كيف ستبدو غزة بعد عام من الآن؟.. ساقت مجلة "فورين بوليسي" هذا السؤال إلى مجموعة من الخبراء السياسيين والباحثين.

لماذا هذا السؤال بالتحديد؟.. تقول "فورين بوليسي" إن الحرب الحالية بين دولة الاحتلال وحركة "حماس" جعلت الحديث عن عمليات السلام والآمال في اتفاقيات الوضع النهائي يبدو أبعد من أي وقت مضى.

لكن التوقف القصير في القتال وتبادل الرهائن الناجح الذي تم بمساعدة قطر - إلى جانب مصر والولايات المتحدة - يشير إلى أن هناك مساحة للدبلوماسية حتى في خضم حرب وحشية، كما تقول.

وبدلاً من البحث عن مخططات أولية لاتفاق سلام دائم، وهو ما يبدو بعيد المنال نظراً للقيادة السياسية الإسرائيلية والفلسطينية الحالية، فضلت المجلة طرح سؤال أضيق نطاقا وأكثر منطقية، هو ما بدأ به التحليل.

اقرأ أيضاً

اشتية: نعمل مع الولايات المتحدة لخطة إدارة غزة بعد الحرب

تقلص قطاع غزة

ترى زها حسن، زميلة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن حرب إسرائيل على "حماس"، وحملتها الموازية ضد السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة، سوف تستمر لعدة أشهر، حيث تحاول تل أبيب إضعاف القدرات العسكرية لـ"حماس" ومتابعة خطة واضحة لدفع الفلسطينيين إلى جيوب أصغر في الجنوب.

وترى أنه واقعيا، سيبدو الأمر عملية ضم أكثر اتساعًا من "المناطق المقيدة الوصول" الموجودة سابقًا حول الحدود البرية لغزة مع الاحتلال ومنطقتها البحرية - والتي تبلغ مساحتها حوالي 24 ميلًا مربعًا.

وتقول الكاتبة إنه في أذهان الكثيرين في إسرائيل، فإن تقلص قطاع غزة سيسهل ظهور "الشرق الأوسط الجديد" الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو الشرق الذي يبدو أن الفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية لا وجود لهم فيه.

ومن المرجح أيضاً أن تتحرك إسرائيل، غير المنزعجة من الغضب الدولي، لتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية وتهيئة الظروف هناك لتشجيع هروب السكان إلى الجيوب الحضرية المزدحمة أو إلى خارج الأراضي المحتلة تماماً، كما تقول الكاتبة.

وتتوقع الكاتبة أيضا أن يواجه حراك التطبيع بين إسرائيل ودول عربية تحديًا بسبب الدمار والقتل الناجم عن القصف الإسرائيلي ومنع الإمدادات الضرورية لاستمرار حياة الفلسطينيين في غزة.

وعلى الرغم من أن إسرائيل قد تعتمد على دول الخليج العربي ومصر والأمم المتحدة لإعادة ما تبقى من غزة مرة أخرى - كما كان الحال بعد القتال السابق بين إسرائيل و"حماس" - إلا أن هذا غير مرجح دون وجود هيئة حكم فلسطينية مستعدة لتولي الحكم في قطاع غزة، تقول الكاتبة.

وتضيف أن السلطة الفلسطينية تحتاج إلى مسار يؤدي إلى حل سياسي للتعامل مع غزة، ولكن في الوقت الحالي لن يؤيد أي ائتلاف إسرائيلي يمكن تصوره سيادة فلسطينية ذات معنى.

اقرأ أيضاً

بلومبرج: السلطة الفلسطينية تناقش "خطة ما بعد الحرب في غزة" مع الولايات المتحدة

تجديد شروط محادثات السلام

من جهته، دانييل سي. كيرتزر، السفير الأمريكي السابق لدى كل من مصر وإسرائيل، إنه يتعين على إسرائيل أن تتبنى استراتيجية بديلة ضد "حماس"، بدلا من استراتيجية الأرض المحروقة.

ويضيف أنه يتعين على إسرائيل أيضاً أن تتوقف عن الوعد بأنها سوف تدمر "حماس".

