رغم كون الحرب العالمية - على اتساع رقعة أحداثها- مثلا يضرب عندما تذكر ضخامة الخسائر المادية فى الصراعات، فإن ما تكبده قطاع غزة (المنطقة التى لا تزيد مساحتها على ٣٦٥ كيلومترا)، منذ بدء العدوان الإسرائيلى فى السابع من أكتوبر الماضي، يجعل ما حدث هناك "حربا عالمية أخرى" من حيث حجم الدمار، إذ أصبح من الصعب وصف ما أصبحت عليه نسبة كبيرة من المبانى سوى بـ "الركام"، إذا ما قورن الوضع بما لحق بمدن أوروبية كبيرة أثناء الحرب العالمية.


قامت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية بمقارنة بين حجم الدمار الذي شهدته المناطق الحضرية فى قطاع غزة ومدن أوروبية كبيرة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وأفادت الصحيفة فى تقرير من قطاع غزة أن نسبة ٦٠٪ من المناطق الحضرية فى شمال غزة تحولت إلى ركام بالكامل بحلول الرابع من ديسمبر الحالي، كما قارنت هذه النسبة بحجم الدمار الذى تعرضت له مدن أوروبية كبرى خلال الحرب العالمية الثانية، موضحة أن مناطق شمال القطاع تعانى من دمار شديد بسبب الهجمات الإسرائيلية.
وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن ٦٨٪ من المباني فى مدينة غزة، (عاصمة القطاع)، تحولت إلى أطلال وأنقاض، فيما وصل حجم الدمار الناتج عن غارات الحلفاء فى مدينة هامبورج الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية إلى ٧٥٪، كما تعرضت مدينة بولونيا الألمانية لنسبة دمار بلغت ٦١٪ بينما لم يتجاوز الدمار فى مدينة دريسدن الألمانية نسبة ٥٩٪ من المبانى الموجودة فى المدينة.
ووفقًا لما رأته الصحيفة، فإن الخراب الذى لحق بالمناطق المبنية فى قطاع غزة قد تفوق بكثير فى بعض الأحيان حجم الخراب الذي تعرضت له المبانى والبنى التحتية فى ثلاث مدن ألمانية خلال الحرب العالمية الثانية بين عامى ١٩٤٣ و١٩٤٥، عندما استهدفتها غارات الحلفاء بـ ٧١٠٠ طن من القنابل وأودت بحياة حوالى ٢٥ ألف شخص فقط من سكانها.
ونقلت الصحيفة تأكيد الباحثين فى جامعة ولاية أوريجون الأمريكية أن نسبة ٧٠٪ من المناطق المبنية فى قطاع غزة تم تدميرها بشكل كامل وأصبحت أشبه بالأنقاض بسبب الغارات الإسرائيلية، واستند الباحثون إلى صور الأقمار الاصطناعية.
وأشارت الصحيفة إلى أن عدد البنايات التى دمرت بالكامل فى قطاع غزة يبلغ نحو ٨٢ ألفًا و٦٠٠، وأصبحت مجرد أطلال، فيما تعرضت حوالى ١٠٥ آلاف و٣٠٠ بناية لأضرار جزئية.
وأوضحت الصحيفة أن الوضع الكارثى فى قطاع غزة جاء رغم استخدام الطائرات الإسرائيلية لذخائر عالية الدقة والاستهدافية التى تزن ٢٥٠ رطلًا، ولكنها تتمتع بقوة تدميرية هائلة، وهذا الخراب يظل فى مستويات مروعة لا تناسب التقدم التكنولوجى للذخائر المستخدمة.
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم إسرائيل قذائف مدمرة من طراز "هيل فاير" الموجهة بالليزر لاستهداف المبانى الصغيرة والأقل حجمًا، والتى تم استخدامها من قبل القوات الأمريكية فى سوريا والعراق، وهى تُعد من الأسلحة الموجهة والتى تتميز بدقتها العالية.
ومع ذلك، لا يزال الدمار والأضرار الهائلة نتيجة الغارات الإسرائيلية على مناطق قطاع غزة، رغم استخدام المقذوفات ذات الدقة العالية، وتشمل هذه الأضرار تدمير المنشآت الحضرية وأضرارًا بالبنية التحتية، بما فى ذلك شبكات الإنارة والمياه.
وبحسب التقرير الذى أوردته "فاينانشيال تايمز"، تستخدم إسرائيل أيضًا مقذوفات موجهة ذات تأثير تدميرى كبير من طراز (أم-١١٧)، والتى تتراوح أوزانها بين ٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ رطل، حسب حجم المبانى المستهدفة.
