صنعاء ... تذكر القاهرة بميثاق الأمن الثلاثي !
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
لم يكن عقد هذا الميثاق الا حلقة من حلقات الاتفاقات بين الاقطار العربية بما يعزز الأمن القومي وحماية للسيادة والاستقلال وللتضامن العربي حيث كانت مصر محورها وقلبها .
منطقة عسكرية
( أن البحر الأحمر من باب المندب جنوبا إلى قناة السويس شمالا منطقة عمليات عسكرية وأن مصر تحذر من دخول أية سفن إلى البحر الأحمر أثناء المعارك وحتي اشعار آخر حتي لا تتعرض للقذائف المصرية من السفن الحربية أو طائرات القتال ) فهذا الإعلان من قبل مصر جاء مع بداية حرب 6أكتوبر 1973م وحقيقته بخص منع السفن الصهيونية من المرور في هذا البحر أو دخول سفن أجنبية بهدف مساعدة الكيان الصهيوني ’ حفاظا على أمن البحر وضمان لحلامان العدو من المساعدات الأجنبية الخارجية اثناء حرب مصر مع الكيان الصهيوني , وحيث تزامن ذلك الإعلان مع إغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الصهيونية والذي كان لهذا الإغلاق اثره الكبير في المعركة وكبد الكيان الصهيوني خسائر اقتصادية فادحة وكان مفتاح نصر لمصر وورقة ضغط فيما بعد واسقط نظرية الحدود الآمنة للعدو الصهيوني .
تحالفات عربية
منذ فبراير 1955م بدأت مصر بسلسلة من اللقاءات العربية والاتفاقات الثنائية والثلاثية والجماعية من أجل التضامن العربي ضد القوى الخارجية , كان منها المؤتمر الذي شاركت فيه حكومات الاردن وسوريا واليمن والسعودية إلى جانب مصر وأصدر قراراته بالقاهرة في 8 فبراير 1955م , وكان منها ايضا البيان السوري – المصري الصادر بدمشق في 3 مارس 1955م , والذي انضمت اليه السعودية في 5 مارس من نفس العام , وينص على عدم الانضمام إلى حلف بغداد أو أية احلاف اخري , وعلى اقامة منظمة دفاع وتعاون اقتصادي عربي مشترك , وعلى الالتزام بالاشتراك في صد أي عدوان يقع على احدى دول المنظمة , وعلى انشاء قيادة مشتركة دائمة , وعلى عدم قيام أية دولة مشتركة في المنظمة بعقد اتفاقات دولية عسكرية . كما كان من بين هذه الاتفاقيات العربية ميثاق الحلف العسكري الذي تم التوقيع عليه في القاهرة في 27 أكتوبر عام 1955م , بين مصر والسعودية لضمان الأمن والسلام ورد العدوان الخارجي عند وقوعه في اطار من مبادئ الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية .
التعاون العسكري
جاء ميثاق أمن جدة لتكتمل المسيرة في اطار التحالفات العربية حيث جاء في البلاغ الذي أذيع في ختام الاجتماعات التي عقدت بين الزعماء الثلاثة بمدينة جدة في العاشر والحادي عشر من شهر رمضان 1375هجرية , الموافق 20-21 من شهر أبريل 1956م , بأنه قد عقدت خلال اليومين عدة اجتماعات تم فيها بحث المسائل التي تهم الدول الثلاث بوجه خاص , وتتصل بإقرار الأمن والسلام في العالم العربي بوجه عام . وقد اسفرت هذه الاجتماعات عن عقد اتفاقية دفاع مشترك وقعها الزعماء الثلاثة ( جمال عبدالناصر , الإمام أحمد , الملك سعود ) ويتضح المبررات لعقد هذا الاتفاق بين الدول الثلاثة وهي الدول التي تطل على البحر الاحمر بكل شاطئه الاسيوي ومعظم الشاطئ الأفريقي . والتي تمسك بمدخل البحر الأحمر من الجنوب والشمال , وأن كان الاتفاق دفاعيا إلا انه يمكن القول أن أمن البحر الأحمر عمل دفاعي .