إن هذا الإعلان الفارغ يضع إسرائيل في موقف حيث يتعين عليها إما أن تتراجع عن هدف معلن وتبدو ضعيفة نتيجة لذلك، أو يتعين عليها أن تحافظ على وجود لا ينتهي في غزة بحثاً عن آخر مقاتل بعيد المنال من "حماس"، يقول الكاتب.

ويرى أن إضعاف قدرة "حماس" إلى حد كبير على العمل من غزة يشكل هدفاً عسكرياً أكثر واقعية من الإعلان عن نية القضاء على المنظمة بالكامل.

ويقول إنه بعد انتهاء الحرب البرية، سيكون هناك في غزة مئات الآلاف من المدنيين المشردين والجياع والمرضى والجرحى الذين لن يعيشوا في ظل غياب الحكومة أو الأمن الداخلي، كما أنهم سيعيشون بلا أمل، وعلى استعداد للتجنيد في حركات المقاومة المسلحة، بما في ذلك نسخة جديدة من "حماس" أو حركة أكثر شراسة منها.

ويرى كيرتزر أن هناك عنصرين ضروريين على الأقل لتشكيل الأفق السياسي بعد توقف القتال، ويتعين على إسرائيل والمجتمع الدولي أن يبدأا التخطيط لهما على الفور.

أولاً، ينبغي تطوير عملية وجدول زمني يتناول متطلبات ما بعد الحرب المباشرة المتعلقة بخفض التصعيد، وتحقيق الاستقرار، والحكم المؤقت. ومن سيكون مسؤولا عن الأمن؟ ومن سيحكم على أساس مؤقت لتوفير الخدمات الأساسية وإدارة الأزمة الإنسانية؟ ومن سيدفع ويكون مسؤولاً عن إعادة الإعمار؟ وكيف ستساعد هذه المهام الأساسية في العمل ضد تكرار الحروب التي شهدناها في غزة منذ عام 2006؟

ثانيا: التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في تطوير عملية سياسية تهدف إلى تأمين إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقدرة الفلسطينيين على اختيار مستقبلهم من خلال تقرير المصير.

اقرأ أيضاً

الجارديان: بايدن يشعر بالندم على دعم نتنياهو الذي يجر إسرائيل لطريق مسدود

حكومة جديدة

أما إليوت أبرامز، الزميل البارز في دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ففضل الحديث عن حتمية إيجاد حكومة فلسطينية جديدة يجب أن تكون قوية وقادرة على حكم الفلسطينيين، وفقا لتطلعاتهم، وقادرة على حماية أمن إسرائيل كذاك، كما يقول.

وفي هذا الإطار، ومع عدم نجاح محاولات إصلاح السلطة الفلسطينية وتطويرها، كما يقول، وعدم رغبة الأطراف الأخرى، مثل مصر والسعودية في حكم غزة، وعدم ثقة إسرائيل في الأمم المتحدة، يتوقع الكاتب أن تلعب إسرائيل الدور الأمني المركزي، لكن دون أن تحتل غزة وتراقب كل شارع، لكنها سوف تتدخل من الخارج في كثير من الأحيان لضرب "حماس" ومنع جهودها في إعادة البناء.

ويرى أن الجميع سوف يشتكي، ولن يتحمل أحد هذه المسؤولية سوى إسرائيل.

اقرأ أيضاً

بعد شهرين من حرب غزة.. إسرائيل لم تحقق أهدافها وحماس بعيدة عن الهزيمة

دفعة أمريكية للسلطة الفلسطينية

بدوره، يرى عمر الدجاني، المستشار القانوني السابق لفريق التفاوض الفلسطيني في محادثات السلام مع إسرائيل، أنه بعد عام من الآن سوف يظل مئات الآلاف من الفلسطينيين يعيشون في الخيام مع اقتراب فصل الشتاء الثاني، غارقين في الفجوة بين النوايا الطيبة للمجتمع الدولي والشجاعة التي يفتقر إليها في مواجهة إسرائيل.

وانطلاقا من هذا التصور، يقول الكاتب إنه إذا كان للسلطة الفلسطينية أن تتولى على نحو ما رئاسة الحكومة في قطاع غزة في انتظار التوصل إلى تسوية سلمية، كما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإنها لن تتمكن من القيام بذلك إلا إذا كانت شرعيتها مدعومة بعملية سلام تتم بوساطة دولية ويمكن للفلسطينيين أن يؤمنوا بها.

