“حزب الله” يستهدف عدد من المواقع التابعة للجيش الإسرائيلي
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
السبت, 9 ديسمبر 2023 5:48 م
متابعة/ المركز الخبري الوطني
.المصدر: المركز الخبري الوطني
إقرأ أيضاً:
“ارجم دميتك وامضِ: أُمّة تُساق بالتكبير في مآلات بلا معنى”
في انتظار سقوط الدمية الأخيرة،
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل المهووسون منا، وامنحنا القدرة والبصيرة على أن نفرّق بين الفعل الرمزي والمسرح العبثي.
في زاوية من هذا الخراب، يقف وزير إعلام بورتسودان،
لا ليفتتح مؤتمرًا للصحفيين أو منصة للحقيقة،
بل ليفتتح مهرجانًا لرجم الشيطان.
لا تسألني عن الشيطان، فقد أصبح له هيئة واسم ورتبة وبدلة شبه عسكرية،
يجرّها أحدهم في دمية إلى ساحة عامة، وتُقذف بالحجارة تكبيرًا وتهليلًا،
تحت شعار: "اللهم إن كان هذا سحرًا فابطله".
أيّ سحر هذا؟
هل هو سحر الأوهام الجماعية التي تجعل جماعة من الناس يظنون أنهم يقاتلون الشيطان عبر تمثاله،
بينما يحتسي الشيطان الحقيقي الشاي في مكاتب الحكومة؟
أم هو ذلك النوع من السحر الذي وصفه فرويد:
حين يتماهى الناس مع صورة "عدو مصنوع"، ليتفادوا مواجهة القبح الحقيقي في دواخلهم؟
وزير، بحقيبة رسمية وبدلة وابتسامة بلهاء،
يفتتح عملية رجم الدُمى.
نعم، نحن في السودان الجديد،
حيث لا تُحسم المعركة بل تُرمى الدمى،
وحيث يصبح الفعل الرمزي بديلاً للهزيمة العسكرية،
ويُغطى العجز السياسي بغبار الحجارة.
هنا لا نتحدث عن طقسٍ ديني أو موروث شعبي،
بل عن حالة نفسية تُصنَّف ضمن ما يُعرف في علم النفس الجماهيري بـ "الهستيريا الجمعية الرمزية"،
وهي محاولة تعويضية لتفريغ مشاعر الذنب والعجز من خلال طقوس لا تغيّر الواقع لكنها تُسكن الخيال.
وفي هذا السياق، يُطلق التحليل النفسي على مثل هذه الظواهر أيضًا اسم "ميكانيزمات التعويض الجمعي"،
حيث تقوم الجماعة التي تشعر بالهزيمة الأخلاقية والسياسية
بإسقاط تلك الهزيمة على كائن رمزي، تُعذّبه علنًا أمام الجميع لتستعيد وهم النقاء.
فبدل أن نُواجه سؤال:
"كيف سُمح لقائد المليشيا أن ينمو ويتسلّق من داخل المؤسسة العسكر ية الرسمية؟"
نذهب لرجم دُميته.
وبدل أن نُسائل الدولة عن تواطؤها البنيوي مع العنف،
نمنحها منصة لتتطهّر علنًا عبر مسرحية دينية/ثقافية،
يشرف عليها وزير يحمل لقب "الإعلام"،
بينما كل ما يُبث هو الضجيج.
الحرب في السودان تجاوزت مراحل الخراب إلى مساحات العبث.
من معسكرات النزوح إلى مسارح الشعوذة السياسية.
من جثث بلا أسماء إلى دمى لها ألقاب ورتب.
من مواجهة المجرمين إلى تمثيلهم في عرائس تُرمى بالحجارة.
والكل يصرخ: "الله أكبر"، وكأن الله بحاجة إلى تغطية إعلامية لمهرجانات التطهير النفسي الزائف.
كم من دمية نحتاج لرجمها كي نُقنع أنفسنا أن الخراب ليس بنيويًا؟
كم من شعار يجب أن نعلقه على جدار الوعي،
حتى نخفي به مآلات المشروع الإسلاموي الذي لا يزال يعيش بيننا
في شكل جنرال يرتدي بدلة مدنية، أو وزير ثقافة يرقص فوق ركام الحقيقة؟
لا أحد سأل: "كيف خرجت هذه المليشيا من رحم القوات المسلحة؟"
ولا أحد تجرأ أن يقول إن المليشيات ليست انحرافًا،
بل امتداد طبيعي لمنطق العنف المؤسسي.
وبدل أن نُسائل الدولة عن صمتها، عن رعايتها، عن انحدارها،
نقيم لها مهرجانًا تغسل فيه يدها بالحجارة،
وتُزيّن فيه ذاكرتنا بالهراء.
وما أكثر الدمى!
دمى تتكلم في الإعلام،
دمى تُدير الفعاليات الثقافية،
دمى تُحرّض منابر الجمعة،
ودمى تبتسم للموتى أمام الكاميرا.
كلها تحرّكها الخيوط ذاتها،
وتُقذف من خلف الستار ذاته،
ويُصفّق لها الجمهور ذاته،
الذي لا يريد أن يرى المسرح وهو يحترق.
من المؤسف أن نرى كيف تحوّلت المآلات إلى عروض تهريجية،
تُسكت الأسئلة وتُسلي الجماهير.
من المؤلم أن ترى الهشاشة وقد تحوّلت إلى سردية وطنية.
ومن المُضحك المبكي، أن نرجم دمية لنقنع أنفسنا بأننا نُقاوم،
بينما الشيطان الحقيقي يوقّع اتفاقيات في صالات مكيفة،
ويُعيد تشكيل الخراب على مقاس المرحلة المقبلة.
ووسط كل هذا، يظهر الوزير — لا كمثقف، لا كصاحب مشروع وطني،
بل كمخرج لعرضٍ رديء الإنتاج،
يليق بدولة تعاني من اختلاط الهوس الديني بالتسطيح السياسي.
فنحن لا نعيش في دولة،
بل في مسرحية سيئة الإخراج،
يجلس الجنرال في كواليسها، ويضحك.
وفي كل هذا، لا شيء يُضحك أكثر من يقينهم الزائف بأنهم فعلوا شيئًا.
ولا شيء يُبكي أكثر من تصفيق الناس.
لذا نقولها على طريقة أهلنا البجا:
الله هونيني.
فقد بلغنا مرحلة من الجنون،
أصبح فيها رجم دمية فعلًا سياسيًا،
و الهتاف باسم الله جزءًا من سلوك استعراضي
يُغطّي على فراغ مؤسساتي وفشل تاريخي،
ويُعيد إنتاج الخضوع في هيئة انتصار.
zoolsaay@yahoo.com