عاد الإسلام غريبًا كما بدأ غريبًا
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
راشد بن حميد الراشدي **
لقد عاد الإسلام غريبًا كما بدأ غريبًا، وقد أصبحت سنن الكون تعبث فيها اليوم شرذمة تتحكم في شؤون النَّاس في عالم بات عجيبًا حكمه وقوله وأفعاله.
أكثر من مليار مُسلم يشكلون أكثر من ثلث من يُعمِّرون ويسكنون الأرض في سبات وفي هويةً سحيقة فرضتها عليهم أنظمة علمانية متصهينة، فجعلتهم تائهين في الأرض باحثين كالأنعام عن شهواتهم وملذاتهم الدنيوية، فأردناهم صرعى بين أتون حياة ما خلقهم الله فيها إلا لعبادته وعمارة أرضه واستخلافها بالخير والصلاح.
لقد عاد الإسلام غريبًا كما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحاطًا بأعداء الله من كل صوب ليقضوا عليه ولكن بفضل إرادة الله وجهاد فئة قليلة تحقق النصر؛ فسطع نوره في السموات والأرض، واليوم يعود غريبًا ليس من قلة عدد وعُدة، وإنما من خيانة وضعف إيمان والبحث عن الملذات والسعي نحو العزة والمجد التي خلّفت من يركع تحت طغيان أعداء الله ورسوله، فباع البعض نفسه للشيطان لنرى هذا الخوان الذي جعل من بيننا من هم مُستعبدين.
لقد عاد الدين غريبًا وأطفال ونساء وشيوخ وشباب فلسطين يقتلون بلا ذنب ولا هوادة، جرمهم الوحيد الدفاع عن دينهم ووطنهم وعزتهم وكرامتهم وإخوانهم قد أطبق عليهم الصمت خوفًا من فتك اليهود بهم فلا رادع يردعهم ولا أمة تقمعهم، ارتكبوا ابشع مجازر التاريخ والكل مكتوف الأيدي حتى من الصراخ في وجه الشيطان فقد باع المسلمون أنفسهم وأصبحوا قوما خواء وكثرةً كغثاء السيل لا فائدة منه.
عاد الإسلام غريبًا وقد تبدلت في بعض بقاع الأرض مسمياته بأسماء غريبة تدعو للتسامح والتشارك مع عقائد فاسدة لأنه دين يدعو إلى الوحشية والكراهية وهو الذي أُنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين وهدى للمتقين وسعادة للإنسان في منهاج حياته واصطفاءً له من رب العالمين ليعيش في سلام ًوأمان واطمئنان مقرونا بمرضاة ربه وصلاح أمره فعادت حبائل الشيطان تملأ الأكوان بظلمها وفجورها وبغيها حتى تكالبت علينا الأمم.
اليوم محّص الله الحق من الباطل ففضح الجميع أمام الأشهاد في غرابة دينهم وسوء عملهم وقبح جريرتهم فما حصدته أيديهم اليوم من مساندة ودعم للظالم سيعود عليهم غدَا وبالًا وأضعافًا مضاعفة فالله غالب على أمره ولن ينسى أمر عباده المستضعفين فلا أحقر من خيانة الأخ لأخيه وأذل من باع دينه وخلقه وعزته وكرامته لمحتل ظالم غاشم.
عاد الإسلام غريبًا وسيشع نوره من جديد على أيدي عباده المتقين فإنما هي ظلمة ليل سيشرق فجرها غدًا بإذن الله وستنكشف الغمة التي سادت الأكوان وإن نصر الله قريب.
فدين الله غالب، وهو المنتصر لأنه دين الحق نزل من رب العالمين وسيعود منتصرًا بإذن الله يحكم بالخير بين أهل الأرض من عباده المتقين الصالحين.
اليوم نرفع أكف الضراعة والدعاء لله الواحد القهار أن ينصر إخواننا في فلسطين ويخزي عدوهم ويشتت شمله في البلاد كما شتت بظلامهم من قبل، فلا مستقبل للعدو سوى الدمار والشتات بإذن الله.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
امام وخطيب المسجد الحرام: قوة أمة الإسلام وصلابتَها تقوم على وحدتها واجتماع كلمتها
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة اليوم إن المقرر في عقيدة كل مؤمن أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ تَحْتَ قَهْرِ الله وَغَلَبَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فجَمِيعُ أنْواعِ القُوى ثابِتَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَهُ تَعالى وهو المتفرد بالقوة جميعًا؛ فيجب أن يتعلق قلب المؤمن بالقوي المتين، فقدرته فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة:؟إن ربك هو القوي العزيز? فيوقن المؤمن بأن الله عز وجل لا يعجزه ولا يغلبه ولا يعزب عنه شيء، القادر والمالك لكل شيء، والمحيط والعالم بكل شيء، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وبين فضيلته أن من فقه القوة أن تدبير هذا الكونِ كلِّه بيد الله سبحانه، وأن ما سواه لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة، ولا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.. فكيف يملك ذلك لغيره؟! ومن فقه القوة أن كل من أعجب بقوته من الخلق فاستعظمها واعتمد عليها خسر وهلك.
وأكد الدكتور غزاوي أن الإنسان ضعيف من جميع الوجوه وفي كل أموره، قال تعالى: “وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا”، وكيف للعبد الضعيف أن يغتر بقوته وقدرته، وينسى كيف كان حاله، وما هو إليه صائر، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن يُري العبدَ ضعفَه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا.
وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه.
وأوضح فضيلته انه مما يدفع عُجْبَ المرء بقوته أن يعلم أنها فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليقوم بحقها، وأن العجب بها كفران لنعمتها، مشيرًا إلى إن المؤمن يستمد قوته وعزيمته من ربه سبحانه ويتبرأ من حوله وطوله، ويعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولا يَقوى على فعل شيء إلّا بتأييد مِنه سبحانه، وهذا ما يقر به المخبتون إلى الله، مبينًا أن ذكر الله يُقوي القلب والبدن، فهو يزيد النفس ثباتًا، والقلبَ طمأنينة، والإنسانَ رباطةَ جأش، كما أنه يقوي الجسد.
اقرأ أيضاًالمملكة“مُحافظ هيئة الصناعات العسكرية”: المملكة خصّصت 78 مليار دولار للقطاع العسكري في ميزانية 2025
وأكد فضيلته على أن المؤمنون لا يعتَدُّون بقوتهم مهما بلغت ولا يغترون بما لديهم من عدد وعدة ولا يعتمدون عليها، مع أنهم مأمورون بالأخذ بأسباب القوة المعنوية والمادية، وعدم الركون للضعف، ومتى كان الاغترار بالقوة والكثرة لم يغن ذلك عنهم شيئًا، وأن النصر والغلبة مرتبطة بميزان القلوب لا بميزان القوى، كما أن قوة أمة الإسلام وصلابتَها تقوم على وحدتها واجتماع كلمتها، وأن التفرق والشتات هو من أسباب الفشل وذهاب الهيبة والغلبة، ففضّل النبيّ عليه الصلاة والسلام المؤمن القوي على المؤمن الضعيف، على الرغم من وجود الخيريّة في كلٍّ منهما، ذلك أن المؤمن القوي أكثر نفعًا وأعظم أثرًا؛ إذ يُنتج ويَعمل بما يعود عليه بالنفع لنفسه ويُحقّق مصالح المسلمين، ويعود عليهم بالخير والنصر على الأعداء والدفاع عن الدين ودحر الباطل وأهله، ويُنتفع بقوته البدنية، وبقوته الإيمانية، وبقوته العملية.
ومما ينبغي أن يعلم أن قوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، فإن استعمل الإنسان هذه القوة فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة وفيما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والطاعات صارت محمودة، وإن إستعان بهذه القوة على معصية الله كالبطش بالناس وإيقاع الضرر بهم صارت مذمومة ومن فقه القوة، فالقويُّ الشديدُ حقيقة هو الذي يجاهد نفسَه ويقْهَرُها حينما يَشتدُّ به الغضبُ؛ لأنَّ هذا يدل على قوّة تَمَكُّنِهِ من نفسه وتَغَلُّبِه على الشيطان ومن الفقه أيضًا أن القوة ليست دائمًا فيما نقول ونفعل بل تكون أحيانًا فيما نصمت عنه وفيما نتركه بإرادتنا وفيما نتجاهله ونتغافل عنه.
وشدد فضيلته على حاجة المرء إلى قوة وعزيمة ليَأخذَ الحقَّ بجد واجتهاد، مبينًا إنّ هناك أسبابًا وعوامل تؤدّي بمجموعها إلى تكوين مقوّمات قوّة المسلمين فمن ذلك: التمسّك بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والعملُ بشرع الله القويم في شتى جوانب الحياة، وتركُ الأهواء ونبذُ البدع والانحرافات، واستحضارُ التاريخ الإسلامي؛ ليُستذكر من خلاله تاريخُ الأمّة المجيد وماضيها التليد، مما يشحذ النفوس، ويبعث العزائم، ويدعو إلى التفاؤل بأنّ التمكين لهذا الدين والنصرَ حليفُ المؤمنين، فيستشعرون المسؤولية المنوطة بهم، ويسعون في إصلاح مجتمعاتهم، ويتحرون ما هو خَيْرٌ وأصْلَحُ في كُلِّ ما يأْتُونَ وما يذَرُونَ، وإن للقوة مظاهر عدة في حياة المسلم منها: قوة الإيمان وقوة الأخذ به، وقوة الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم، وقوة الثبات على الدين والتمسك بالحقّ، وقوة البصيرة الناشئة عن العلم النافع، وقوة العبادة والطاعة واستباق الخيرات، وقوة الصبر على الأقدار المؤلمة والمصائب واحتمال المشاق في ذات الله، وقوة العزيمة والإرادة وقوة الامتناع عن الشهوات وكبح جماح النفس، وقوة الرأي ووضع الأمور مواضعها، وقوة أداء المهمات وحفظ الأمانات، وقوة الدعوة إلى الله وبذل النصيحة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما أعظمَ نعمةَ الله على من صرفَ جهده وطاقته في الوجه المشروع، ومُتع بجوارحه وأعضائه وقواه مدة بقائه في الدنيا، واغتنم قوته ونشاطه قبل الضعف والعجز، واختتم فضيلته خطبته قائلًا نحن في شهر شعبان وهو كالمقدمة بين يدي رمضان وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الصيام، قال ابن رجب رحمه الله: في سياق بيان حكمة الصوم في شعبان: “إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن”.