ويعتبر الدجاني أن مسؤولية الولايات المتحدة لتحقيق هذا الأمر محورية، مضيفا أن واشنطن لديها من الوسائل ما يمكن أن تشير بها إلى أنها جادة هذه المرة، وأبرزها تعديل الطريقة التي تستخدم بها حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لصالح الاحتلال الإسرائيلي.

ويمكن لبايدن، بحسب الكاتب، إن كان جادا في وضع حل، أن يحجب "الفيتو" الذي يمكن إسرائيل من الإفلات من المساءلة في قضايا مثل وقف الأعمال التصعيدية الإسرائيلية وعنف المستوطنين، ومن أجل وضع حد للقيود على الحركة، وحتى من أجل وقف إطلاق النار.

اقرأ أيضاً

عباس يجدد استعداده لحكم غزة بعد الحرب.. ونتنياهو: لن يحدث خلال ولايتي

أوقفوا تدليل إسرائيل

من جانبها، تتوقع ديانا بوتو، المحامية والمحللة المقيمة في حيفا والمستشارة القانونية السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنه في غضون عام واحد، ستبقى قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، مع استمرار صدور تصريحات ما يسمى بالقلق البالغ والدعوات الخادعة لحل الدولتين من العواصم الدولية.

وتضيف: في نهاية هذه الحرب، يتعين على زعماء العالم أن يتخذوا أخيراً إجراءات ملموسة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الوحشي، حيث ساعدت عدة دول تل أبيب على أن تكون أكثر وحشية ورفضا للحق الفلسطيني، كما تقول.

وتمضي بالقول: يجب على إسرائيل أن تواجه عواقب صارمة على جرائم الحرب الصارخة والمستمرة التي ترتكبها، وفي غياب هذا القدر من التغيير السياسي، فإن العالم سوف يجد نفسه في نفس الموقف مرة أخرى.

وتردف: في نهاية هذه الحرب، يجب على بايدن وغيره من زعماء العالم اتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الوحشي.

اقرأ أيضاً

بينها فرصة قوية لحماس.. 7 سيناريوهات لغزة بعد الحرب

إقامة دولة فلسطينية

أما بيتر ر. منصور، أستاذ التاريخ العسكري في جامعة ولاية أوهايو، فيبدو أكثر تشاؤما حيال مسألة وقف إطلاق النار، حيث يتوقع أن يستمر القصف الإسرائيلي على المباني الفلسطينية وما يزعم أنها أنفاق في محيطها.

ويضيف أنه إذا ما تمكنت إسرائيل من تدمير "حماس"، فإنها ستظل مضطرة للانخراط في عملية صعبة لمكافحة التمرد لإخضاع فلول المنظمات الفلسطينية المسلحة وسط سكان غاضبين غير متعاونين، على حد قوله، بينما ستحاول الحكومة الإسرائيلية العثور على شركاء دوليين لإدارة غزة أمنيا، مثل الأمم المتحدة أو الدول العربية المجاورة للقطاع.

ويرى الكاتب أن إعادة إعمار غزة لن يتأتى لها أن تتم إلا إذا وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية، ومواقة الفلسطينيين على وجود إسرائيل، والتخلي عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي تركوها منذ 1948.

ويمضي بالقول: يحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أو خليفته) إلى البحث عن شركاء راغبين في السلام بين الشعب الفلسطيني والتفاوض على اتفاق سلام نهائي على أساس حل الدولتين، والتنازل عن القدس الشرقية لتصبح عاصمة للدولة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية، وتقديم تعويضات بدلاً من حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ما قبل عام 1948 في إسرائيل.

اقرأ أيضاً

السلطة الفلسطينية تبلغ أمريكا استعدادها لدور في غزة بمرحلة ما بعد حماس.. بشرط

شراكة دولية لحلحلة الأزمة

ويرى دانييل ليفي، رئيس مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط والمفاوض الإسرائيلي السابق، أن غزة بعد عام من الآن ستواصل الترنح جراء الهجمات الإسرائيلية، لكنه يعترف بأن وجود المقاومة الفلسطينية سيستمر، لكن حوكمة "حماس" في غزة ستتأثر بشدة، على حد قوله.

ويقول الكاتب إن ما يحتاج الجميع إليه الآن هو بنية دولية جديدة يكون للدول العربية والقوى الإقليمية دو بارز فيها، وتكون مهمة هذه البنية محاولة معالجة الأزمة ووضع حلول مستدامة وقابلة للتنفيذ لمعالجة العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين.

ويضيف أنه يتعين على الساحة السياسية والعامة في إسرائيل أن تشعر بأن القرارات المتعلقة بموقفها تجاه الفلسطينيين لا يمكن تأجيلها إلى أجل غير مسمى وإخضاعها لأهواء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية.

ويتطلب الوضع جدولاً زمنياً لاتخاذ القرارات، ولفرض العواقب، ولتحديد الخيارات بوضوح: إما معايير حل الدولتين على حدود عام 1967 (السيادة الحقيقية دون بقايا احتلال ومكونات البانتوستان) أو الاعتراف بأن دولة إسرائيلية ستحل محلها.

اقرأ أيضاً

حماس عن سيناريوهات أمريكا لغزة بعد الحرب: وقاحة وتدخل في شؤون فلسطين

وهناك حاجة إلى إنشاء هيكل دولي قادر على المضي قدماً بهذا النهج الجديد. وسيشمل ذلك واشنطن والغرب. الدول العربية؛ وينبغي أن يشمل أيضاً الجنوب العالمي الأوسع، بقيادة البرازيل، على سبيل المثال، التي ستتولى رئاسة مجموعة العشرين المقبلة، إلى جانب جهات فاعلة أخرى ذات وزن كبير، مثل إندونيسيا وجنوب أفريقيا، يقول الكاتب.

ويردف: وبدلاً من استبعادها، ينبغي للصين أن تلعب دوراً مركزياً.

المصدر | فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة الحرب على غزة حماس السلطة الفلسطينية الدولة الفلسطينية حل الدولتين مستقبل غزة

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: أسوأ ما كتب «بوب وود ورد»

أصر على نشر أكاذيب ضد الفلسطينيين نفاها الرئيس الأمريكى نفسه

يقع فندق «ريتز كارلتون» مدينة «أتلانتا» الأمريكية فى حى «بكهيد» المميز بمطاعمه ومراكزه التجارية الراقية.

وفى «لوبي» الفندق ذات الأثاث الكلاسيكى تشدو كل ليلة مغنية «جاز» سوداء ممتلئة بصوت ساحر يهدئ من صخب المكان الذى يلتقى فيه أثرياء ولاية «جورجيا»، وذات مساء طلبت الترحيب برجل تجاوز التسعين لكن الناس من حولها لم يكتفوا بالتصفيق وإنما وقفوا احتراما له.

فى تلك اللحظات كنت هناك، كان الرجل هو «مارك فيلت»، خدم «مارك فيلت» فى المباحث الفيدرالية ثلاثين سنة وقبل أن يجلس على مقعد المدير حرمه الرئيس «ريتشارد نيكسون» من المنصب.

حانت فرصته للانتقام عندما تجسس رجال الرئيس على مقر الحزب الديمقراطى فى مبنى «وترجيت».

اختار صحفيًا مبتدئًا كان يغطى أخبار الغش التجارى فى صحيفة «واشنطن بوست» ليسرب إليه ما لديه من أسرار يوما بعد يوم حتى أجبر الرئيس على الاستقاله، الصحفى هو «بوب وود ورد» لكن الصحيفة لم تثق فى قدرته وحده فكلفت زميله «كارل برينشتين» بمساعدته، ظل «مارك فليت» مصدرا مجهولا يعرف باسم «الحنجرة العميقة» حتى عام ٢٠٠٥ حين كشف نفسه فى حوار أجرته معه مجلة «إنفنتي» مقابل ثمانية ملايين دولار.

ولم تتردد «سى. إن. إن» فى تقديم عرض مالى لم يرفضه وجاء هو وابنته إلى «أتلانتا» ليجرى حوارا معها فى مقرها الرئيسى.

فى صباح اليوم التالى وجدته يتناول الإفطار وحده فاقتربت منه مستأذنا فى تناول القهوة معه فلم يمانع.

بالطبع لم أكشف عن هويتى الصحفية.

