كرم جبر: توجيهات من الرئيس باحترام الدول وعدم التدخل فى شئونها.. والتغطية الإعلامية للانتخابات تساير أعلى المعايير الدولية
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
كرم جبر خلال حديثه مع الإعلامي جابر القرموطي في برنامج مانشيت:
توجيهات الرئيس للإعلام تدعو إلى احترام الدول والشعوب وعدم التدخل فى شئونهاالرئيس لم يتحدث تجاه أى دولة شقيقة إلا بالخير ويؤمن تماما بالعمل العربى المشتركالتغطية الإعلامية للانتخابات تساير أعلى المعايير الدولية ومواثيق الأمم المتحدةلم تُرفض أى وسيلة إعلامية تقدمت لتغطية الانتخابات حتى لو كانت غير مرخصة رصدنا ظواهر إيجابية كثيرة أهمها الدعاية النظيفة واختفاء التشوية والخوض فى السمعة الشخصيةتراجعت حملات مقاطعة الانتخابات إلى أدنى مستوى وتخلصت الانتخابات من شبهات التزويرأصبح مستحيلا تسويد الصناديق وتصويت الموتى والغائبين والأسماء المجهولةنأمل اختفاء ظاهرة "الجالسون فى مقاعد المتفرجين"ويحل محلها "الواقفون فى طوابير الناخبين"بين الناخب والبطاقة الانتخابية لا رقيبندعو إلى المصداقية والشفافية فى تغطية الحشد أمام اللجان ونترك نسبة المشاركة للوطنية للانتخاباتلم نرصد أي مخالفات في التغطية الإعلامية من المرشحين تجاه بعضهم البعضرفع درجة الوعي عند المواطنين هو حائط الضد ضد الشائعات والأكاذيب
أكد الكاتب الصحفي كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أننا في فترة الصمت الانتخابي، وفقًا للمادة 18 من قانون الانتخابات الرئاسية التي تنص على " تبدأ الدعاية الانتخابية اعتبارا من تاريخ إعلان القائمة النهائية للمرشحين حتى قبل يومين من التاريخ المحدد للاقتراع، وفى حالة انتخابات الإعادة تبدأ من اليوم التالي لإعلان النتيجة وحتى الساعة 12 من ظهر اليوم السابق لجولة الإعادة، وتحظر الدعاية الانتخابية في غير هذه المواعيد بأي وسيلة من الوسائل، وتتضمن الدعاية الانتخابية الأنشطة التي يقوم بها المرشح ومؤيدوه وتستهدف إقناع الناخبين باختياره، عن طريق الاجتماعات المحدودة والعامة والحوارات ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية"، مشيرًا إلى أن دور الإعلام خلال فترة الصمت القيام بتثقيف الناخبين وتحفيزهم للمشاركة في الانتخابات لمصلحة الانتخابات بشكل عام وليس لمصلحة أي مرشح.
جاء ذلك خلال حديثه مع الإعلامي جابر القرموطي في برنامج "مانشيت"، المذاع عبر فضائية "سي بي سي".
وأشار إلى أننا لاحظنا قبل الصمت الانتخابي أن هناك عدة ظواهر جديرة بالتسجيل في المشهد الإعلامي، وهي أن الدعاية الانتخابية كانت تساير أعلى المعايير الدولية في تغطية الانتخابات من الناحية الإعلامية، ضاربًا مثال بمعايير الدولية التي نصت عليها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهي " أن تكون وسائل الإعلام منصفة وعادلة وفي متناول جميع المرشحين لأغراض الحملات الانتخابية والإشهار، وينبغي أن يحظى المرشحون برؤية متساوية في وسائل الإعلام خلال الحملات الانتخابية" وهو ماحدث بالفعل وشهدناه جميعًا وظهر جميع المرشحين في وسائل الإعلام المختلفة.
كذلك ما نص عليه معايير الاتحاد الأوروبي من "مراعاة الالتزام بالحيادية والتغطية المتوازنة للمرشحين"، والمجلس الأوربي الذي نص على " يجب أن تتخذ السلطات العامة الخطوات المناسبة لحماية الصحفيين والإعلاميين والمنشآت الإعلامية، وأن تتحيح لهم المشاركة في أداء مهاهم"، وكذلك وفقًا لمعايير مدونة السلوك لمراقبي الانتخابات في الاتناد الأوروبي، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، ومجلس الصحافة الهندي، وشبكة الصحفيين الدولية.
