عربي21:
2025-03-10@11:38:51 GMT

طريق إسرائيل المسدود

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

رغم دخول حرب غزة شهرها الثالث، وتضاعف وتيرة مجازر جيش الاحتلال للفلسطينيين المدنيين العزل، وقفز أعداد الضحايا على نحو فلكي مرعب، فإن طريق «إسرائيل» إلى تحقيق نصر، أو شبهة نصر عسكري يبدو مسدودا، ولن يستطيع قادة العدو على الأغلب مواصلة حربهم كما يعلنون، ولا الاستمرار بالقصف الوحشي المجنون لسنوات ولا لشهور، ولا الاقتراب خطوة من بلوغ الأهداف المعلنة، في محو «حماس»، وخلعها واستعادة أسراهم لدى المقاومة بالقوة المسلحة، رغم الدعم العسكري اللانهائي من واشنطن، والمشاركة الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية المعلنة المباشرة في التخطيط والتنفيذ الميداني للعمليات، وربما تنتهي حروب «إسرائيل» وأخواتها وحاضناتها إلى خيبة سريعة كاملة الأوصاف.



وقد تكون هناك أسباب كثيرة لتوقع فشل الحرب الهمجية، لكن أهم الأسباب في ما نظن، والتي تتقدم ما عداها، هي عقيدة قتال المقاومين في غزة، وإبداعاتهم المذهلة في عمليات تدمير آليات العدو العسكرية، وإرسال أكبر عدد من جنوده وضباطه إلى الجحيم، وهو ما ظهر مع تحول التوغلات البرية من مدينة غزة وجوارها في شمال القطاع إلى دير البلح وخان يونس بالذات، وهو ما وضع جنرالات العدو في حال بائس يائس، فهم ضائعون في المتاهة، يحدثونك عن مرحلة ثانية وثالثة، بينما لم ينتهوا بعد من المرحلة الأولى في الغزو البري، فلم تستطع قواتهم تحقيق تقدم وسيطرة ثابتة في أغلب نواحي مدينة غزة وجوارها، ولا تزال دباباتهم وناقلات جندهم تصفع كالذباب في مدينة غزة ومخيماتها وجوارها، ولا تزال قواتهم تسقط في الكمائن عند فتحات الأنفاق، وفي دوائر العبوات الناسفة.
انتقلت المقاومة من الدفاع المرن في مدينة غزة إلى التصدي المباشر في خانيونس وما حولها
ولا تزال المقاومة على شراستها الفتاكة في جحر الديك وبيت لاهيا وحي الشجاعية وحي الشيخ رضوان ومخيم جباليا وغيره، رغم لجوء جيش العدو إلى سحب كثير من قواته المتوغلة غرب مدينة غزة، والفشل الذي لاحقهم في كل شبر دخلوه، أو اقتربوا منه، ولا تزال المقاومة بأغلب قوتها حاضرة في الاشتباكات اليومية الضارية، وقد زادت ضراوتها، مع نقل العدو لثقل قواته إلى خان يونس، فقد انتقلت المقاومة من «الدفاع المرن» في مدينة غزة إلى التصدي المباشر في خان يونس وما حولها، وهو ما بدا في ارتفاع معدلات الخسائر البشرية في صفوف جنود العدو وضباطه الكبار بالذات، بما اضطر العدو إلى الاعتراف بسقوط عشرات من قوات نخبته، يضاف إليهم كل يوم وكل ساعة، في استنزاف متصل لطاقة العدو البشرية.