سألته:

ــ كيف تحملت التجاهل ثلاثين سنة بينما نال الصحفيون الشهرة والثروة؟

أجاب:

ــ يندر أن يصل صحفى إلى الأسرار التى ينشرها بمفرده ولكن بقدر ما يستفيد بقدر ما تحقق جهة التسريب أهدافها.

- هل تعنى أن الصحفيين صناعة أجهزة خفية؟

ــ فى أمريكا على الأقل.

أصبح «بوب وود ورد» واحدا من أشهر الصحفيين فى العالم وترجمت كتبه إلى لغات الدنيا المختلفة، لكن مع تعدد مصادر المعلومات وسهولة الحصول عليها فى زمن اعتبر الأسرار مضيعة للوقت تراجعت أهميته ولم يعد ينفرد فى كتبه سوى بتفاصيل صغيرة.

لم يعد صائد الأسرار الخطيرة كما كان.

الدليل على ذلك كتابه الأخير «حرب» الذى تناول فيه حربى أوكرانيا وغزة ومهد لإعادة «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض.

لم أجد فى الكتاب ما يقيم الدنيا ولا يقعدها كما تعودنا منه وإنما وجدت حكايات صغيرة وغالبا ليست مثيرة بل إن «بوب وود ورد» تنازل عن دقته التى اشتهر بها وردد ادعاءات حملات الدعاية السوداء على المقاومة الفلسطينية التى لم يثبت صحتها.

فى صفحة (٢٢٤) يكتب:

«تدفق ثلاثة آلاف من مسلحى حماس إلى مجتمعات الكيبوتس وأحرقوا المنازل وذبحوا عائلات بأكملها بما فى ذلك الأطفال والرضع فى أسرتهم ذات الطابقين».

«وأطلقت حماس النار على الإسرائيليين وقطعت أوصالهم وأحرقتهم أحياء».

«كما ارتكب مسلحو حماس أعمال عنف جنسى وحشية ضد النساء بما فى ذلك ربطهن بالأشجار واغتصابهن».

ووصل الخيال الجنسى المريض إلى حد القول: «كانت أرجلهن متباعدة وأدخلوا كل أنواع الأشياء فى أعضائهن الحميمة مثل الألواح الخشبية والقضبان الحديدية واغتصبت أكثر من ٣٠ فتاة هنا».

لقد كذبت صحف إسرائيلية وبريطانية وأمريكية مثل هذه المشاهد واعتذر «البيت الأبيض» نفسه عن أنه صدقها لكن «بوب وود ورد» الذى يدعى أنه يعرف أحلام الأسماك فى المياه يصر عليها مما حوله من كاتب استقصائى إلى كاتب دعائى.

على أنه يعترف بأن «إحدى ركائز الردع الإسرائيلى هو الجيش (القوى) والمخابرات المتقدمة، هذه الفكرة قد تحطمت للتو».

توهمت الاستخبارات الإسرائيلية أن الطيور مسيَّرات إيرانية فكادت تشعل المنطقة بحرب معهامساعد نتنياهو: لم تعد إسرائيل كما كانت عليه قبل سبعة أكتوبر مع إيران

أصبحت مقولة «نتنياهو»: «فى الشرق الأوسط إذا كنت ضعيفا فأنت مجرد فريسة» محل اختبار.

فى اليوم نفسه تحدث «نتنياهو» إلى «بايدن» طالبا منه توصيل رسالة إلى «حزب الله» حتى يبقى خارج الحرب: «لا تدخلوا الحرب»، «ابقوا خارج الحرب»، اتصل «نتنياهو» أيضا بـ«جاك سوليفان» الذى كان يقضى إجازة قصيرة مع زوجته «ماجى جودلاندر» فى قرية صغيرة جنوب فرنسا.

قال «نتنياهو» بلهجة ملحة: «جاك نحتاج منك أن تهدد حزب الله، هذا يحتاج منك أن تخبرهم أنه إذا تعاملوا معنا فإنهم يتعاملون معك»، كان خوف «نتنياهو» من حزب الله له ما يبرره فالحزب يمتلك أكبر قوة مقاتلة لا تمتلكها منظمات غير حكومية أخرى فى العالم «عشرات الآلاف من المقاتلين وأكثر من ١٥٠ ألف صاروخ».

