مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتوسع العمليات البرية، برزت شبكة الأنفاق التي بنتها "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، كواحدة من أبرز الأسلحة التي أعطت المقاومة الأفضلية في المعارك.

وتسعى قوات الاحتلال الإسرائيلي بمختلف الطرق للقضاء على الأنفاق، خاصة بعد تعرضها لعدة إحراجات بسبب تعدد هزائمها وخسائرها في الحرب البرية الأخيرة.

بداية التأسيس

وبدأت عمليات حفر الأنفاق بقطاع غزة في التسعينيات من القرن الماضي، حيث قامت بعض العائلات التي تسكن على جانبي السياج الفاصل بين مدينة رفح في الأراضي الفلسطينية والجانب المصري بحفر أنفاق بسيطة لا تتجاوز أقطارها 50 سنتيمتراً، وكانت تستخدم لأغراض تهريب السلاح الخفيف والبضائع.

وشكّلت تلك البدايات البسيطة لحفر الأنفاق جزءاً من التحديات التي واجهها سكان القطاع في ظل القيود والحصار الذي فرض عليهم.

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، استغلت الفصائل الفلسطينية بحذر شديد هذه الأنفاق لغايات تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة.

وبعد عام على الانتفاضة، وتحديداً في 26 سبتمبر 2001، نُفذت عملية تفجير استراتيجية من قبل كتائب القسام في موقع "ترميد" العسكري الإسرائيلي برفح جنوب قطاع غزة.

ونفذت العملية عبر نفق يبلغ طوله 150 متراً، حُفِر لزرع عبوات ناسفة أسفل الموقع العسكري، نتج عن التفجير مصرع 5 جنود إسرائيليين وإصابة عدد آخر.

ويعد هذا التاريخ انطلاقاً لظاهرة متسارعة تعرف لاحقاً بـ"سلاح الأنفاق"، الذي أصبح للمقاومة الفلسطينية وسيلة فعّالة تتصدى للقوات الإسرائيلية.

سلاح نوعي

وتعد الأنفاق في قطاع غزة عنصراً أساسياً في استراتيجية الصمود وتعزيز القدرة التنظيمية للفلسطينيين في مواجهة التحديات الناجمة عن الحصار والاحتلال.

وكانت الأنفاق في القطاع تُستخدم كممرات ضيقة ومحدودة لنقل المؤن والوقود لسكان القطاع عام 2006، لكن مع مرور الوقت تطورت لتصبح شبكات معقدة لا حصر لها، وتمتد كمتاهات تحت الأرض يصعب تعقبها.

وبحسب التقديرات، تضم شبكة الأنفاق 1300 نفق يبلغ طولها نحو 500 كيلومتر، ويصل عمق بعضها إلى 70 متراً تحت سطح الأرض، بينما تشير التقارير إلى أن معظم هذه الأنفاق يبلغ ارتفاعها مترين فقط، وعرضها مترين.

وتمثل شبكة الأنفاق تحت قطاع غزة أحد أكبر التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي في مواجهاته مع الفلسطينيين، ولمواجهة هذا التحدي، قررت المنظومة الأمنية والعسكرية إنشاء وحدة خاصة تحمل اسم "الجهالوم"، عملها هو البحث عن الممرات والأنفاق.

وتضم هذه الوحدة في صفوفها مهندسين محترفين مجهزين بأحدث التقنيات، من ضمنها رادارات أرضية ومعدات حفر وأجهزة استشعار، مما يتيح لهم تحديد الحركات تحت سطح الأرض بكفاءة عالية.

واعترفت صحيفة "معاريف" العبرية، في تقرير سابق لها، بأن شبكة الأنفاق التي بنتها "حماس" في غزة تشكل تحدياً كبيراً لأي توغل عسكري إسرائيلي بري في القطاع.

وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير سابق إن كلمة "أنفاق" لا تنصف ما أنشأته "حماس" تحت قطاع غزة، واصفاً إياها بـ "المدن تحت الأرض".

