أبوظبي.. مرونة في مواجهة تحديات التغيّر المناخي
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
هالة الخياط (أبوظبي)
أخبار ذات صلةتُعدّ استراتيجية التغيّر المناخي لإمارة أبوظبي التي تتماشى مع المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، ركيزة أساسية في ترسيخ ريادة دولة الإمارات عالمياً في مجال الاستدامة، حيث تُمهِّد الطريق لتعزيز مرونة الإمارة في مواجهة والتخفيف من مخاطر تحديات التغيّر المناخي المتسارعة.
وتسعى الاستراتيجية الخمسية الشاملة التي أعلنتها هيئة البيئة – أبوظبي، بالتشاور والتنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومراكز البحث العلمي، إلى دعم جهود تحقيق أهداف الحياد المناخي بحلول 2050، وتعزيز مساهمة الإمارة في دعم الدور الريادي العالمي لدولة الإمارات في مجال الاستدامة، وجذب الاستثمارات، وضمان نمو اقتصادي مستدام.
وستعمل الاستراتيجية على محورين رئيسيين، هما التخفيف من التغيّر المناخي والتكيُّف معه لعمل مبادرات وبرامج جديدة تقود الابتكار وتستكشف فرصاً جديدة، وتُحقِّق نتائج ملموسة تجاه الالتزام الثابت لإمارة أبوظبي في مواجهة التغيّر المناخي بشكل فعّال.
ويتمثل الهدف الرئيسي للاستراتيجية في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة في القطاعات الرئيسية بنسبة 22% بحلول عام 2027، ما يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تختزنها 500 مليون شجرة لمدة 10 سنوات، وبنسبة 35% بحلول عام 2030.
وتوفر الاستراتيجية للإمارة فرصة لتصبح محوراً عالمياً رائداً في تطوير المواهب، وتعزيز الابتكار أثناء التحوُّل إلى الاقتصاد الدائري منخفض الكربون.
واستناداً إلى تراث الإمارات الغني في ممارسات الاستدامة، والتفاني العميق في بناء مستقبلٍ أكثر رخاءً وازدهاراً، تعيد الاستراتيجية تأكيد جهود أبوظبي لمواجهة تأثيرات التغيّر المناخي المباشرة وغير المباشرة، مستندة إلى توفير بيئة مزدهرة للمقيمين والمستثمرين، مع الاستمرار في إعطاء الأولوية للمبادرات التي تُقلِّل من الانبعاثات لحماية مستقبل كوكبنا.
وضمن محور التخفيف من التغيّر المناخي في استراتيجية التغيّر المناخي لإمارة أبوظبي، تهدف الإمارة إلى اعتماد التكنولوجيا والممارسات لتقليل انبعاثات الكربون من خلال سلسلة من المبادرات، وأبرزها تطوير محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بسعة 2 جيجاواط، التي أنشأها كلا من شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» إلى جانب شركة أبوظبي الوطنية للطاقة «طاقة»، وشركة «آي دي إف رينوبلز»، وشركة «جينكو باور»، بالتعاون مع شركة مياه وكهرباء الإمارات. ومن المتوقع عند التشغيل التجاري الكامل للمحطة أن تمدّ نحو 200 ألف منزل بالكهرباء في أبوظبي، وتفادي إطلاق 2.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً.
وتعمل الإمارة على برامج تُطوِّع التكنولوجيا الجديدة لخلق مسارات مترابطة في تطوير نظام نقل موفِّر للطاقة، وتقليل الانبعاثات في وسائل النقل العامة، ودعم توسيع إنتاج الوقود منخفض الكربون.
وتركز الاستراتيجية على التكيف مع التغيّر المناخي بجانب التخفيف. وببساطة، يعني ذلك تعزيز مرونة أبوظبي في مواجهة التحديات المناخية، وتقليل المخاطر من التأثيرات الضارة للتغيّر المناخي، وستعمل هيئة البيئة - أبوظبي لدعم هذه الركيزة، مع الجهات الحكومية، وكذلك القطاع الخاص لتسريع الجهود في زراعة وتأهيل برامج زراعة أشجار القرم.
