سودانايل:
2025-01-19@00:05:27 GMT

هنري كسنجر…قرن من العمر والدبلوماسية

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

غيب الموت مطلع هذا الشهر بعد أن بلغ الدبلوماسي ومنظر السياسات الخارجية الأميركية والاستراتيجية الأشهر هنري كسنجر عامه المائة 1923-2023 قضى ثلثها متربعاً على عرش الدبلوماسية والقضايا الدولية وأزماتها العالمية الممتدة عبر قارات العالم. وقد احتفل الدوائر ذات الاهتمام في العالم قبل مدة بمئوية ساحر الدبلوماسية على نطاق واسع خاصة وأن هنري كسنجر لم يتوقف عن لعب الدور المرجعي لكافة الإدارات الرئاسة الأميركية منذ دخوله شاباً إلى دائرة الأمن القومي ومن ثم قيادة دفة الدبلوماسية الأميركية في إدارتي فورد ونيكسون ومستشاراً في إدارة ملفات ولجان سياسية داخلية إلى عهد ريغان وجورج بوش الأبن.

وظل حضوره وفاعلاً في المشهد الدولي منذ منتصف القرن العشرين. ولم يكن هنري كسنجر موظفاً دبلوماسيا تقليدياً، فمن خلال موقعه المرموق كمفكر بارز وسياسي مثقف غطت مؤلفاته العديدة الكثير من القضايا السياسية وتاريخ الدبلوماسية والأسلحة النووية والذكاء الصناعي بالإضافة إلى تعليقاته حول قضايا العالم بدون توقف حتى اصدار آخر كتبه وهو في عقده العاشر فقد صدر له مؤخراً كتابه (القيادة، ست دراسات في الاستراتيجية العالمية) وأخيراً رأيه المثير حول الحرب الروسية الأوكرانية مؤخراً في قمة دافوس 2022م حين اقترح للخروج من الأزمة الروسية الأوكرانية بتنازل الأخيرة عن جزء من أراضيها.
وكانت حياة الدبلوماسي المئوي الراحل الذي ينحدر من عائلة يهودية ألمانية فرت من جحيم النازية في الحرب العالمية الثانية إلى الولايات المتحدة التي عمل في جيشها جندياً في جيشها أقل إثارة من دوره في تأجيج والتحكم في حروب العالم وصراعاته؛ وصكه لمصطلحات رافقت مرحلة الحرب الباردة من حرب محدودة التوتر إلى الدبلوماسية المكوكية في الشرق الأوسط. وقبلها بالطبع سياسات الاحتواء والردع النووي في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق. ولم تكن الصين القوة الصاعدة في مواجهة الولايات المتحدة بعيدة عن تفكير الرجل وهو من كسر جدار العزلة بترتيب زيارة الرئيس الأميركي نيكسون للصين منتصف السبعينات مدشناً سياسة انفتاح جديدة بل وخصّها بكتاب يحمل اسم ها (الصين).
فقد كانت لحياته وما مرّ به من تجربة تحولات عميقة التي حدثت في حياته الجديدة في اميركا وصعوده اللامع وتقاطع معتقداته الدينية كيهودي اوربي يحمل اسم هاينريش تحول لاحقاً إلى هنري وحصوله على الجنسية الأميركية بعد انتهاء الحرب والتحاقه بجامعة هارفرد المرموقة؛ كلها اثرت في تكوين شخصية هذا الغول الدبلوماسي. ويكاد هوسه بالتاريخ وتاريخ الدبلوماسية ملازماً لكل كتاباته منذ أن قدَّم أطروحتيه في الماجستير والدكتوراه (معنى التاريخ، تأملات في شبلنغر وتونيبي، وكانت)، و (عالم تمت استعادته، ‬مترنيخ وكاستليرج ومشكلات السلام) وقد اعيد طبع الثاني بعد سبعين عاماً من صدوره بالإضافة إلى عدد من المؤلفات والمذكرات. فكان مدار التاريخ واحداثه مدخله إلى تفسير الوقائع وسياسية الدبلوماسية ورؤية تشكل نظم العالم على ضوء المؤثرات التاريخية التي صاغت خارطة التوازنات الاستراتيجية. وتبقى القوة نقطة محورية في تصورات كسنجر للسلام والحرب معًا، وهي بالتفسير السياسي -برأيه- السياسية الواقعية Realpolitik وهي ربما جعلت تركيزه على قوة توازن النظام العالمي منذ حروب أوربا في مرحلة ما بعد الدولة القومية إلى انهاء حرب فيتنام التي قاد مفاوضاتها ومنح جائزة نوبل للسلام. وطالما مزج بين رؤيته للتاريخ وممارسته وتصوراته فيما بعد لحلول التفاوض والدبلوماسية من خلال مؤلفاته في الدبلوماسية والقوة النووية ومباحثات السلام والاستراتيجية.
