سرايا - يتزايد الحديث في العقود الأخيرة عن دور الإعلام في بناء السلام وتكريس قيم الحوار والتعايش السلمي، والحال أن التاريخ الحديث يضع الإعلام في قفص الاتهام على خلفية مفعول التأجيج والتحريض الذي اضطلع به فاعلون في هذا القطاع الحيوي إبان العديد من النزاعات المسلحة. لقد كان الخبر المضلل والتحريض الخطابي دائما وقودا لحروب دامية، خصوصا في حقبة ما بعد الحرب الباردة.



ومن وحي الانعكاسات السلبية للتغطيات الإعلامية لعدد من النزاعات، انبثق الرهان الدولي على زرع ثقافة السلام مع ما تقتضيه من استثمار في نجاعة الإعلام وسعي إلى توجيه قوة تأثيره نحو دعم مسارات التغيير السياسي للمجتمعات بوسائل سلمية تحفظ السلم والانسجام بين القوى والشرائح المكونة للمجتمع. وهو رهان -فضلا عن فاعليته التي تظل مثار تساؤل- يواجه تحفظا من شريحة واسعة من المهنيين، ممن يتمسكون بمبادئ الممارسة التقليدية للإعلام، بما تقتضيه من توصيف لما يجري، بدون انشغال بما ينبغي أن يكون.

تخلق الحرب أجواء مثالية لتزايد الطلب على المعلومة التي تلبي حاجة المواطن إلى فهم حقائق النزاع ومستقبله الفردي، ومآل الجماعة التي ينتمي إليها وسبل الحياة تحت القصف.

يقول الباحث ريمي ريفيل "إن الحرب حدث إعلامي من الدرجة الأولى، فصور وسرديات النزاعات الدولية تغير طبيعة المعلومة، وتقود السلطات السياسية والعسكرية إلى محاولة التحكم منهجيا في مضمون الصحافة والإذاعة والتلفزيون"


صحافة السلام.. جدلية الالتزام والحياد
فظاعات الجيل الجديد من الحروب -ومعظمها أهلية تجري في مسرح عمليات بلا خطوط فصل واضحة بين المعسكرات المتناحرة، ولا بين المقاتلين والمدنيين- خلقت حلفاء لثقافة السلام في صفوف الصحفيين الذين يغطون مناطق النزاعات المسلحة. ففي العام 1997، نشر المراسل السابق "للبي.بي.سي" مارتن بيل مقالا يدحض فيه مفاهيم الحياد والموضوعية الإعلامية في إطار تغطية نزاع معين.

وتحت وقع المشاهد الفظيعة لتجربته في البوسنة حيث كان شاهدا على حملات التطهير العرقي، يرى بيل أن المراسل لا يمكنه أن يكون متفرجا، بل عليه أن يتحمل مسؤولياته تجاه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفصل بين الضحية والجلاد.

من جهتها، تبنت المراسلة السابقة "للسي.أن.أن" كريستيان أمانبور خطا مماثلا في إطار "الصحافة الملتزمة". وبرأيها، فإن مجرد قيامك بتغطية متماثلة على جانبي النزاع في البوسنة مثلا، فأنت تساوي بين الضحية والمعتدي.

هذا التوجه أثار جدلا في أوساط المهنيين الذين عاب بعضهم على بيل وأمثاله خرق المبادئ المقدسة للمهنة. بل حذروا من أن السقوط في هذه الصحافة "الملتزمة" ينال من مصداقية الصحفي لدى الجمهور، واعتبروا أن الإعلام ينبغي أن يكون مستقلا عن أي إستراتيجيات ولو ذات أهداف نبيلة من قبيل بناء السلام ومساعدة الشعوب والنخب على تجاوز محن العنف المسلح.

يقول الصحفي البريطاني ديفد لوين إن منظّر صحافة السلام غالتونغ يجعل من مهام الصحفي تسليط الضوء على مبادرات السلام وتثمينها ولو كانت جنينية تتلمس طريقها، والحال أنه "ليس من مهام الصحفي خلق نخبة من رجال السياسة صناع السلام" ويضيف أن تحويل وسائل الإعلام إلى مجرد أدوات ولو في خدمة السلام، يُنظر إليه كانتهاك خطير للمبادئ المهنية الأساسية. الدعاية للسلام هي بالنسبة إلى هذه الشريحة الواسعة من الصحفيين والقيادات المهنية.. دعاية.


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟

تناولت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية العبرية التقارير الأجنبية عن "هجوم إسرائيلي مُخطط على إيران"، ونقلت تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بشأن تلك القضية، موضحة أن طهران تحاول إخفاء وضعها الاقتصادي البائس.

