مرفأ قراءة... «الخرز الملون».. تغريبة النكبة والأرض المفقودة!
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
«..وفي الضفة الغربية وغزة أقوام ضائعون رغم أنهم يعيشون فوق أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم، هبوا يطالبون بأول مطلب حققه الإنسان البدائي وهو أن يكون لهم موطن مناسب يعترف لهم به، فكان جزاء هبتهم الباسلة النبيلة رجالًا ونساء وشبابا وأطفالًا تكسيرا للعظام، وقتلا بالرصاص، وهدما للمنازل، وتعذيبا في السجون والمعتقلات، ومن حولهم مائة وخمسون مليونا من العرب يتابعون ما يحدث بغضب وأسى، مما يهدد المنطقة بكارثة ما لم تتداركها حكمة الراغبين في السلام الشامل العادل.
(من كلمة نجيب محفوظ التي ألقاها نيابة عنه محمد سلماوي أثناء مراسم تسلمه جائزة نوبل للآداب عام 1988)
- 1 -
فرضت الأحداث نفسها على وجدان وذهن المرء -مهما حاول الفرار أو التناسي أو التغاضي!- ودون أن يشعر أو يقصد تتداعى على الذاكرة نصوص ظلت متوارية وبعيدة في قعر الذاكرة، لا لعدم أهميتها أو لنقص في قيمتها بل العكس هو الصحيح!
ثمة نصوص نقرأها ونستمتع بها ونحبها حبا جما، ثم نحفظها ونحتفظ بها في أعز مكان في ذاكرتنا في غشاء من المخمل الناعم وإطار مذهب فخم أنيق نضعه بحرص ونلمسه بإكبار حتى يحين موعد الرجوع وتأتي لحظة الاستدعاء!
ويبدو أن الحالة النفسية والشعورية -أو حتى اللا شعورية!- قد تقود إلى نصوص تتصل بشكل مباشر أو غير مباشر بما يدور حولنا، فيؤثر فينا أو نتأثر به وننفعل انفعالا قد يكون صاخبا أو دفينا لكنه في كل الأحوال يمثل حافزا ودافعا للاختيار والبحث عن روايات بعينها أو نصوص بذاتها!
من بين هذه النصوص التي فرضت حضورها واستدعاءها نص روائي بديع للكاتب والمسرحي والمترجم والروائي المصري محمد سلماوي الذي قدَّم للأدب العربي نصوصًا مسرحية حازت شهرة واهتماما نقديا وجماهيريا في تسعينيات القرن الماضي. من أهمها وأشهرها مسرحية «زهرة والجنزير» (1993) التي عالج فيها مشكلة الإرهاب وممارسة العنف باسم الدين، ويهمنا في هذا السياق مسرحيته المهمة «سالومي» التي صدرت قبل زهرة والجنزير، وتستلهم مأساة يوحنا المعمدان، وتضيف إليها أبعادا سياسية معاصرة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وسوف نعود إليها تفصيلا في حلقة تالية من (مرفأ قراءة)، ثم تأتي مسرحيته «رقصة سالومي الأخيرة» التي استكمل فيها سلماوي أسطورة سالومي، متخيلًا ما يمكن أن يكون قد حدث في التاريخ بعد واقعة قطع رأس يوحنا المعمدان. ولمحمد سلماوي نصوص قصصية قصيرة نشرت في أكثر من مجموعة قصصية، له ومترجمات شتى ودراسات، وأخيرًا نصه الروائي «الخرز الملون» الذي نتحدث عنه اليوم.