ولعل الذاكرة السياسية العربية تسترجع دوره في المنطقة في صلب أزمة القضية الفلسطينية حين ظهر هنري كسنجر على مسرح الأحداث في حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل والمفاوضات التي عرفت فيما بسياسة فك الاشتباك De-engagement أي وقف إطلاق النار بين مصر (العرب) وإسرائيل وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى ما عرف باتفاقية سلام كامب ديفيد والاعتراف بدولة إسرائيل. واتبع كسنجر دبلوماسية عرفت بالمكوكية بين القاهرة، والرياض وتل ابيب محاولاً اقناع الأطراف بالتوصل إلى سلام دائم يضمن أمن إسرائيل؛ ويضمن أيضا امداد النفط العربي بعد حظر النفط الشهير الذي هدد الاقتصاديات الغربية. تدخل اميركا في سياسات الشرق الأوسط أدى الى خروج الاتحاد السوفيتي من المنطقة وأصبح الفضاء اميركياً بالكامل في سياق السياسات الأميركية الخارجية وعلاقتها بإسرائيل، وهذا ما عدَّ انجازاً لوزير الخارجية الأميركي البارز. فقد تأثرت إدارته لملف الصراع العربي الإسرائيلي بخلفياته اليهودية، وانحياز سياسات الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل مما عزّز ما دعم أميركي غربي مفتوح لإسرائيل للممارسة سياساتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسريع وتيرة التطبيع مع الدول العربية بإسناد أميركي.
واجهت سياساته الخارجية التي عكست المصالح الأميركية كأولوية قصوى اثناء توليه لمنصبه وزيراً للخارجية ومستشارا لأمن القومي الأميركي وبعد أن غادره هجوماً شرساً لم يخل بوصفه مجرم حرب تجب محاكمته بحسب خصومه وخاصة دوره في انقلابات اميركا اللاتينية في سبعينات القرن الماضي بذريعة محاربة التمدد الشيوعي، دور المؤامرات التي نفذتها المخابرات الأميركية. وكما يقول عنه المؤلف البريطاني الأميركي كرستوفر هيتشنز صاحب كتاب (محاكمة كسنجر). وهو يرى أن كسنجر لا يختلف عن الديكتاتورين ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية تجب محاكمته. وظل شبح هذه الاتهامات يطارد عجوز الدبلوماسية الأميركية في حياته، ولكن من دون أن تطاله العدالة كما رغب خصومه.
إن مسار حياة الراحل هنري كسنجر في الحياة الدبلوماسية والسياسة الدولية تستدعي التوقف خاصة وأن الرجل عاش احداثها على مدى السنوات التي أطلق عليها سنوات الفوران، وبكل ما لعب فيه وأثر بشكل أو اخر في صراعاتها وأزماتها مختلف بؤر العالم الملتهبة. ولم تعد سيرته بعد عامه المئة تعكس جديداً بعد أن تناولها الكثيرون وما كتب عنه من المؤلفات العامة والأكاديمية ككاتب السير الذاتية الأميركي والتر ايزاكسون بقدر دوره الذي لعبه خلال سياسيات القرن العشرين. ومنذ أن غادر منصبه لعقود خلت لم تغادره الأضواء كمنظر ومؤرخ للسياسات الدولية والتطورات الإنسانية الأخرى كالعولمة وغيرها من ظواهر عالمية. ومهما يكن من أمر التناقضات التي أثارها الرجل في حياته الممتدة يبقى أحد أهم دبلوماسي ومهندسي سياسات القرن العشرين وأزماته.

nassyid@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

والدة الصحفي الأميركي أوستن تايس تبحث عنه في دمشق

وصلت والدة الصحفي الأميركي أوستن تايس، الذي خُطف خلال رحلة عمل إلى سوريا في أغسطس/آب 2012، إلى دمشق اليوم السبت لتكثيف جهود البحث عن ابنها، وعبّرت عن أملها في أن تتمكن من العودة معه إلى الوطن.

وعمل تايس مراسلا مستقلا لصحيفة "واشنطن بوست" وشركة "ماكلاتشي" للنشر، وكان من أوائل الصحفيين الأميركيين الذين وصلوا إلى سوريا بعد اندلاع الصراع هناك.

وقادت والدته ديبرا تايس السيارة إلى العاصمة السورية قادمة من لبنان مع نزار زكا رئيس منظمة "هوستيدج إيد وورلد وايد" المعنية بمساعدة الرهائن في أنحاء العالم والتي تبحث أيضا عن أوستن وتعتقد أنه لا يزال في سوريا.

