ماذا وراء الحراك الدبلوماسي الروسي..؟!
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
حركة دبلوماسية مكثفة تقوم بها روسيا الاتحادية تزامنا مع العدوان الصهيوني على الشعب العربي في فلسطين، وتزامنا مع خفوت الحماس الأمريكي _الغربي في ما يتعلق بالحرب الروسية _الأوكرانية، التي فقد الغرب حماسه تجاهها بعد أن استنزفت هذه الحرب الكثير من قدرات المنظومة الغربية تحت ضغط أمريكي، غير أن هذا الضغط كما يبدو فقد أثره بعد أن أصبحت أوكرانيا مصدر أزمة داخلية أمريكية بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري.
تحركات روسيا خلال الـ48 ساعة الماضية كانت ملفتة ومثيرة للتساؤلات أيضا، إذ قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة كل من الإمارات العربية المتحدة وعقد لقاءات مكثفة مع قادتها ، ثم انتقل منها لزيارة العربية السعودية والتقى بقادتها، ثم عاد لموسكو ليلتقي ولي عهد سلطنة عمان ذو يزن بن هيثم، وبعده التقى مباشرة بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، هذه التحركات تحمل الكثير من المؤشرات التي تعبر عن حراك جيوسياسي تخوضه موسكو، ظاهره المعلن تعزيز الشراكة الاقتصادية، غير أن لها أبعاداً سياسية وجيوسياسية مرتبطة بالمتغيرات الدولية واستراتيجية محاور النفوذ الساعية إلي تشكيل عالم متعدد الأقطاب يحل محل هيمنة القطب الواحد الذي مارسته واشنطن طيلة العقود الثلاثة الماضية، بعد انهيار مرحلة الثنائية القطبية التي كانت سائدة حتى عام 1990م، وانتهت بسقوط المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفييتي..
بمعزل عن التصريحات المعلنة التي صدرت عقب زيارة الرئيس بوتين للإمارات والسعودية، فإن ما عكسه لقاء بوتين مع ولي عهد سلطنة عمان، الذي تطرق علنا عن رغبة بلاده في عالم متعدد الأقطاب وإسقاط نظام هيمنة القطب الواحد، فإن في هذا التصريح ما يدل على أن روسيا أخذت الخطوة باتجاه فرض قيم نظام دولي جديد يحل محل النظام الدولي الراهن الذي تسيطر عليه وتتحكم بأحداثه أمريكا وتجر خلفها قسرا دول الترويكا الأوروبية التي وجدت نفسها مجبرة على التميز عن المسار الأمريكي لعوامل قهرية متصلة بأوضاعها الداخلية، التي برزت كنتاج للحرب الأوكرانية التي أجبرت دول الترويكا الأوروبية على مجاراة واشنطن والاصطفاف خلفها في مواجهة روسيا، الأمر الذي أثر على أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية وأفقدها علاقتها الخارجية وأثر على نفوذها وتأثيرها على المسرح الدولي..!
بيد أن الدبلوماسية الروسية تبدو وكأنها – بتحركها اللافت والمثير للتساؤلات – تضع اللمسات الأخيرة لميلاد العالم الجديد وأن ثمة أنظمة إقليمية عربية تمردت على الضغوطات الأمريكية واتخذت مسارات بديلة قريبة أو تتناغم مع طروحات روسيا والصين في عالم متعدد الأقطاب ونظام عالمي جديد يكون أكثر عدلا في التعاطي مع القضايا الدولية، لأن ما تركه نظام (العولمة) من مآس في الذاكرة الإنسانية، فيه ما يكفي لأن يبحث المجتمع الدولي عن فرص الاستقرار والانتصار للكرامة الإنسانية التي امتهنتها قيم العولمة والهيمنة الإمبريالية، ويبدو أن موسكو تسعى مع قوى إقليمية فاعلة في المنطقة لتكريس مفاهيم النظام الدولي الجديد الذي سيولد كما يبدو من أنقاض العدوان على قطاع غزة الذي أسقط عن أمريكا والمنظومة الغربية آخر أوراق التوت التي كانت تستر عوراتهم، كما أن هذا العدوان الإجرامي والمتوحش مؤهل لأن يدق آخر مسمار في نعش النظام الدولي الذي تديره وتتحكم به أمريكا، لكن يبقى التساؤل هو: هل هناك دور غير معلن لأقطاب العالم الجديد فيما يتعلق بإيقاف حرب الإبادة على الشعب العربي في فلسطين..؟!
أم أن انتهازية القوى العظمى تجتر مآثر بعضها وتسعى لتحقيق مكاسبها على أشلاء الشعوب المقهورة..؟!
