نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا لمحررها الدبلوماسي ‏باتريك وينتور قال فيه إن تدمير أكثر من ثلث منازل غزة ‏أثناء قصف إسرائيل للقطاع لملاحقة مقاتلي حماس كان سببا في دفع ‏خبراء القانون الدوليين إلى إثارة مفهوم "إبادة المنازل" ـ ‏التدمير الشامل للمساكن لجعل المنطقة غير صالحة للسكن.‏

وفي حرب غزة الحالية، التي بدأت بعد الهجوم الذي شنته ‏حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ‏يقدر خبراء مستقلون أن ما يصل إلى 40% من المساكن في ‏غزة قد تضررت أو دمرت.

وتقول الأمم المتحدة إن 1.8 ‏مليون شخص نزحوا داخليا داخل غزة، ويعيش الكثير منهم ‏في ملاجئ مكتظة تابعة للأمم المتحدة في الجنوب.‏

على الرغم من أن غزة قد تعرضت لأضرار في الصراعات ‏السابقة وأعيد بناؤها، إلى حد كبير بأموال من دول الخليج، ‏فإن الحجم الحالي للدمار هو من نوع مختلف.‏



والقضية المطروحة هي ما إذا كان حجم الأضرار التي ‏لحقت بالبنية التحتية هو نتيجة ثانوية للبحث عن حماس أو ‏جزء من خطة سرية لطرد الفلسطينيين من غزة، مما يمحو ‏إمكانية أن تصبح غزة مجتمعا شبه قابل للحياة في المستقبل ‏المنظور.‏

إن إبادة المنازل، وهو مفهوم يحظى بقبول متزايد في ‏الأوساط الأكاديمية، لا يعتبر جريمة متميزة ضد الإنسانية ‏بموجب القانون الدولي، وقد قدم المقرر الخاص للأمم ‏المتحدة المعني بالحق في السكن تقريرا إلى الأمم المتحدة في ‏تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، جادل فيه بأن هناك ‏حاجة إلى "فجوة حماية مهمة للغاية" المراد شغلها.‏

أدى تدمير المنازل في حلب خلال الحرب الأهلية السورية، ‏وتسوية قرى الروهينغيا في ميانمار، وتدمير ماريوبول في ‏أوكرانيا، إلى زيادة التركيز في السنوات الأخيرة على هذه ‏القضية.‏

وقال مقرر الأمم المتحدة بالاكريشنان راجاغوبال وأستاذ ‏القانون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، ‏لصحيفة الغارديان: "من الضروري التصدي للأعمال ‏العدائية الجارية مع العلم أنها ستدمر وتلحق الضرر بشكل ‏منهجي بمساكن المدنيين والبنية التحتية، مما يجعل مدينة ‏بأكملها - مثل مدينة غزة - غير صالحة للسكن بالنسبة ‏للمدنيين".‏

ويرى راجاغوبال أن هناك فجوة في القانون الدولي، لأنه ‏على الرغم من أن حماية منازل المدنيين مشمولة في نظام ‏روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق ‏بجرائم الحرب في النزاعات بين الدول، إلا أنها ليست ‏مدرجة ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن أن تحدث ‏خلال صراع داخل الدولة أو يشمل جهات فاعلة من غير ‏الدول.‏



وقال راجاغوبال: "هذا له صلة بالتدمير الشامل للمساكن في ‏حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في غزة. ستقول ‏إسرائيل إن الصراع ليس صراعا مسلحا دوليا لأن إسرائيل ‏لا تعترف بفلسطين كدولة".‏

وقال إن معظم الصراعات التي شهدت أكبر عدد من الوفيات ‏منذ الحرب العالمية الثانية كانت صراعات مسلحة غير ‏دولية، وكان الصراع بين روسيا وأوكرانيا استثناء وليس ‏القاعدة.‏

وقال إن فجوة مماثلة فيما يتعلق بالمجاعة قد تم سدها للتو. ‏وقد أدرج نظام روما الأساسي التجويع باعتباره جريمة ‏حرب وليس جريمة ضد الإنسانية، وبالتالي أعفى الجهات ‏الفاعلة غير الحكومية. وضغطت سويسرا من أجل تعديل ‏النظام الأساسي لجعل التجويع جريمة ضد الإنسانية، وهو ‏التغيير الذي تم تنفيذه أخيرا في عام 2022.‏