وأوضح الكاتب الصحفي كرم جبر، أنه لم يتم رفض أي وسيلة إعلامية تقدمت بطلب لتغطية الانتخابات، وكل الوسائل التي تقدمت لتغطية الانتخابات تم الموافقة عليها، مضيفًا أن ذلك هو مهمة الهيئة الوطنية للانتخابات ولكن من ضمن شروط الهيئة الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ولكن تم التغاضي عن هذا الشرط وتم السماح للجميع يتغطية الانتخابات.
وأضاف أن هناك معايير مصرية ضاربة في مسائل الديمقراطية والحريات، حيث نص الدستور المصري على أن "مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب في حالات محددة يبينها القانون"، وكذلك المواد 209 و210 الخاصة بالإشراف القضائي، رغم أن بعض الدول تقوم بعمل جميعات لإدارة الانتخابات وليس شرطًا أن يكون قاضٍ ولكن في مصر هناك قاضي على كل صندوق، وكذلك هناك ضوابط وضعها قانون مباشرة الحقوق السياسية، مثل عدم خلط الرأى بالخبر وعدم سؤال الناخب عن المترشح الذي سينتخبه أو انتخبه.
وقال إن الدعاية الانتخابية اتسمت بالإيجابية، وكانت نظيفة بنسبة 100 %، ولم نرى في هذه الانتخابات أشياء كنا نراها في الانتخابات السابقة مثل السب والقذف والتعرض للسيرة الشخصية، ولم نسمع عن مرشح قام بسب مرشح أخر أو حملة مرشح تقدمت بأمر ضد مرشح أخر، مضيفًا أنه لم يتم وضع أي قيود على أي حملات وكان هناك مارثون رائع في وسائل الإعلام لعرض برامج المرشحين، الأمر كان أشبه بالمهرجان الذي لم يحدث في مصر منذ سنوات، كما كان الناخبين مركزين على مرشحيهم وبرامجهم التي تهتم بالقضايا التي تهم المواطنين.
وأوضح أن الدعاوى لمقاطعة الانتخابات تراجعت للحد الأدنى، وهذا لم يحدث في 100 عام سابقين، لأنه كان هناك أمرين نسمعهم في كل انتخابات وهما المقاطعة أو محاولات تشوية الانتخابات وهذا لم يحدث في هذه المره، لأن موقف الدولة المصرية من الأحداث الراهنة تصدى بقوة لتلك المحاولات، مضيفًا أن محصلة جميع التجارب الدستورية بداية من دستور 1923 وحتى الآن نراها بصورة مشرقة في الانتخابات الحالية.
وأوضح أن قديمًا كانت هناك بعض التشكيك في الانتخابات، مثل تصويت الموتى والمسافرين والتسويد، وكان بعضه حقيقي قبل 2005، ولكن الآن تخصلنا من جميع الشبهات وفي نظام محكم وأصبح كل صوت له قيمة، وعلينا استبدال حكاية الجالسين في مقاعد المشاهدين بالوقوف في طوابير الناخين، لأن كل صوت أصبح له قيمة ولم يعد هناك تزوير وهناك عدد كبير من الشباب الذين يوصوتون لأول مره وهم لهم المستقبل، فالمكسب الحقيقي ليس الذهاب لصناديق التصويت فقط ولكن رفع الوعي لدى المواطنين بأن بلدهم تحتاج إليهم، لأننا في مرحلة جديدة تتطلب تثبيت الاستقرار السياسي لتمضي الدولة في تنفيذ خططها، وهو ما يقتضي الاصطفاف لأن هناك الكثير من الأخطار التي تحيط بالدولة وهو ما شاهده المواطنين بأعيننهم، فالمشاركة في الانتخابات تبعث رسالة للجميع في الداخل والخارج أن المصريين يقفون خلف دولتهم ويحترمونها ويقدمون نموذج رائع للحملات الانتخابية.
وأشار إلى أن الإعلام منفتح على جميع المرشحين، مضيفًا أن ذلك الأمر يتطلب من وسائل الإعلام أن يتسم أدائها بالمصداقية والحياد والموضوعية، لأن البعض سوف يبحث عن اللجان التي عليها إقبال ضعيف ليشيع أن المصريين لا يشاركون، وهنا على الإعلام نقل الصورة الحقيقة أيًا ما كانت، والمتوقع أن تشهد الانتخابات مشاركة كبيرة، كذلك يجب على الإعلام عدم نشر نسب المشاركة وانتظار صدور البيان الرسمي من الهيئة الوطنية للانتخابات لأن هناك بعض الناس سوف يبنون تحليلاتهم على هذه الأرقام التي قد تكون غير صحيحة فنصل لنتائج غير صحيحة.