وتؤدِّي أشجار القرم دوراً حيوياً في حماية السواحل من العواصف الشديدة والفيضانات، ويمكنها تخفيف التأثيرات الضارة للتغيّر المناخي من خلال تخزين الكربون بمُعدَّل أربع أضعاف من قدرة الغابات الاستوائية في التخزين. وستتم تنفيذ هذه المبادرات في المناطق الساحلية لضمان حماية الموائل الحيوية في أبوظبي. وستمكِّن استراتيجية التغيّر المناخي لإمارة أبوظبي عبر تحقيق فوائد فعّالة وقابلة للقياس في التخفيف والتكيف مع التحديات المناخية، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام في أبوظبي ودولة الإمارات، إلى جانب تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
شراكات رئيسية
جهود أبوظبي المنشودة في مجال الاستدامة البيئية، تسعى لتحقيق التكامل بين جوانب التنمية المستدامة الثلاثة، الاقتصادية، والاجتماعية والبيئية، حيث خرجت شراكات رئيسية للنور من بينها تعاون هيئة البيئة – أبوظبي مع شركة جزيرة الجبيل للاستثمار، لتعزيز جهودهما المشتركة في الحفاظ على النُّظم البيئية البحرية والساحلية، ومناطق أشجار القرم، وضمان استدامتها مستقبلاً في إطار تطبيق استراتيجية أبوظبي للتغيُّر المناخي، ومبادرة القرم – أبوظبي.
ويُعدّ التعاون بين الجهات الحكومية في أبوظبي والقطاع الخاص أمراً رئيسياً لتحقيق أهداف الاستراتيجية، ولتعزيز الجهود المشتركة لتحقيق مستقبل مستدام للإمارة والتحوُّل إلى الاقتصاد الدائري منخفض الكربون. وستجذب هذه الشراكة الفرص الجديدة، مما يسمح للإمارة بأن تكون مثال يُحتذى به في التصدي لتغيّر المناخ من خلال استراتيجية شاملة وشراكة داعمة وتبنّي أفضل الممارسات.
وهذه الجهود والوعود لم تأتِ من فراغ، بل وضعت في الحسبان التأثير المتوقع، حيث أطلقت هيئة البيئة – أبوظبي مؤخراً برنامج الإبلاغ الذاتي عن البيانات البيئية، لتوحيد متطلبات المراقبة البيئية وإعداد التقارير للمشاريع والمنشآت وفقاً للتأثير المحتمَل لمختلف القطاعات في إمارة أبوظبي، بهدف بناء قاعدة بيانات بيئية شاملة وموحَّدة للتعرُّف على مصادر الانبعاثات وكمياتها ومكوِّناتها والتصريفات إلى البيئة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات المناخ كوب 28 التغير المناخي تغير المناخ التغی ر المناخی لإمارة أبوظبی هیئة البیئة فی مواجهة فی أبوظبی
إقرأ أيضاً:
هل تستمر الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا؟
رغد خضور **
العلاقات الصينية السورية بشكلها الدبلوماسي بين الدول قد تعود إلى ما يقارب الـ70 عامًا، إلّا أن العلاقة بين الشعبين تمتد إلى ما قبل ذلك بكثير؛ فالصين كانت مركز انطلاق قافلات الحرير التي كان لا بُد لها أن تعبر سوريا، لتوصل بضائعها إلى العالم؛ حيث كانت دمشق وحلب وتدمر عقدة طريق الحرير القديم، منذ آلاف السنين.