وقالت ديبرا لرويترز في دمشق "أتوق إلى ضم أوستن بين ذراعي خلال وجودي هنا. سيكون ذلك أفضل شيء".

وكانت ديبرا زارت العاصمة السورية آخر مرة في 2015 للقاء مسؤولين سوريين للاستعلام منهم عن مصير ابنها قبل التوقف عن منحها تأشيرات الدخول. وتركت ديبرا منزلها في ولاية تكساس الأميركية وعادت لزيارة دمشق مجددا بعد أن أطاحت المعارضة المسلحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأضافت "أشعر بشدة أن أوستن هنا، وأعتقد أنه يعرف أنني هنا.. أنا هنا".

وتأمل ديبرا وزكا في الاجتماع مع الإدارة السورية الجديدة، بمن في ذلك قائدها أحمد الشرع للضغط من أجل الحصول على معلومات عن أوستن. والاثنان متفائلان أيضا بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي سيتم تنصيبه يوم الاثنين، سيتابع هذه القضية.

إعلان

وقالت ديبرا "آمل في الحصول على بعض الإجابات. وبالطبع، لدينا حفل تنصيب يوم الاثنين، وأعتقد أن هذا يجب أن يحدث تغييرا كبيرا".

وأضافت "أعلم أن الرئيس ترامب مفاوض بارع، لذا لدي ثقة كبيرة فيه. لكن الآن لدينا شخص مجهول في هذا الجانب (السوري). من الصعب معرفة ما إذا كان أولئك الذين يتقلدون زمام الأمور الآن لديهم معلومات عن (ابني)".

وخُطف تايس، الذي يبلغ حاليا 43 عاما، في أغسطس/آب 2012 خلال تنقله عبر داريا بريف دمشق. وأوردت رويترز في ديسمبر/كانون الأول أن تايس، وهو جندي سابق في مشاة البحرية، تمكن في عام 2013 من الهروب من زنزانته وشوهد وهو يتحرك بين منازل في شوارع حي المزة الراقي بدمشق.

وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن قوات تابعة للأسد على الأرجح هي التي ألقت القبض عليه مجددا بعد وقت قصير من هروبه.

وزارت ديبرا سوريا في عامي 2012 و2015 للقاء مسؤولين سوريين، لكنها أوضحت هي وزكا أن السلطات لم تؤكد قط أن تايس كان محتجزا لديها.

وانتقدت ديبرا إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن قائلة إنهم لم يتفاوضوا بالقوة الكافية من أجل إطلاق سراح ابنها حتى في الأشهر القليلة الماضية.

وأضافت "لقد شعرنا بالتأكيد أن الرئيس بايدن كان في وضع جيد للغاية لبذل كل ما في وسعه لإعادة أوستن إلى الوطن، أليس كذلك؟ أعني كان من الأفضل له لو فعل ذلك في نهاية مسيرته. لذلك كانت لدينا توقعات. لقد عفا عن ابنه، أليس كذلك، أين ابني؟".

وذكرت أن "عقلها كان مشتتا" بينما كانت تقود سيارتها عبر الحدود اللبنانية إلى سوريا، وبكت وهي تتحدث عن عشرات الآلاف الذين جرى احتجاز أحبائهم في سجون الأسد سيئة السمعة والذين لا يزال مصيرهم مجهولا.

وتابعت "لدي الكثير من القواسم المشتركة مع الكثير من الأمهات والعائلات السورية، وأفكر فقط في كيفية تأثير ذلك عليهم -هل لديهم نفس الأمل الذي لدي؟ هل سيفتحون الباب ويرون أحباءهم؟".

إعلان

مقالات مشابهة

  • فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
  • والدة الصحفي الأميركي أوستن تايس تبحث عنه في دمشق
  • زي النهارده.. الملك هنري السابع يتزوج إليزابيث يورك ابنة إدوارد الرابع
  • الدبلوماسية المصرية تنصر غزة.. قوة المفاوضات ومئات اللقاءات والاتصالات والمؤتمرات
  • أعضاء في “الشيوخ الأميركي” يقدمون مشروعاً لتصنيف “الحوثيين”  
  • زي النهارده.. ملك فرنسا هنري الرابع يُعلن الحرب على إسبانيا
  • استكمال أعمال الإنشاءات في مشروع توسع شركة سبيكترو ألويز الأميركية
  • العاصمة الإدارية الجديدة تستقبل وفودًا رفيعة المستوى من زوجات رؤساء البعثات الدبلوماسية
  • وكيل «الشيوخ»: مصر سخرت كل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية لوقف الحرب في غزة
  • الرئيس الأميركي يرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة