نيكيتا سماجين: حرب غزة مكاسب لروسيا وأزمة كبرى للغرب
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
واشنطن "د.ب.أ": يتفق أغلب المراقبون على أن روسيا واحدة من أكثر الدول المستفيدة من الحرب الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في قطاع غزة من وجوه عديدة أبرزها تشتيت التركيز الغربي على دعم أوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية بعد أن تحول الجزء الأكبر من المساعدات والموارد الغربية إلى دعم إسرائيل في حربها بقطاع غزة، وانتشار الاستياء بين المزيد من الشعوب من السياسات الغربية تجاه حرب غزة والتغاضي عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين في هذه الحرب.
في الوقت نفسه يشير نيكيتا سماجين خبير الشؤون الإيرانية في المجلس الروسي للشؤون الخارجية إلى بعد آخر يتمثل في أن هذه الحرب أقنعت روسيا بصواب سياستها الخارجية خلال السنوات الأخيرة.
وفي تحليل نشرته مؤسسة كارنيجي الأمريكية للسلام الدولي، قال سماجين خبير الشؤون الدولية والكاتب الذي يركز على الشأن الإيراني والسياسة الروسية في الشرق الأوسط إن الجولة الحالية من الصراع في الشرق الأوسط هي الأزمة المثالية بالنسبة لروسيا التي تجني من ورائها مجموعة كبيرة من المكاسب السياسية. فالمواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين لم تعزز فقط آمال الكرملين في تغير المزاج العام الدولي تجاه الحرب في أوكرانيا، لكنها تعزز أيضا اقتناعه بأن نظام العلاقات الدولية الذي يمثل الغرب مركزه ينهار.
وكان الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير من العام الماضي قد أنهى أغلب الخلافات بين الدول الغربية بشأن التعامل مع روسيا واتحدت أوروبا وأمريكا الشمالية ضد روسيا. لكن الحرب الفلسطينية الإسرائيلية أعادت إلى السطح الخلافات بين الدول الغربية، حيث تصر الولايات المتحدة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في حين يشهد الاتحاد الأوروبي خلافات واضحة بين دوله بشأن هذه الحرب، حيث تؤيدها ألمانيا والنمسا والتشيك إسرائيل بشكل كامل، في حين تعارضها إسبانيا والبرتغال، وتتبنى فرنسا موقفا وسطا بين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحق المدنيين الفلسطينيين في الحماية من الاعتداءات الإسرائيلية وفي الحصول على المساعدات الإنسانية الضرورية التي تمنع إسرائيل وصولها إليهم.
وفي هذه الأجواء تراجع الاهتمام الغربي بالحرب في أوكرانيا. وتقول الولايات المتحدة إنها ستقدم المساعدات لكل من إسرائيل وأوكرانيا، لكنها في الواقع تواجه صعوبة بالغة في الانخراط في الحربين بشكل كامل في وقت واحد. وتأمل موسكو في أن يتعب الغرب في وقت لاحق من تقديم الدعم المفتوح لأوكرانيا باعتباره لم يكن مبررا أبدا.
في الوقت نفسه فإن الموقف الأمريكي المؤيد لإسرائيل ينسف الكثير من الأسباب التي يروجها الغرب لدعم أوكرانيا من وجهة الكثير من شعوب الجنوب. فالحجة الأخلاقية الغربية ضد الغزو الروسي أصبحت كلمات فارغة من المعنى على الأقل بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط التي ترى دعما أمريكيا مطلقا للاحتلال والغزو الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، في حين تجرم واشنطن الغزو الروسي لأوكرانيا.
كم أن صور الدمار ومقتل آلاف الأطفال في غزة وغضب منظمات الإغاثة الإنسانية خلق انطباعا عميقا معاديا للغرب لدى الشعوب في الدول النامية. ويمكن للشعوب أن تتجادل بلا نهاية عن أسباب الحرب في أوكرانيا أو العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، لكن بالنسبة للكثيرين فإن الخلاصة واضحة: الولايات المتحدة التي نددت بروسيا عندما قتلت المدنيين الأبرياء في أوكرانيا، تلتزم الصمت الآن عندما تقوم حليفتها إسرائيل بنفس الشيء ضد المدنيين الأبرياء في غزة.
