلفة تقضي بها حاجة من يطلبها.
شيء من ذاته: أحملها في قلبي أسقط كل العالم وأمد لها يدي، أعانقها كالأطفال، أشم حضورها عطرًا فواحًا استلهم لحظاتها شعرًا دارجًا ينشده الشادي من منكم مثلي؟
نقد: لن يروقك ولست المعني الوحيد به اقلب الصفحة رعاك الله، واعلم أن هناك من ينتظر حبًا ومن يتربص كرهًا، أو ليست هي الحياة فاقبلها كما قبلتها أنا، لا ترهق نفسك فيما أقوله أو تسمعه.. الكلمة إن لم تعنيك فتأكد أنها ستصل لغيرك!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العقيدة الإسلامية ليست مفاهيم تنحصر قيمتها في التصديق القلبي بها
العقيدة الإسلامية هي حقيقة ثابتة وشاملة تُحدد علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبالآخرين، وبالكون من حوله. فعاليتها تكمن في تحويل الإيمان إلى قوة دافعة للإصلاح والتنمية، مما يجعلها الأساس المتين لبناء الفرد والمجتمع.
الكاتب والمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد النجار وهو أحد المفكرين والباحثين في مجال الفقه والفكر الإسلامي المعاصر يواصل في هذه السلسلة من المقالات التي تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته على منصة "فيسبوك"، البحث في مدلول العقيدة الإسلامية ومفرداتها.
كيف تكون المراجعة من حيث إعادة ترتيب مفردات العقيدة؟
1 ـ مدلول العقيدة
2 ـ مفردات العقيدة
أولا ـ مراجعة ذات المفردات
ثانيا ـ مراجعة الترتيب
حينما ندرج هذه المفردات في المنظومة العقدية في الوعي الإسلامي فإن ترشيد الاعتقاد يتعدّى أيضا مراجعة الترتيب الذي تكون عليه المفردات العقدية في الأذهان، بحيث تتنزّل بها مفردات العقيدة في أذهان المسلمين من حيث أحجام الاهتمام بها، وأقدار حضورها في الوعي شدّة وخفّة، ومدى استخدامها في الإيقاظ والتوجيه والدفع بحسب اعتبارات جديدة قد تخالف بها ذلك الترتيب الموروث، مراعاة للوضع الاعتقادي الذي عليه الأمة فيما آل إليه بعد عهود تخلّفها، وفيما تتعرّض له من تحدّيات عاتية في مجال معتقداتها.
ولا يخفى أنّ الوضع القائم حاليا في مراتب المفردات العقدية كما هي في وعي المسلمين هو وضع منحدر في معظمه من قرون خوال أفضت إليه أيلولة الفكر العقدي الإسلامي إلى الجمود على الموروث الواصل إليه، فاستصحب فيما استصحب ترتيب المفردات كما كان عليه الأمر في قرون النضج والاكتمال لعلم العقيدة الثالث والرابع والخامس للهجرة، وكما انغلقت عليه مدوّنات علم العقيدة منذ ذلك الحين.
والمتأمّل في هذا الوضع الحالي لمراتب المفردات العقدية في الوعي العقدي للكثير من المسلمين بل لمعظمهم، كما يبدو في اهتمامات الدعاة، وفي مؤلفات العقيدة، وفي مناهج التعليم، فضلا عن تصوّر العامّة من أفراد المسلمين، يجد أن هذا الترتيب لتلك المفردات تحكمه اعتبارات يعود بعضها إلى تحدّيات قديمة كانت قد وردت على العقيدة الإسلامية في القرون الأولى، ففرضت حينذاك اهتماماً ببعض مفردات العقيدة، وإذا بذلك الاهتمام يستصحب إلى الآن مع زوال التحدّيات التي اقتضته في ذلك الزمن. ويعود بعضها إلى خصومات وخلافات منهجية بين الفرق المختلفة، فكانت بعض المسائل يبرزها ذلك الخلاف، وتتّخذ الآراء فيها متمسّكا للتميّز والاستقلالية المنهجية. وربما عاد بعض منها إلى ولع الخيال الشعبي بأخبار المغيبات والخوارق فتبرز المسائل العقدية ذات الصلة بذلك.
