ف. تايمز: إطالة أمد الحرب في غزة رغبة إسرائيلية.. وأمريكا تحاول تجنب الكارثة
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
كلما طال أمد الحرب بين إسرائيل و"حماس"، كلما أصبح السلام أصعب، هكذا يرى الكاتب كيم غطاس، مؤلف كتاب "الموجة السوداء" والزميل في معهد السياسة العالمية بجامعة كولومبيا، في مقال نشره بصحيفة "فايننشال تايمز".
ويقول غطاس إن المعاناة في غزة تجاوزت بالفعل حدود ما يمكن تحمله، وجلبت مرحلتها الثانية مزيدا من الموت والدمار للفلسطينيين في القطاع، وخطرًا هائلاً على الأسرى الإسرائيليين المتبقين، وغموض حول مستقبل الشرق الأوسط.
وبينما تعتبر إسرائيل أن الحرب في غزة قد تستغرق عاما آخر، يرفض الأمريكيون هذه الفكرة، وتمضي واشنطن في الحديث عن فكرة اليوم التالي للحرب ومستقبل القطاع القريب، وهو ما يبدو أنه محل خلاف مع الإسرائيليين.
اقرأ أيضاً
كيف ستبدو غزة بعد عام من الآن؟.. 7 خبراء يروون توقعاتهم لفورين بوليسي
ويبدي الكاتب تعجبه من الأمل الذي لا يزال يراود الإدارة الأمريكية حول إمكانية العودة إلى طريق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث تحدث بايدن عن الأمر في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يبدأ هجومه البري في غزة.
ويضيف الكاتب أن ما تحدث عنه بايدن يصعب للغاية فهمه اليوم مع صورة قطاع غزة المدمر والآلاف من القتلى.
تسخين البؤر الإقليميةوالأمر الأكثر إثارة للقلق، كما يقول الكاتب، هو أنه مع بدء إيقاع الحرب ودخولها شهرها الثالث، أصبحت العديد من بؤر التوتر الإقليمية معرضة لخطر التسخين.
وهي تنقسم إلى فئتين مختلفتين: الأولى مدفوعة مباشرة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع مخاوف من حدوث انتفاضة في الضفة الغربية المحتلة، أما الثانية فمتعلقة بحاجة إيران إلى الحفاظ على مصداقيتها كمدافع عن الفلسطينيين.
فيما يتعلق بالفئة الأولى، يقول الكاتب إن تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية يهدد بتفجر الأوضاع، وفي غزة لا يزال الأمريكيون يعلنون رفضهم تهجير الفلسطينيين، لكنهم لا يزالون يشعرون بالقلق إزاء السيناريو الحالي، حيث يدفع العدوان الإسرائيلي الفلسطينيين جنوبًا نحو الحدود مع مصر.
اقرأ أيضاً
بيان قوي.. رسالة من مجلس الشيوخ لبايدن لوضع حد لحرب غزة وتقييد الأسلحة لإسرائيل
وفيما يتعلق بالفئة الثانية، يرى المراقبون أن أن عدم مسارعة إيران لتفجير الوضع، لمساعدة "حماس"، أمر جدير بالملاحظة، ورغم ذلك فإن مخاطر التصعيد الكامل تتزايد.
وقد صعد وكلاء إيران في جميع أنحاء المنطقة ضغوطهم، وواجهت القوات الأمريكية في العراق وسوريا أكثر من 76 هجوما منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول.
أطلق الحوثيون اليمنيون صواريخ على إسرائيل وهاجموا السفن التجارية في البحر الأحمر. وردت الولايات المتحدة، حيث سارت على خط رفيع بين الردع وإثارة القلق في طهران بشأن توجيه ضربة أوسع نطاقا.
حزب اللهلكن النقطة الساخنة الأكثر إلحاحا هي الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة، حيث تدور اشتباكات مستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقد أفرغت البلدات الواقعة على جانبي الحدود من السكان.
وعلى الرغم من مقتل ما لا يقل عن 90 من مقاتليه، فإن "حزب الله" يبذل أقل ما يمكن لإظهار دعمه لـ"حماس"، وهذا لا يزال أكثر مما تستطيع إسرائيل تحمله لفترة أطول بكثير، برأي الكاتب.
اقرأ أيضاً
أكاديمي إسرائيلي: الدولة العبرية بحاجة إلى "حب أمريكي قاس" لإنهاء حرب غزة
وتسود مخاوف أمريكية من احتمال لجوء رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى التصعيد ضد "حزب الله" كمحاولة للفت الانتباه عن عدم تمكنه من تدمير "حماس" في غزة، وهو ما يمكن أن يفجر الوضع برمته إقليميا، لارتباط "حزب الله" بمحور إيران بشكل أكثر مباشرة.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن الانتشار البطيء للعنف لمدة أشهر طويلة مقبلة، وسط استمرار مقاومة "حماس" لإسرائيل هو السيناريو الأكثر ترجيحا، وعليه فإن الوضع الإقليمي مرشح للتحول إلى كارثة، فهل تفلح أمريكا في تجنبها؟
المصدر | كيم غطاس / فايننشال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة الحرب في غزة الشرق الأوسط حزب الله حماس حزب الله فی غزة
إقرأ أيضاً:
بوب وودوارد وخبايا حرب غزة
إذا كانت مؤلفات الصحفي الاستقصائي الأمريكي بوب وودوارد السابقة قد أثارت ضجة كبرى فور صدورها، وحققت نسبة أعلى المبيعات ليس في أمريكا فقط بل في العالم أجمع، فإنّ كتابه الأخير «الحرب» قد فعل الفعل ذاته. ورغم أنه صدر منذ شهر فقط عن دار «سايمون وشوستر» في 15 أكتوبر 2024، إلا أنّ ترجماته غير الرسمية انتشرت في العالم بكل اللغات، ومنها النسخة العربية التي تُرجمت فورًا عبر الذكاء الاصطناعي، فأتاح ذلك للقارئ العربي أن يلم بمواضيع الكتاب الرئيسية وهي: الحرب الأوكرانية، وحرب غزة، وكذلك حرب سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي فاز بها الرئيس دونالد ترامب.
يتضمّن الكتاب مجموعة من التحقيقات والتصريحات من داخل البيت الأبيض، وتصريحات القادة العرب لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن بعد السابع من أكتوبر 2023. ويقول المؤلف إنّ كتابه يستند إلى مئات الساعات من المقابلات مع المشاركين والشهود المباشرين على الأحداث التي تناولها، وإنّ معظم هؤلاء سمح له بتسجيل المقابلات. كل ذلك يضفي أهمية على الكتاب، ولا عجب أن يكتب سايمون هندرسون زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «إذا كانت الجرائد هي المسودة الأولى للتاريخ، فإنّ كتابات بوب وودوارد هي المسودة الثانية، (..) يحلم مراسلو الصحف بتصريحات ولو مقتضبة من المسؤولين الكبار، أما كتاب الحرب لوودوارد فهو من دهاليز البيت الأبيض».
ما يهم القارئ العربي للكتاب (أو هكذا أتصوّر) الجزء المتعلق بالحرب على غزة، حيث يتناول المؤلف «طوفان الأقصى» وكواليس لقاءات وزير الخارجية الأمريكي مع زعماء بعض الدول العربية في الجولة التي قادته إلى المنطقة في شهر أكتوبر 2023. ويرى المؤلف أنّ هذا «الطوفان» أظهر فشلًا مخابراتيًّا إسرائيليًّا، ولكنه في تقديمه سردية ما حدث، لم يزد عن ترديد الافتراءات نفسها التي انتشرتْ في بدايات الطوفان: «تدفق ثلاثة آلاف من مسلحي حماس إلى مجتمعات الكيبوتس، وأحرقوا المنازل وذبحوا عائلات بأكملها، بمن في ذلك الأطفال والرضّع في مهودهم وأسرّتِهم ذات الطابقين، وقطعت رؤوسهم وأوصالهم وأحرقتهم أحياء (..) كما ارتكب مسلحو حماس أعمال عنف جنسي وحشية ضد النساء بما في ذلك ربطهن بالأشجار واغتصابهن»!، وهو ما لم يستطع إثباته حتى الكيان الصهيوني نفسه الذي ارتكب فظائع مثل هذه عبر تاريخه.
ربما كانت أهم نقطة في الكتاب في رأيي هي موقف بعض القادة العرب من الحرب على غزة؛ فمجملُ ما سمعه أنتوني بلينكن منهم هو: «كان على إسرائيل ألا تأمن لحماس، وقد حذّرْنا نتنياهو من ذلك مرارًا؛ فحماس هي جماعة الإخوان المسلمين. (..) الجماعات الإرهابية لا تحاول القضاء على إسرائيل فقط، بل تريد الإطاحة بزعماء عرب آخرين، ونحن قلقون من تداعيات ما تفعله إسرائيل في غزة على أمننا جميعًا، وما سيأتي بعد حماس قد يكون أسوأ، فداعش جاءت بعد القاعدة وهي أسوأ منها. (..) دعمت إسرائيل حماس لسنوات، وكانت عشرات الملايين تتدفق، ويجب عليها أن تهزم حماس، لن أقول ذلك علنًا، كان ينبغي عليهم التعامل مع السلطة الفلسطينية والعمل معهم. (..) يجب على إسرائيل ألا تدخل غزة بريًّا دفعة واحدة، بل على مراحل، وأن تنتظر حتى يخرج قادة حماس من جحورهم، وعندها تقطع رقابهم. (..) يمكننا أن نمنح إسرائيل المساحة والوقت للقضاء على حماس، لكن يجب على إسرائيل أن تساعدنا أيضًا من خلال السماح بدخول المساعدات الإنسانية وإنشاء مناطق آمنة للتأكد من عدم قتل المدنيين، بجانب السيطرة على عنف المستوطنين في الضفة الغربية. (..) لا ينبغي إيقاف الحرب حتى استئصال حماس من غزة».
وإذا كانت مواقف القادة الذين التقاهم بلينكن في جولته الشرق أوسطية مخزية، كما يبدو من هذه التصريحات، فإنّ على العكس من ذلك يظهر بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان بمواقف قوية وصلبة ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته، ويفشل بايدن في فرض أيّ قرار عليه. ورغم الدعم العلني لإسرائيل، يُظهِر الكاتب إحباط بايدن الشديد من نتنياهو خلف الكواليس، ومن ذلك مثلًا أن سأل بايدن نتنياهو في إحدى المحادثات في أبريل 2024 بشكل مباشر: «ما هي استراتيجيتك؟». وعندما أصر نتنياهو على التوغل جنوب غزة، ردّ بايدن بحزم: «ليس لديك استراتيجية»، ولاحقًا في شهر مايو، بعد إصرار نتنياهو على غزو رفح رغم التحذيرات الأمريكية، أبدى بايدن غضبه واصفًا رئيس الوزراء الإسرائيلي لمستشاريه بالكاذب، بل قال أيضًا إنّ معظم فريقه كذابون «ثمانية عشر من تسعة عشر كلهم كذابون». وقد رفض نتنياهو رفضًا تامًا إدخال المساعدات الإنسانية لغزة، وحتى عندما طلب منه بلينكن ذلك مشيرًا إلى أنّ الرئيس بايدن سيأتي لإسرائيل «ونحتاج أن نكون قادرين على الإعلان قبل مجيئه بأنكم ستسمحون بدخول المساعدات الإنسانية»، رد نتنياهو بنبرة غاضبة: «تعلمون أنّ هذا سيكون خطأ كبيرًا. لقد تعرّضَت هذه البلاد لهجوم. يجب ألا يُعتبر مجيء الرئيس بمثابة زيارة لمساعدة الفلسطينيين، إنه هنا للوقوف مع إسرائيل. لا ينبغي أن تكون زيارة لمساعدة الفلسطينيين». وبالفعل حدثت الزيارة دون أن يضطر نتنياهو لتقديم أيّ تنازل عن مواقفه أو التزحزح عنها قيد أنملة، وهو ما حدث فيما بعد أيضًا في جنوب لبنان عندما اعتزم الكيان الصهيوني القضاء على قيادات حزب الله. ينقل وودوارد عن وزير الخارجية الأمريكي أنه التقى بنتنياهو صباح 16 أكتوبر 2023، وطلب منه السماح بدخول المساعدات الإنسانية لغزة، لكن نتنياهو انفجر غاضبًا رافضًا الفكرة تمامًا وقال: «الشعب الإسرائيلي لن يتسامح مع تقديم مساعدات لهؤلاء النازيين، إذا لم نكن قد دمّرنا حماس بالكامل». وكان رد بلينكن أنّ إدخال المساعدات الإنسانية هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به وهو «في مصلحتكم»، لكن هذا الرفض لم يمنع بلينكن من زَف البشارة لنتنياهو ومن معه في ذلك الاجتماع بإخباره كلَّ ما سبق أن سمعه من القادة العرب: «منذ آخر لقاء لنا، سافرنا في المنطقة، التقينا بأصدقائكم وأشخاص ليسوا أصدقاء، لكنهم ليسوا أعداء لكم. والشيء الوحيد الذي سمعناه مرارًا وتكرارًا هو أنهم يدعمون ما تقومون به، يدعمون هزيمة حماس. قد لا يستطيعون قول ذلك علنًا، لكنهم يدعمونكم فيما تفعلون. يريدون الاستقرار. لا يوجد حب ضائع بين أيِّ من هذه الدول وحماس».
ما كشفه بوب وودوارد عن مواقف القادة العرب من حماس، هو في الواقع معروف من قبل، وسبق لكثير منهم أن أعلنوا عنها، لكن الجديد في هذا الكتاب أنها موثقة بالأسماء والتواريخ ومنقولة من مصادر ثقة، بما يعني أنها ستبقى مواقف تاريخية تشهد على أصحابها وتذكّر الشعوب العربية ببيت معروف الرصافي:
لا يخدعنّك هتافُ القومِ بالوطنِ / فالقومُ في السرّ غيرُ القومِ في العلنِ.
شغلت بالي نقطة - وأنا أقرأ الكتاب - هي عن الإخوان المسلمين؛ فحسب وودوارد تضمنت كلُّ لقاءات وزير الخارجية الأمريكي مع قادة المنطقة، مطالبات بتدمير حركة حماس لارتباطها التاريخي بجماعة الإخوان، فما الداعي إلى الوقوف مع العدو وقوفًا معلنًا - رغم كلِّ جرائمه وخطورته - ضد جماعة يمكن احتواؤها؟!
يتعلل البعض بأنّ الأنظمة العربية اهتمت بالوضع الإنساني في غزة، ولكن من يقرأ الكتاب يصل إلى استنتاج أنّ هذه الأنظمة تريد من الكيان الصهيوني أن يتحلى «بالإنسانية» حتى يسمح ذلك بعد القضاء على المقاومة بالهرولة إلى التطبيع، وهذا ما أشارت إليه أمريكا وكذلك الدول العربية حيث أكد أحدُ قادتها تمسكه بالتطبيع، رغم كلِّ المآسي والمجازر التي حصلت من قبل الكيان.
يبقى أنّ بوب وودوارد أحرج في كتابه «الحرب» بعض الأنظمة العربية أمام شعوبها. ومن ذلك ما جاء على لسان أحد قادة المنطقة: «يجب على الإسرائيليين أن يتعلموا شيئًا نعرفه في العالم العربي؛ خذ وقتك في الانتقام.. كن صبورًا.. إنه نهج أفضل». ولكن مهما صار من أمر، فإنّ ما قاله أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي لمجلس الحرب الإسرائيلي خلال إحدى رحلاته لتل أبيب من أنّ «حماس فكرة، ولا يمكنك تدمير فكرة»، سيبقى حقيقة، حتى وإن خذل العرب حماس والمقاومة. والسؤال المطروح هو: هل ستنسى الشعوب هذه المواقف المتخاذلة؟!