موقع 24:
2024-07-07@02:07:16 GMT

تمرين في الذكاء السياسي!

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

تمرين في الذكاء السياسي!

السياسة الإيرانية تحمل ثنائيات متناقضة لا يخطئها الحصيف ولكن كان تناقضها مخفياً عن البعض

هل النظام الإيراني لديه ذكاء سياسي مفرط؟ وهل أصحاب الذكاء السياسي ممكن أن يقعوا في شر أعمالهم؟ لدى تصفح كتاب وزير الخارجية الإيراني الحالي السيد حسين أمير عبداللهيان والمعنون بـ«صُبح الشام» والصادر في بيروت من منشورات «المحجة البيضاء» يقف القارئ متعجباً لماذا يصدر هذا الكتاب في هذا الوقت؟ واصفاً جهود الجمهورية الإيرانية الحثيثة في الجوار العربي المباشر، العراق، سوريا، لبنان، الخليج وما حول هذا الإقليم، بأنها «سياسية تدخلية»!
البعض يرى أن نقد السياسة للجمهورية الإيرانية هو نقد «للمذهب الشيعي»، وقد آن الأوان لأهل العقل أن يقتنعوا بان السياسة الإيرانية ليست«مذهبية» بقدر ما هي «قومية» مع الاعتراف بأن معظم سكان إيران هم من الطائفة الشيعية، ولكن في المقابل ليس كل الشيعة إيرانيين او موالين لإيران، ونقد السياسة «للعقلاء» بالتأكيد ليس نقد المذهب!!!
ما بين يدينا هو بعض من ملامح مشروع إيراني قومي للتوسع في الجوار، هكذا يتوجب أن يفهم، مع الموافقة أنه يستخدم ذكاءً في الخطاب يمرره على الكثيرين بأنه «يدافع عن الشيعة»، وأن عدوه في المنطقة هو «الشيطان الأكبر الولايات المتحدة وتابعتها إسرائيل»، وما يحلو للنظام أن يسميهم تابعين لذلك المعسكر، وغير المنتمين إلى «محور المقاومة»!، والأخير لا مانع «بين فترة وأخرى» أن يتعامل مع الشيطان الأكبر إذا اقتضت المصلحة!!
من حق إيران أن تصنف ما تريد، وتتبنى من المفاهيم ما يناسبها، وأيضاً من حق الآخرين أن يضعوا سياستها تحت منظار التحليل الفطن، لذلك يكشف لنا الوزير في كتابه الكثير من محاولات «التربيط» بين النقيض والنقيض، فيصف مثلاً محاولاته الصعبة مع رئيس مجلس النواب التونسي السابق «الغنوشي» بأن يدعم الوضع في سوريا، والأخير يعارض منطلقاً من موقفه الآيديولوجي الرافض للشمولية السياسية والمتعاطف مع الثورة السورية، هنا «المصالح الإيرانية» هي البوصلة وليس الحق في مواجهة الظلم، كما يشير إلى أن «الربيع العربي» هو ثورة في وجه المشروع الأميركي والإسرائيلي، وهو ثورة إسلامية على غرار الثورة الإيرانية، ما عدا الثورة السورية فهي «ثورة مضادة»!!
يتبين للقارئ أن هناك «انسداداً نظرياً في الخطاب الإيراني، يخلط الدين بالسياسة».