- 2 -
قرأت رواية «الخرز الملون» لأول مرة في العام 1996 -وإن كانت صدرت للمرة الأولى قبل هذا التاريخ بست سنوات، حيث نشرت مسلسلة في جريدة «الأهرام» عام 1991- حينما وقعت تحت يدي نسخة منها صادرة عن مشروع مكتبة الأسرة المصرية. نص روائي لا يزيد عدد صفحاته على المائة والستين صفحة تقريبًا -وأرجو أن يسامحني القارئ لو زادت قليلا أو نقصت قليلا فأنا أكتب من الذاكرة، والرواية ليست بين يدي الآن!-
وأذكر جيدًا أنني بمجرد أن شرعت في قراءة الرواية لم أتركها حتى أتممتها في جلسة واحدة! كانت ممتعة ومؤسية للدرجة التي تابعت فيها القراءة، واستغرقت فيها تمامًا دون أن أشعر بالزمن أو ما حولي، فقط أرى وأسمع وأنفعل بما أقرأه من أحداث خصوصًا أنها كانت الرواية الأولى التي أقرأها في ذلك السن المبكر -كان عمري آنذاك خمسة عشر عاما- التي تعرض المأساة الفلسطينية وفواجعها الكبرى، وتعرض مشاهد مؤلمة من وقائع النكبة والتهجير القسري والمذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في حق الفلسطينيين وإخراجهم عنوة من بيوتهم وقراهم الفلسطينية، ومن ثم بدء رحلة الخروج والشتات والتغريبة الفلسطينية المستمرة حتى اللحظة.
بطلة الرواية فلسطينية أخرجت قسرا مع عائلتها من أرضها بفلسطين، واسمها نسرين خوري وكانت تعمل بالصحافة، وتنتمي لأسرة تعود جذورها إلى ما قبل 48، ومن خلال تتبع مراحل حياتها منذ الميلاد إلى الصبا والشباب والنضج ثم تختتم الرواية بواقعة انتحارها بإلقاء نفسها من أعلى جبل المقطم بالقاهرة، نتابع أيضًا في مسار مواز المفاصل الرئيسية في المأساة الفلسطينية، منذ الأربعينيات وحتى هزيمة يونيو 1967، ثم حرب أكتوبر 73 ومحادثات السلام وانتهاء بتوقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979.
- 3 -
وقد أخبرني مؤلف الرواية، في حوارٍ سابق دار بيننا بمناسبة صدور الجزء الأول من سيرته الذاتية (يوما أو بعض يوم) عام 2017، وقد تطرق الحديث آنذاك إلى روايته «الخرز الملون»، وأنها مستقاة من أحداث حقيقية، فصاحبتها الفلسطينية كانت تربطها به صداقة قوية، وتأثرا بسيرة حياتها والوقائع التي مرت بها والتي توازت مع مسار القضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى توقيع اتفاقية السلام في 1979، قرر سلماوي أن يكتب رواية تمزج بين المرجعي والمتخيل، والسرد الحر الذي يوظف تقنيات كتابة الرواية بحرية كاملة، فتكون في وجهٍ من وجوهها رواية خيالية خالصة، تنشأ شخوصها من بنات أفكار مؤلفها دون أن تكون صورة بالكربون من أصولها أو نماذجها الواقعية، كما تكون في وجه آخر أشبه ما يكون برواية تسجيلية "توثيقية".
إنها كما يقول الناقد الراحل علاء الديب "رواية «الخرز الملون» اقتراب فني جريء من قضية العرب التي تهيمن على وجودنا، وهي تضعنا تحت ضوء متجدد يعرينا حتى النخاع".
في أدبنا العربي المعاصر، لدينا نماذج عديدة من الروايات العربية المعاصرة التي وظفت "التوثيق" و"التسجيل التاريخي" المحايد في بنيتها الروائية، من أشهر هذه الأعمال على سبيل المثال رواية «بيروت بيروت» للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، ويمكن أن نضيف لهذا النوع من الروايات أيضًا رواية بهاء طاهر «الحب في المنفى» التي صدرت في عام 1994، وكذلك رواية رضوى عاشور «الطنطورية» التي قدمنا لها قراءة قبل أسبوعين هنا في (مرفأ قراءة).. وهكذا.