وجاء في صلب ميثاق أمن جدة ما يلي : ( أن حكومات جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية , توطيد الميثاق الجامعة العربية وتأكيدا لإخلاص الدول المتعاقدة لهذه المبادئ , ورغبة منها في زيادة تقوية وتوثيق التعاون العسكري , وحرصا على استقلال بلادها ومحافظة على سلامتها وايمانا بأن اقامة نظام أمن مشترك فيما بينها يعتبر عاملا رئيسيا في تأمين سلامة واستقلال كل منها , وتحقيقا لأمانيها في الدفاع المشترك عن كيانها , وصيانة الأمن والسلام وفقا لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة وأهدافها , وعملا بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية , قد اتفقت على عقد اتفاقية لهذه الغاية ) . فالدفاع عن كيان واستقلال هذه الاقطار الثلاثة يستلزم بالضرورة الدفاع عن البحر الأحمر الذي تطل عليه من الناحيتين وأن هذا الدفاع عن الأرض والبحر يحقق أمانيها في الدفاع المشترك عن كيانها بحسبان البحر الأحمر جزء من مسؤولية هذه الاقطار في تأمين السلامة الاقليمية لها .
الدفاع المشترك
لقد احتوى ميثاق أمن جدة على 12 مادة نصت الأولى على ( دوام الأمن والسلام واستقرارهما ) وهذا يعني التزام كل من مصر والسعودية واليمن على تأمين الأرض والبحر ضد كل عدوان خارجي . كما نصت المادة الثانية من الميثاق ( تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة منها أو على قواتها اعتداء عليها , ولذلك فأنها عملا بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها تلتزم بأن تبادر كل منها إلى معونة الدولة المعتدى عليها وبأن تتخذ على الفور جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل مما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما ) .
كما نصت المادة الثالثة على أن ( تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينهما بناء على طلب احداهما , كلما توترت واضطربت العلاقات الدولية بشكل خطير يؤثر في سلامة أراضي أية واحدة منها او استقلالها , وفي حالة خطر الحرب الداهم أو قيام حالة مفاجئة يخشى خطرها تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها الموقف ). وحرصت المادة الرابعة من الميثاق على تأكيد التزام الاقطار الثلاثة بالدفاع المشترك وضمان الأمن حتي في حالة وقوع عدوان خارجي مفاجئ على احدى دول الميثاق سواء حدث العدوان على الأرض أو المياه الاقليمية لتلك الدول . وجاء هذا التأكيد في النص على انه ( بالإضافة إلى الاجراءات العسكرية التي تتخذ لمواجهة هذا العدوان , تقرر الدول الثلاث فورا الاجراءات التي تضع خطط هذه الاتفاقية موضع التنفيذ. وتتوالى مواد الميثاق لتؤكد التزام الدول الثلاث بضمان أمن وسلامة أراضيها ومياهها باتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ هذا الالتزام ومن بين هذه الاجراءات والالتزام ما نصت عليه المادة الخامسة من الميثاق بتشكيل عدة أجهزة تتولى ما نص عليه الميثاق من التزام دفاعي مشترك مثل المجلس الأعلى والمجلس الحربي والقيادة المشتركة التي تمارس عملها وقت السلم والحرب وهى ذات صفة دائمة . وجعل على رأسها قائد عام مصري واختيرت القاهرة مقرا لهذه القيادة العامة . فيما عالجت المواد السادسة إلى العاشرة كيفيه تشكيل هذه المجالس واختصاصها ووظائفها وتمثيل دول الميثاق الثلاث فيها .وانتهى الميثاق بالمادتين الحادية عشرة والثانية عشرة , فالأولى نصت على عدن تعارض نصوص الميثاق مع مواثيق هيئة الأمم المتحدة , بينما نصت الثانية على سريان الميثاق لمدة خمس سنوات تتجدد بتلقاء نفسها لمدة خمس سنوات أخرى وهكذا , ولأى دولة من الدول المتعاقدة أن تنسحب منها بعد إبلاغ الدولتين الأخريين كتابه برغبتها في ذلك قبل سنة من تاريخ انتهاء أي سنة المدة المذكورة سابقا .
أمن البحر الأحمر
لهذا فقد كان ميثاق أمن جدة 1956م خطوة عربية قامت به مصر لإدراكها لما يهدد الأمن القومي العربي عامة والأمن المصري خاصة و لضمان أمن البحر الأحمر ولمواجهة أية تهديدات خارجية لهذا البحر وللدول المطلة عليه وتحديدا الخطر الصهيوني الطامع في البحر الأحمر منذ زرعة في فلسطين , لأن تهديد أمن البحر الأحمر تهديد للدول الواقعة على شواطئه الأفريقية والأسيوية في آن واحد , كما أن تهديد أمن الدول التي لها سواحل على البحر الأحمر تهديد لأمن جذا البحر وجعله مسرحا لاضطرابات دولية بل وتنافس عالمي ومطامع استعمارية حول امكانيات البحر الأحمر وامكانيات دولة في وقت واحد .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
عـبدالله عـلي صبري: عملية ” كورال سي” جرس الإنذار يقرع في الجنوب
بهدف تأمين حركة السفن التابعة للكيان أو المتعاملة معه، من المرور عبر خليج العقبة ومضيق تيران وصولا إلى ميناء إيلات/أم الرشراش اعتمد الكيان الصهيوني على العمل العسكري العدواني، وفرض الأمر الواقع على الدول العربية. ولأهمية البحر الأحمر في استراتيجية التوسع الصهيوني، قامت إسرائيل بشن العدوان الثلاثي على مصر بمشاركة فرنسا وإنكلترا، رداً على إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس 1956.
