جريدة زمان التركية:
2025-05-01@06:40:34 GMT

“طوفان الأقصى” حرب استنزاف.. 

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

بقلم: اللواء د. شوقي صلاح

الخبير الأمني وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية 

– بداية: الصراع الذي تدور رحاه في غزة المحتلة وإسرائيل الآن، وكذا الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، هي بحسب الأصل حروب بالوكالة، فالخصوم الحقيقين هما: المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وروسيا الاتحادية من ناحية أخرى.

. والبداية كانت بدفع روسيا إلى غزو أوكرانيا في 21 فبراير 2021، بعد جولات من إعداد الأخيرة لضمها للناتو، خاصة بعد تولي فولوديمير زيلينسكي الموالي للمعسكر الغربي رئاسة أوكرانيا في مايو 2019، ثم بدأ مسلسل الاستنزاف لروسيا التي كانت تنطلق بسرعة الصاروخ على المستويين العسكري والاقتصادي، فتم توقيع عقوبات اقتصادية هائلة عليها مع استنزافها في حرب هجينة يطول أمد الصراع فيه سعيًا لانهيارها اقتصاديًّا ثم عسكريًّا، ولولا أن القيادة الروسية كانت قد أعدت العدة لهذا الصراع الشرس.. لسقطت بالفعل، ومع هذا فإن الحرب في أوكرانيا لا شك أنها استنزفت بقوة الدولة الروسية، لذا فإن روسيا قد عوضت خساراتها الجسيمة بضم أراضي من أوكرانيا تزيد على خمس مساحة الأخيرة، بما فيها من ثروات كتعويض عن الخسائر التي تكبدتها… 

– ثم نفذت روسيا هجمتها المرتدة على أعدائها لاستنزافهم؛ فالهجوم الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة على المستوطنات الإسرائيلية بتاريخ 7 أكتوبر 2023، يحمل بصمات مُخطط استراتيجي روسي محترف، لتنزلق إسرائيل في الصراع ويندفع حلفاءها لدعمها عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، ويدافعون عنها من مخاطر توسع دائرة الصراع، وهنا يبدأ مسلسل الاستنزاف؛ وقراءتي التحليلية لهذا المسلسل أن الفصل الأول فيه كان لخطة خداع استراتيجي تَأمن فيها القيادة السياسية وجيش الاحتلال جانب المقاومة.. واستغرق هذا الخداع سنة على الأقل قبل تاريخ هجوم الطوفان، ثم بدأ الهجوم في يوم عيد، وحققت فيه المقاومة انجازًا عسكريًّا وأمنيًّا تاريخيًّا، وبدأت المرحلة الأولى من الحرب وتكبد فيها الجانبان خسائر فادحة على المستويين الاقتصادي والعسكري.. ولعل الأخطر يأتي في المرحلة الثالثة للصراع، والتي تأتي مع توسيع دائرته؛ بدخول إيران أو مصر أو كلاهما معا لحلبة الصراع.. وهنا ستتصاعد فاتورة الاستنزاف للجانب الغربي، وسيتحمل الجميع خسائر عسكرية واقتصادية واسعة النطاق، ولكن الخاسر الأعظم في هذا المرحلة سيكون إسرائيل؛ فلا أبالغ بالقول بأن وجودها سيصبح على المحك.. وجدير بالذكر أن قادة إسرائيل الحاليين يأخذونها للهاوية، متأثرين بدوافع شخصية باعتبارهم المسئولين عن انتكاسة “طوفان الأقصى”. 

– وقد يسألني القارئ الكريم: ما هي الأسباب التي تؤكد بها وجهة نظرك بأن روسيا هي المخطط الاستراتيجي لحرب “طوفان الأقصى” خاصة أنها لم تعلن هذا؟؟؟ ولعل الأسباب الآتية هي التي دفعتني لتبني هذا التحليل لمعطيات هذا الصراع:

1- المستفيد الأكبر من هذا الصراع هو روسيا، وقد خططت له مع حليفها الإيراني، الذي دفع أحد أذرعه لمهاجمة إسرائيل، ولا يقلل هذا من الدور البطولي لعناصر المقاومة في غزة، فهم من وضعوا الخطط ونفذوها، خاصة لإجهاض التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي كان قد أوشك على التنفيذ، ومعه ستتضرر قضية تحرير فلسطين بقوة. 