- 4 -
مؤلف الخرز الملون وإن كان قد استعان ببعض التواريخ والإحالات المرجعية التاريخية بغرض "التوثيق" لكنه يؤكد أنه لا يستخدم التاريخ ولا ينقله كما هو "إنني فقط نقلت جوهر المأساة التي عاشتها هذه الشخصية. وقد سعدت كثيرا حين قرأت ابنتها الرواية وقالت إن هذه الرواية مختلفة عن الحقيقة من أساسها إلا أنها تشعر أن والدتها لو كانت قد مرت بنفس هذه الأحداث لتصرفت كما وصفتها الرواية تماما".
وبالنسبة للأحداث السياسية التي أحاطت بحياة بطلتها الرئيسية "فهنا يكون الكاتب أقل حرية في تبديل وتغيير الوقائع التاريخية التي مرت علينا، ومن هنا جاء الجانب التسجيلي في هذه الرواية ملتزماً بالأحداث كما وقعت دون أي تبديل أو تعديل وإن كنت أبدي فيها وجهة نظر قد تختلف مع بعض من يؤرخون لهذه الأحداث"، بحسب ما يقول سلماوي.
صدرت الطبعة الأولى من رواية «الخرز الملون» عام 1991 عن دار ألف، ثم صدرت طبعة تالية لها عن دار الشروق (1994) ثم صدرت طبعة مكتبة الأسرة عام (1996) وهي التي قرأناها واعتمدنا عليها، ولا أعلم إن كانت صدرت طبعات أخرى لها منذ ذلك التاريخ أم لا. وإن كانت هناك إشارات ببليوجرافية تفيد بأنها ترجمت إلى الفرنسية عام 2009 وصدرت في باريس عن دار نشر تسمى "أرتشيبل" تحت عنوان «خرزات الغضب»..
(وللحديث بقية)
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رستم: لن تكون عكار بيئة حاضنة لأي شخص تدور حوله شبهات
بحث النائب أحمد رستم بحث مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في مسألة تجدّد النزوح السوري إلى عكار.
وأكّد النائب رستم انّ" الجيش هو صمّام الأمان، وأن الشعب العكاري يدرك أن المرحلة تتطلّب وعيًا وحكمة، ولن تكون عكار بيئة حاضنة لأي شخص تدور حوله شبهات".
مواضيع ذات صلة فيديو لمكان دفن نصرالله كوديعة.. الناس يتحلّقون حوله Lebanon 24 فيديو لمكان دفن نصرالله كوديعة.. الناس يتحلّقون حوله 14/03/2025 13:06:41 14/03/2025 13:06:41 Lebanon 24 Lebanon 24 حمادة: ما حصل من قتل متعمّد لطفلة في حولا وصمة عار Lebanon 24 حمادة: ما حصل من قتل متعمّد لطفلة في حولا وصمة عار 14/03/2025 13:06:41 14/03/2025 13:06:41 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. جندي لبناني يتحدى الإسرائيليين في حولا Lebanon 24 بالفيديو.. جندي لبناني يتحدى الإسرائيليين في حولا 14/03/2025 13:06:41 14/03/2025 13:06:41 Lebanon 24 Lebanon 24 الدفاع المدني: سحب جريحين من بلدة حولا وسط تحديات ميدانية Lebanon 24 الدفاع المدني: سحب جريحين من بلدة حولا وسط تحديات ميدانية 14/03/2025 13:06:41 14/03/2025 13:06:41 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً دارة ميقاتي تحتضن لقاء موسعاً: نرفض التطبيع وأحداث الساحل السوري مُدانة Lebanon 24 دارة ميقاتي تحتضن لقاء موسعاً: نرفض التطبيع وأحداث الساحل السوري مُدانة 06:07 | 2025-03-14 14/03/2025 06:07:01 Lebanon 24 Lebanon 24 حملة لإزالة التعديات عن خط مياه نبع "اللجوج" في بعلبك Lebanon 24 حملة لإزالة التعديات عن خط مياه نبع "اللجوج" في بعلبك 06:46 | 2025-03-14 14/03/2025 06:46:07 Lebanon 24 Lebanon 24 دعموش: ما يتعرض له لبنان من