الأمر الأهم في هذا الحراك، هو المدى الذي قد تذهب إليه أنظمة الخليج بعيدا عن الأجندة الأمريكية الغربية، وهل فعلا تملك هذه المكونات القدرة على التوجه شرقا دون أن تدفع ثمن هذا التوجه لحلفائها التقليدين، وأن في مقدورها امتصاص غضب أمريكا وبريطانيا.. وأقصد هنا السعودية والإمارات اللتين ترتبطان بشراكة اقتصادية مع روسيا والصين وعلاقات تأخذ أبعاداً استراتيجية، وماذا عن ايران الحليف الاستراتيجي الأهم لروسيا والصين في المنطقة والقوى الإقليمية الحاضرة في مسرح الصراع الجيوسياسي، وأحد أهم الأطراف الإقليمية الفاعلة في ملحمة تأسيس النظام الدولي الجديد..؟
الأيام القادمة كفيلة بتفسير دوافع وأهداف هذا الحراك الدبلوماسي الروسي وما سيترتب عليه من غايات.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: النظام الدولی
إقرأ أيضاً:
يتحكم في اختيار الرئيس.. ماذا تعرف عن المجمع الانتخابات الأمريكي؟
الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، تصدرت محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وتزامنًا مع اقتراب موعد الانتخاب ؛لذلك نستعرض إليكم جميع التفاصيل المجمع الانتخابي هو العامل الأساسي الذي يتحكم في تحديد الرئيس، وليس التصويت الشعبي المباشر كما قد يتصور البعض.
ما هو المجمع الانتخابي؟
المجمع الانتخابي هو نظام تأسس منذ بداية الولايات المتحدة ويهدف إلى إعطاء كل ولاية تمثيلًا متوازنًا في اختيار الرئيس. يتكون المجمع من 538 ناخبًا موزعين على جميع الولايات الأمريكية، ويعكس عدد هؤلاء الناخبين إجمالي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي، بالإضافة إلى ثلاثة أصوات مخصصة للعاصمة واشنطن. لتحديد الفائز، يجب أن يحصل المرشح الرئاسي على الأغلبية المطلقة من أصوات المجمع، أي 270 صوتًا على الأقل.
كيف يعمل النظام؟في كل ولاية، يصوّت المواطنون لمرشحي الرئاسة، لكنهم فعليًا يختارون مجموعة من الناخبين الذين تعهدوا بالتصويت لهذا المرشح في المجمع الانتخابي. الفائز في التصويت الشعبي للولاية يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي المخصصة للولاية (وفقًا لنظام "الفائز يحصل على الكل" في معظم الولايات)، باستثناء ولايتي مين ونبراسكا اللتين تتبعان نظامًا أكثر تعقيدًا يقسم الأصوات.
لماذا يعتمد النظام على المجمع الانتخابي؟يعود هذا النظام إلى رغبة الآباء المؤسسين في خلق توازن بين الولايات ذات الكثافة السكانية العالية والمنخفضة، حتى لا يكون للولايات الكبرى تأثير كبير جدًا في اختيار الرئيس. كما يهدف إلى إعطاء نوع من التأكيد على أن يكون الرئيس متقبلًا من قِبل مجموعة متنوعة من الولايات، وليس فقط من الولايات ذات الكثافة السكانية العالية.
الانتقادات الموجهة للنظامرغم أن المجمع الانتخابي يعتمد منذ قرون، إلا أنه يواجه انتقادات متزايدة. يرى المعارضون أن النظام لا يعكس الإرادة الشعبية، خاصة عندما يفوز مرشح بالرئاسة رغم خسارته التصويت الشعبي، كما حدث في بعض الانتخابات الحديثة. ويعتبره البعض أيضًا وسيلة لتقليل تأثير أصوات بعض الولايات الصغيرة أو تقليل تمثيل الولايات الأكبر من حجمها السكاني. من جانب آخر، يرى المؤيدون أن هذا النظام يضمن تمثيلًا متوازنًا ويمنع احتكار الولايات الكبرى لعملية اختيار الرئيس.
في النهاية يبقى المجمع الانتخابي جزءًا معقدًا ولكنه جوهري من النظام الانتخابي الأمريكي، ومع كل انتخابات تزداد النقاشات حول استمراريته أو الحاجة إلى تغييره. ورغم الانتقادات، لا يزال المجمع الانتخابي هو النظام الذي يحدد رئيس الولايات المتحدة، مما يجعل منه أحد أهم سمات الديمقراطية الأمريكية.