وقال راجاغوبال: "أود أن أناشد هذه الدول التي تعارض ما ‏يحدث في غزة، مثل جنوب أفريقيا وإسبانيا، أن تفعل ‏بالضبط ما فعلته فيما يتعلق بالمجاعة لمعالجة فجوة الحماية ‏‏والتأكد من أن التدمير الشامل للمساكن في غزة جريمة ‏يمكن المحاكمة عليها".‏

وأضاف أنه على أساس الحقائق والتصريحات التي أدلى بها ‏القادة الإسرائيليون، فإنه يعتقد أن الغرض من الدمار بهذا ‏الحجم لم يكن مجرد القضاء على حماس، بل جعل غزة غير ‏صالحة للسكن.‏

وتقول إسرائيل إن كل الأضرار التي لحقت بالمباني ‏والخسائر في أرواح المدنيين أمر مؤسف ولكنه أصبح ‏ضروريا بسبب اختباء حماس عمدا في المدارس ‏والمستشفيات ورفضها الاستسلام. وتقول إنها تبذل قصارى ‏جهدها لتحذير المواطنين من الهجمات الوشيكة.‏

إن تقديرات مستوى الدمار الذي لحق بالمباني في غزة مثيرة ‏للجدل، لكن الاستخدام الجديد لصور الأقمار الصناعية يشير ‏إلى أن 98,000 مبنى قد تضررت حتى 29 تشرين ‏الثاني/ نوفمبر، وهو تاريخ بداية وقف إطلاق النار المؤقت ‏الذي انهار لاحقا.‏



واستندت النتائج إلى تحليل بيانات القمر الصناعي ‏كوبرنيكوس سينتينل-1 لوكالة الفضاء الأوروبية التي أجراها ‏كوري شير من جامعة مدينة نيويورك وجامون فان دن هوك ‏من جامعة ولاية أوريغون. وقد تم الاستشهاد بعملهم مرارا ‏من قبل المؤسسات الإخبارية بدءا من هيئة الإذاعة ‏البريطانية إلى صحيفة واشنطن بوست، مما يعكس الصعوبة ‏التي يواجهها المراسلون في رسم خريطة للحجم الحقيقي ‏للدمار الناتج عن القصف.‏

بدلا من استخدام الصور البصرية، يعتمد التقييم على بيانات ‏رادار الأقمار الصناعية المتاحة للجمهور وخوارزمية تم ‏تطويرها خصيصا لقياس استقرار البيئة المبنية لاستنتاج ‏الأضرار التي لحقت بالمبانى. تتمتع بميزة النظر إلى الهياكل ‏من زوايا مائلة وليس فقط من الأعلى.‏

وأظهرت الصور التي تتحرك من الشمال إلى الجنوب أن ‏الأضرار بلغت 47% إلى 59% بين 7 تشرين الأول/ ‏أكتوبر و22 تشرين الثاني/ نوفمبر في شمال غزة، و47-‏‏58% في مدينة غزة، و11-16% في دير البلح، و10-‏‏15% في خان يونس و10-15% في خان يونس و7-11% ‏في رفح المنطقة الأقرب للحدود مع مصر. وهذا يصل إلى ‏ما بين 67000 و88000 مبنى، مما يعني أن حوالي ‏‏70% من المباني لم تتضرر. وسيكون الرقم في خان يونس ‏قد ارتفع منذ انتهاء وقف إطلاق النار وتركز النشاط ‏العسكري الإسرائيلي في الجنوب.‏

ومن بين المباني التي دمرت أو دمرت جزئيا المحكمة ‏الفلسطينية الرئيسية في غزة، والمعروفة باسم قصر العدل، ‏ومجمع المجلس التشريعي الفلسطيني، و339 منشأة تعليمية ‏و167 مكان عبادة، في حين أن 26 من أصل 35 مستشفى ‏في القطاع لا تعمل.‏
وأشار هيو لوفات، من المجلس الأوروبي للعلاقات ‏الخارجية، إلى أن إسرائيل "تدمر بشكل متعمد ومنهجي ‏المؤسسات المدنية والبنية التحتية التي ستكون ضرورية ‏لحكم غزة وتحقيق الاستقرار فيها بعد الصراع".‏

