عربي21:
2024-07-05@23:40:36 GMT

الدفاع عن النفس كذريعة للإبادة الجماعية

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

ليست معركة الشعب الفلسطيني معركة عسكرية ولا دبلوماسية، بل إن جوهرها سياسي وأخلاقي وقانوني.

كانت «ليلة الكريستال» 1938، باكورة محرقة الإبادة الجماعية النازية ضد اليهود في ألمانيا، حيث دُمرت الأحياء والكُنس، واعتُقل الألوف، كمقدمة لحملة الإبادة المنهجية ضد ملايين اليهود وغيرهم من الأوروبيين غير الآريين.



استغل النازيون تداعي الدولة الوطنية في أوروبا بعد الحرب الأولى، لإطلاق حرب إبادتهم في كل أنحاء القارة الأوروبية، لكن ذلك لم يكن ليتم لولا قوانين «نورنبرغ» الألمانية التي صدرت في الثلاثينات، وما تلاها من قوانين أدت لحرمان اليهود وغيرهم من الجماعات الأوروبية في أوروبا الشرقية من مواطنتهم. رافقت هذه الجرائم حملات دعائية لتجريد المحرومين من المواطنة اليهود والغجر وغيرهم من «إنسانيتهم القانونية»، ليجري تصويرهم على أنهم دون البشر، وأنهم خطرون ومسؤولون عن مشكلات العالم، ثم بعدئذ، يتم ترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال لذبحهم لاحقاً، بل استخدم النازيون تكتيكات خادعة لتهدئة الضحايا للامتثال لمصيرهم، من خلال مفهوم «الحل النهائي» كتعبير موارب عن هذه «الإبادة الجماعية»؛ فلقد منحتهم ألمانيا النازية وثائق هويات تؤكد «لا-مواطنتهم» وتصفهم بأنهم مجرد «سكان». ومنحتهم أيضاً صلاحية إدارة شؤونهم، لتعيد توطينهم أو نقل عملهم، بهدف «ضمان أمنهم»، إلى أن يُقتلوا!
كرّس المستعمرون فكرة أن حق الدفاع عن النفس هو للدول، وليس للمحرومين من المواطنة
في حقيقة الأمر، كانت النسبة الكبرى من ضحايا «الهولوكوست»، هم من فاقدي المواطنة. ليبدو الحرمان من الوطن ومن حق المواطنة، الركيزة القانونية للمذابح العنصرية؛ ذلك أن اليهود الذين بقوا يتمتعون بالجنسية الألمانية، لم يشكلوا سوى 3 في المائة من ضحايا «الهولوكوست». فلطالما كرّس المستعمرون فكرة أن «حق الدفاع عن النفس» هو للدول، وليس للمحرومين من المواطنة؛ فهؤلاء ليست لديهم قوانين ولا حقوق.

بدءاً من الاستعمار البرتغالي والإسباني، ثم البريطاني والفرنسي، ومروراً بالنازية، عدّ «المتحضرون الغربيون البيض»، أن الدول التي يحق لها الدفاع عن نفسها هي وحدها تلك الأمم التي تمكنت من بناء دولها ومؤسساتها على نمطهم. أما الذين لم يتمكنوا من تحقيق مواصفات الدولة بمعناها المتحقق أوروبياً، فيُعزلون عن مجتمع «الدول المتحضرة»، ويُحرمون من مواطنتهم، و«يجردون من إنسانيتهم»، و... يُذبحون!

وخلال مقاومتهم للاحتلال، حين يقاتل السكان الأصليون ويقتلون عدداً من المستعمرين الإسبان، كان المستعمرون يصرخون: «إنهم يهاجموننا، وقتلوا بعضنا، ولدينا (الحق في الدفاع عن أنفسنا)».