2- الحرب عقاب لإسرائيل من قبل روسيا لدعمها العسكري لأوكرانيا، وقد أكد هذا خبر نشر بعد إعلان إسرائيل الحرب على غزة، فقد استدعت إسرائيل في منتصف أكتوبر الماضي أكثر من ألف مرتزق إسرائيلي من أوكرانيا، من عسكريها السابقين الذين يعملون ضمن الجيش الأوكراني.. لدعم قدراتها في حرب الطوفان. 

3- ما يؤكد هذا التحليل هو سعي أمريكا لتطويق الحرب من خلال دعم روسي..! فقد تم دعوة كل من السعودية والإمارات للرئيس بوتين للقيام بزيارة عاجلة للبلدين، وقد لبى بوتين الدعوة وهو يعلم بأسبابها الرئيسية، وقد سبق لواشنطن أن قامت بدعوة وزير الخارجية الصيني لذات السبب، ألا وهو تطويق الدور الإيراني ومنعه من الدخول في حلبة الصراع، ويبدو أن الصين لم تلب المطلب الأمريكي بشكل حاسم، لذا فتم اللجوء لبوتين شخصيًّا.. ولينطبق على هذا المثل المصري “إللي حضر العفريت.. هو من يصرفه” وبالتأكيد فهذا الطلب الغالي سيقابله ثمن غال على قدره.. وهنا أرجو من القارئ الكريم مراجعة فيديو لقاء سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والرئيس بوتين، والطريقة التي تمت بها المصافحة.. وكأن لسان حال الرئيس بوتين يقول لمضيفه: “أخيرًا، أنا كنت عارف إنك ستدعوني للقاء، وضحكا الاثنان معًا..” فهل سيلبي بوتين هذا المطلب؟؟؟.

مخاطر تورط مصر في الصراع

– ونظرًا لخطورة الصراع على الأمن القومي المصري، حيث مخاطر دفع سكان غزة للتحرك تجاه رفح المصرية، وهو قد أصبح واقعًا الآن على الأرض.. فمن وجهة نظري الشخصية، فإن مصر سوف تعلن أن مثل هذه الضربات الإسرائيلية تجاه السكان المدنيين في جنوب القطاع تمثل خطرًا جسيمًا على الأمن القومي المصري، وعلى كل من إسرائيل وقادة المقاومة الفلسطينية توجيه السكان المدنيين لأماكن مناسبة داخل فلسطين المحتلة.. ومصر ستتخذ من جانبها الإجراءات المناسبة لحماية أمنها القومي وكل الخيارات ستكون متاحة…

رسائل قصيرة إلى:

الولايات المتحدة الأمريكية: هذه الحرب هي بمثابة اختبار للثقة في علاقات مصر مع الجانب الأمريكي، وسيتوقف على مسارات أحداثها ونتائجها.. مستقبل تحالفات مصر مع القوى العظمى.. خاصة في المستقبل القريب، بعد أن تضع الحرب أوزارها.

– المواطن الإسرائيلي: أؤكد لك أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأمن لإسرائيل هي وضع حل عادل لإنهاء الاحتلال.. ولما لا وقد كانت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل حلا تحقق به لكلا البلدين الأمن تجاه الآخر.

رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي: ردًّا على تصريحكم الذي هددت فيه بأن صواريخ إسرائيل قادرة على تدمير أي هدف في منطقة الشرق الأوسط.. فاعلم أن لدى بعض دول هذه المنطقة القدرة أيضًا على: استهداف أخطر منشآتكم العسكرية أهمية في إسرائيل، وتدميرها تدميرًا شاملاً.. هذا مع يقيني بأنه لن يخرج وقتها من هذا الصراع طرفا فائزًا، وربما ستصبح دولة إسرائيل بعدها جزء من التاريخ الإنساني.

القيادة السياسية المصرية: اقترح عليكم تضمين التصويت على الانتخابات الرئاسية المصرية -في يوميها الثاني والثالث- صندوقًا خاصًّا لاستقصاء رأي الناخب حول اتجاه مصر المحتمل لدخول الصراع بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية لحماية أمنها القومي حال دفع سكان غزة المدنيين لسيناء، فرارًا من أعمال الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وليكن الخيار لإجابة من ثلاث إجابات، على النحو الآتي: 