وأوضح أنه يتمنى أن تكون أيام الانتخابات أيام بهجة وفرح، ويشارك الجميع فيها، وعلى الأسر أن تأخذ أبناءها معهم، لرسم صورة إيجابية وناصعة أمام العالم أجمع ستفيدنا خلال الفترة المقبلة، مضيفًا أن الانتخابات الرئاسية ستكون بروفه لجميع الاستحقاقات القادمة، ومن مصلحتنا أن نصل إلى انتخابات نظيفة تعبر عن إرادة المصريين في اختيار مرشحهم سواء كان رئاسي أو في البرلمان.
وقال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية انعكس على المشهد الانتخابي وأصبح هناك اهتمامًا كبيرًا من المصريين لحماية دولتهم، مضيفًا أن الموقف المصري أجهض مؤامرة التهجير القسري، وحاليًا في طريقنا لإجهاض مخطط المنطقة العازلة، التي ينادي بها نتنياهو، والآن أصبح هناك رأي عام عالمي يدعم القضية الفلسطينية، حتى داخل إسرائيل نفسها.
وأوضح أن رفع درجة الوعي عند المواطنين هو حائط الصد ضد الشائعات والأكاذيب، لأن الرأي يقاوم بالرأي والأكاذيب تقاوم بالحقائق، مضيفًا أن هناك حوالي 80 مليون حساب مصري على "فيس بوك" بعضها مزيف، ولكن لاحظنا في الآونة الأخيرة أن هناك ترشيد في هذه المواقع وأن هناك الكثير يقومون بالرد على الشائعات، لأن الكتائب الإلكترونية المعادية لمصر هي من تسعى لنشر تلك الأكاذيب لذلك فالوعي هو المهم وكذلك هدم السكوت على هذه الشائعات، وتعقب تلك الكتائب بالقانون والقضاء.
وأشار إلى أن هناك بعض المواقع تبحث عن أي مشهد لتعكير مشهد الانتخابات رغم تراجعها في الفترة الأخيرة ومهما فعلت مهم لا ينفع معهم التصحيح لأنهم لا يبحثون عن الحقائق، مضيفًا أننا لا نعادي دولة بسبب وسيلة إعلام فأنت لا تعادي من أجل العداء ولا تصادق من أجل الصداقة.
وأضاف أن توجيهات رئيس الجمهورية للإعلام بتنفيذ محاور السياسية المصرية وهي احترام الغير وعدم التدخل في شئون الدول، والحكومات والشعوب، وأن نكون دعاه وحدة وأن يتمتع أسلوب الخطابي بالشفافية ولا نهين دولة أو شعب، مضيفًا أننا نطالب الأخرين بالمعاملة بالمثل فكما نحترمكم عليهم احترامنا وعدم التدخل في شئوننا الداخلية لأن أبسط شئ هو الرد على مثل هذه الأشياء بمثلها ولكن من سيستفيد في النهاية، فالعلاقات بين الدول العربية الشقيقة جيدة ودرونا كإعلام أن نخدم على ذلك الأمر.
وأوضح الكاتب الصحفي كرم جبر، أنه لم يحدث أن تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي، في حق أي دولة عربية أو حاكم أو شعب إلا بالخير والإيجاب، مضيفًا أن الرئيس ملتزم بأقصى درجات الود والأحترام في التعامل مع الدول الشقيقة حتى لو كانت هناك بعض المشاكل، فالرئيس مؤمن بالعمل العربي المشترك، وفي أحد المؤتمرات جسد الرئيس السياسة المصرية حينما قال أن أي أدوار تسعى إليها الدول تكتسبها بمدى تعاونها مع الأخرين ومساهمتها في قضايا الأمن القومي العربي والعلاقات الطيبة، وهذه هي ثوابت السياسة المصرية التي يعكسها الإعلام المصري في كل المراحل وليس لدينا أي مشكلة مع أي دولة عربية سواء إعلامية أو سياسية.
وأشار إلى أن هناك تواصل دائم بين رئيس الجمهورية ورؤساء وملوك وحكام الدول العربية، ومصر في الفترة الأخيرة لم تنقطع الاتصالات ليلًا نهارًا من أجل قضية غزة، ولن تستطيع أي تؤدي هذا الدور لو هناك خصومة مع أي دولة عربية، مضيفًا أن الإعلام المصري يتناول كل القضايا العربية بكل احترام والمعاملة بالمثل تقتضي الحفاظ على هذه المبادئ، فنحن لا ندس أنفنا في أي دولة أخرى، ولا يمكن أن تعاقب دولة أو تفسد العلاقات بسبب خروج إعلامي عن قواعد المهنية فذلك لم يعد موجودًا في ثوابت الدولة المصرية لأن العلاقات السياسية بين الدول تربطها مصالح وأشياء لا نعلمها، فلا تتطوع بالإفتاء في قضايا لا تعرفها.
وقال إن الشأن الاقتصادي المصري، رأينا مناقشات عنيفة في الحوار الوطني ولكن في خط هو السياق الوطني في هذه المناقشات لخدمة الاقتصاد المصري، فلا أقوم بالتخديم على فكرة في رأسي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: كرم جبر الانتخابات الانتخابات الرئاسية انتخابات الرئاسة الاعلام الرئيس السيسي الدعایة الانتخابیة وسائل الإعلام فی الانتخابات وأشار إلى أن وعدم التدخل هناک بعض وأوضح أن أی دولة لم یحدث أن هناک کرم جبر جمیع ا فی هذه
إقرأ أيضاً:
متغيرات السياسات الدولية
يحدث خلط أحيانًا بين مفهوم «السياسة العالمية» ومفهوم «السياسات الدولية»: والحقيقة أنني أرى المفهوم الأول مفهومًا بلا «ما صدقات» (بلغة المنطق)، أي مفهومًا ليس له ما يصدق أو ينطبق عليه في دنيا الواقع، أو هو على الأقل مفهوم غامض وفضفاض. ذلك أن ما يُوجد في الواقع ليس بسياسة عالمية، وإنما سياسات دولية تتعلق بعلاقات الدول بعضها ببعض وبسائر المؤسسات والمنظمات الدولية، وهي سياسات تتأثر بقوة بالأوضاع والمتغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة والمتوقع أن تطرأ على العالم مستقبلًا؛ لأن هذه الأوضاع والمتغيرات هي ما يمكن أن يخلق دولًا ونظمًا وتكتلات سياسية واقتصادية تُسهم باستمرار في تشكيل النظام العالمي.
ولذلك فإن هذا النظام العالمي يتغير من حقبة إلى أخرى، وحتى حينما يسود نظام عالمي ما زمنًا طويلًا وبقدر ما من الثبات، نجد أنه تنشأ من داخله متغيرات تعمل على تفكيكه أو -على الأقل- الاستقلال النسبي عنه، وبذلك تتغير العلاقات بين الدول وفقًا لموازين القوة والتأثير، ويصبح هناك تقريب للبعيد وتبعيد للقريب (بشكل نسبي وزماني بطبيعة الحال).
كيف نطبق ذلك على عالمنا الراهن؟ الواقع أن ذلك القول الذي ذكرت ينطبق على عالمنا الراهن بشكل أكثر وضوحًا من انطباقه على أية عوالم تنتمي إلى حقب سابقة؛ لأن الأوضاع في عالمنا تتغير بشكل متسارع أكبر كثيرًا مما كان يحدث في أية حقبة سابقة، وهو تغير يحدث أحيانًا بين ليلة وضحاها.الشواهد على ذلك لا حصر لها، ولكن يكفي هنا التذكير ببعض منها:
لعلنا نتذكر الأوضاع السياسية العالمية التي كانت سائدة منذ ثلاث سنوات حينما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا. كانت الحرب محسومة منذ البداية لصالح روسيا؛ نظرًا لتفوقها العسكري الكاسح؛ ولكن المتغير العالمي الذي طرأ على السيناريو ليطيل أمد الحرب، هو دخول الغرب بزعامة الولايات المتحدة في المشهد بقوة، وتكريس حلف الناتو ليكون داعمًا لأوكرانيا.