ويقول سماجين إن الكرملين منذ وقت طويل يؤمن بفكرة أن العالم لا تحكمه الأخلاق ولا الأيديولوجيات وإنما تحكمه فقط مصالح الدول. وجاءت الحرب الحالية في الشرق الأوسط لكي تعزز هذا الإيمان على أساس أنها دمرت الاستراتيجية الغربية ضد روسيا لأنها كانت تستند إلى فكرة ضرورة رفض العالم لغزو دولة لأخرى واستخدام دولة قوية لآلتها العسكرية ضد المدنيين في دولة مجاورة وغير ذلك. لكن الغرب تنكر لكل هذه القيم والمبادئ التي رفعها في مواجهة موسكو عندما تعلق الأمر بإسرائيل. في الوقت نفسه فإن روسيا لا تحتاج إلى تحريك أي ساكن للاستفادة من حرب غزة. فالعملية البرية الإسرئيلية تبدو بلا نهاية قريبة. وعندما تنتهي ستظل القضايا الشائكة كما هي.
ورغم ذلك لا يمكن القول إن الحرب في غزة لا تمثل أي خطورة بالنسبة لروسيا. فوجود حلفاء إيران في لبنان واليمن على خط المواجهة مع إسرائيل، يمكن أن يؤدي إلى اتساع نطاق الصراع وانضمام إيران إليه وهو ما سيمثل تحديا لروسيا نظرا لعلاقاتها الوثيقة مع طهران.
كما أن الحرب في غزة يمكن أن تثير بعض الاضطرابات المحلية في روسيا بسبب تأييد شعوب الجمهوريات المسلمة في روسيا للفلسطينيين، وظهور دعوات معادية للسامية بينها وهو ما تتحسب له الحكومة في موسكو وتخشى من تدهور الأمور أكثر من ذلك إذا استمر نزيف الخسائر البشرية الهائلة بين المدنيين الفلسطينيين لفترة طويلة.
وفي ختام التحليل يقول نيكيتا سماجين إن الصراع في غزة عزز أمل الكرملين في أن تتلاشى الصعوبات التي خلقتها الحرب في أوكرانيا بالنسبة لموسكو. وهذا النهج اختبرته روسيا عدة مرات، وهو أنه حتى إذا لم يكن غزو أوكرانيا يمضي كما هو مخطط له، فإن كل مشكلة تجد لنفسها حلا حتى لو لم يكن بتحرك مباشر من جانب روسيا، تماما كما حدث في حرب غزة التي جاءت كهدية من السماء للروس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحرب فی أوکرانیا الشرق الأوسط حرب غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
زيلينسكي: تقديم تنازلات لروسيا أشبه بالانتحار لأوروبا
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس إن تقديم تنازلات للكرملين لوقف الحرب على بلاده هو بمثابة "الإقدام على الانتحار" بالنسبة لأوروبا، يتزامن ذلك مع قيام عشرات المسيرات الروسية باستهداف كييف ومقتل 4 بهجوم آخر على زاباروجيا بشرق أوكرانيا.
ووجه زيلينكسي خلال اجتماع لقادة الاتحاد الأوروبي في العاصمة المجرية بوادبست نقدا لاذعا لمن يضغطون عليه للرضوخ لما اعتبرها شروط روسيا لوقف الحرب.
وقال، بحسب نسخة من الخطاب الذي ألقاه حصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية "دار الكثير من الكلام حول الحاجة إلى التنازل (للرئيس الروسي فلاديمير) بوتين والتراجع والقيام ببعض المساومات. لكن ذلك غير مقبول لأوكرانيا والأمر أشبه بالإقدام على الانتحار بالنسبة إلى أوروبا".