1- تتخذ مصر إجراءات عسكرية من شأنها تأمين دخول المساعدات الإنسانية لسكان غزة داخل القطاع وفرض هذا الإجراء على الأرض بالقوة إن تطلب الأمر
2- في حالة اقتحام سكان غزة المدنيين لمعبر رفح المصري يتم استيعابهم مؤقتًا داخل سيناء ثم تتم عودتهم للقطاع مستقبلًا مرة أخرى تجنبًا لحرب محتملة  
3- أترك اتخاذ هذا القرار السياسي الخطير للقيادة المصرية مع كامل ثقتي فيها 
Tags: اللواء صلاح شوقيدور مصر في غزةطوقان الأقصىغزةمصر

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: دور مصر في غزة غزة مصر هذا الصراع فی غزة

إقرأ أيضاً:

“السودان والإسراف في الإحسان”

○ كتب: بروفيسور Siddig Hussein
“السودان والإسراف في الإحسان”.
بدأ الإعلام الإقليمي والدولي المناوئ للسودان منذ الشهر الأول لاندلاع الحرب يلّوح ويهدد بتصعيد الحرب الدائرة في الخرطوم وديمومتها. هذا إلى درجة أن مصدرا من إحدى دول المنطقة كأنما كان يزف انجاز مهمة ما لصحيفة إسرائيلية صرح لها أن الحرب قد بدأت الآن في السودان ولا يملك السودانيون وقفها.

وقد جرت صناعة الحروب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تضمين خيار التفكيك والفوضى ولا سلم ولا حرب كغاية في حد ذاتها حال فشل الغزو أو اقتلاع النظام الحاكم.
وقد كان متاحا للسودان أن يسلك واحدا أو أكثر من طرق متعددة لإدارة الحرب المفروضة عليه من الخارج. فقد كان بإمكان الجيش السوداني أن يتولى زمام الأمر فيعلن إلغاء المادة (2) من قانون الطوارئ والسلامة العامة 1997 ويتولى إدارة البلاد المدنية والعسكرية بموجب قانون الدفاع عن السودان لسنة 1939. لكن الجيش آثر الإبقاء على القوانين الموروثة والمجلس السيادي ومجلس وزراء تصريف أعمال و بنية الحكم المحلي، وترك للولاة ورؤساء الإدارات المدنية ولجانهم الأمنية إعلان وتطبيق حالات الطوارئ المدنية. هذا على الرغم من أنه لا توجد مجالس تشريعية ولائية ولا قيادة عسكرية مهيمنة على السلطات المدنية.

ثم على المستوى الإقليمي آثر السودان التعامل الناعم والحميم وسبق الشكوى أمام الكيانات الإقليمية والدولية مع دول يقول السودان نفسه أنها ضالعة أو مشاركة في العدوان عليه .وقد كان بالإمكان أن يبادر السودان برد العدوان دفاعا عن النفس أو منعا للإبادة الجماعية، كما فعلت دول أخرى في حالات مماثلة . والمبادرة برد العدوان دفاعا عن النفس أو وقف الإبادة الجماعية طريقة مجربة وفعّالة لإجبار مجلس الأمن للتدخل لتسوية النزاع بسبب أن العدوان ورد الدولة المعتدى عليها يستوفي معايير التهديد للأمن والسلم الدوليين. وأما إذا كانت الدولة المعتدية سادرة في العدوان والتبجح بأن السودانيين لا يملكون وقف الحرب بل تملكها هي وغيرها ويرد السودان المعتدى عليه بالشكوى والجوديّة واللوم والعتاب فلن يتدخل مجلس الأمن وإن تفاقمت الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وقديما قيل:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرّ ….كوضع السيف في موضع الندى.

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته…وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا.
ولم يحمد العدو ولا أحد غيره للسودان تعامله مع العدو وكأنه ولي حميم، كما لم يجن السودان فائدة من سعيه للاحتفاظ بمؤسسات الحكم المدني التي اعشوشبت خلال 2019 – 2023. بل جرّ عليه التغاضي عن لؤم الأعداء تماديهم ، كما جر عليه الإبقاء على مؤسسات الحكم المدني الموروثة حروبا اعلامية ممن تسنّموها وسمّموها لتفرّقهم واختلافهم شذر مذر قبيل الحرب وبعدها.