وهكذا بدأت تدق طبول حرب عالمية ثالثة كان يمكن أن تكون مدمرة للعالم؛ خاصةً أن روسيا وحدها تمتلك أكبر قوة نووية بالقياس إلى أية دولة أخرى! ونظرًا لأن هذا الاحتمال بدا مستبعدًا في نظر العقلاء؛ فقد بدا لنا هذا الصراع أشبه بساحة لاستعراض القوة والنفوذ إلى حد التهديد على أرض الواقع، بين قوة غربية مهيمنة، وقوة شرقية مناوئة لهذه الهيمنة بزعامة روسيا ومن ورائها الصين وإيران، وغيرهما.
ولقد سبق أن ذكرت آنذاك في مقال منشور بهذه الجريدة الرصينة أن رئيس أوكرانيا لم يفهم أن الغرب الذي ينفخ في صورته باعتباره بطلًا، إنما يستخدمه باعتباره أداة في هذه الحرب. ولقد أثبتت الأيام صدق نبوءتي بعد أن تحقق متغير عالمي جديد، وهو فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية (وهو في الأصل رجل أعمال كبير جاء ليتعامل مع الأوضاع السياسية بمنطق الربح وحده، وباعتبارها أوضاعًا تتبدل باستمرار كما تتبدل أسواق التجارة والمال): فمنذ ذلك الحين لم يعد الغرب يمثل كتلة واحدة بزعامة الولايات المتحدة، داعمة لأوكرانيا ضد روسيا، بل انشق ترامب عن هذه الكتلة، ورأينا ما رأينا من مشاهد مهينة لرئيس أوكرانيا في البيت الأبيض، لا يبدو فيها باعتباره زعيمًا قوميًّا مثلما كان يتم تصويره قبل ذلك بشهور قليلة، وإنما يبدو في حجمه الحقيقي باعتباره أداة في يد قوى الغرب التي استخدمته بأشكال متنوعة في فترات متباينة.
ذلك التصدع في كتلة الغرب كانت له نتائج بعيدة المدى، فقد بدأت بعض الدول الغربية الكبرى في الدعوة إلى اتخاذ سياسات مستقلة لا تدور في فلك سياسات الولايات المتحدة، ولا تعتمد عليها كقوة عسكرية؛ حتى إن بعضها بدأت في زيادة ميزانيات ترساناتها المسلحة! والحقيقة أن هذا الانشقاق أو الاستقلال النسبي لم يظهر فحسب على خلفية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وإنما ظهر أيضًا على خلفية الصراع على أرض فلسطين: فقد تكشفت المواقف الرسمية لبعض الدول الأوروبية الداعمة لحقوق الفلسطينيين والمناوئة للموقف الغربي الداعم لإسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين، مثل: إسبانيا والنرويج وأيرلندا.
ومن الشواهد البارزة أيضًا على المتغيرات السياسية في عالمنا ما جرى ولا يزال يجري بعد اندلاع الثورة السورية؛ فقائد هذه الثورة المدعوم من دول على رأسها تركيا، قد أصبح رئيسًا للبلاد وممثلًا لها في المحافل السياسية والعلاقات الدولية، بعد أن كان مصنفًا على قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة! وهذا تغير بالغ الدلالة في مواقف الدول الغربية، وهو تغير محكوم بمصالح وحسابات الغرب المعقدة في منطقة الشرق الأوسط؛ وتلك مسائل دقيقة يستطيع أن يخوض فيها أهل الاختصاص. والواقع أن الوضع في سوريا بالغ التعقيد، وربما يكون على المحك.
هذه المتغيرات السياسية الدائمة تشهد بأن السياسة بالفعل هي فن الممكن، أي فن إدارة الأمور وفقًا للممكنات والمتغيرات. والغالب على الأوضاع السياسية العالمية الراهنة هو حالة أسميها «حالة الخلخلة أو الرجرجة» إن جاز استخدام هذا التعبير، وهي حال تشبه المخاض الذي يسبق ولادة نظام عالمي جديد تتوازن فيه القوى على الأرض، وبذلك يتحقق الاستقرار النسبي للأوضاع العالمية.
ولذلك فإنها أيضًا حالة تشبه البراكين والزلازل التي يعقبها استقرار الأرض إلى حين. (وقد يكون تصويري هنا ضاربًا في الخيال أو تعبيرًا عن رؤية ميتافيزيقية للسياسة). والحقيقة أن هذا هو المعنى الميتافيزيقي البعيد الذي أفهمه من قوله تعالى: «ولولا دفع الله الناسَ بعضهم ببعض، لهُدِّمت صوامع وبيَع وصلوات ومساجد يُذكَر فيها اسم الله كثيرًا».