وعلى مكتب «بايدن» وجد تقريرا يؤكد أن هجوم حماس أدى إلى قتل أكثر من ١٢٠٠ إسرائيلى وأسر ٢٤٠ رهينة.

فى التقرير نفسه فإن ثلاثة فقط من قادة حماس عرفوا بخطة السابع من أكتوبر.

واكتشفت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فى وقت لاحق أنه كانت بحوزتها الخطة قبل عام من تنفيذها ولكنها توصلت إلى أن حماس ليس لديها مصلحة فى الدخول فى حرب مع إسرائيل.

وحسب «إفريل هاينز» مديرة الاستخبارات الوطنية فإنها حذرت إسرائيل من هجمات محدودة من حماس ولكن نطاق الهجمات الهائلة فى سبعة أكتوبر كان دون شك مفاجأة كبرى.

من جانبه لم يتردد «بايدن» فى توجيه إنذار إلى إيران ووكلائها بعدم التدخل وكان فى غرفة الطعام الرئيسية فى البيت الأبيض وإلى جانبه وزير الخارجية «بلينكن»، وبتعليمات من «سوليفان» وجه وزير الدفاع «أوستن» حاملة الطائرات «جيرالد فورد» للتحرك إلى شرق البحر المتوسط ومعها طرادات ومدمرات مزودة بالصواريخ ثم طلب موافقة «بايدن».

بالنسبة إلى «نتنياهو» كان احتواء قيادة حماس فى غزة هو الأفضل لأنه يقلل الضغط على إسرائيل للتفاوض على حل الدولتين وأطلق على ذلك «شراء الهدوء» مع حماس ولكن بعد سبعة أكتوبر أصبح واضحا أن استراتيجية «نتنياهو» كانت فاشلة.

ضغط «نتنياهو» على «بايدن» لشن هجوم استباقى شامل على مواقع صواريخ حزب الله وادعى أن لديه معلومات استخباراتية مؤكدة بإن الحزب على وشك مهاجمة إسرائيل.

قال «بايدن» له:

- هل تعتقد أنك ستكون قادرا على تدمير كل تلك الصواريخ قبل أن تطلق على مدنك؟ وإذا أطلقوا صواريخ بهذا الحجم هل تعتقد أن دفاعاتك الجوية ستكون قادرة على التصدى لها؟ هل هذا هو الوقت المناسب لإسرائيل لبدء مثل هذا الموقف وتعريض سكانها للخطر؟

بايدن: «٧ أكتوبر» ١٥ مرة «١١ سبتمبر» ولكن احذروا الغضب.. بلينكن بعد أن عرف بخطط ذبح الفلسطينيين: «يا إلهى هذه العقلية التى تحكم إسرائيل»

أضاف:

ــ «هل نتفق جميعا على أننا لا نريد أن يتحول ما يحدث إلى حرب إقليمية أكبر؟ ستكون كارثة.

قال «نتنياهو»: 

ــ بالطبع جو هذا ما لا نريده ولكن ليس لدينا خيار آخر وهذا سيقصر الحرب هذا سيقصر الحرب.

ــ نحن لسنا معكم فى هذا، نحن الولايات المتحدة لسنا معكم فى هذا الصراع لذا لا يجب أن تعتمدوا على دعمنا إذا شئتم هجوما استباقيا على حزب الله.

وخشى «بايدن» من أن يكون ٤٥ ألف عسكرى أمريكى فى الشرق الأوسط هدفا لحزب الله إذا ما شنت إسرائيل هجومها الاستباقى على قواعده العسكرية والصاروخية.

ما لم يقل فى محادثة «بايدن» مع «نتنياهو» هو أن «نتنياهو» وجنرالاته فى الجيش والاستخبارات قد تعرضوا إلى «خسارة مدمرة شخصيا ومهنيا ووطنيا فى الهجوم الذى شنته حماس، لقد فشلوا فى الحفاظ على أمن إسرائيل، وفشلوا فى وعدهم الأساسى الذى قطعوه على أنفسهم بـ «لن يحدث ذلك مرة أخرى» لشعب إسرائيل.