التفوق الذي يشعر به عبداللهيان لا يخفى، فقد تمثل في قمة بغداد التاريخية في صيف عام 2021 التي دعا إليها مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق وقتها، ورئيس الجمهورية الفرنسية، وحضرها كثير من قادة الإقليم، إذ أصر حسين أمير عبداللهيان على الوقوف في الصف الأول عند التقاط الصورة التذكارية، وكل وزراء الخارجية نظرائه الذين حضروا كانوا في الصف الثاني، كما يلزم البروتوكول، ولم يستطع أحد من الرسميين العراقيين أن يتخذ موقفاً من تصرفه، لقد كان ذلك إشارة إلى ما اعتقده «هيمنة» على السيادة العراقية. الوزير يشير في كتابه إلى جهد قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في إنشاء ورعاية ميليشيات مسلحة في كل من العراق وسوريا خصوصاً من أجل حماية «الأماكن المقدسة»! في البلدين، مع العلم بأن تلك الأماكن لم تكن مهددة في أي وقت في التاريخ الحديث!
السياسة الإيرانية تحمل ثنائيات متناقضة لا يخطئها الحصيف، ولكن كان تناقضها مخفياً عن البعض، حتى أحداث غزة الأخيرة، فكشفت الأزمة تلكم الثنائيات للعامة، حيث إن بوصلة السياسة الإيرانية هي مصلحة إيران، لا بأس من استخدام بعض الأذرع العربية التابعة، ولكن من دون اشتباك مباشر، وتبين أن وظيفة أفكار «الثورة» هي وظيفة تضليلية، فما ينتمي إلى عالم «الأقوال» عندهم، ليست له علاقة بعالم «الأفعال».
يصف عبداللهيان قاسم سليماني بصفات «خارقة»، ويحمل له امتناناً واضحاً عندما أصر سليماني أن يبقى عبداللهيان في مكانه منسقاً للشؤون العربية، عندما قرر جواد ظريف وزير الخارجية وقتها إزاحته من ذلك المنصب، ويصف علاقات سليماني السياسية والعسكرية بل وحتى الثقافية، بأنها واسعة ومتشعبة، وأنه كان الشخص الذي أقنع فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في سوريا؛ لأن «العدو مشترك»، يقصد الولايات المتحدة! أما قتل سليماني فيراه المؤلف بأنه كان «لقطع الطريق» على تفاهم سعودي - إيراني! يبدو أن بطل عبداللهيان هو سليماني، ويرغب في أن يقوم بدوره!!
اللافت في الكتاب ذكر عبارة لها دلالاتها وهي الإشارة إلى البحرين، والتي عانت من التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية إلى درجة أنه في سبتمبر «أيلول» عام 2015 طُرد القائم بالأعمال الإيراني من المنامة بسبب تدخلاته في النسيج الاجتماعي المحلي، ويشير إلى البحرين، البلد المعترف باستقلاله من الأمم المتحدة، وحتى من إيران الجمهورية، بإشارة ملتبسة وهي «جزيرة صغيرة انفصلت عن إيران عام 1971 بسبب سوء تدبير النظام البهلوي»! مثل هذا التصريح من رأس الدبلوماسية الإيرانية الحالية، أقل ما يقال فيه أنه يبين نيات التوسع القومي الإيراني في الجوار.
الكتاب أيضاً يكشف أن «الهوية الإيرانية» في نصف القرن الماضي تتنازع بين الفارسية القومية والمذهبية الشيعية، وهو ما يؤسس لنزاعات مستقبلية من السذاجة عدم التحوط لها.
الأزمة التي يعانيها الخطاب الإيراني اليوم نابعة من الموقف في ما يحدث في غزة، فقد وعدت وشجعت وسلحت وصعدت في الخطاب المناوئ، وعند الاشتباك نأت بنفسها عن كل مفردات الخطاب السابق، بصرف النظر عما يبرره التابعون لها في اللسان العربي، بل حتى بعض الفلسطينيين، أما الجمهور العام الفطن فقد سقطت ورقة التوت أمام عينه، وما المحاولات التي نسمعها إلا تدارك ما قد لا يتدارك!
هل مجمل سردية الوزير عبداللهيان يدل على ذكاء سياسي؟ في كتاب «صُبح الشام» أما كان من المفترض أن يسمى الكتاب بتفاصيل ما جاء فيه «ظلمة الشام»، حيث فضل بقاء فرد لتحقيق مصالح إقليمية على موت بلد، وفناء مجتمع!
آخر الكلام: لا يمكن الخروج من المستنقع السياسي الهائل الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط إلا من خلال هدم الآيديولوجيا القائمة على الشعارات اللاعقلانية.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة إيران

إقرأ أيضاً:

صعود الإصلاحيين لرئاسة إيران وتأثيره على مستقبل العلاقات مع المغرب

تتجه الأنظار في العالم، نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي شهدت انتخابات رئاسية أفضت إلى كسر التيار الإصلاحي لهيمنة المحافظين والمتشددين على منصب الرئاسة، وهو ما لم يكن منتظرا، وشكل مفاجأة كبيرة.

وفاز الإصلاحي مسعود بزشكيان في الاستحقاقات الرئاسية الإيرانية بنسبة 55% من أصوات الناخبين، حيث ظفر بأزيد من 17 مليون صوت، فيما منافسه المحافظ سعيد جليلي حصل على 13 مليون صوت فقط.