وهكذا نجد بحسب هذه الاعتبارات مسائل عقدية ذات صفة جزئية ثانوية تحتلّ مركزا مهمّا في حجم الاهتمام به، وتتقدّم على مسائل أخرى ذات أهمية حقيقية في البناء العقدي الإسلامي، ومن الأمثلة على ذلك مسائل العلاقة بين ذات الله وصفاته، وخلق القرآن، ورؤية الله، وتأويل الصفات الخبرية، والشفاعة، وطبيعة الجنة والنار والجنّ وأحكامه، فهذه المسائل وأمثالها إنما أخذت من الاهتمام حيزا كبيراً لظروف وأحداث معينة، أو لخصومات ونزاعات بين الفرق، وأكثر ذلك لم يبق منه اليوم شيء، ويكفي في الاعتقاد بها تحكيم خبر نصّي من القرآن والحديث لتستقرّ في مكانها الطبيعي من الوعي العقدي للمسلم.
والحقيقة أن ترتّب المفردات العقدية في منازل الوعي العقدي للمسلم نوعان: ترتّب بحسب ذات المفردات، وتتقدّم فيه الأصول على الفروع، والكلّيات على الجزئيات، وهو الذي ينبغي أن تستقرّ عقيدة المسلم عليه: إيمانا بالله وبالنبوّة وبالبعث، ثم بسائر التفاصيل فيها، وسائر الغيبيات التي جاء بها الخبر الشرعي. وترتب دعوي تقتضيه متطلّبات الدعوة، فتقدّم بحسب هذه المتطلبات من حيث حجم الاهتمام مسائل وتؤخّر أخرى للدفاع عنها في هجوم موجّه إليها، أو لإحيائها من غفلة طرأت عليها، أو لتحريض المسلمين بها ودفعهم إلى الحركة والنهوض للبناء الحضاري.
وبحسب هذا النوع يقتضي الحال في واقع الأمة اليوم أن يتأخر في وعيها العقدي مفردات كثيرة كتلك التي ذكرناها قريبا متعلقة بالذات والصفات وبخلق القرآن وما شابهها، وأن تتقدّم لتصبح في صدارة الاهتمام مفردات أخرى كتلك التي أوردناها آنفا متعلقة بالإنسان ومهمة وجوده، وبالمجتمع وتكافله وما شابهها، والتي كانت مسحوبة من دائرة المدلول الاعتقادي، فإن تلك المفردات هي الكفيلة اليوم بإيقاظ الأمة من غفلتها، ودفعها لتعاود الحركة، وتبني الحياة الخلافية بارتفاق الكون والشهادة على الناس كما سنبينه بعد، ولا يخفى أن قصدنا بتقديم هذه المسائل في الترتيب، إنما هو في نطاق الحقائق الأساسية للاعتقاد وليس تقديما لها عليها لا في الترتيب الذاتي، ولا في الترتيب الدعوي.
لا يكفي فيما نرى أن تُراجع العقيدة من حيث مدلولها ومفرداتها، وإنما ينبغي أن تمتدّ المراجعة إلى تفعيلها، فهذه العقيدة وهي التي كما ذكرناه توجّه مجمل الحياة وتطبعها بطابعها لا تكون كفيلة بأن تقوم بهذا الدور على وجهه الأفضل بمجرد حلولها في التصور على سبيل الإيمان مهما يكن عليه ذلك الحلول من سطحية ومن تقليدية وراثيةوحينما ينتظم فهم العقيدة على الأسس التي بيناها فيما يتعلق بمصدر العقيدة ومدلولها ومفرداتها، فإن ذلك سينعكس لا محالة رشادا في تصوّر العقيدة التصور الصحيح كماهي علي
وحينما ينتظم فهم العقيدة على الأسس التي بيناها فيما يتعلق بمصدر العقيدة ومدلولها ومفرداتها، فإن ذلك سينعكس لا محالة رشادا في تصوّر العقيدة التصوّر الصّحيح كما هي عليه في مصادرها، وكما كانت عليه في عهد السلف من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، أولئك الذين اندفعوا بتصوّرهم ذاك يعمّرون في الأرض تعميرا شاملا، فإن انحراف التصوّر واضطرابه إنما ينشأ عن خلل الفهم، فإذا ما رشد الفهم رشد أيضًا التصوّر الحاصل منه، فيكون ذلك عاملا أساسيا من عوامل تحفّز الأمّة للنهوض، إذ التحضّر الإسلامي لا يقوم إلا على التّصوّر العقدي الصحيح سواء في حال الابتداء كما كان، أو في حال الاستئناف كما نرجو أن يكون.