هذه المقذوفات التى استخدمتها الولايات المتحدة سابقًا فى حروبها فى كوريا وفيتنام، وتُعتبر فعالة فى استهداف المبانى الكبيرة وتسبب أمواجًا ارتجاجية قادرة على تدمير الهياكل الأساسية والأنفاق تحت الأرض والملاجئ للقوات المعادية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أنه من الصعب فصل الدمار الذى لحق بالمبانى فى قطاع غزة عن فقدان الأرواح البشرية بين المدنيين.
وأشارت إلى أن عدد القتلى بين سكان البنايات المتضررة فى شمال القطاع زاد إلى أكثر من ١٥ ألفًا منذ بدء إسرائيل حملتها العسكرية الواسعة، وهو رقم يفوق عدد الضحايا المدنيين خلال الغزو الأمريكى للعراق فى عام ٢٠٠٣ الذى بلغ ١٢ ألف مدني عراقي.
فى سياق ذى صلة، ذكرت صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية أن جيش الاحتلال الإسرائيلى بدأ استخدام تكتيكات مبنية على الذكاء الاصطناعى خلال هجومه الأخير على قطاع غزة، ما ساهم فى تحسين خطط الهجوم وتحديد الأهداف بشكل أكثر دقة وفعالية، موضحة أن هذا الاستخدام المتقدم للتكنولوجيا سمح بتنفيذ غارات مكثفة نادرة، مما أدى إلى تكبيد أضرار هائلة وخسائر بشرية كبيرة بين السكان المدنيين.
وأكدت الصحيفة - فى تقريرها الأخير - أن الغارات لا تزال مستمرة على القطاع، حيث يتعرض المدنيون لهجمات جوية وقصف من الأسلحة الثقيلة التابعة لجيش الاحتلال، فيما تظل الأمور بعيدة عن التهدئة، خاصة بعد إعلان حكومة حماس نهاية الهدنة التى استمرت لمدة أسبوع وانتهت فى أول ديسمبر الجاري.
وأشارت الصحيفة إلى تزايد حصيلة القتلى فى القطاع، حيث وصل العدد إلى أكثر من ١٦ ألف شخص منذ بداية الهجوم فى أكتوبر الماضي، مع حوالى ٧ آلاف شخص فى عداد المفقودين، منهم نحو ٤٧٠٠ امرأة وأطفال.
وأضافت الصحيفة أن الوضع الحالى فى غزة يماثل بقسوته وتدميره الصراعات الدائرة فى هذا القرن، حيث تمنع الضربات المستمرة فرق الإغاثة الدولية من أداء دورها المعتاد فى تقديم المساعدة وجمع المعلومات حول الخسائر البشرية والدمار الذى خلفه القصف الإسرائيلي.
ورأت الصحيفة الفرنسية أن المأساة التى تعرض لها سكان قطاع غزة تجاوزت مرحلة الجدل، حيث أصبحت واقعًا مروعًا لا يمكن إنكاره ولا مناقشته، مشيرة إلى أنه حتى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أقر فى بيان لقناة (سى بى إس) الأمريكية بفشل جيش الاحتلال فى تقليل الخسائر بين المدنيين لعدة أسابيع.
وأوضحت الصحيفة أنه خلال شهر ونصف الشهر الذى سبق الهدنة، تم تدمير أكثر من نصف المبانى فى شمال قطاع غزة أو تعرضت لأضرار جسيمة، وتم هدم أجزاء كبيرة من الأحياء بما فى ذلك البنية التحتية بأكملها، مستندة إلى تأكيدات جيش الاحتلال الإسرائيلى نفسه، حيث أعلن أنه استهدف ١٥ ألف هدف بعد ٣٥ يومًا من الحرب حتى ١٠ نوفمبر، وأطلق نحو ٩٠ ألف قذيفة مدفعية عيار ١٥٥ ملم بحلول ٢٨ نوفمبر.
وأشارت إلى أن هذه الإحصائيات، التى لم يتم تحديثها بشكل كبير منذ ذلك الحين، لا تزال تحتفظ بصدارتها كما لا تُنشر علانية، ما يعكس حجم الدمار والتدمير الهائل فى المنطقة المزدحمة بالسكان.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: غزة العدوان الإسرائيلي فايننشال تايمز الحرب العالمية الثانية الحرب العالمیة الثانیة فى قطاع غزة حجم الدمار أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تتجه لتنفيذ المرحلة الأولى وإجهاض الثانية ضمن مفاوضات غزة