والحكمة الموروثة تقتضي إذا شمّرت الحرب عليك عن ساقها فلابد أن تشتد ولابد مما ليس منه بد. وإذا جنح أعداؤك للسلم فاجنح لها وإذا اختاروا الحرب فلتكن الحرب بكل ترسانتها وفي كل الجبهات الحربية والدبلوماسية والقانونية والاقتصادية . ولا أنوى الحديث عن الجانب الحربي لأن جيش السودان والمرابطين معه يقومون بالدور الحربي على أكمل وجه مع احتفاظ الجيش بالاعتدال في تعامله مع الأصدقاء والأعداء والشامتين والمرجفين في المدينة وخارجها. . وأما الجبهات الأخرى فعاطلة أو معطلة بسبب وقوعها حتف أنفها فيما تبقى من
أحابيل الفوضى التشريعية التي سادت البلاد في الفترة 2019- 2023 .
كلامي سيكون محصورا في الجانب القانوني ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

ما الذي كان ينبغي فعله ولم يفعله السودان ربما لاعتبارات تعرفها السلطات العسكرية والمدنية القابضة على جمر المواجهة و أجهلها أنا وغيري من مواطنين ؟
حال رسوخ القناعة لدى الجيش أن السودان يواجه عدوانا كما تعرّفه الفقرة السابعة من قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 3314/ 1974 ونظام المحكمة الجنائية الدولية (تعديل) كمبالا- يوغندا 2010 كان بوسع القائد العام للجيش السوداني إصدار قرار يلغي بموجبه المادة (2) من قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997 الموروث من حكم الإنقاذ . إلغاء هذه المادة كان سيعيد تلقائيا صلاحيات القائد العام في الطوارئ الحربية بموجب قانون الدفاع عن السودان لسنة 1939. بعد ذلك الإلغاء يصدر القائد العام ما يراه من قرارات وأوامر قومية تتطلبها المرحلة يتولى تنفيذها رجال الجيش والقوات النظامية تحت لوائه والمرابطون في مناطق نفوذهم.

الكثير من مواطني الداخل تفاقمت معاناتهم لغياب سلطة مدنية مركزية مهيمنة على مستوى الولايات بسبب العوز والكساح القانوني والدستوري الذي جثم على صدر البلاد.
فكلنا نعلم أن الكيانات والهيئات المناط بها تنفيذ قانون الطوارئ والسلامة العامة لسنة 1997 لا وجود لها فلا رئيس الجمهورية المدني الذي يعنيه القانون المذكور ولا الوالي ولا المجلس الوطني ولا مجالس الولايات التي يعّرفها القانون المذكور قائمة. إذن لم يكن من مناص لتولّى القائد العام للجيش زمام الأمر بموجب قانون الدفاع عن السودان لسنة 1939 وذلك بإلغاء مادة واحدة في قانون الطوارئ والسلامة العامة 1997.

ما هي الترتيبات والإجراءات والتدابير التي يمكن وضعها موضع التنفيذ حال نفاذ قانون الدفاع عن السودان ؟ القائمة طويلة . وهي مطابقة لما يصدر حال الطوارئ الحربية في دول القانون العام كما هو مشار إليه أدناه.

هل يخالف إلغاء المادة 2 من قانون الطوارئ والسلامة العامة مبدأ الدستورية أو غيره من مبادىء الحوكمة السياسية السوية ؟

لا اعتقد ذلك ! بل على النقيض أرى أن إلغاء المادة 2 من القانون المذكور يعيد أمر الدفاع عن السودان في حال العدوان، للجيش السوداني كما هو الأصل وللقائد العام للجيش السوداني دون قيد على سلطات الجيش سوى ما ورد في قانون الدفاع عن السودان لسنة 1939. وقانون 1939 موضوع لحماية السودان في حالات من بينها حال وقوعه تحت طامّة كبرى لا تبقي من مؤسسات الحكم فيه شيئا سوى الجيش… متحدا أو منقسما.

وبالمقارنة بين السودان والدول الأخرى نجد أن بعض الدول من ذوات الهيمنة والديمقراطية الراسخة تملك ترسانة من قوانين الطوارئ الحربية والمدنية تستطيع الدولة شهرها متى استشعرت طارئا أو حربا وشيكة. الإدارات الأمريكية لم تتردد حتى حال السلم، في استدعاء قوانين الدول الأعداء(أي في حالة حرب)والرعايا فوق أراضيها المنحدرين من دولة عدوة حتى وإن كانوا مواطنين أمريكيين ورعايا الدول الصديقة(التي ليست في حالة حرب) المخالفين لقوانين الدخول والإقامة أو المنخرطين في أنشطة إجرامية.