احتلال واعتداءات هدفه الضغط لاستدراجه نحو التطبيع Lebanon 24 دعموش: ما يتعرض له لبنان من احتلال واعتداءات هدفه الضغط لاستدراجه نحو التطبيع 06:43 | 2025-03-14 14/03/2025 06:43:49 Lebanon 24 Lebanon 24 قبلان: البلد يعيش في قعر الأزمات وإمكان النهوض به من دون تضامن وتعاون وطني أمر صعب Lebanon 24 قبلان: البلد يعيش في قعر الأزمات وإمكان النهوض به من دون تضامن وتعاون وطني أمر صعب 06:42 | 2025-03-14 14/03/2025 06:42:29 Lebanon 24 Lebanon 24 عيتاني مكرَّماً من موظفي مرفأ بيروت: تشغيله مسؤولية وطنية بامتياز Lebanon 24 عيتاني مكرَّماً من موظفي مرفأ بيروت: تشغيله مسؤولية وطنية بامتياز 06:40 | 2025-03-14 14/03/2025 06:40:15 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة حزن واسع.. وفاة تيكتوكر شهيرة بعد تعرّضها لضيق في التنفس! Lebanon 24 حزن واسع.. وفاة تيكتوكر شهيرة بعد تعرّضها لضيق في التنفس! 11:04 | 2025-03-13 13/03/2025 11:04:01 Lebanon 24 Lebanon 24 هذه السيرة الذاتية لقائد الجيش رودولف هيكل Lebanon 24 هذه السيرة الذاتية لقائد الجيش رودولف هيكل 08:03 | 2025-03-13 13/03/2025 08:03:32 Lebanon 24 Lebanon 24 قصة اغتيالات "قادة حزب الله".. رسائل نفسية وعسكرية Lebanon 24 قصة اغتيالات "قادة حزب الله".. رسائل نفسية وعسكرية 12:30 | 2025-03-13 13/03/2025 12:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 جنبلاط: لا أُريد أنّ يأتي هؤلاء في 16 آذار Lebanon 24 جنبلاط: لا أُريد أنّ يأتي هؤلاء في 16 آذار 10:25 | 2025-03-13 13/03/2025 10:25:17 Lebanon 24 Lebanon 24 ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت "يتحرّك" من جديد.. ماذا تغيّر؟! Lebanon 24 ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت "يتحرّك" من جديد.. ماذا تغيّر؟! 13:30 | 2025-03-13 13/03/2025 01:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 06:07 | 2025-03-14 دارة ميقاتي تحتضن لقاء موسعاً: نرفض التطبيع وأحداث الساحل السوري مُدانة 06:46 | 2025-03-14 حملة لإزالة التعديات عن خط مياه نبع "اللجوج" في بعلبك 06:43 | 2025-03-14 دعموش: ما يتعرض له لبنان من احتلال واعتداءات هدفه الضغط لاستدراجه نحو التطبيع 06:42 | 2025-03-14 قبلان: البلد يعيش في قعر الأزمات وإمكان النهوض به من دون تضامن وتعاون وطني أمر صعب 06:40 | 2025-03-14 عيتاني مكرَّماً من موظفي مرفأ بيروت: تشغيله مسؤولية وطنية بامتياز 06:31 | 2025-03-14 نصار: ملف انفجار المرفأ يعود إلى مساره الصحيح وسيستكمل حتى نهايته فيديو بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر Lebanon 24 بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر 04:22 | 2025-03-14 14/03/2025 13:06:41 Lebanon 24 Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو) Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو) 02:26 | 2025-03-14 14/03/2025 13:06:41 Lebanon 24 Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية 05:00 | 2025-03-12 14/03/2025 13:06:41 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24