وبرغم انسحاب إسرائيل من سيناء إثر التدخل الأمريكي، وبرغم قبول مصر لقوات أممية فاصلة بين الدولتين، إلا أن الكيان الصهيوني فرض على مصر حرية حركة الملاحة في خليج العقبة ومضيق تيران، من منطلق حق المرور البريء الذي تسمح به القوانين الدولية، برغم أن مضيق تيران كان ولا يزال معبرا إقليميا وليس دوليا.
ولأن مصر كانت تدرك هذه الحقيقة، فإنها انتظرت الظروف المواتية لإغلاق مضيق تيران من جديد في وجه الملاحة الإسرائيلية، إلا أن العدو الصهيوني اعتبر الخطوة المصرية إعلان حرب، فشن عدوانا كبيرا على مصر وسوريا ، وكانت النكسة العربية 5 يونيو 1967.
غير إن إعلان استقلال جنوب اليمن بعد أقل من شهر على النكسة العربية قد جدد الأمل لمصر وللعرب في إمكانية محاصرة الملاحة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، لكن من الجنوب هذه المرة. ولم تمض أربع سنوات وتحديدا في 11-6-1971، حتى كانت منطقة باب المندب مسرحا لعملية جريئة نفذها الفدائيون الفلسطينيون، استهدفت ناقلة النفط ” كورال سي “، التي كانت تحمل آلاف الأطنان من البترول باتجاه ميناء إيلات / أم الرشراش.
اتضح لاحقا أن الفدائيين كانوا يتبعون الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد توجهوا إلى ميناء المخا بعيد إنجاز مهمتهم، وسلموا أنفسهم للسلطات اليمنية.
كان الحدث كبيرا ومفاجئا بالنسبة للكيان، حتى أنه كان يستعد لعمل انتقامي ضد اليمن، واعتبر القادة العسكريون الصهاينة أن هذه العملية أخطر ضربة تعرضت لها الملاحة التجارية الإسرائيلية منذ حرب 1967، ما يعني أن جرس الإنذار يقرع هذه المرة من جنوب البحر الأحمر لا من شماله.
سارعت إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع أثيوبيا، التي كانت تحتل ارتيريا وميناء عصب المقابل للسواحل اليمنية، فيما اتجهت مصر للبحث عن إمكانية الاستفادة من باب المندب وإحكام حصار بحري على الكيان بالتعاون مع اليمن، وهذا ما حدث بالفعل في حرب أكتوبر 1973.
وقد تضاربت المعلومات بشأن مصدر النفط الذي كانت تحمله ” كورال سي ” هل جاء من إيران أم من دولة عربية خليجية؟. وبالطبع فإن إيران في ظل نظام الشاه كانت على علاقة ممتازة بالكيان الصهيوني، وكانت معظم واردات إسرائيل النفطية تأتي من طهران.
المستغرب أن تقريرا للجبهة الشعبية عن عملية ” كورال سي” وأهدافها السياسية، قد جزم أن البترول الذي كانت تحمله ناقلة النفط جاء من إيران والسعودية معاً، في إطار تنسيق مشترك للدولتين مع إسرائيل، حيث نفذت الأخيرة خط أنابيب بين ميناء إيلات في البحر الأحمر وميناء عسقلان على سواحل البحر الأبيض المتوسط، بهدف التصدير إلى أوروبا الغربية.
ولأن الخيانة كانت تجري في عروق آل سعود مجرى الدم، فقد كشف التقرير أن النفط الخام الذي كان يتدفق عبر الخط الإسرائيلي قد وصل إلى مليون برميل يوميا في العام 1971، وأن نصف هذه الكمية كانت تأتي من إيران، والنصف الآخر من السعودية، لكن عبر شركة رومانية هي التي وقعت الاتفاق مع ” أرامكو” نيابة عن إسرائيل..!