أراد «نتنياهو» أن يعوض الفشل الذى أصابه بشن هجوم مسبق على حزب الله بل إن الطائرات الحربية الإسرائيلية حملت بالذخيرة وأصبحت جاهزة للضرب وأبلغ مساعده واشنطن بأنهم سيبدأون خلال ثلاثين دقيقة وكانت الحجة وجود طائرات شراعية تتحرك من جنوب لبنان.

«كانوا على بعد بوصات قليلة من حرب كبيرة فى الشرق الأوسط»، ارتفع صوت «سوليفان» فى وجه «ديرمر» مساعد «نتنياهو» وعقله المدبر: «معلوماتكم خاطئة أنتم تتخذون قرارات فى ضباب الحرب، تمهلوا».

فى الوقت نفسه جاءت رسالة من إيران عبر قناة خلفية بين الولايات المتحدة والحرس الثورى حملها وسيط نرويجى موثوق به.

كان نص الرسالة الإيرانية: «نحن لا نبحث عن صراع مهما كان الذى يجرى، نحن لا نسعى إلى صراع».

فى الوقت نفسه صوتت الحكومة الإسرائيلية ضد اتخاذ إجراء عسكرى فى لبنان وتنفست الإدارة الأمريكية الصعداء.

اتضح أن الطائرات المسيرة التى أبلغ الإسرائيليون عنها بالقرب من الحدود الشمالية كانت فى الواقع طيورا.

كادت إسرائيل تجد نفسها فى حرب ضد حزب الله بسبب بعض الطيور، كان الأمر نوعا من العبث غير المعقول.

عاشت الإدارة الأمريكية خمس ساعات و١٢ دقيقة من الساعة الثامنة إلا ربع صباحا حتى الساعة الواحدة ظهرا على الحافة.

فيما بعد وصف «دونالد ترامب» فى خطاب انتخابى فى بالم بيتش ولاية فلوريدا حزب الله بأنه «ذكى جدا» ووصف وزير الدفاع الإسرائيلى «يواف جالانت» بأنه «أحمق».

قال ترامب: «إذا استمعت إلى هذا الأحمق فسوف تهاجم من الشمال».

وصف البيت الأبيض تصريحاته بأنها «خطيرة ومتزنة».

فيما بعد أقال «نتنياهو» وزير الدفاع عشية التصويت فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

كان «نتنياهو» و«جالانت» على خلاف دائم ولكن ما إن وصل «بلينكن» إلى إسرائيل حتى اتفقا على شىء واحد: «إسرائيل تحتاج إلى ثلاثة أشياء: الذخيرة، الذخيرة، الذخيرة»، لكن قبل طلب الذخيرة بيومين هبطت طائرة تحمل أسلحة أمريكية متقدمة فى قاعدة نيفاتيم التى تقع فى جنوب إسرائيل.

فى الوقت نفسه فتحت أمام إسرائيل مخازن فى ستة مواقع يحتفظ بها البنتاجون بالقرب من إسرائيل لتستخدمها القوات الأمريكية إذا ما تورطت فى حرب فى الشرق الأوسط.

وشرح «جالانت» لـ«بلينكن» خطته فى حصار غزة وحرمان أهلها من كل شىء بعد أن وصفهم بأنهم «حيوانات بشرية».

سأل «بلينكن»: ما التكلفة، ما الخسائر البشرية؟ كم ستستغرقون؟

رد «جالانت»: «لدى مهمة وسأتمها، السعر ليس مهما لا من جانبنا ولا من جانبهم».

«شعر بلينكن ببرودة فى جسده» وقال فى نفسه: «يا يسوع هذه هى العقلية التى تعيش فيها إسرائيل»، وكان أحد شروط «بايدن» لزيارة إسرائيل أن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة قائلا لوزير خارجيته: «أخبرهم أننى لن آتى إذا لم يوافقوا على ذلك»، كان «نتنياهو» يرفض دخول الشاحنات وسأل «بلينكن»: «وكيف سنوصل المساعدات؟»، رد «ديرمر» مساعد «نتنياهو»: «ربما على عربة وحمار ستفى الغرض».

فى يوم ١٨ أكتوبر هبطت طائرة «بايدن» فى مطار «بن جوريون» ليسجل أنه أول رئيس أمريكى يزور إسرائيل فى وقت الحرب.