وقد شهدت بريطانيا صدور مثل هذه القوانين في ١٩٣٩ وكذلك إبان حرب جزر الفوكلاند مع الأرجنتين.
ففي ٢٤/ ٨ / ١٩٣٩ أصدرت بريطانيا قانون سلطات الطوارئ وفوّضت بموجبه للحكومة القيام بأي أعمال أو إجراءات أو إصدار أي أوامر أو لوائح تستدعيها ظروف الحرب أو الدفاع عن المملكة أو دعم النظام العام أو ضمان استمرار الخدمات والمؤن أو حماية المدنيين . ويشمل ذلك اعتقال الأشخاص والاستيلاء على المنشآت والممتلكات والأراضي ودخول وتفتيش أي منازل أو دور والسماح بتوقيع عقوبة الإعدام على جرائم السلب والنهب ، والتعبئة العامة والتجنيد الإجباري في حدود ما تسمح به القوانين العسكرية. وبحكم تبعية السودان للتاج البريطاني في ذلك الوقت فقد أصدرت السلطات البريطانية بالتزامن في السودان ” قانون الدفاع عن السودان لسنة ١٩٣٩” الذي حوى سلطات مماثلة درءا للخطر العرضي الماثل عندئذ وهو الغزو الإيطالي والألماني ودول المحور الأخرى من الشرق والشمال.

وقد منح قانون الدفاع عن السودان للقائد العام للجيش سلطة إعلان حالة الطوارئ الحربية وممارسة الصلاحيات الواردة في القانون. و رغم زوال الخطر العرضي بهزيمة دول المحور ونيل السودان استقلاله فقد ظلّ قانون الدفاع عن السودان لسنة 1939 ساريا، وظلت الصلاحيات الواردة فيه مكرّسة في يد القائد العام للجيش، ولم تشأ أي من حكومات الانتقال للاستقلال أو الدساتير المؤقتة للانتقال للديمقراطية أن تتدخل في سلطات القائد العام بموجب ذلك القانون حتى سنة ١٩٩٧. والعلّة وراء بقاء ذلك القانون كانت الفهم المشترك لدى المدنيين والعسكريين الراشدين بأنه قانون للطوارئ الحربية تستمر الحاجة له في حال الغزو أو التمرد أو الحصار أو انتهاك سيادة السودان أو وحدة أراضيه. ومن ثم فلم ير مسطرو الدساتير الانتقالية وجها للتعارض بين ذلك القانون والقيود البرلمانية التي فرضتها الدساتير الانتقالية على إعلان حالة الطوارئ المدنية.

وخلافا لما سبقها من أنظمة الحكم في السودان فقد أصدرت الإنقاذ قانونا موحّدا للطوارئ أسمته” قانون الطوارئ والسلامة العامة لسنة 1997″ والذي نصّ في المادة (2) من على إلغاء “قانون الدفاع عن السودان 1939”. ومن ثم لم يعد للسودان نظاما أو قانونا للطوارئ الحربية التي قد تنشأ الحاجة لها ذات صباح أغبر لا أثر فيه لرئيس جمهورية ولا مجلس وطني ولا حامي حمى سوى الجيش وقائده العام العسكري.

وأختم بالقول أنه ما زال الوضع الراهن في السودان يستدعي معالجات فورية ونافذة وفعالة . ويملك الجيش السوداني والمرابطون معه من قوات مشتركة ومدنيين السند القانوني لتولّي زمام القيام بذلك بحكم مسؤولية الجيش عن حماية البلاد والعباد.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • “السودان والإسراف في الإحسان”
  • الهند وباكستان.. هجوم كشمير يعيد شبح الحرب النووية إلى واجهة الصراع
  • “غروندبرغ” يدعو لتحقيق شفاف في الغارة التي استهدفت مركز احتجاز بصعدة
  • مصدر سياسي:مقتدى كل دقيقة له “موقف”يختلف عن الدقيقة التي قبلها وسيشارك في الانتخابات المقبلة
  • ممثلو 48 دولة يجتمعون في “مركز روسيا” لإجراء حوار اقتصادي مفتوح
  • لافروف: 90% من تبادلات روسيا مع “بريكس” تتم بالروبل وعملات المجموعة
  • الولايات المتحدة تدعو روسيا لإنهاء الحرب مع أوكرانيا “فوراً”
  • مكتب “أوتشا” يعبر عن قلقه بشأن الغارات التي ضربت مركزًا لإيواء المهاجرين بصعدة
  • “أوتشا” يعبر عن قلقه بشأن الغارات التي ضربت مركزًا لإيواء المهاجرين بصعدة
  • الشرع يحذر من دعوات “قسد” التي تهدد وحدة البلاد وسلامة التراب السوري