وتكشف صور الأقمار الصناعية أيضا عن تدمير البساتين ‏والدفيئات الزراعية والأراضي الزراعية في شمال غزة. ‏وقالت هيومن رايتس ووتش يوم الاثنين: "في شمال شرق ‏غزة، شمال بيت حانون، أصبحت الأراضي الزراعية ‏الخضراء ذات يوم بنية ومقفرة. تضررت الحقول والبساتين ‏لأول مرة خلال الأعمال القتالية التي أعقبت الغزو البري ‏الإسرائيلي في أواخر تشرين الأول/أكتوبر. وقامت ‏الجرافات بشق طرق جديدة، مما أتاح الطريق أمام المركبات ‏العسكرية الإسرائيلية.‏

وتظهر تسريبات من داخل الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك ‏وزارة المخابرات، أن المسؤولين يدرسون سبل إجبار ‏الفلسطينيين على مغادرة غزة، إما طوعا أو قسرا. وزارة ‏الاستخبارات ليست هيئة رفيعة المستوى في الحكومة، لكن ‏المحافظين الأمريكيين مثل جون بولتون، مستشار الأمن ‏القومي السابق، قاموا بطرح نسخ مختلفة من مثل هذه ‏الخطط.‏

وكتب غيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي ‏الإسرائيلي، في صحيفة يديعوت أحرونوت، وهي صحيفة ‏إسرائيلية: "ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى تحويل غزة ‏إلى مكان من المستحيل العيش فيه بشكل مؤقت أو دائم. ‏وخلق أزمة إنسانية شديدة في غزة هي وسيلة ضرورية ‏لتحقيق الهدف… غزة ستصبح مكانا لا يمكن أن يعيش فيه ‏إنسان".‏

وقد استبعدت الولايات المتحدة مرارا مثل هذه السياسة، ‏ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها تعلم أن حليفيها، الأردن ومصر، ‏لن يرحبا بالمزيد من اللاجئين في بلديهما، حتى على أساس ‏مؤقت.‏

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة إسرائيل إسرائيل احتلال غزة ابادة طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ضد الإنسانیة تشرین الأول فی غزة

إقرأ أيضاً:

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (7) جابوتنسكى «الملهم»

في حلقة جديدة من كتابه «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع يتعرض المؤلف مصطفى بكرى لأفكار روزئيف جابوتنسكى المتطرفة والتي مثلت إلهامًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو منذ الصغر.

يعد زئيف جابوتنسكى هو الملهم لنتنياهو في أفكاره ومواقفه، فهو مؤسس ما يسمى بـ«الحركة الصهيونية التصحيحية» بعد انفصاله عن المنظمة الصهيونية بقيادة “حاييم وايزمان.

في أعقاب الاتهامات التي وجهها إليه بالمهادنة- تجاه السياسات البريطانية والقاضية بقصل شرقي الأردن عن فلسطين وتحديد الهجرة اليهودية بحسب القدرات الاقتصادية للبلاد.

وفى مواجهة ذلك أنشأ جابوتنسكى الحركة التصحيحية عام1925، بهدف مراجعة سياسة المنظمة الصهيونية وأهدافها النهائية في فلسطين.

لقد طرح جابوتنسكى رؤيته المتطرفة التي تحدد أهداف حركته في إقامة دولة قومية ذات أكثرية يهودية في فلسطين على ضفتي نهر الأردن الغربية والشرقية، وأن ذلك وحده الذى سيلزم الفلسطينيين بجدية الأهداف الصهيونية،

ونتيجة لمواقف وأطروحات جابوتنسكى المتطرفة أصبح بمثابة المرشد والأب الروحي للكثير من المتطرفين اليمينيين، حيث تبنى مقولاته العديد من القادة الصهاينة أمثال مناحيم بيجين (1913)، إسحاق شامير (1915)، ارنيل شارون (1928)، غيئولا كوهن (1925)، ايهو اولمرت (1945)، بنيامين زئيف بيجن (1943)، دان مريدو (1947)، بنيامين نتنياهو (1949)، تسيبى ليفينى (1958) وغيرهم كثيرون.

كان جابوتنسكى يرى أن المشكلة اليهودية لن تحل إلا بحل جذري لهذه المشكلة بتجميع اليهود في بقعة أرض خاصة بهم، ويتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول العظمى.

وكان يردد دومًا: «إذا كانت المشكلة اليهودية هي مشكلة عدم وجود بقعة أرض»، وتساءل قائلًا: «إذا كانت المشكلة اليهودية هي مشكلة عدم وجود بقعة أرض»، إذن: لماذا في هذه البلاد بالذات، والتي تشكل الوطن القومي للفلسطينيين، وليس في أي بلد آخر، يجب أن يقام الوطن القومي لليهود؟!