التقى «بايدن» بحكومة الحرب فى غرفة اجتماعات تحت الأرض فى فندق «كمبنيسكى» وسأل نتنياهو:

ــ كيف ستطارد حماس؟ ماذا تعنى بالقضاء على حماس؟ كيف يبدو ذلك؟ هل ستطارد القيادة فقط أم تحاول القضاء على كل مقاتل فى غزة؟

ــ نريد القضاء عليهم جميعا.

ــ تعلم أننا جربنا نفس المنهج فى أماكن مثل العراق وأفغانستان وكان من الصعب علينا القضاء على أيديولوجية، أحيانا تخلق مقاتلين بطريقة مطاردتك لهم.

قال «دريمر»:

ــ الشعور بعدم الأمان الحقيقى هو صدمة السابع من أكتوبر، الأطفال الصغار الآن يخافون من الرد على الباب لأنهم لا يعرفون ما هو على الجانب الآخر، لن تكون حياتهم كما كانت من قبل، إسرائيل ليست كما كانت فى ٧ أكتوبر ولن تكون كذلك أبدا.

قال «بايدن»: « بالنسبة إلى دولة فى حجم إسرائيل كان سبعة أكتوبر مثل ١٥ مرة ١١ سبتمبر فى الولايات المتحدة»

أضاف: «ولكننى أحذر، لا تدعو الغضب يستهلككم، بعد ١١ سبتمبر شعرنا بالغضب فى الولايات المتحدة وبينما سعينا لتحقيق العدالة وحصلنا على العدالة ارتكبنا أخطاء أيضا»،

ودخلت نائب الرئيس «هاريس» على الخط وصرحت فى مؤتمر صحفى: «يجب على إسرائيل بأن تفعل المزيد لحماية المدنيين».

أضافت: «لقد قتل عدد كبير جدا من الفلسطينيين الأبرياء وبصراحة حجم معاناة المدنيين والصور والفيديوهات القادمة من غزة مفجعة، إنه حقا أمر محزن».

ووجهت تحذيرا إلى نتنياهو: «تحت أى ظرف من الظروف لن تسمح الولايات المتحدة بترحيل الفلسطينيين قسرا من غزة أو الضفة الغربية أو حصار غزة أو رسم حدود غزة»، فيما بعد دفعت «هاريس» ثمن موقفها خلال حملة الانتخابات الرئاسية رغم أنها حاولت التخفيف من تأثيره بالتأكيد على ضمان أمن إسرائيل.

استهلكت الحرب فى غزة أكثر من ٢٠٠ صفحة من الكتاب ولكن لم أجد فيه جديدا لم نعرفه ولم نقله من قبل.

ربما نجد تفاصيل صغيرة لن تتأثر الوقائع المعروفة بها إذا ما لم يذكرها مثل اسم زوجة «سوليفان» أو اسم فندق «كمبينسكى» الذى التقى فيه «بايدن» مع حكومة الحرب الإسرائيلية، والأسوأ أن «بوب وود ورد» مصر على نشر ادعاءات جرى نفيها من المصادر التى أمدته بالحكايات.

بل إنه فى بداية الكتاب لم يجد ما ينشره عن «ترامب» سوى حوار قديم أجراه معه هو وزميله «كارل برينشتين» قبل أربعين سنة.

وهذه قصة أخرى.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل الآن.. مظاهرات أمام منزل نتنياهو والمعارضة تعلن الحرب على الحكومة (فيديو)
  • عادل حمودة يكتب: أسوأ ما كتب «بوب وود ورد»
  • وزير المالية الإسرائيلي يرفض إنهاء العدوان على غزة حتى القضاء علي حماس
  • وزير المالية الإسرائيلي: الحرب كلفتنا 250 مليار شيكل حتى الآن
  • عبد المحسن سلامة: حتى الآن لا يوجد حلول على الأرض من أجل التوصل لحل القضية الفلسطينية
  • قتلى وجرحى جراء القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان وحزب الله يطلق رشقات صاروخية ومسيرات نحو الجليل
  • تقرير لـThe Atlantic: إسرائيل تخوض حربًا من نوع آخر الآن
  • باحث سياسي: إيران أول دولة استخدمت القضية الفلسطينية كقناع من أجل مصلحتها
  • حماس "مستعدة" للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل
  • حماس: مستعدون لوقف إطلاق النار وعلى ترامب الضغط على إسرائيل