فقد لا تهتم «إسرائيل» كثيرا بما تفقده من معدات عسكرية، يجرى تعويضها فورا بجسور الدعم الجوي الأمريكية، التي نقلت عشرة آلاف طن من الأسلحة الأمريكية إلى اليوم، يصرخ بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو مطالبا بمضاعفتها، ويقول إنه يطالب واشنطن بثلاثة أشياء، هي الذخيرة والذخيرة والذخيرة، فلدى جيش الاحتلال جوع حارق إلى الذخائر، وإلى الذخائر الموجهة بالذات، وقد شن العدو أكثر من عشرة آلاف غارة جوية على غزة إلى اليوم، ويلقى ألف طن متفجرات فوق غزة كل يوم، إضافة إلى قصف متصل من البر والبحر، استهلك فيه ملايين القنابل العادية، ومئات الآلاف من القنابل الأمريكية الموجهة من الأنواع والأجيال كافة، الأكثر تطورا، بينها أحدث القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات، القادرة على الوصول لأعماق تحت الأرض تزيد على الثلاثين مترا.
العدو لم يتوصل بعد لمعرفة مفيدة عسكريا عن خرائط أنفاق «حماس» بالغة التعقيد
لكن كل هذه القنابل الضخمة، التي يفوق بعضها زنة الألفي رطل، تستخدمها الطائرات «الإسرائيلية» ـ الأمريكية ـ لدك المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، ولم تصب واحدة منها شيئا من مدن أنفاق «حماس» حتى الآن، فالعدو لم يتوصل بعد لمعرفة مفيدة عسكريا عن خرائط أنفاق «حماس» بالغة التعقيد، رغم تكثيف المراقبة الجوية والأرضية عبر شبكات الجواسيس، أو عبر «الأواكس» الأمريكية، وعبر الأقمار الصناعية وطلعات الاستطلاع الجوي الأمريكي والبريطاني، وما من طريق سالك لهدم الأنفاق وقتل من فيها، رغم الإعلان عن خطط وصفت بالشيطانية، من نوع استخدام قنابل الدخان وقنابل الرغاوى وغاز الأعصاب و»الروبوتات» المتقدمة، أو تجهيز مضخات هائلة واردة من أمريكا ومن ألمانيا بالذات، بهدف جلب مياه البحر المتوسط لإغراق الأنفاق، وكلها خطط أقرب إلى «الخيال العلمى» كما وصفها مسؤول عسكري «إسرائيلي»، فهي غير قابلة للتنفيذ، ولا للنجاح حتى لو جرى تجريبها.

وعلى مدى شهرين مضيا منذ هجوم السابع من أكتوبر المزلزل، بدت عيون إسرائيل وأخواتها عمياء تماما، وظهر فشلهم الاستخباراتي المريع، رغم الإمكانات التكنولوجية الأعلى في الدنيا كلها، ونجحت قيادات المقاومة في حروب الخداع والتضليل العسكري، ولا يزال جنود الله من رجال المقاومة، يواصلون صنع بطولات كالمعجزات، ويخرجون لقتال العدو كالأشباح في ظلال الملائكة، ويبدون شجاعة بلا نظير، وإقداما أسطوريا، وبوسائل قتال ناسفة صنعت ذاتيا في القطاع المحاصر منذ نحو العقدين,

ورغم انعدام التكافؤ المادي الحسابي في وسائل الحرب وأدواتها، ترجح كفة المقاومة في معارك الميدان وجها لوجه، وتهزم قوات العدو في كل اشتباك من المسافة صفر، وتعترف دوائر العدو العسكرية بتفوق «حماس» في المعلومات والقتال والمعرفة بالأرض، وبما يصيب جيش الاحتلال بحالة من الذعر المتفاقم، فهم يواجهون رجالا لا يهابون الموت، بل يطلبون الشهادة كأغلى الأماني، ولا تؤثر في تنظيم قواتهم أي خسائر بشرية، ولا يعني استشهاد قادتهم خوفا من فوضى، فكل قائد يرحل في معركة، يحل محله على الفور قادة بدلاء، وبالكفاءة والمقدرة والتدريب المميز ذاته، وهنا معضلة «إسرائيل» العظمى، التي لا تخشى شيئا أكثر من الخسائر البشرية العسكرية، وقد اعترف العدو بمقتل المئات من جنوده وضباطه في حرب الشهرين.

وأخفيت إلى حين الأرقام الحقيقية لقتلاه وجرحاه، واعترف مع الهدنة الموقوتة بجرح ألف من ضباطه وجنوده في معارك مدينة غزة وجوارها، ثم لجأ مجددا إلى حجب الأرقام الحقيقية بعد استئناف الحرب باتجاه خان يونس، التي يتكبد في معاركها خسائر بشرية مضاعفة، وربما لن يكون مفاجئا لأحد، أن يلجأ العدو في الأسابيع المقبلة إلى وقف عدوانه البربري، وإلى التسليم ضمنا بهزيمة عسكرية محتومة، وأن يتجاوب مرغما مع شروط المقاومة، وأن يتقبل الإفراج عن كل الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق المقاومة لكل الأسرى «الإسرائيليين».

فقد جرب العدو أن يعلن حربا على المقاومة تمتد لسنوات، ثم خفض المدة إلى شهور، قد تختصر لاحقا إلى أسابيع، وبالذات مع استطراد النزيف الموجع في الخسائر البشرية العسكرية، مضافا إليه نزيف مواز في الاقتصاد، فكل يوم حرب يكلف «إسرائيل» إنفاق 270 مليون دولار بأحدث الأرقام الرسمية، تدفع واشنطن أكثر من ثلثها، ورغم التبرع اليومي السخي، تكاد واشنطن تفقد الأمل في أي نصر محتمل لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتخشى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن ينسحب عار «إسرائيل» على صورة واشنطن المتصدعة، وأن يخسر بايدن فرصته في إعادة انتخابه رئيسا، وأن يلحق بايدن بنتنياهو إلى قعر مزابل التاريخ.

وبين «إسرائيل» وأمريكا حالة اندماج استراتيجي، بدت ظاهرة مقتحمة في حربهما المشتركة ضد غزة، وقد تتردد حكومة «تل أبيب» في إعلان وقف العدوان، وتتظاهر بأنها تستجيب لضغوط حكومتها الرديفة في واشنطن، ربما لتحفظ ما تبقى من ماء وجه الرئيس الأمريكي المتفاخر بصهيونيته الزاعقة، بينما الكل يعرف الحقيقة الصلبة، وهي أن واشنطن هي التي تدير العدوان، وتشارك مباشرة في جرائم الحرب، وتأمر بالإبادة الجماعية لأهل غزة العزل، لكنها ـ أي واشنطن ـ فوجئت بالصمود الأسطوري المذهل لأهل غزة، رغم كل الدمار الذي جرى ويجري، وارتقاء عشرات الآلاف من أهل غزة إلى مقام الاستشهاد، وتقطيع أشلاء الآلاف تلو الآلاف من النساء والأطفال بالذات، فوق حروب التجويع والتعطيش، والحرمان الشامل من أبسط موارد الحياة، وقطع الغذاء والدواء والماء والوقود والاتصالات، وتدمير الطرق والمطاحن وأغلب المباني والوحدات السكنية، في محرقة، بلا مثيل للبشر والحجر.

لكن الفظائع كلها لم تدفع أهل غزة للاستسلام والهروب، وقبول التهجير إلى خارج وطنهم، فوق دعمهم المعنوي المرئي لحركات المقاومة، التي لم تلن إرادتها، ولا تراجعت ثقتها بنصر الله القوى العزيز، وكلها موارد أساسية لتحطيم حرب العدوان، وكسر إرادة المعتدين، ودفعهم إلى نقطة التسليم بالفشل والخسائر المحققة، فالمقاومة تكسب الحرب عسكريا ومعنويا، وتضيف ألقا وحضورا غير مسبوق لقضية الحق الفلسطيني، وتنتصر لشعبها الصابر المحتسب، الذي صار كأنه «شعب الله المختار» ببلاغة وقائع التاريخ الجاري.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال المقاومة غزة الاحتلال المقاومة طوفان الاقصي فشل الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش الاحتلال مدینة غزة ولا تزال غزة إلى

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟

قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.

جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".

وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.

وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.

الاحتلال دمر عشرات المنازل والشوارع بشكل جزئي وكامل في مخيم طولكرم (الجزيرة)

الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:

إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.

 

تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.

إعلان

لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.

ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.

لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.

طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.

حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.

السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.

السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.

 

السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:

إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.

خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.

التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.

فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.

الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.

إعلان

أصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.

واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.

السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.

الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.

 

لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد  من الأسباب:

السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلان

جزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.

هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:

السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.

في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.

السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.

السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.

مقالات مشابهة

  • قمة القاهرة الأخيرة .. مخرجات مخيبة للآمال وصنعاء تحذّر من استئناف عملياتها
  • “أمن المقاومة الفلسطينية” يكشف ضبط متخابر مع العدو خلال مراسم تسليم الأسرى
  • وعيدُ سيد القول والفعل
  • تهميش مشروع طريق "سيح برقة- مدينة النهضة"!
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • قوات العدو تواصل العدوان على مدينة طولكرم
  • خرق صهيوني جديد: ثلاثة شهداء في الشجاعية شرق مدينة غزة
  • لذلك حَقَّت المهلة!
  • حماس تؤكد أن تحرير الأسرى الفلسطينيين انتصار لفكر وعنوان المقاومة
  • العربي للدراسات السياسية: إسرائيل تستخدم سلاح التجويع للضغط على المقاومة