مشهد شنيع، قديم حديث، يزدحم به التاريخ والحاضر. ويزخر التاريخ الاستعماري الأوروبي بإساءة استخدام «حق الدفاع عن النفس» ضد الشعوب الأصلية تحت غطاء «قانوني ديني وأخلاقي». فلقد صاغ البابا ألكسندر السادس عام 1493، عقيدة الاستكشاف و«الأرض المحرمة» التي أعطت للمستعمرين «البيض» الحق في الأراضي التي يعدونها استحواذاً خاصاً بهم.

وعُدّت الدول المستعمَرة بمجملها، أراضي محرمة على أهلها الأصليين، واستُبيحت «قانونياً» أرواح وأملاك السكان الأصليين «المتوحشين»، بل عُدّ الملايين من «السكان الأصليين» غير جديرين بإدارة شؤونهم ومصالحهم وتنميتهم، بل لا بد من تدمير «ثقافتهم الهمجية»!

منذ 1492 أصدر ملوك إسبانيا فرديناند الثاني، ثم الملك أراغون، والملكة إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة، قوانين «encomienda»، ثم دُعمت بالقوانين الجديدة «Leyes Nuevas» لعام 1542، إضافة للوائح «كارتا ريجيا» البرتغالية 1680، لتنظيم استعباد السكان الأصليين في البرازيل، بل تَزخر اللوائح الدينية والكهنوتية للمستعمرين في أواخر القرن 15، بذرائع التفويض اللاهوتي والديني، بما في ذلك فرض عقيدة «التحضر» التي نفذ بموجبها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني فظائعه في الكونغو.

في حينه، وافق معظم الأوروبيين البيض على كل ذلك. وأداروا ظهرهم لمئات الألوف، بل ملايين الضحايا الذين قُتلوا خلال عمليات الانتقام بحجة «الدفاع عن النفس». وكان الشيء الوحيد المهم هو: «إنهم يهاجموننا، وقتلوا بعضنا، ولدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا».

بذلك يصبح هذا الاجتزاء «القانوني» لـ«حق الدفاع عن النفس» تعويذة، بل سلاحاً للقتل يحوله المستعمرون لعرف قانوني في العلاقات الدولية يعمل كآلة لتبرير جرائم الإبادة الجماعية.
حدث ذات الشيء مع الأميركيين الأصليين، خلال الغزو الأوروبي لأميركا الشمالية، وحدث مع البريطانيين في آسيا والهند، والفرنسيين في شمال أفريقيا، والألمان في جنوب أفريقيا، والإيطاليين في ليبيا، والبلجيكيين في الكونغو، والهولنديين في إندونيسيا؛ إذ يتطابق تاريخ الفظائع الاستعمارية مع تاريخ «حق الدفاع عن النفس للدول الأوروبية».

لا يزال أحفاد الثقافة الاستعمارية الأوروبية البيضاء يمارسون «حقهم في الدفاع عن أنفسهم» ضد الأشخاص الذين استعمروهم واستعبدوهم من خلال الممارسات القانونية للسجن الجماعي. من هنود أميركا الحمر، إلى أفغانستان، إلى العراق... زوّد المستعمرون البيض جرائمهم بغطاء قانوني أخلاقي ولاهوتي ديني وأخلاقي، بل نستطيع الآن أن نلاحظ بقايا هذا «الفقه» القانوني العنصري في الكثير من قوانين الحرب الغربية المعاصرة، والقوانين العسكرية «للدول المتحضرة»، لتقدم هذه القوانين شاهداً على القصور الأخلاقي والقانوني، وتبريراً للمذابح والشناعات «المتحضرة» للأميركيين، والفرنسيين، والبريطانيين، والروس، والإسرائيليين.

بذلك نصل لفلسطين، وهل أقصد فيما أكتب أي وطن سوى فلسطين؟!
نستطيع، لحظة بلحظة، متابعة ذلك التطابق الكامل والمسار المتوازي بين تاريخ القضية الفلسطينية، وبين تاريخ الإبادة الجماعية بذريعة «حق الدفاع عن النفس»!