وأفاد مايك مارتن، الخبير في شؤون الحرب لموقع "روسيا اليوم"، في 26 أكتوبر الماضي، أنه "باختصار، هذه الأنفاق تحدث توازناً، لأنها تحيد مزايا إسرائيل التسليحية، والتكتيكية، والتكنولوجية والتنظيمية، كما أنها تحيد خطر انعدام القدرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية التي تتطلب الفحص وفق القانون الدولي".

ويضيف مارتن: "بناء عليه فإن الجيش الإسرائيلي يواجه مشاكل عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية داخل المناطق المدنية، والتي يمكن تعريفها بأنها حرب ثلاثية الأبعاد".

وقالت مصادر لصحيفة "فايننشال تايمز"، في ديسمبر الجاري، إن شبكة الأنفاق التي أنشأتها "حماس" في قطاع غزة، أكبر من شبكة قطار أنفاق لندن، كما أنها محصنة ضد طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار.

وتنقسم الأنفاق لثلاثة أنواع رئيسية مستخدمة في القطاع، أولها الأنفاق الهجومية، وهي التي تستخدم لاختراق وتنفيذ الهجمات على قوات الاحتلال، كما أنها تستخدم كمرابض لراجمات الصواريخ.

وأما النوع الثاني، فهي الأنفاق الدفاعية، حيث تستخدم داخل الأراضي الفلسطينية لإقامة الكمائن ونقل المقاتلين بعيداً عن الرؤية الجوية للطائرات الإسرائيلية والغارات.

والنوع الأخير هو الأنفاق اللوجستية، التي تستخدم كمراكز للقيادة والسيطرة على العمليات العسكرية وتوجيه المقاتلين، فضلاً عن استخدامها لتخزين الذخائر والعتاد العسكري وتجميع القوات.

محاربة الأنفاق

وتواجه "إسرائيل" وقوات جيشها، المُصنَّفة من ضمن أقوى 18 جيشاً في العالم، تحديات هائلة في محاولتها للقضاء على شبكة الأنفاق تحت قطاع غزة.

وقد استخدمت جميع أجهزة الاستخبارات لتحديد مواقع وتدمير هذا "السلاح الاستراتيجي" الذي أطلقته "حماس" في عام 2001.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في منتصف نوفمبر الماضي، ونقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن "إسرائيل" أقامت نظاماً كبيراً من المضخات قد يستخدم لغمر الأنفاق أسفل قطاع غزة في محاولة لإخراج مقاتليها.

وأكمل الجيش الإسرائيلي وضع ما لا يقل عن خمس مضخات على بعد ميل تقريباً إلى الشمال من مخيم الشاطئ للاجئين، يمكنها نقل آلاف الأمتار المكعبة من المياه في الساعة وإغراق الأنفاق في غضون أسابيع.

وقالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في منتصف نوفمبر الماضي، إن "إسرائيل" تدرس استخدام "القنابل الإسفنجية"، لمحاولة إغلاق الأنفاق المحفورة في أقبية قطاع غزة، وهي قنابل لا تحتوي على أي مادة متفجرة، لكنها تنتِج من خلال تفاعل كيميائي "انفجاراً مفاجئاً للرغوة التي تتوسع بسرعة ثم تتصلب".

وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز"، في ديسمبر الحالي، أن "الخطوة الأولى للقضاء على الأنفاق هي تحديد موقعها، ومن الممكن أن تفيد أجهزة الرادار وأجهزة الاستشعار الصوتية التي تخترق الأرض. وهناك تكتيك أبسط، يعرف باسم "الشعر الأرجواني"، يتضمن إلقاء قنبلة دخان في مدخل النفق، ثم يتم إغلاقه بعد ذلك برغوة متوسعة لمعرفة ما إذا كان الدخان سيظهر في مكان آخر".

فيما اعتبر مسؤول أمني لم يكشف عن اسمه، أن "مثل هذه الأساليب الشبيهة بالخيال العلمي تسلط الضوء على الصعوبات والوقت الطويل اللازم لتدمير عالم حماس السري".