3 ـ تفعيل العقيدة
لا يكفي فيما نرى أن تُراجع العقيدة من حيث مدلولها ومفرداتها، وإنما ينبغي أن تمتدّ المراجعة إلى تفعيلها، فهذه العقيدة وهي التي كما ذكرناه توجّه مجمل الحياة وتطبعها بطابعها لا تكون كفيلة بأن تقوم بهذا الدور على وجهه الأفضل بمجرد حلولها في التصور على سبيل الإيمان مهما يكن عليه ذلك الحلول من سطحية ومن تقليدية وراثية؛ لأنها في هذه الحال لا تكون مكتسبة من قوّة الدفع ما تحرّك به النفوس إلى العزم، وتدفع به الإرادة إلى الفعل، فيقصر المسلم إذن عن أن ينطلق في إنجاز المقتضيات العملية السلوكية التي تقتضيها المعتقدات النظرية التصورية، وهو الأمر الذي وقع فيه المسلمون في بعض تاريخهم، وأحسب أنهم يقعون اليوم في شطر كبير منه هو الذي يمكن أن تفسّر به عطالتهم عن الإنجاز الحضاري، وذلك أمر يدعو إلى مراجعة المعتقدات التي يتحمّلها المسلمون إيمانا من حيث ما تكون به فاعلة في النفوس، دافعة نحو الفعل، وهو ما يمكن أن يتمّ من خلال طرق متعدّدة.
أولا ـ التأطير العقدي الشامل
ليست العقيدة الإسلامية مفاهيم تنحصر قيمتها في التصديق القلبي بها في حدّ ذاتها، وإنما ذلك جزء من قيمة الإيمان بها فحسب، باعتبار أن معرفة الحق والإيمان به فضيلة مطلوبة في ذاتها، والجزء الثاني من تلك القيمة هو ما يحدثه الإيمان بالعقيدة من أثر شامل في حياة الإنسان الفكرية والعلمية. وتلك نقطة فارقة بين العقيدة الإسلامية وبين سائر العقائد في المذاهب والأديان.
وفي نصوص القرآن والحديث تأكيد مستمر على هذه الحقيقة، وإرشاد دائم إليها، علما من الله تعالى بسرعة ما يقع للناس من الانحراف فيها بالفصل بين الاعتقاد وبين العمل الفكري والسلوكي، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران/191) الذي يجعل التفكّر في خلق الله من مظاهر الكون بعدا من أبعاد الإيمان بالله،
وقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ.../النور55
وقد ازداد هذا الانفصال بين الإيمان والعلم استفحالاً في واقع الأمّة لما نبتت فيها طائفة لا تكتفي بتأخير الأعمال غفلة وجهلا، ولكنها تؤمن بذلك مبدأ نظريا، وتعدّه فهمًا من أفهام الدين، وإذا كانت هذه النابتة قليلة العدد في إطار الأمة الواسعة، إلا أنها تسيطر على حظوظ الأمّة ومواقع القرار فيها، فأجرت الحياة العامّة على نمط لا صلة له بالعقيدة التي تبقى إيمانا مجردا في الأذهان لا علاقة له بتوجيه الحياة، وتلك النزعة هي المعروفة بالعلمانية في نوعها الذي لا يجحد المعتقدات ولكنه يراها حبيسة الشأن الشخصي غير معنية بالشأن العام.
ويقتضي ترشيد الاعتقاد في الذهنية الإسلامية أن تراجع في الأذهان علاقة المعتقد بالسلوك في اتجاه أن يعاد ربط الصلة بين الإيمان بالعقيدة وبين كل نوازع المؤمن إلى الفكر والعمل، بحيث يكون ما يعمر العقل من الاعتقاد كالإطار الذي يحيط بكل فكر وبكل عمل، أو كالمرجع الذي ينطلق منه ويعود إليه كل تصرّف المسلم بالفكر وبالسلوك.
إقرأ أيضا: العقيدة الإسلامية أساس الدين كله والمرجع الذي يوجّه الأحكام..
إقرأ أيضا: العقيدة الإسلامية من الدلالة الغيبية النظرية المؤسّسة إلى البعد العملي
إقرأ أيضا: ترشيد مدلول العقيدة في تصوّر المسلمين يستلزم نظرا جديدا في المفردات