وكانت إجابة جابوتنسكى على هذا السؤال في مقال كتبه عام 1905، بعنوان “الصهيونية وأرض إسرائيل” إلى أن اختياره فلسطين لا ينبع من عاطفة أو غريزة فطرية، وإنما هو مبنى على اعتبارات عقلانية عملية تقتضى هذا الاختيار،

وقال: «إن العلاقة بين الصهيونية وصهيون بالنسبة لنا ليست مجرد مسألة غريزة أو عاطفة قوية يجب الحفاظ عليها، وإنما أيضًا استنتاج راسخ شديد الأهمية ينبع من اعتبارات وضعية خالصة».

وأشار جابوتنسكى في مقاله إلى أن الحركة الصهيونية لن تنجح في تحقيق أهدافها في أية بقعة أخرى،

عدا أرض فلسطين لأن مثل هذه البقعة لا تلائم رغبة الشعب الفلسطيني وإرادته، بمعنى إنه إذا كانت بقعة الأرض المستهدفة لا تجتذب اليهود بمجموعهم، ولا تلبى رغباتهم، فإن الحركة الصهيونية لن تنجح عندئذ في تجنيدهم من أجل تحقيق أهدافها وبذلك لن تستطيع التحول إلى حركة شعبية.

وقال جابوتنسكى: «إن الطريق الوحيد الذى يمكن لحركة يهودية قومية السير فيه، كي تكون حقًا حركة شعبية، هو الطريق المؤدى إلى أرض إسرائيل»، أي إنه إذا اختارت الحركة الصهيونية أية بقعة أرض لا تكون الجماهير اليهودية مستعدة للهجرة إليها فإن الحركة لن تنجح في تشييد البيت القومي اليهودي، وأضاف: «إن المحنة اليهودية لا تكفى من أجل نجاح الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها، وإنما هناك حاجة لهدف (بقعة أرض) تتوفر فيها قوة جذب لليهود المشتتين في دول العالم موجودة فقط في فلسطين، فهي بحكم الرابطة الدينية، بقعة الأرض الوحيدة القادرة على اجتذاب جموع اليهود إليها».

كان جابوتنسكى يطالب اليهود بإخراج ما أسماه بـ”الروح الشرقية” ذات انتماء أوربي وقال: «في أي نزاع بين الغرب والشرق، سنكون دومًا إلى جانب الغرب، فهم قد مثلوا تراثًا أكثر تفوقًا من الشرق على مدار الألف سنة الماضية»،

وقال: «ليس لنا نحن اليهود، أي قاسم مشترك مع ما يسمى “الشرق” ونحمد الله على ذلك، وأنه يجب فطم اليهود الشرقيين (السفارديم)».

وقال: «نحن ذاهبون إلى (أرض إسرائيل)، أولًا: من أجل راحتنا القومية، وثانيًا: كما قال نورداو: من أجل توسيع حدود أوربا حتى نهر الفرات، وبكلمات أخرى من أجل إزالة كل مخلفات الروح الشرقية من (أرض إسرائيل) وبشكل جذري في كل ما يخص اليهودية فيها».

وعندما تم إخبار جابوتنسكى أن المسلمين هم أقرباء اليهود، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا خصومًا لهم، رد قائلًا: «إسماعيل عليه السلام- ليس عمنا، نحن ننتمى لأوروبا منذ ألفى سنة، ونحن نساهم في خلق حضارتها، ووصف العرب والمسلمين بأنهم “رعاع يزعمون بثيابهم الرثة وألوانها الصارخة المتوحشة، وقال: إنه لابد من كنس الروح الإسلامية من أرض إسرائيل».

لقد كان من رأى جابوتنسكى في هذا الوقت يقضى بضرورة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين وشرق الأردن مهما نجم عن ذلك من ضرر قد يلحق بالسكان (العرب) في القطرين، لأنه لا يجوز أن تترك المشكلة اليهودية دون حل بسبب مليون عربي، كانوا يقطنون يومئذ هناك، وقال: ثم إن العرب يستطيعون التنازل عن فلسطين وشرق الأردن، وتكفيهم الأراضي الشاسعة الأخرى التي يقطنوها، خصوصًا وأن عدد سكانها قليل للغاية بالنسبة إلى مساحتها.