وهاجم زيلينسكي بعض القادة الأوروبيين الذين لم يسمّهم لدفعهم أوكرانيا "بشدّة" إلى إجراء مساومات، وقال "نحن بحاجة إلى عدد كاف من الأسلحة وليس إلى دعم نظري بالأقوال. ومعانقة بوتين لن تجدي. فالبعض منكم يعانقه منذ 20 عاما، في حين ما انفكّ الوضع يتفاقم".
وفي وقت سابق الخميس، طالب رئيس مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، حلفاء كييف بالدخول في مفاوضات مع موسكو إذا أرادوا وقف الهجمات على الأوكرانيين، في أول تعليقات لمسؤول روسي منذ إعلان دونالد ترامب فوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية.
وقال شويغو خلال اجتماع لتحالف عسكري من الدول السوفياتية السابقة "الآن بما أن الوضع في ساحة المعارك ليس مواتيا لنظام كييف، أصبح لدى الغرب خياران: مواصلة تمويله (أوكرانيا) وتدمير الشعب الأوكراني أو الاعتراف بالواقع الراهن وبدء التفاوض".
وتخشى أوكرانيا وغيرها من الدول الغربية أن تؤدّي أيّ تسوية إلى تشديد عزم بوتين وتوسيع الحرب.
وفي أعقاب فوز ترامب بالرئاسة كثفت كييف جهودها لزيادة الضغوطات على حلفائها للحصول على مزيد من الدعم في حربها ضدّ روسيا، وذلك أن ترامب طالما تباهى بقدرته على إنهاء النزاع الدائر في أوكرانيا خلال ساعات كما كان ينتقد الدعم الأميركي المقدّم إلى كييف.
هجومات روسية ليلية
على الصعيد الميداني، استهدفت عشرات الطائرات الروسية المسيرة العاصمة كييف في هجوم ليلي استغرق 8 ساعات، حسبما ذكرت السلطات اليوم الخميس، حيث واصلت روسيا قصفها المتواصل لأوكرانيا بعد نحو ألف يوم من الحرب.
وقال المسؤولون إن القوات الروسية أطلقت طائرات مسيرة دخلت المجال الجوي الأوكراني من اتجاهات مختلفة وعلى ارتفاعات مختلفة، في محاولة واضحة لإثارة قلق سكان المدينة.
وقالت السلطات المحلية إن الدفاعات الجوية الأوكرانية أسقطت 30 مسيرة، لكن الحطام المتساقط تسبب في إلحاق أضرار بمستشفى ومبان سكنية ومكتبية في العاصمة.
كما قال مسؤولون أوكرانيون إن 4 أشخاص قتلوا وأصيب 18 آخرون في هجوم بقنبلة روسية موجهة على مدينة زاباروجيا بجنوب شرق أوكرانيا؛ دمّرت أيضا منازل وألحقت أضرارا بمركز لعلاج الأورام.
وصرح حاكم منطقة زاباروجيا، إيفان فيدوروف، على تطبيق تليغرام أن روسيا شنت 5 ضربات على المدينة، مضيفا أن من بين المصابين 3 أطفال إلى جانب شخصين في حالة خطيرة.
من ناحية أخرى، أوردت تقارير إعلامية أوكرانية أن سلطات منطقة دونيتسك تستعدّ للإعلان عن الإخلاء الإلزامي لـ7 بلدات إضافية في المنطقة التي أعلنها الكرملين جزءا من روسيا في 2022.
كما ألحقت الهجمات بالمسيّرات التي أطلقتها روسيا ليلا أضرارا بمبان في مدينة أوديسا الجنوبية المطلّة على البحر الأسود.
وأعلنت الإدارة العسكرية أنها أسقطت 74 مسيّرة روسية في 11 منطقة مختلفة من أصل 106 مسيّرات أطلقت باتّجاه أوكرانيا.