حذّرت أوساط سياسية وعسكرية في إسرائيل من الاتجاه الذي يتبلور في الحكومة لتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ، وإجهاض المرحلتين الثانية والثالثة التي يفرض أن يتم بموجبهما إتمام عملية إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وألوف الأسرى الفلسطينيين وإنهاء الحرب.

وقالت هذه الأوساط بحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، إن المداولات التي تمت في الأيام الأخيرة، وبينها اجتماع دام ثماني ساعات بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، ووزراء الجيش والشؤون الاستراتيجية والقضاء وقادة الجيش والمخابرات وأعضاء فريق التفاوض، بيّنت بوضوح أن "استئناف الحرب على غزة يكاد يكون حتمياً"، وأن الجيش كُلّف بجلب خطة تفصيلية إلى الحكومة، في الأيام المقبلة، تشتمل على المخططات العسكرية لاستئناف الحرب.

إقرأ أيضاً: بث مباشر: بدء الاستعدادات للإفراج عن الدفعة السادسة من أسرى إسرائيل في غزة

وبموجب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن خطة الجيش الإسرائيلي ستكون مبنية على أساس إعادة احتلال محور نتساريم وسائر مناطق قطاع غزة كله بشكل سريع، من خلال زج فرقتين أو ثلاث فرق عسكرية إضافية. ولأن الجيش لا يريد التورط مع القانون الدولي بمنع دخول مواد غذائية ومعدات طبية إلى القطاع بشكل كامل، فإنه يخطط لإجراء محاولة لتجميع كل السكان الفلسطينيين في مكان واحد، يتم إدخال المساعدات الإنسانية إليه فقط، فيما سيتم الإعلان عن بقية القطاع "منطقة قتال" لا تصل المساعدات إليها، بهدف السيطرة عليها بشكل كامل.

ونقلت الصحيفة عن ضباط إسرائيليين اعتبارهم أن هذه السيطرة على القطاع ستستغرق "أشهراً معدودة"، وبعدها أشهراً عدة أخرى "لتطهيره" من المقاتلين الفلسطينيين، مضيفة أن "تحييد الأنفاق التي لم تُدمر وتوجد فيها عناصر ( حماس )، سيستغرق وقتاً طويلاً".

إقرأ أيضاً: الكشف عن تفاصيل خطة عربية للرد على مقترح ترامب بشأن مستقبل غزة

وتابعت أن الجيش الإسرائيلي سيسيطر على توزيع المواد الغذائية ومراقبة المستشفيات والعيادات عن كثب و"عملياً هذا يستوجب احتلالاً عسكرياً". وخلال ذلك، ستحاول إسرائيل تهجير الغزيين. وقالت الصحيفة: "سيقترح على الفلسطينيين في هذا الجيب (الذي سيتم تركيزهم فيه) أن يهاجروا. لكن ليس معروفاً إلى أين سيُهجرون. وحتى الآن، لا توجد دولة أو منطقة في أنحاء العالم وافقت على البحث في ذلك مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، حول خطة الترانسفير التي طرحها".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية قولهم إن "المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار وتبادل الأسرى، لن تحدث، ولا يمكن أن تحدث، إلا إذا وافقت (حماس) على الخروج من قطاع غزة، وهو الأمر الذي ترفضه (حماس) بشكل قاطع، وسبق أن رفضته علناً منذ أكثر من سنة".