وفى بداية انضمامه للحركة الصهيونية لم ينظر جابوتنسكى للعرب كأمة لها طموحات قومية في فلسطين بل تحدث عن فلسطيت كمقيمين أو “سكان محليين” يشكلون أغلبية في “أرض إسرائيل” بل واقترح في عام1905، استبدال العمال العرب في المستوطنات بعمال يهود، وبرز ذلك بالحاجة إلى “عبرنه” العمل، وبهدف زيادة الأمن في المستوطنات إذا اندلعت صدامات بين العرب والصهاينة.

وكان جابوتنسكى يدعو منذ عام1923، إلى رفض مبدأ المفاوضات مع العرب، ومحاولة التوصل لحلول سلمية ترضى الطرفين، لاعتقاده استحالة ذلك مادام الصهاينة أقلية في فلسطين، فحين تحقق الأغلبية لليهود فإن العرب سيقبلون صاغرين الوجود الصهيوني المتمثل بدولة اليهود.

وقال: «لا يملكنا أن نحلم باتفاق حر بيننا وبين العرب (أرض إسرائيل) لا الآن، ولا في المستقبل القريب، لا يوجد أي أمل- مهما كان ضعيفًا- للحصول على موافقة عرب (أرض إسرائيل) لتحويل فلسطين لبلد ذي أكثرية يهودية- كما انه لا يوجد- ولو مثل واحد على الأقل- لاستيطان بلد بموافقة أبنائه الأصليين».

وقال: «إن هؤلاء ولا فرق في ذلك إن كانوا متمدنين أو همجيين- حاربوا دائمًا بعناد المستوطنين الجدد.. مادام هناك بريق من الأمل بالتخلص من الاستيطان الغريب»، وقال: «هكذا تصرف عرب (أرض إسرائيل)».

كان جابوتنسكى يدعو دومًا إلى ترحيل من يسميهم بـ”عرب إسرائيل” من فلسطين وشرق الأردن إلى العراق وسوريا أو أية مناطق أخرى، وقد نشرت الحركة التصحيحية التي يقودها إعلانًا في صدر صحيفة “نيويورك تايمز” يوم 4أكتوبر1943، قال فيه “فلسطين لليهود والعراق للعرب” وقد وقع على الإعلان 25 عضو في الكونجرس الأمريكي و17رجل دين مسيحي و25 رئيس جامعة أو كلية أمريكية وشخصيات عامة وصحافيون وفنانون وقد اقرت اللجنة خطة تضمنت الترويج لزراعة المناطق المهجورة بين دجلة والفرات بالقمح وتقديم حوافز كبيرة لعرب فلسطين والأردن للاستقرار في العراق، وتوفير إمكانيات مالية وهندسية لمشروعات إعادة التوطين والمساعدة في إنشاء وكالات لإعادة توطين اليهود في فلسطين والعرب الفلسطينيين في العراق.

لعب جابوتنسكى بمواقفه وأفكاره دورًا هامًا في رؤية الليكود ورموزه لقضية الصراع العربي- الإسرائيلي، وأطروحاته المتطرفة للمسالة اليهودية.

ويرى إرن كابلان رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية في جامعة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة في بحث نشره بعنوان “لمحة عن الأيديولوجية التي تواجه نتنياهو”، أن الحرب الإسرائيلية المميتة الحالية التي تحولت إلى كارثة إنسانية على الفلسطينيين في غزة، إنما تعكس أيديولوجية تعرف باسم “الجدار الحديدي” التي أطلقها جابوتنسكى في عشرينيات القرن الماضي، وشكلت الملهم الأساسي طيلة مسيرة حكم نتنياهو، على مدى الفترة الماضية.

ويرى الكاتب الأمريكي المختص في الشؤون الدولية “زاك بوشامب” في مقال نشره بعنوان “الأفكار التي تحدد شخصية نتنياهو” أن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشددة التي قوده أحيانًا إل خلافات مع أقرب حلفائه مثل الأمريكيين، سببها انتماؤه إلى التيار الصهيوني الأقدم والأكثر تشددًا الذى نشأ على يد جابوتنسكى.

وقال الكاتب: «إن جابوتنسكى الذى ولد في أوريسا بروسيا عام 1880، انتج رؤية فكرية تمخضت فولدت في نهاية المطاف حزب الليكود والسياسات المشددة التي ينتجها الأن نتنياهو، والذى يؤمن بالضغط العسكري والسحق والتدمير وسيلة وحيدة لتحقيق الأمن لإسرائيل، هي تجسيد حرفي لأفكار مرجعه الصهيوني “زئيف جابوتنسكى”».