وتعهد الرئيس الإيراني الجديد في أول تصريح له، بتبني سياسة خارجية تعمل على تخفيف التوتر، دون أن يتطرق للعلاقات التي تربط بلاده بمجموعة من الدول وخصوصا التي على خلاف معها، ومنها المغرب الذي اشتكى مرارا من تدخل إيران في شؤون وحدته الترابية.

 

وفي هذا الصّدد، أبرز محمد العمراني بوخبزة، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، تعليقا على الانتخابات الرئاسية الإيرانية في تصريح لموقع « اليوم24″، أن الأخيرة لها خصوصيتها نظرا للنظام السياسي في إيران، ويظهر من خلال التوجه للدور الثاني أنه ثمة تقاطبات بين الإصلاحيين والمحافظين، وهو ما يعكس حدة التقاطب والتقارب في نوايا التصويت، وانقسام المجتمع الإيراني داخليا ».

وأشار إلى أن التقاطب الذي حصل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ميز الاستحقاقات التي تابعها العالم وخاصة أنها تأتي بعد وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، إذ لم يحدث هذا منذ الثورة الإيرانية الإسلامية، متوقعا استمرارية التقاطب الداخلي بين الإصلاحيين والمحافظين.

وحول تأثر العلاقات الإيرانية المغربية بنتائج الانتخابات الرئاسية، قال بوخبزة: « لا أظن أن لذلك تأثير، فنتائج الانتخابات الرئاسية ليس لها تأثير كبير على السياسة الخارجية، وذلك على اعتبار أن ما يتعلق بالمواقف الخارجية، يبقى من اختصاص المرشد العام للثورة الإيرانية ».

وأوضح أن « محدودية دور رئيس الدولة الإيرانية فيما يتعلق بالاختيارات والمواقف الكبرى المتعلقة بالسياسة الخارجية، واضح وجلي »، ومن ثمة يضيف « تأثير هاته النتائج على موقف إيران من المغرب غير وارد، بل نعتقد بأنه ستكون هناك استمرارية في نفس النهج، إذ طالما تناوب الإصلاحيون والمحافظون على السلطة، وكانت نفس المواقف التي تطبع العلاقات الإيرانية المغربية ».

وتابع: « إيران تعمل على مشروع استراتيجي كبير، ولا يتأثر بتقلب نوايا التصويت، أو بوصول أي تكتل للسلطة، بل هي عملية مسترسلة، ومستمرة، ويشرف عليها النظام، وتستهدف حتى المغرب من خلال محاولة الهيمنة على مجموعة من المناطق ومنها شمال إفريقيا، وبالتالي لا نجد أن هناك مؤشرات تدل على تغير الموقف الإيراني من المغرب، طالما أن الأمر يندرج ضمن الخيارات الاستراتيجية التي تشتغل عليها الدولة، وهي من اختصاصات مرشد الثورة، وليست لها علاقة بنتائج الانتخابات »، بحسب تعبيره.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب أعلن ماي 2018 عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، على خلفية تورط حزب الله اللبناني في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وصرح آنذاك وزير الخارجية بأن المغرب طلب رسميا من السفير الإيراني مغادرة البلاد بعد التأكد من تورط سفارة إيران في الجزائر في محاولات المس بالوحدة الترابية للبلاد.

كلمات دلالية إيران بوخبزة

مقالات مشابهة

  • صعود الإصلاحيين لرئاسة إيران وتأثيره على مستقبل العلاقات مع المغرب
  • دول الخليج تهنّئ الرئيس الإيراني المنتخب
  • إسرائيل تعلق على فوز مسعود بزشكيان برئاسة إيران
  • الرئيس الإيراني الجديد: قادرون على تحقيق الإنجازات وتخطي العقبات
  • إيران والعالم.. هل تشهد السياسة الخارجية تغييرًا مع بزشكيان؟
  • ماذا قال بزشكيان في أول خطاب له بعد فوزه برئاسة إيران؟
  • أول تصريح لمسعود بزشكيان بعد فوزه برئاسة إيران
  • مسعود بزشكيان رئيساً لإيران.. هل تغير نتائج الانتخابات المشهد السياسي؟
  • الجولة الثانية من الانتخابات الإيرانية تنطلق في بيروت
  • تحدّي الجولة الثانية من الانتخابات الإيرانية.. ما هي أبرز اهتمامات المواطنين؟