لكنّ أوساطاً أخرى في إسرائيل أبدت تحفظات على هذه الصورة المتشائمة، وقالت إن حكومة بنيامين نتنياهو تتحدث عن "حرب غزة الجديدة" كأنها حتمية للمصالح الوطنية، إلا أنها "في الواقع ستعتبر بنظر فئات إسرائيلية كثيرة أنها حرب سياسية حزبية تؤدي إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي، لأنها ستحدث قبل انتخابات مبكرة، وتضحي بالمخطوفين الذين سيموتون في الأسر على الأرجح. ولا توجد إجابة لدى أحزاب الوسط - يسار، ولا لدى حزب الليكود، حول ما إذا سيتم تنفيذ المرحلة الثانية وإعادة المخطوفين، وكيف سيتم التخلص من (حماس)". وأضافت هذه الأوساط أن "فرض حكم عسكري في القطاع والقضاء على المقاومة الحمساوية قد يستغرق وقتاً طويلاً، مثلما حدث للأميركيين في العراق".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي وصفته بأنه مقرب من مستشاري ترمب، قوله "إننا نعلم أن هذا قد ينتهي بـ200 ألف فلسطيني فقط الذين سيغادرون، في أفضل الأحوال"، بينما عدّ مسؤول أمني إسرائيلي أن "هذا قد يلحق ضرراً. والـ200 ألف هؤلاء هم أشخاص بالإمكان العمل معهم في القطاع، في سيناريو معين. فهم النخبة ولا يجوز التفريط بهم".

ورأت صحيفة "معاريف" أنه في ظل هذه التناقضات الإسرائيلية، فإن هناك احتمالاً غير قليل بأن تصحو القيادة الإسرائيلية وتقرر ألا تستأنف الحرب على غزة، "لأن أفضليتها الاستراتيجية، في عام 2025، هي أن تكون هذه سنة تعامل مع إيران". وأضافت: "تقول المؤسسة الإسرائيلية كلها، وبصوت مرتفع، إن هذه نافذة الفرص للعمل ضد الإيرانيين. وإسرائيل لا تريد اتفاقاً (نووياً جديداً)، مثلما يطمح الرئيس ترمب. والنموذج الذي تريده هو (حزب الله) في لبنان في الحرب الأخيرة. أن نضرب أولاً. وبعد ذلك نوقع (اتفاق وقف إطلاق النار). وليس العكس".

وأضافت الصحيفة أنه "نأمل فقط ألا يبيعون لنا أوهاماً، رحيل غزة الذي لن يحدث، وخلال ذلك يسارع الإيرانيون نحو القنبلة".

وبموجب مسؤول آخر، فإن إسرائيل "تخشى أن تنتهي المعركة من دون أي نتيجة. فالرئيس ترمب، صاحب نظرية ترحيل الفلسطينيين يدير جدول أعمال جنونياً ولن يثابر على طلباته وأفكاره. فإذا وقّع اتفاقاً مع إيران سيفرضه على إسرائيل. ولكنه يفضل ألا تعترض طريقه، حتى يظل متحيزاً لها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين لليوم الـ20 تواليا: الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيمها استشهاد شاب برصاص الاحتلال قرب مخيم عسكر شرق نابلس استشهاد ثلاثة شبان برصاص الاحتلال في مخيم نور شمس بطولكرم الأكثر قراءة إسرائيل تداهم منازل عائلات أسرى مرتقب الإفراج عنهم اليوم بالضفة والقدس موريتانيا تحتج على مخطط ترامب لقطاع غزة ماذا حملت لافتة لـ"القسام" في موقع تسليم أسرى إسرائيل وسط قطاع غزة؟ استشهاد طفلتين وإصابة ثالث في انهيار منزل تعرض للقصف في غزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • مبعوث ترامب: المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى في غزة معقدة
  • ويتكوف: المرحلة الثانية من اتفاق غزة ستبدأ بالتأكيد وتشمل إنهاء الحرب
  • "أدنيك": "آيدكس" و"نافدكس" نقطة تحول بمسيرة المعارض الدفاعية والأمنية عالمياً
  • «أدنيك»: «آيدكس» و«نافدكس» نقطة تحول بمسيرة المعارض الدفاعية والأمنية عالمياً
  • فايننشال تايمز: من سيدافع عن أوروبا؟
  • وفقا للحسابات الرياضية.. عالم أفغاني يتبنأ بموعد تدمير الاقتصاد العالمي والحرب العالمية الثالثة
  • بيسيرو: أعرف قصة الزمالك في مصر وإفريقيا وحجم بطولاته
  • إسرائيل تتجه لتنفيذ المرحلة الأولى وإجهاض الثانية ضمن مفاوضات غزة
  • ألمانيا: إحياء الذكرى الثمانين لقصف الحلفاء مدينة دريسدن أثناء الحرب العالمية الثانية
  • أوساط الاحتلال تثير تساؤلات عن شعور الفلسطينيين بـالنصر رغم حجم الدمار