 

وقالت "غلوبس" تحت عنوان "الانهيار الاقتصادي الإيراني يشعل فتيل البرنامج النووي.. على الورق على الأقل"، إن التقارير الأجنبية بشأن النووي الإيراني أثارت استغراب الكثيرين في إسرائيل، وجاء في أحدها بصحيفة "ذا تلغراف" البريطانية، أن إيران رفعت مستوى التأهب في نظام الدفاع الجوي بمنشآتها النووية، خوفاً من هجوم إسرائييل أمريكي، مشيرة إلى أنه على الورق، يبدو توقيت مثل هذا الهجوم مثالياً من حيث الأمن الإقليمي، لأن حركة حماس الفلسطينية ضعفت بشكل كبير، وأصبح حزب الله في وضع حرج، وفي الوقت نفسه سقط نظام بشار الأسد في سوريا، وتعطلت سلاسل الإمداد الإيرانية بالأسلحة والأموال.
ونقلت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنه منطقياً وعسكرياً، هذا هو الوقت المناسب لضرب إيران، ولكن يبدو أن طهران تسيء تفسير نوايا إسرائيل التي لن تهاجم وحدها، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي يفرض عقوبات في وقت ينفتح فيه على المفاوضات مع طهران.

في أول تعليق له.. محمد جواد ظريف يكشف كواليس استقالتهhttps://t.co/jFwmRVqVik

— 24.ae (@20fourMedia) March 3, 2025  تأثير العقوبات الأمريكية

وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن سياسة العقوبات التي ينتهجها دونالد ترامب تسير على قدم وساق، مشيرة إلى أنه قبل نشر تقرير "ذا تلغراف"، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أكثر من 30 تاجراً ومشغلا لناقلات النفط وشركات الشحن المشاركة في أسطول الظل الذي يخدم صناعة النفط الإيرانية، وتشمل القائمة عقوبات على تجار النفط في عدد من الدول، بالإضافة إلى مدير شركة النفط الوطنية الإيرانية، ومديري ناقلات النفط من الصين.
وتحدثت الصحيفة عن تأثير عقوبات النفط على الوضع الاقتصادي في إيران، التي يعيش أكثر من ثلث سكانها تحت خط الفقر، في الوقت الذي يقدم النظام الإيراني أكثر من 10 آلاف دولار لأسر أعضاء حزب الله الذين أصيبوا في الحرب، فيما ظلت المكاتب الحكومية والبنوك والمدارس في 22 من محافظات إيران البالغ عددها 31 مغلقة اليوم الإثنين بسبب عدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيلها.


تقدم البرنامج النووي

وعلى النقيض تماماً من حالة الاقتصاد المحلي، فإن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن في أكثر مراحله تقدماً على الإطلاق، وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقلت غلوبس عن المعهد أنه "من الممكن أن يكون هذا نابعاً من مصلحة داخلية في إيران لإظهار قدرتها على الصمود في الخارج، بعد التصريحات الإسرائيلية بشأن القضاء على الدفاع الجوي الإيراني، وليس من المستحيل أن يرغب النظام، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، في إيصال رسالة مفادها أنه على الرغم من أن الوضع الداخلي رهيب، فإن التهديد الخارجي أعظم، كما كانت الحال خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين".
في السياق ذاته، أجرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية حواراً مع بيني سباتي، الباحث البارز في برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي عكس في حديثه صورة قاتمة عن إيران، مؤكداً أن الأزمة الحالية أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية.

هل يُسقط تعدين البيتكوين النظام الإيراني؟https://t.co/tepd2E95XR

— 24.ae (@20fourMedia) February 28, 2025  إقالة دون تأثير

وعلى الرغم من أن إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي تثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية المستمرة، إلا أن سباتي يقول إن هذه الإطاحة لن يكون لها أي تأثير تقريباً، وأن "حكومة هذا الرئيس لا تتخذ القرارات حقاً، ولا تتمتع بأي تأثير حقيقي، ولكن من يتمتع بتأثير حقيقي هو الزعيم، في إشارة للمرشد علي خامنئي، ومستشاريه، وغالبيتهم من الحرس الثوري.
وبحسب سباتي، فإن إشارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أن الوضع الحالي أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية، تكشف عن الضعف الإيراني.
ورأى أن رفض خامنئي استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية يسبب أضراراً جسيمة، لأنه يحط من قدر الدولة الإيرانية والاقتصاد الإيراني، والمجتمع أيضاً، ويذهب بكل شيء نحو الهاوية على شكل كرة من الثلج.

مقالات مشابهة

  • ترامب: زيلينسكي "ينبغي أن يكون أكثر امتنانًا" للولايات المتحدة
  • هل هناك علاقة بين العمل الصحفي والعلوم الاجتماعية؟
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • شاهد| معاناة نبي الله إبراهيم عليه السلام من الغربة لحالة الشرك التي وصلت حتى إلى محيطه الأسري
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • الثلاثاء.."البيئة" تعقد المؤتمر الصحفي الختامي لبرنامج تتراباك للصحة والسلامة المهنية
  • بنك نزوى يحصد جوائز مرموقة من "IFN" في التميز والابتكار والمسؤولية الاجتماعية
  • كم عدد الطيور التي أمر الله إبراهيم بتوزيعها على الجبل؟
  • زيلينسكي يرد على الضغوط الأمريكية: استبدالي لن يكون سهلاً
  • من هو الصحفي الذي أشعل الحرب داخل البيت الأبيض بين ترمب وزيلينسكي؟