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة قصف شهداء العدوان مجازر الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حق الدفاع عن النفس الإبادة الجماعیة

إقرأ أيضاً:

الخارجية الأمريكية: لا تطبيع مع النظام السوري دون حل سياسي للصراع الأساسي

 

أكد نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، أن الولايات المتحدة لن تقوم بتطبيع العلاقات مع النظام السورى فى ظل غياب تقدم حقيقى نحو حل سياسى للصراع الأساسى.

الخارجية الأمريكية تجدد تحذيرها للمواطنين من السفر إلى 19 دولة

وقال باتيل ـ وفقا لقناة "الحرة" الأمريكية اليوم الأربعاء، "إن واشنطن كانت واضحة مع شركائها الإقليميين بما في ذلك تركيا في أن أي تواصل مع النظام السوري يجب أن يتركز على ضرورة اتخاذ خطوات موثوقة لتحسين الأوضاع الإنسانية، والأمنية لجميع السوريين".

 

وأضاف المتحدث الأمريكي "أنه على النظام السوري التعاون في العملية السياسية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".

 

استقالة أصغر موظفة من الحكومة الأمريكية بسبب حرب غزة

 

أصبحت مريم حسنين أول أمريكية مسلمة وأصغر موظفة حكومية مُعينة من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن تستقيل من الإدارة احتجاجاً على "تمويل إدارة بايدن وتمكينها الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين".

وقد استقالت حسنين (24 عاماً)، المساعدة الخاصة ومساعدة مدير إدارة الأراضي والمعادن في وزارة الداخلية الأمريكية من وظيفتها، لتصبح بذلك المسئول الأمريكي الحادي عشر الذي يستقيل بسبب الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقا لما نقلته وكالة "سما" الفلسطينية.

وقالت حسنين في بيان: "لقد حُرمت المجتمعات المهمشة في بلدنا منذ فترة طويلة من العدالة التي تستحقها. انضممت إلى إدارة بايدن-هاريس معتقدة أن صوتي ومنظوري المتنوع من شأنه أن يساعد في السعي لتحقيق هذه العدالة".

وأضافت: "مع ذلك، على مدى الأشهر التسعة الماضية من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، اختارت هذه الإدارة الحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من الاستماع إلى الأصوات المتنوعة للموظفين الذين يطالبون بشكل عاجل بالحرية والعدالة للفلسطينيين. أستقيل اليوم من منصبي كموظف معين من قبل إدارة بايدن في وزارة الداخلية".

وقالت حسنين لصحيفة "هافينجتون بوست" إنها قررت الاستقالة لأنها "توصلت إلى فهم أنه حتى لو كانت الوكالة التي أعمل بها لا تنتج سياسة خارجية، فإن الخدمة في الإدارة بأي صفة تجعلك متواطئا في الإبادة الجماعية للفلسطينيين".

وقد حصلت مريم حسنين على درجة الماجستير في دراسات العدالة من جامعة ولاية أريزونا. وتدربت مع مع حملة كريستين ديفبيج-باولكو في موسم الانتخابات الماضي ضمن فريق الاتصالات.

 

مقالات مشابهة

  • السفير الفلسطيني يفضح جرائم إسرائيل مع الاسري ويصفها بـ "الشاذة"
  • التاريخ الدموى لأمريكا (٢)
  • اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية عن غزة
  • من الأعمال التجسسية إلى التسليح.. بريطانيا ضالعة في الإبادة الجماعية بغزة
  • هل يمكن أن يكون الاكتئاب معديًا كالأنفلونزا؟.. دراسة حديثة تكشف مفاجأة
  • من كولومبوس.. إلى بلفور التاريخ الدموى لأمريكا
  • الاكتئاب باعتباره أكثر من مجرد خلل في كيمياء الدماغ
  • البام يدعو رؤساء الجهات المنتمين للحزب إلى تسريع مشاريع الجهات
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية يتوجه بطلب إلى الجيش
  • الخارجية الأمريكية: لا تطبيع مع النظام السوري دون حل سياسي للصراع الأساسي