وقال الباحث اليوناني “يورجوس ميترالياس” في دراسة منشوره: «إن ما يفعله حكام إسرائيل اليوم نتاجًا للارتجال ولا اختراعًا وليد اللحظة، ذلك أن نتنياهو الذى حطم الرقم القياسي في رئاسة الليكود والحكومة الإسرائيلية هو نسل حقيقي للرحم “الفاشي” الذى اُنجب مناحيم بيجين وإسحاق شامير وغيرهما من اليمينيين المتطرفين التي ألهمها وأنشأها وقادها جابوتنسكى قبل قرن من الزمان».

ويؤكد متيرالياس: «أن قادة الليكود بأفعالهم الشنيعة اليوم لا يأتون بشيء جديد، فهذا ما كانت تبشر به المنظمات الإرهابية والفاشية “بيتار، أرجون، شتيرن”».

وأضاف: «أن هناك فرقًا مهمًا بين الأمس واليوم، ففي ذلك الوقت كان جابوتنسكى وأهميير وبيجين وشامير سيئ السمعة، وكان السياسيون في العالم يتجنبون صحبتهم».

أما اليوم، قال ميترالياس: «إن الوضع مختلف تمامًا، إذ تحول الفاشيون والإرهابيون سيئو السمعة في عام1948، ليس فقط إلى حلفاء مقبولين تمامًا، بل إلى شركاء إستراتيجين متميزين يفرضون خياراتهم الإستبدادية على أغلب الحكومات والبلدان الغربية».

وتدعو “الحركة التصحيحية” والتي شكلت الأيديولوجية والعقيدة السياسية لحزب الليكود اليميني إلى طرد الفلسطينيين من ديارهم، وأن تمتد الدولة اليهودية إلى حدودها “التوراتية” انطلاقا من الشعار الذى طرحه قائد الحركة صاحب مقولة “لنهر الأردن ضفتان، هذه لنا، وتلك أيضًا”.

أما نتنياهو نفسه فهو يعتبر أن قوة إسرائيل تابعة من فكرة لجابوتنسكى تسمى “الجدار الحديدي”.

ذلك الجدار الذى يعنى قوة عسكرية ساحقة تضمن البقاء للدولة اليهودية وتجبر العرب على قبولها.

ويرى الكثير من الباحثين أن تطبيق نتنياهو لرؤية جابوتنسكى واضح للغاية سواء من حيث تكثيف الاستيطان ورفض التنازل عن أي شبر من الأراضي في الضفة الغربية التي يراها أرضًا يهودية، أو من خلال سياسة التدمير والقوة الساحقة في غزة، حيث يرى مستندًا إلى أفكار جابوتنسكى التى ترى أن الحل الوحيد هو دولة يهودية قوية، ترفض أي تنازلات وتحدد التهديدات التي يواجهها “الشعب اليهودي” وتتصدى لها باستعراض ساحق للقوة يقضى على كل من يفكر في مواجهتهم، وتجبر العرب في النهاية على التخلي عن قادتهم الذين يتبنون نهج المقاومة، وتسليم القيادة لمن يسمونهم بالمجموعات المعتدلة التي يمكن لليهود التوافق معهم.

اقرأ أيضاًفصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد

«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» (5).. الحصاد المر

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (4) عملية السويس وتفاصيل العبور الذى كاد يودى بحياة نتنياهو

مقالات مشابهة

  • الشاب الذي اغتالته إسرائيل.. لكنه فضحهم إلى الأبد
  • مندوب مصر أمام محكمة العدل: إسرائيل انتهكت كافة القوانين الدولية التي وقعت عليها
  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل تريد إلحاق أكبر قدر من الدمار بقطاع غزة
  • عاجل - فلسطين أمام محكمة العدل الدولية: إسرائيل تنفذ إبادة جماعية بحق أطفال غزة
  • ممثل فلسطين أمام العدل الدولية: إسرائيل تنفذ حملة إبادة جماعية بحق أطفال غزة
  • ممثل فلسطين أمام العدل الدولية: إسرائيل تنفذ حملة إبادة جماعية ضد الأطفال
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (7) جابوتنسكى «الملهم»
  • هآرتس: التحريض على إبادة الفلسطينيين سائد في إسرائيل
  • تركيا.. مسيرة ضد إسرائيل في بورصة
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