علاقة الصداقة هذه تستند إلى إرث طويل من الروابط والمبادئ المشتركة، وقد وُضعت على مدى عقود أمام تغيرات الأوضاع الدولية، إلّا أنها صمدت؛ بل وتطورت إلى علاقة شراكة استراتيجية، وهذا يعني، في الدبلوماسية الصينية، تعزيز التنسيق بين الجانبين، ويوفر، إلى جانب ذلك، حماية للاستثمارات الصينية في سوريا.
رسميًا أقام البلدان علاقاتهما الدبلوماسية عام 1956، ليصل أول سفير صيني إلى دمشق عام 1957، وتعد سوريا من الدول التي طرحت مشروع قرار استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين كان هناك تعاون بين البلدين في المحافل الدولية والإقليمية.
وبناءً على هذه العلاقات دعمت الصين سوريا خلال سنوات الحرب عليها، مشددة على الحل السياسي ورفض التدخل الأجنبي في شؤونها، وعليه استخدمت بكين حق النقض الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن الدولي، بالمقابل كانت سوريا تؤكد دعمها سيادة واستقلال ووحدة أراضي جمهورية الصين الشعبية.
الجانب السياسي لم يكن وحده الأساس الذي استندت عليه العلاقات بين البلدين، إذ كان للجانب الاقتصادي حيز مهم في هذه العلاقة، فإلى جانب كون التبادل التجاري بدأ منذ مئات السنين، تتمتع سوريا والصين بمجالات تعاون واسعة في الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتمويل.
وجرى توقيع العديد من اتفاقيات التعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والتجاري، منها: اتفاقية التجارة والدفع (1955)، واتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (1963)، واتفاقية التجارة (1972)، واتفاقية التجارة الطويلة المدى (1982)، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار (1996)، واتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (2001)، واتفاقية منع الازدواج الضريبي (2003).
وفي عام 2004 وُقِّعَت اتفاقيات جديدة في مجالات النفط والغاز والري والمياه والزراعة والسياحة والتعاون الصناعي والصحي والتعليم العالي والبحث العلمي.
وكان لإنشاء مجلس الأعمال السوري الصيني المشترك تأثير ملحوظ في قيمة التعاملات التجارية واتساع جوانب التعاون المشترك على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، وسعت الصين لتعزيز استثماراتها في سورية عبر شركات كبرى مثل “سينوبك” و”سينوكيم” و”مؤسسة البترول الوطنية الصينية”.
وبلغ التبادل التجاري بين البلدين مع نهاية عام 2008 حوالي 2.27 مليار دولار، وفي الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2012 حوالي 3.5 مليار دولار، واستمر التعاون وفق الاتفاقيات الموقعة، وإن كان تأثير نتيجة الحرب على سوريا والمتغيرات العالمية الاقتصادية وغيرها، والتي أدت إلى انقطاع سلاسل التوريد؛ الأمر الذي كان له انعكاساته على عدد من المشاريع التي كان يعمل عليها الجانبان؛ حيث انخفض التبادل التجاري عام 2014 إلى ما يقارب 201 مليون دولار.
ولأن الصين تُعد من أهم الشركاء التجاريين بالنسبة لسوريا، كانت الأولوية بالاستيراد والتصدير تعطى للدول الصديقة، وهذا ما كان على أرض الواقع، ليرتفع التبادل التجاري مع الصين منذ عام 2021، والذي وصل إلى ما يقارب 528 مليون يورو لغاية الشهر الثامن من عام 2023.
وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن تعاون تجاري بين سوريا والصين دون التطرق إلى مبادرة الحزام والطريق التي أعلن عنها الرئيس الصيني عام 2013، وانضمت لها سوريا بشكل رسمي عام 2022، كإطار اقتصادي بحت للتعاون بما تمثله من مزيج استراتيجي جيوسياسي يخدم المصلحة الاقتصادية والسياسية المشتركة لكلا البلدين.