فشل إسرائيلي

ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي واصف عريقات إن سلاح الأنفاق هو سلاح استراتيجي بيد المقاومة الفلسطينية، خاصة أنه السلاح الوحيد في مواجهة التفوق الجوي والمدفعي والبري لدى قوات الاحتلال.

وأشار، في حديثه لموقع"الخليج أونلاين"، إلى أن "المقاومة لا تملك دفاعات جوية ولا أسلحة إسناد كالتي تملكها "إسرائيل"، لذلك الأنفاق تعتبر السلاح الوحيد الذي يؤمن للمقاومة القدرة على الاتصال والتواصل والتنسيق وإخفاء سلاح المدفعية وسلاح الصواريخ".

ويضيف عريقات أن كل الإمكانيات التي تحتاج إليها المقاومة الفلسطينية موجودة في الأنفاق تحت الأرض، وهي مدينة متكاملة، و"هذا ما يزعج "إسرائيل" ويقلقها؛ لأنها غير قادرة على معرفة أماكن هذه الأنفاق أو تفاصيلها، وهو ما يعطل العمليات البرية داخل القطاع؛ لكونها تشكل خطراً كبيراً على الجيش الإسرائيلي".

ويعتقد الخبير العسكري أن "إسرائيل" يصعب عليها "مواجهة سلاح الأنفاق؛ لأنها تجهل أماكن وجود هذه الشبكة في القطاع، كما أنها لا تعرف التفاصيل الفنية في إنشائها، ولا كيف بنيت، وذلك يشكل عقبة كبيرة في معالجة الاحتلال لهذه الأنفاق".

ولفت عريقات إلى أن "إسرائيل لم تنجح على مدى شهرين كاملين وهي تبحث عن هذه الأنفاق، رغم أن هناك عمليات مشتركة بين قوة الدلتا الأمريكية وبين الوحدات الخاصة الإسرائيلية لمحاولة الوصول إلى هذه الشبكات ومعالجتها".

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

الحرب على غزة ستلد حروبا لا نهاية لها بحسب بصيرة بوريل ودا سليفا، وهي بصيرة تجاوزت الجغرافيا العربية.

نتنياهو يعتبر أن قتل 100 الف فلسطيني لإنجاز المهمة في رفح سيكون ثمناً متواضعاً للنصر، وهذا رده على دا سلفا.

طبقات اليمين الإسرائيلي أنتجت ما هو أسوأ من النازية، وهي حركة لن تكتفي بإراقة دماء الفلسطينيين في قطاع غزة، وفق خلاصة ما قاله دا سيلفا.

في خضم الخداع الاستراتيجي الأمريكي التي تجاوز 30 عاما؛ تبرز بصيرة دا سيلفا وبوريل بالتحذير مما سيحيق بالمنطقة إذا لم يتم إيقاف الاحتلال الإسرائيلي.

"ما حدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم يحدث أبدا في أي وقت من الأوقات في التاريخ. في الواقع؛ حدث ذلك عندما قرر الزعيم النازي أدولف هتلر قتل اليهود".

الجنون والغرور الإسرائيلي يتجاوز كل التوقعات، فقادة الاحتلال واضحون في أهدافهم لدرجة أن دول أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا الجنوبية والوسطى لا تقل وضوحا في توصيف الإجرام الصهيوني.

* * *

الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل، قال وبوضوح خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، إن إسرائيل لا يمكنها هزيمة "حماس" بالقتال.

أما الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، وعلى الطرف الآخر من المتوسط في أفريقيا، حيث جرت أعمال القمة السابعة والثلاثين للاتحاد الإفريقي، فقد قال: "ما حدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم يحدث أبدا في أي وقت من الأوقات في التاريخ. في الواقع؛ حدث ذلك عندما قرر الزعيم النازي أدولف هتلر قتل اليهود".

ما قاله دا سيلفا جاء في القمة الأفريقية التي أدانت جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة في بيانها الختامي، بعد أن رفضت السماح لوفد الخارجية الإسرائيلية بالمشاركة في أعمال القمة 37 أو الدخول إلى أروقته.

في حين أن مؤتمر ميونيخ وضع حرب غزة على قمة أولولياته واهتماماته لهذا العام؛ بعد أن كانت في ذيل أجندته طوال الاعوام الماضية، بعد أن بلغت ارتداداتها القارة الأوروبية وعواصمها التي تشهد احتجاجات، في حين تعاني أسواقها وموانئها من اضطرابات البحر الاحمر.

نتنياهو الذي أزعجته تصريحات دا سلفا لم يُلقِ بالا لتصريحات جوزيب بوريل، أو لدعوات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لإدخال المساعدات الى قطاع غزة.

فهو لا زال يهدد بشن عملية واسعة في رفح جنوب قطاع غزة، مستذكرا مقتل 100 ألف مدني فلبيني خلال اقتحام الجيش الامريكي تحصينات الجيش الياباني في العاصمة مانيلا، فنتنياهو يعتبر أن قتل 100 الف فلسطيني لإنجاز المهمة في رفح سيكون ثمناً متواضعاً للنصر، وهذا رده على دا سلفا.

الجنون والغرور الإسرائيلي لا مثيل له، وهو يتجاوز كل التوقعات، فقادة الاحتلال الإسرائيلي واضحون في أهدافهم، لدرجة أن دول أفريقيا جنوب الصحراء، ودول أمريكا الجنوبية والوسطى؛ لا تقل وضوحا في توصيف الإجرام الصهيوني، في حين لا زال من العرب من يراهن على إمكانية التوصل إلى حل سياسي مع نتنياهو، ومن هو أسفله ومن هو فوقه من طبقات اليمين الإسرائيلي، بدءا بالعلماني، وليس انتهاءً بالحريدي الديني، وما بينهما من قوميين ومختلين عقليين ومرضى نفسيين.

ختاماً.. في خضم عملية الخداع الاستراتيجي الأمريكي التي تجاوزت الثلاثين عاما؛ تبرز بصيرة دا سيلفا وبوريل بالتحذير، وإن كان بطريقة غير مباشرة، مما سيحيق بالمنطقة في حال لم يتم إيقاف الاحتلال الإسرائيلي.

فالحرب على غزة ستلد حروبا لا نهاية لها بحسب بصيرة بوريل ودا سليفا، وهي بصيرة تجاوزت الجغرافيا العربية، فطبقات اليمين الإسرائيلي المتراكمة والمنضغطة؛ أنتجت ما هو أسوأ من النازية والفاشية، وهي حركة لن تكتفي بإراقة دماء الفلسطينيين في قطاع غزة، وفق خلاصة ما قاله دا سيلفا.

*حازم عياد كاتب صحفي من الأردن

المصدر | السبيل

مقالات مشابهة

  • تواصل العدوان الصهيوني على غزة لليوم الـ349 على التوالي
  • ‏هيئة البث الإسرائيلية: المقترح الإسرائيلي يتضمن إطلاق سراح أسرى فلسطينيين ونزع سلاح قطاع غزة وتطبيق آلية حكم أخرى فيه وإنهاء الحرب
  • “نيويورك تايمز” عن محللين: الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي على لبنان بلا تأثير استراتيجي
  • طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا
  • العدو يرتكب مجازر جديدة في غزة ويقر بمصرع 4 من جنوده بكمين للمقاومة في رفح
  • خبير عسكري: إسرائيل حققت أهدافا تكتيكية لكنها أخفقت في تدمير المقاومة
  • مقتل 4 جنود بكمين وعملية نوعية للمقاومة في رفح
  • التنمية الاجتماعية: إدخال مساعدات إغاثية إلى المواطنين في غزة
  • "التنمية الاجتماعية" تُدخل اليوم مساعدات إغاثية إلى شمال قطاع غزة
  • شهداء وجرحى بغارات استهدفت عدة مناطق في قطاع غزة