ومن خلال المساعدة التي يمكن أن تقدمها الصين إلى سوريا في إطار الحزام والطريق، يمكنها أيضًا أن تعكس ما تنطلق منه المبادرة من التأكيد على الشراكة المتساوية، كما أن انضمام سوريا يعد مؤشرًا على إمكانية تنفيذ مشاريع حيوية تفيد في مرحلة إعادة الإعمار، التي تؤكد الصين أهمية المشاركة الفعالة فيها.
وعلى الرغم من زخم التعاون والتبادل التجاري، إلّا أن الاستثمار الاقتصادي يحتاج إلى مناخ سياسي مستقر، فأي مشروع استثماري صيني في سوريا كان يصطدم بالعقوبات الغربية، إلا أن هناك بعض المشاريع التي كانت تعمل على الأرض، والتطور الأهم كان في المدينة الصناعية في عدرا؛ حيث كانت الشركات الصينية عام 2023 بطور إنجاز معاملاتها للاستثمار ضمنها، منها ما هو متخصص بالبيوت مسبقة الصنع ومواد البناء بشكل عام، إضافة لمعامل لإنتاج الدراجات الكهربائية متعددة الاستعمال، وبالمجمل كانت المعامل في المدينة الصناعية هي للتجميع وليس للتصنيع.
من جانب آخر، حققت جهود الحكومتين الصينية والسورية الهادفة لتعزيز التبادل في الجانب الاجتماعي والثقافي وإيجاد آلية مناسبة له نجاحًا كبيرًا، ويعود أول اتفاق تعاون ثقافي بين البلدين إلى عام 1965، وتبعه توقيع العديد من البرامج التنفيذية للاتفاقات الثقافية.
البرنامج التنفيذي بين عامي 2005-2008 تضمن التعاون في مجالات التعليم والفن والملكية الفكرية والسينما والآثار وغيرها، إلى جانب الندوات التدريبية والمؤتمرات العلمية والمهرجانات الثقافية والسينمائية والمسرحية.
ومن المنعكسات الإيجابية لهذا التعاون الثقافي تمثل بالاتفاقية الموقعة بين اتحاد الكتاب الصينيين واتحاد الكتاب السوريين عام 1983، ومع تطور التبادل الثقافي بين البلدين، اختار اتحاد الكتاب العرب في دمشق 105 روايات عربية، لأدباء عرب من القرن العشرين، لتتولى دار المعارف العالمية ببكين ترجمتها ونشرها، وتُرجِم منها حوالي 14 رواية.
كما قدمت الصين العديد من المنح الدراسية للطلاب السوريين للدراسة في الجامعات الصينية، سواء للمرحلة الجامعية الأولى أو لمرحلة الدراسات العليا، ما يسهم في تطوير المهارات والمعرفة لدى الشباب السوري وتعزيز قدراتهم.
الجانب الإغاثي والإنساني كان حاضرًا بشدة في التعاملات الصينية السورية، ففي عام 2017 وقع الجانبان وثيقتين لتقديم مساعدات غذائية وإنسانية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق، كما قدمت الصين اللقاحات خلال جائحة كورونا، إضافة للملابس والخيم والأدوية والأغذية والوحدات السكنية مسبقة الصنع وغيرها من مواد الإنقاذ العاجل بعد الزلزال المدمر الذي ضرب عدة محافظات سوريَّة عام 2023.
اليوم، ومع التحولات السياسية الحاصلة في الملف السوري، أكدت بكين مواصلة دعمها للشعب السوري، وفقًا لما صرح به وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فيما التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، سفير جمهورية الصين الشعبية في دمشق، شي هونغ وي، وذلك في إطار سلسلة الزيارات واللقاءات لمسؤولين إقليميين ودوليين، للاطلاع على رؤية الإدارة الجديدة، على الرغم من عدم ورود أي تفاصيل حول فحوى الاجتماع.
وبناءً على ذلك يبرز السؤال حول: كيف ستتعامل الصين مع الإدارة السورية الجديدة؟ وهل ستستمر برؤية سوريا منصة استثمارية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"؟
** صحفية سورية
** ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان